الحريري عاد من دمشق «مرتاحا».. ولم يتخلّ «عن المبادئ التي ناضل مع زملائه من أجلها»

ترحيب لبناني بالزيارة وثناء على «شجاعة» رئيس الوزراء

TT

انتهت زيارة «كسر الجليد» بين الرئيس السوري بشار الأسد ورئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري إلى قرار متبادل بـ«صفحة جديدة» في العلاقات بين البلدين «لا مكان فيها للعودة إلى الماضي، ولا تكرر المرحلة السابقة»، كما قالت مصادر في الوفد اللبناني لـ«الشرق الأوسط» بُعيد عودة الحريري إلى بيروت.

ونقلت المصادر عن الحريري «ارتياحه الكبير» لأجواء المحادثات التي أجراها مع الأسد والتي اقتصرت عليه وأقرب مساعديه، باعتبارها زيارة ستمهد لمحادثات رسمية لاحقة على مستوى رئاسة الوزراء في البلدين والوزراء، باعتبار أن هذه الزيارة اقتصرت على محادثات مع الأسد. ولفتت المصادر إلى أن الأسد حرص على تكريم الحريري، فاقتصرت التحضيرات على الرئاسة السورية ولم تشارك فيها رئاسة الوزراء السورية»، مشيرة إلى «التكريم الكبير الذي حرص الأسد على تقديمه لضيفه»، وأشارت إلى أن الحريري فهم «حرص سورية على أن الماضي لن يتكرر». وأكدت المصادر أن الحريري «لم يتخل عن المبادئ التي ناضل مع زملائه من أجلها في السنوات الماضية»، مؤكدة أن «المحادثات كانت إيجابية». وكشفت المصادر أن «المحادثات تناولت كل الملفات العالقة بما فيها ترسيم الحدود والمفقودين، وكان هناك تأكيد على إقامة علاقة مؤسساتية بين البلدين».

وذكرت معلومات لـ«الشرق الأوسط» أن المحادثات خلصت أيضا إلى الاتفاق على إبقاء المجلس الأعلى اللبناني السوري، مع البحث في «تطوير» أدائه وتحديد مسؤولياته، بعدما أصبح هناك تبادل دبلوماسي بين البلدين، وبالتالي السعي إلى منع التضارب في الصلاحيات بين المجلس الذي كان يرعى العلاقات الثنائية منذ منتصف التسعينات وبين السفارتين اللتين أنشئتا العام الماضي.

وفي بيروت، كان للزيارة وقع لافت في الشارع السياسي، فبدا واضحا الترحيب الشديد من قبل فريق «المعارضة» السابقة بها، مقابل تحفظ من قبل القوى المسيحية في «14 آذار» التي لم تصدر عنها مواقف نافرة بحق الحريري، لكنها تجنبت الكلام، أو التزمت بالعموميات. ورأى الرئيس السابق للحكومة سليم الحص أن الحريري «كان شجاعا في تناسي ما كان يقول في حق الرئيس بشار الأسد، مقدما مصلحة لبنان العليا على أي اعتبار آخر، أما الأسد فقد أظهر الكثير من الترفع والكبر، إذ تجاوز ما كان يقوله الرئيس الحريري في حق سورية، مقدما سلامة العلاقة بين البلدين الشقيقين على أي حساب آخر، وهو يستحق كل الشكر والتقدير على ذلك».

واعتبر عضو تكتل «لبنان أولا» النائب عقاب صقر، المقرب من الحريري، أن رئيس الوزراء «ذهب إلى دمشق بصدر عريض ليقابل الأسد، وهذه الزيارة كانت على كل المستويات خطوة جبارة جدا»، وتابع: «شعرت أن الحريري يتعملق ويتجاوز نفسه، فقلة هم الأشخاص القادرون على القيام بمثل هذه الخطوة». وقال صقر إن «الزيارة ذات طابع رسمي، وقد أرادت (الوكالة السورية الرسمية للأنباء) أن تضيف طابعا شخصيا عليها، إلا أنه لا يمكن لزيارة شخصية أن تبحث مسألة مثل ترسيم الحدود مثلا، وقد أعلنت الوزيرة بثينة شعبان أن هذا الأمر قد بُحث». وأشار إلى أن «سورية وجهت دعوة إلى الحريري لزيارتها، وذلك عبر قنوات لبنانية وأيضا عبر السعودية، كما كان هناك تواصل مع الدول الغربية في هذا الشأن، حيث كان هناك تحضير لهذه الزيارة منذ فترة وكان هناك تزخيم لها».

وعن عدم مرافقة وفد للرئيس الحريري في زيارته سورية أوضح صقر أن «الخيار كان بين لقاء ثنائي بين الأسد والحريري وأن يذهب الحريري مع وفد وجدول أعمال»، وأضاف: «بالنسبة إلينا كان من المهم أن تشكل الزيارة خرقا في العلاقات وتحقق مطالبنا، فإذا أراد السوري أن يكون اللقاء ثنائيا لكي يستجيب لمطالبنا فلا مشكلة لدينا». ولفت إلى أن «الرأي السعودي يعتبر أن اللقاء الثنائي أفعل وأفضل وأقوى»، وأضاف: «كنت أفضل شخصيا أن تكون الزيارة بوفد وزاري وبجدول أعمال». وأشار إلى أن «المباحثات كانت بناءة كما فهمت من الرئيس الحريري، حيث كان مرتاحا جدا، ولكن بانتظار الترجمة العملية»، مؤكدا أن «الجانب السوري تَعهّد بشكل واضح في معالجة الملفات العالقة بين البلدين، وأن اللبنانيين سيرون ذلك، فهناك حديث عن خطوات عملية لترسيم الحدود بين البلدين».

وأضاف صقر: «نحن بدأنا اليوم الخطوة الأولى بالإضافة إلى كسر حاجز الجليد وطرح الإشكاليات اللبنانية، ومعالجتها في المستقبل ستبرهن على مدى مواءمتها لرمزية الزيارة، وبالتالي عندها يتم برهنة أن زيارة الحريري كانت تاريخية»، مشددا في الوقت نفسه على أن «الرئيس الحريري لم يشلح جلده ولم يغير موقفه، وإن كان قد سمك جلده قليلا حتى يذهب إلى دمشق».

وتوقع عضو تكتل «لبنان أولا» الذي يرأسه الحريري النائب زياد القادري «مرحلة فيها مزيد من الاستقرار»، وقال ردا على سؤال حول عدم وجود وفد مرافق للحريري إلى سورية: «الزيارة ليس فيها توقيع اتفاقيات أو ملفات بين وزارات مشتركة، والرئيس الحريري لا يعرف الرئيس الأسد وهي زيارة للتعارف ولكسر الجليد ولوضع أسس تطوير العلاقات اللبنانية-السورية»، مشددا في الوقت عينه على الدور الكبير «للملكة العربية السعودية في ترتيب العلاقة بين البلدين». واعتبر القادري أن «الحريري سلك المسلك الأصعب ولكن وصل إلى مبتغاه في موضوع المحكمة الدولية»، وأردف: «أقول لتيار (المستقبل) ولجمهوره، مكان سعد الحريري في السراي لن يكون على حساب مكانته كسعد رفيق الحريري المؤتمن على مصلحة لبنان وسيادته واستقلاله».

ورفض رئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب وليد جنبلاط التعليق على زيارة الحريري، وقال: «في النهاية يستطيع أن يذهب إلى سورية بكل الملفات الوفاقية والخلافية، وهو كان واضحا، وأنا واضح، كنا جدا واضحين، فموضوع الاغتيالات الأمنية، من محاولة اغتيال مروان حمادة إلى رئيس الحكومة رفيق الحريري إلى غيرهم، هذه كلها ذهبت إلى عهدة المحكمة الدولية، وننتظر جميعا نتيجة المحكمة، ولا نستطيع أن نسبق على المحكمة». وأشار إلى أن «الملفات الأخرى معروفة، بعضها تم التوافق عليه بالإجماع في لبنان، والبعض الآخر مطروح للحوار وخصوصا موضوع السلاح»، معتبرا أن «هناك دولتين للاستقرار الإقليمي تريدان استقلال لبنان: سورية والسعودية. وزيارة الملك السعودي عبد الله إلى سورية أنتجت حكومة الوفاق الوطني. والفترة الأولى من التأليف أو التشكيل أخذت حساسيات على الأرض، أو كان هناك تشنجات مذهبية في بيروت وغير بيروت، أما في الفترة الثانية بعد زيارة الملك عبد الله فأعتقد أن الجو كان مرتاحا جدا وكانت حكومة الوفاق الوطني».