المباحث الأميركية بين التواصل مع الجالية الإسلامية ومكافحة الإرهاب

رجال فيرجينيا الخمسة المحتجزون في باكستان يؤكدون تنامي ظاهرة «الإرهاب المحلي»

TT

في حفل اعتزال مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي بواشنطن، والذي أقيم خلال الأسبوع الماضي، مثل القادة المسلمون والعرب ضيف الشرف على لوحة الشرف البلورية.

وقد وجهت تلك اللوحة الشكر إلى جوزيف بيرسشيني لسياسة التواصل مع جاليات المسلمين والعرب. ولكن في الوقت الذي كانت فيه مراسم الحفل قائمة بمبنى الكونغرس، كان عملاؤه يقومون بمهمة أخرى. فقد كانوا متوجهين إلى باكستان للتحقيق مع خمسة رجال مسلمين من واشنطن اعتقلوا بتهمة الإرهاب. وربما تهدد نتيجة تلك التحقيقات بإضعاف العلاقات التي كان رئيسهم يحاول تعزيزها.

ومنذ هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، كان عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي من نفس المكتب يلتقون مع زعماء الجالية الإسلامية في المساجد ويجيبون عن أسئلتهم، بالإضافة إلى أنهم كانوا يشاركون في حفلات الإفطار في رمضان. وربما تكون سياسة التواصل تلك هي التي أسفرت عن ذهاب عائلات الرجال الخمس إلى مكتب التحقيقات الفيدرالي للإبلاغ عن اختفائهم.

وقد وجد كل من المحققين والعملاء أنفسهم في مواجهة معضلة حقيقة، حيث تحول التحقيق حول بعض الرجال المفقودين إلى تحقيق يتعلق بمكافحة الإرهاب. وفي الوقت الذي ينظر فيه المسؤولون الأميركيون فيما إذا كان يجب عليهم توجيه تهم جنائية لهؤلاء الرجال وفي الحد الأقصى لشدة الأحكام التي سوف تصدر بشأنهم، دعا بعض قادة المسلمين إلى إظهار المرونة؛ قائلين إن اتخاذ توجه متشدد مثل الذي عمدت إليه إدارة بوش، ربما ينفر جانبا من المجتمع تربطه بالفعل علاقات مضطربة بقوات تعزيز القانون.

ومن جهته، يقول نهاد عوض رئيس مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية المحلي والذي كان يتواصل مع مكتب التحقيقات الفيدرالي نيابة عن العائلات: «إن اتهامهم والزج بهم في السجون ليس هو الحل. فعلى الحكومة إظهار بعض التقدير لسلوكيات الآباء والجالية على حد سواء. لأنهم بذلك يدفعون العائلات الأخرى إلى التواصل».

سافر الرجال الذين تتراوح أعمارهم ما بين 18 و24 عاما بعد عيد الشكر مباشرة دون أن يخبروا عائلاتهم، وتم إلقاء القبض عليهم على مقربة من لاهور في 8 ديسمبر (كانون الأول). وقد أصدرت محكمة باكستانية خلال الأسبوع الجاري أمرا باستمرار اعتقالهم على ذمة التحقيقات لمدة 10 أيام إضافية، ولكن المسؤولين قالوا إن عودتهم إلى الولايات المتحدة ربما تستغرق أشهرا. ومن جهة أخرى، يقول المسؤولون الباكستانيون إن الرجال تواصلوا مع أحد الأشخاص المسؤولين عن التجنيد في طالبان بنية الانضمام إلى «القاعدة» ومواجهة القوات الأميركية في أفغانستان.

ولكن لم يتم توجيه تهم جنائية إلى أي منهم، ويؤكد أصدقاء الرجال وقادتهم الروحيون إنهم لم يظهروا أبدا أي دليل على اعتناقهم لمعتقدات راديكالية أو ممارستهم لأنشطة راديكالية.

وقد رفض المدعون الفيدراليون في الإسكندرية التي يتم إحالة معظم القضايا الجنائية إليها التعليق على القضية. ولكن بعض المصادر بقوات فرض القانون، قالوا إنه من المرجح أن ينظر المدعون في التهم التي تشتمل على توفير الدعم العيني (المادي) إلى المنظمات الإرهابية.

وفي نفس الوقت، يواجه المدعون أزمة تتعلق بما إذا كان ذهاب الرجال المثبت بالوثائق إلى السلطات الباكستانية يعتد به في المحاكم الأميركية أم لا، وإذا كانت الأقوال التي أدلوا بها كانت تحت القهر والتعذيب أم لا.

ومن المتوقع أن يضع كبار المسؤولين بوزارة العدل في اعتبارهم الموازنة بين القضايا الكبرى أثناء اتخاذهم لأي قرار إدانة مثل المخاوف المتعلقة بتزايد تهديدات التطرف المحلي.

ومن جهتها، تقول جانيت نابوليتانو وزيرة الأمن القومي المحلي في خطابها الأخير الذي ذكرت فيه اعتقال المواطنين الأميركيين المتهمين بالتخطيط لشن هجمات بالتعاون مع «القاعدة» وغيرها من الجماعات الإسلامية: «إن الإرهاب المحلي هنا». يذكر أن رجال فيرجينيا الخمسة هم مواطنون أميركيون.

ومن جهة أخرى، ربما تتعارض قرارات قوات فرض القانون مع رغبة الرئيس أوباما في تحسين العلاقات مع المسلمين سواء داخل الولايات المتحدة أو خارجها. وعندما سئل عن الاعتقالات في باكستان، أثنى أوباما «على المشاركات الاستثنائية للجالية المسلمة الأميركية».

وقد استعرضت قوات تعزيز القانون الأميركية كذلك العلاقات مع المسلمين باعتبارها شديدة الأهمية بالنسبة لمهمتها بمنع الهجمات الإرهابية. ومن جهة أخرى، حذرت عائلات فيرجينيا الشمالية «على الفور الجالية والسلطات فور معرفتهم بتعرض أولادهم لمشكلة»؛ وفقا لما قاله أحد المسؤولين الفيدراليين الذي تحدث شريطة عدم الإفصاح عن هويته، نظرا لاستمرار التحقيق في القضية، مضيفا: «وهي خطوة إيجابية للغاية».

ومن جهة أخرى، قال المسؤولون السابقون والحاليون إن سلوك العائلات لن يؤثر على التحقيق المكثف لمكتب التحقيقات الفيدرالي. فيقول مايكل ماسون الذي سبق بيرسشيني كرئيس لمكتب التحقيقات الفيدرالي بواشنطن العاصمة: «عندما تصل إلى علمك معلومات بخرق القانون، فإن الطريقة التي تلقيت بها المعلومات لا يجب أن تؤثر على التزامك بالاستجابة لتلك المعلومات بالطريقة اللائقة». ومن جهة أخرى، يقول بعض المسؤولون إن سياسة التواصل والتقارب يمكن أن تؤثر على أي قرار يتعلق بما إذا كان يجب توجيه التهم لهؤلاء الرجال وبمدى شدة العقوبات التي يجب تطبيقها عليهم، وبالطبع ذلك في ظل مدى التعاون الذي يبديه هؤلاء الرجال الخمسة. وفي النهاية فإن العامل الرئيسي هو وجود دليل من عدمه.

يقول بول ماكنالتي المحامي العام الأميركي في الإسكندرية والذي أشرف على العديد من القضايا الإرهابية: «لا يجب أن يتم تقديم التعاون على الأمن القومي. ولكنه بالتأكيد يمثل عاملا مهما». جدير بالذكر أن تلك القضية قد تم فتحها رغم تصاعد التوتر على المستوى القومي بين مكتب التحقيقات الفيدرالي والجالية الإسلامية. فقد أوقف تحالف من ما يزيد على عشرين جماعة إسلامية في مارس (آذار) الماضي معظم الاتصالات مع مكتب التحقيقات الفيدرالي، نظرا لما أطلق عليه الاختراق غير اللائق للمساجد. وكانت العلاقات بين مكتب التحقيقات الفيدرالي والجماعات الإسلامية أقل توترا في منطقة واشنطن التي يقع بها المكتب الرئيسي - وثاني أكبر مكتب تحقيقات فيدرالي الذي يضم حوالي 800 عميل - الذي يتواصل على نحو مكثف مع الجالية الإسلامية في المنطقة التي تقدر بنحو 250 ألف نسمة.

ومن جهة أخرى، يقول رزوان جاكا أحد أعضاء الهيئة الإدارية بمركز أدامز - أكبر مساجد المنطقة - الذي يقع مقره في سترلينغ: «إنهم يبذلون جهودا مخلصة للغاية». وقد استضاف المركز بعض اللقاءات الجماهيرية لمكتب التحقيقات الفيدرالي، بالإضافة إلى استضافته لبعض عملاء المكتب خلال حفلات الإفطار في رمضان.

إلا أن التوتر ما زال موجودا، وما زال المسلمون المحليون ينتقدون إقامة الدعوى في القضايا الإرهابية بشمال فيرجينيا في أعقاب هجمات 11 سبتمبر (أيلول)، خاصة إدانة 11 رجلا فيما أطلق عليه المدعون اسم «شبكة جهاد فيرجينيا».

ومن جهته، يقول نوار شورى المدير القانوني للجنة التمييز ضد الأميركيين - العرب والذي قدم مع ممثل من إحدى الجماعات الإسلامية جائزة برسشيني - إن الجاليات العربية والإسلامية سوف تقبل كافة التهم الموجهة ضد الرجال في باكستان شريطة أن يحصلوا على معاملة عادلة.

* خدمة «واشنطن بوست»

* خاص بـ«الشرق الأوسط»