الحكيم لـ «الشرق الأوسط» : لا صحة لتدخل إيراني لكي نتحالف مع المالكي

زعيم المجلس الأعلى الإسلامي العراقي: حملت رسالة من الحكومة العراقية إلى الأسد لحل المشكلات العالقة

TT

لم يؤثر صغر سن عمار الحكيم، زعيم المجلس الأعلى الإسلامي العراقي، على إدارته لأكبر حزب سياسي شيعي عراقي خاض غمار الانتخابات وكان له الوقع الكبير على القرار السياسي في العراق بعد سقوط النظام العراقي السابق عام 2003.

فالحكيم، النجل الأكبر لعبد العزيز الحكيم، تولى مهامه في رئاسة المجلس الأعلى، بعد وفاة والده عبد العزيز في أغسطس (آب)، لكنه في الوقت نفسه لم يعلن عن زعامته للائتلاف الوطني العراقي الجديد، الذي يتضمن نخبة من الأحزاب الشيعية كالتيار الصدري، قبل أن تتم إجراء الانتخابات النيابية المقررة في مارس (آذار) المقبل.

عمار الحكيم، الذي لم يتجاوز الثامنة والثلاثين من عمره وتربى ضمن عائلة دينية، كان هادئا جدا في حواره مع «الشرق الأوسط» التي التقته في مقره ببغداد، كما كان رصينا في إجاباته.

ووصف الحكيم أعضاء ائتلاف دولة القانون، بزعامة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، الذين ارتأوا الدخول في قائمة منفردة في الانتخابات القادمة، بـ«المنافسين»، متمنيا أن تكون تلك المنافسة «شريفة».

وأضاف أن الملف الأمني بحاجة إلى وضع استراتيجية أمنية مشتركة «لأن أرواح العراقيين مسؤولية وطنية والجميع عليه تحمل المسؤولية فيها»، مشيرا إلى «خلفيات سياسية» وراء ازدياد وتيرة العنف أخيرا.

وأشار الحكيم إلى أن المجلس الأعلى يفرق بين البعثيين الذي انتموا لحزب البعث طلبا لمكاسب وظيفية، و«الصداميين» الذين يريدون استعادة الحكم في العراق.

كما أكد أن جولته العربية الأخيرة، التي شملت سورية، كانت من أجل تعزيز الهوية العربية للعراق، وأنه حمل رسالة من الحكومة العراقية للرئيس بشار الأسد بشأن الأزمة الأخيرة بين البلدين.

- ما هي التحديات التي واجهتكم وأنتم تتصدون لمهمة رأس الهرم في المجلس الأعلى الإسلامي العراقي مع وجود قيادات كبيرة في التجربة والعمر؟

* لقد كان ما خططنا له هو رعاية المشروع الثقافي العراقي، وقد تواصلنا حتى ونحن في المهجر والتفرغ شبه الكامل لهذا المشروع وفي مختلف بقاع الأرض في استراليا شرقا وحتى كندا غربا، وصولا إلى تغيير النظام في العراق والعودة لتأسيس مؤسسة شهيد المحراب (مؤسسة الحكيم كما هي في الأمم المتحدة) وهي مؤسسة ثقافية تمارس العمل الثقافي، ولولا العارض الصحي الذي ألمّ بالسيد الوالد (عبد العزيز الحكيم) لكنا استمررنا بذات النهج. وهذا ما جعل قيادات المجلس الأعلى يطلبون منا أن نكون حلقة الوصل في مرحلة العلاج، لذا تصدينا لإدارة هذا العمل وطلبت من القيادات أن أكون داعما لهم ولكن لاعتبارات مختلفة وجدنا أن حضورنا قد يكون مفيدا للمؤسسة والمشروع السياسي. ونتيجة لطبيعة التنوع في الساحة السياسية العراقية وتعقيدات المشروع السياسي العراقي عموما وملابسات هذا المشروع، فإن المساهمين في هذا المشروع يتعرضون للكثير من التحديات والضغوط. والسياسي العراقي قد يكون مختلفا عن أي سياسي في أي بلد آخر لطبيعة هذه الاعتبارات، وأنا شخصيا لست مستثنى من هذه التحديات في هذه الساحة الشائكة ونعتمد على القاعدة الشعبية لتضمين المصالح الوطنية العراقية في التعامل مع الأطراف المختلفة في الساحة. وأن الظروف الإقليمية والدولية الشائكة تتطلب الكثير من الجهد والحنكة مما يزيد الضغط أحيانا لكن ما ألفناه من عمل مؤسسي في المجلس الأعلى خفف هذا الضغط لأنه لا يوجد هنا شخص ما يأخذ قرارا منفردا. إن القرار السياسي يحاط بمبادرات وعمل لكل الجهات السياسية على مختلف الصعد، وهناك مركز لاتخاذ القرار وشورى مركزية وسلسلة طويلة من الاجتماعات لتدارس وإنضاج القرار حتى الوصول إلى الرؤية الأقرب إلى المصلحة الوطنية ومصالح المواطنين. إن المجلس الأعلى لا يستعجل في إبداء الرأي إنما يأخذ وقتا طويلا للمشورة حينها يتخذ الموقف وغالبا ما يكون من الدقة بالشكل الذي يجعل المجلس يدافع عن مواقفه دون أن يقع في مطبات التراجع والتأويل والتفسير.

- هل هذا يعني أن لا انفراد في قراراتكم؟

* لا انفراد في القرارات أبدا وكل مواقف المجلس الأعلى لا انفراد فيها، مواقفنا وتصريحاتنا مع الأطراف الأخرى كلها خاضعة للنقاش والمداولة والتدقيق، نحن نتحرك بشكل جماعي قد يكون البعض في الواجهة لكن هذا البعض يتحرك بقرار الجماعة.

- عدم الانفراد بالقرار هل شكل عقبة التفاهم مع حزب الدعوة الذي يتزعمه رئيس الوزراء نوري المالكي؟

* لا أعتقد ذلك، فكل رجال المؤسسة يثبتون على موقف واحد، وهذا الأمر يساعد على إقناع الآخرين بصدقية الموقف والرؤية التي نحملها، فالرؤية التي نحملها عنصر قوة وليست عنصر ضعف، وعندما ينفرد كيان بعيدا عن رؤى الآخرين سيبدو ذلك الكيان ضعيفا ومهزوزا خصوصا إذا كانت له أكثر من رؤية.

- ما الذي جعل حزب الدعوة بعيدا عن رؤاكم؟

* حزب الدعوة له أبعاد بالرؤية وبالنظرية والبرامج، ومن المعروف أن اجتماعات الائتلاف العراقي الموحد كانت تعقد بشكل منتظم وبحضور الأعزاء في حزب الدعوة، ودونت المبادئ والأسس بشكل مشترك وسمعنا تصريحات من الأمين العام لحزب الدعوة (المالكي) بأن الائتلاف العراقي هو سفينة النجاة. لم تتغير المبادئ والأسس والأطر والتفاصيل لكن لأي اعتبار يبدو أن الإخوة في ائتلاف دولة القانون (قائمة المالكي) أصبحت لهم قناعة ورؤية بأن تعدد القوائم قد يكون مفيدا في الانتخابات القادمة، ولمثل هذه الاعتبارات اختاروا الدخول في الانتخابات في قائمة مستقلة ونحن نحترم قرارهم وإن كانت لدينا قناعة بأن النظام البرلماني في العراق، وبحسب الدستور، يتطلب وجود كتل قوية متفاعلة ضمن مشروع سياسي ومؤثرة من أجل الوصول إلى برلمان قوي وحكومة قوية وبالتالي وجود مشروع سياسي قادر على أن يلبي طموحات الشعب، فكلما كانت الكتل أكبر، استطاعت أن تضم الآخرين حولها وتقنعهم بالمشروع الموجود وتدفع بهم إلى الأمام لإنجاح المشروع. ووفق هذه الخلفيات فإن توسيع رقعة الائتلاف من مصلحة المشروع الوطني مما جعلنا نتابع خلال المرحلة الماضية ليس ضم حزب الدعوة بل أطراف سياسية أخرى ارتأت أن تنزل الانتخابات في قوائم أخرى. لذلك أطلقنا مبادرة تشكيل جبهة وطنية عراقية تضم العديد من الكتل السياسية المتنافسة في هذه الانتخابات للتعاون في الوصول إلى البرلمان القوي والحكومة القوية وهما يمثلان ضمانا حقيقيا للنهوض بالواقع العراقي.

- هل يعني هذا الأمر أن ائتلاف دولة القانون بزعامة المالكي، أصبح منافسا لكم كائتلاف عراقي، وهل كانت هناك ضغوط إيرانية للدخول في جبهة قوية في الانتخابات القادمة؟

* نحن نتحدث عن انتخابات عراقية لإدارة شؤون العراق ولا أعتقد أن دول الجوار سواء كانت إيران أو غيرها معنية بهذا الأمر والتفاصيل تخصنا كعراقيين، وأعتقد أن التهويل حول التدخل الإيراني لا أساس له من الصحة، والقضية هو أن نظامنا البرلماني يستدعي وجود كتل كبيرة قادرة على أن تجمع الآخرين حولها لتشكيل برلمان قوي وحكومة قوية وهو ما نعتبره من المداخل الأساسية لنجاح المرحلة المقبلة. وإذا كان التنافس هو الدخول في قوائم متعددة في عملية انتخابية معينة فأعزاؤنا في ائتلاف دولة القانون أحد الأطراف المنافسة، وهناك كتل أخرى أيضا في الساحة وكل ما نتمناه أن يكون تنافسا شريفا يخضع للقيم والمعايير العربية والإسلامية وأن لا يلجأ بعضنا إلى الإساءة وألا يجرح بعضنا بعضا لنخرج من الانتخابات في ظروف نفسية سيئة تجاه الآخرين. نتمنى أن يكون التنافس شريفا وأن يركز كل منا على الإيجابيات في طرح برامجه وشخوصه وخططه ويترك التأشير على سلبيات الآخرين، لأن هذا الأمر لا يخدم كثيرين، وأن لا يرى الانتخابات على أنها نهاية المطاف إنما هي البداية لمرحلة جديدة بل إنها تمهيد للبداية حتى تكون البداية قوية جدا لإخراج العراقي من الظروف الصعبة التي مر بها، فهو يتطلع لحكومة قوية وبرلمان قوي وعملية سياسية قادرة على توفير العيش الكريم له وتعالج له العديد من المشكلات في توفير السكن وفرص العمل، ونحن لا نستطيع أن نصل إلى هذه التطلعات إلا عن طريق فريق عمل متعاضد ومنسجم ومتكامل فالعراق لا يدار من حزب واحد ولا قومية واحدة أو طائفة واحدة وشخص واحد، قدرنا أن نعيش هذا التنوع ونحن سعداء بهذا القدر، وقوة العراق أن يكون بهذا التنوع المذهبي والقومي والسياسي، بهذه الرؤية ندخل التنافس في الانتخابات تنافسا شريفا. - أنتم تتمنون أن يكون التنافس شريفا هل هذا يعني أن في النفس شكوكا في أن يكون التنافس غير شريف؟

* نحن عندما نقول نتمنى، فهو ضمن المعايير الصحيحة لما نتمناه، قد لا نضمن نفسية الآخر لكن نتمنى أن تتحول الرؤية إلى نفوس الآخرين، هناك بعض التصريحات والمواقف لا تنطلق لمثل هذه الاعتبارات ونتمنى أن نسيطر على مشاعرنا وسلوكنا انطلاقا من نفس الرؤية ضمن الطبيعة العربية المؤمنة بمشروعنا الصحيح لبناء التجربة التي فيها تعزيز للثقة وتوسيع للمشاركة وتطوير للنظام السياسي القائم بما يساعد على تحقيق طموحات الشعب.

- أغلب القوى المتواجدة في الساحة السياسية الآن تقول إنها ستكون نواة الحكومة المقبلة أو إنها ستشكل الحكومة القادمة، أي الحكومات سيختار الناخب إذا كان الجميع يعتقد أنه حكومة المستقبل؟

* هذا شيء مفرح إذ يعتقد الجميع أنه جزء من الواقع السياسي، فقد خرج من نظريات الحزب الواحد وأصبح العراق اليوم لا يدار من حزب أو شخص واحد أو قائمة واحدة والكل يجد نفسه شريكا أساسيا في العمل السياسي، وهي خطوة إيجابية في تعزيز الشعور الوطني لتوسيع المشاركة للأطراف السياسية والتكهنات السياسية المختلفة، والتكهنات حق لكل الأطراف ولكن القول الفصل للناخب العراقي الذي سيذهب لصناديق الاقتراع ويمنح الثقة لمن يستحقها. - هل تعتقد أن الأحزاب الدينية فقدت مصداقيتها في الشارع العراقي؟

* هذا المصطلح يحتاج إلى تدقيق. علينا القول «الأحزاب المتدينة التي تلتزم بالمنهج الإسلامي بنظامها المدني الذي يحترم الهوية الإسلامية لغالبية المواطنين ولا يسن قانونا يتعارض مع هذا النظام»، هذه الرؤية التي وضعت في الدستور. وللتاريخ نقول إن هذه الملامح وضعتها القوى المتدينة في البرلمان وأعضاء الجمعية الوطنية كانوا غالبيتهم من المتدينين. ولا يجب أن يقال إن الأميركيين حالوا دون صياغة نظام إسلامي في العراق فهم شكلوا في أفغانستان جمهورية أفغانستان الإسلامية، لكن كانت هناك رؤية للقوى المتدينة في العراق فمسألة تراجع تلك القوى في انتخابات مجالس المحافظات كما يراها البعض، غير صحيحة، فدولة القانون والمجلس الأعلى والحزب الإسلامي وقوائم أخرى أخذت مساحات تأييد واسعة وصلت في بغداد ومحافظات الجنوب إلى 90% وفي بغداد وحدها 70%، وكذلك في شمال بغداد حصلت تلك القوائم على نسب مهمة وهذا الأمر يكشف الحضور القوي لتلك الأحزاب والتيارات المتدينة، وأن التراجع الذي حصل هو في عدد المصوتين، فقد كانت نسبة المصوتين في الانتخابات النيابية السابقة عام 2005 هي 70 إلى 80%، بينما كانت في انتخابات مجالس المحافظات أقل من 50%، نرى أن نسبة الثقة تطورت بتلك الأحزاب وفقا لنسب مشاركة الناخبين وهي لم تتراجع أبدا.

- في قانون الانتخابات المعدل الأخير هل أقنعكم نقض القانون من قبل نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي والتعديلات التي أجريت بموجبه؟ وقد لعبتم كائتلاف عراقي دورا مهما في الوساطة بين الأطراف السياسية؟

* إن التوافق والذهاب إلى الحلول الوسطية التي تبتعد عن سياسات لي الذراع وكسر العظم هي التي توفر الضمانات لجميع المكونات. نحن لم نكن نتمنى أن يحصل النقض وكان بالإمكان أن يدقق القانون وينظر في الملاحظات لتعديلها بعد تمريره، لأن النقض ولد إرباكا نفسيا وتوترا بين الأطراف السياسية، بل إن النقض بالطريقة التي تم بها أوجد مشكلة إضافية في أن عددا من المحافظات فقدت عددا من مقاعدها. فهذا الفعل ولد رد فعل عكسيا، وكان علينا لإدارة هذا الملف أن نجعل هناك وسيطا بين الأطراف يحظى باحترام جميع الكتل السياسية وحققنا نتيجة مرضية من خلال تكليف هادي العامري (رئيس منظمة بدر الموالية للمجلس الأعلى) لإدارة ملف الوساطة بين الأطراف وكانت النتيجة مرضية للجميع وحققنا نصرا بإقرار القانون بحلة جعلت الجميع يصوت على القانون.

- هل من وجهة نظرك أن هناك من استغل قضية قانون الانتخابات لدعاية مسبقة للانتخابات؟

* صوت الشد لم يعد مقبولا لدى العراقيين فهم يبحثون عن صوت الاعتدال، أعتقد أن الجدل السياسي الذي يحصل بين الكتل السياسية غير مبرر، في رأي الشارع العراقي، ولمثل هذه الاعتبارات فإن استغلال الأزمات والإساءة للآخر للدعاية الانتخابية لا أراه منسجما مع مزاج الشارع، وإن استهداف المنافسين السياسيين لن يجدي نفعا لأنه سيصل إلى استنتاج لاحقا بأن حصد الأصوات لن يتم عبر هذه الطريقة أبدا، وعلينا أن لا نكسر الآخر ونفهم وننفتح عليه دون أن تتحول العملية إلى ابتزاز سياسي يمارس ضد هذا الطرف أو ذاك لتفهم مطالب الآخر، وإن رفع سقف المطالب أو جعلها غير منطقية سيعرض صاحب الطلب إلى الخروج من أجندة الناخب العراقي. أنا لا أتماشى مع الاستغلال السياسي للأزمات سواء كانت أزمات سياسية أو أمنية، فما إن تحصل أي أزمة حتى نرى ونسمع التصريحات العنيفة الغرض منها الإساءة أكثر من الانتصار لدماء الأبرياء التي أريقت، وكنا نتمنى أن تنبري تلك التصريحات انتصارا وحرصا على أرواح العراقيين.

- الملف السياسي والملف الأمني.. أيهما يسقط الآخر في اللعبة؟

* هناك تداخل بين السياسة والأمن والاقتصاد، فكلما انتعش المشروع الاقتصادي ووجدت فرص العمل ابتعد الشباب عمن يغرر بهم بأموال واتفاقات معينة تدفعهم نحو العمليات الإجرامية والإرهابية والوقوع في مخالفات قانونية، وكلما تطور المشروع السياسي وتعززت الثقة بين الأطراف السياسية تماسك المشروع وانعكس إيجابا على الجانب الأمني، وكلما طابت النفوس واستقرت الخواطر استطعنا أن نطور المشروع السياسي بشكل أكبر. ولابد أن نجزم بأن القضية الأمنية لم تكن ذات خلفيات جنائية صرفة في يوم من الأيام، بل كانت هناك خلفيات سياسية أيضا هي أحد أسباب ازدياد وتيرة العنف، لذلك كانت الحاجة إلى الحوار والمصالحة والوفاق الوطني، فالحوار مع بعض الأطراف يخفف من وطأة العنف، ويقلقنا أيضا أن هناك من يستغل أرواح المواطنين كوسيلة للوصول إلى مكاسب سياسية وهذا ما لا نتمناه لأي أحد، فالعراق لجميع العراقيين وكلنا نكمل دور الآخر.

- وهل يمكن أن يدخل طرف سياسي في عملية تفجير سيارة من أجل استغلال الحدث ضد طرف سياسي ما؟

* أنا شخصيا أنزه كل القوى السياسية الكبيرة من الوقوف أو الوقوع في عمليات إرهابية أو إجرامية لتحقيق مكاسب سياسية، لكن هناك أطرافا ممكن أن تستغل هذا الطرف أو ذاك وتتحمل مسؤولية هذا الحدث أو ذاك، فالأطراف السياسية لا يمكن أن تمارس هذا الدور. وقد يظهر هنا أو هناك من يلبس الجلباب السياسي أو يدفع بعناصر من الصداميين أو تنظيمات القاعدة إلى الواقع السياسي ونحن نحمل الصداميين و«القاعدة» والقوى المتطرفة من خلال التعاون المشترك بينها مسؤولية لعب بعض الأدوار والوقوف وراء التفجيرات ومحاولة زعزعة الملف الأمني في العراق.

- هل خرجت الحكومة العراقية من المأزق الأمني الذي هدد باهتزاز عرشها جراء الهجمات الأخيرة في بغداد، وكيف برأيك يمكن الخروج من هذا المأزق؟

* يسأل في هذا الأمر القائد العام للقوات المسلحة (المالكي)، فالتوجه العام في مجلس النواب وفي المجلس السياسي (للأمن الوطني)، وفي جلسات الاستضافة للقادة الأمنيين، هو ضرورة وضع استراتيجية أمنية تبنى على أساسها الخطط الأمنية ويكون الملف الأمني مفردة وطنية حتى تتحمل كل الأطراف المسؤولية المشتركة فيها. فعندما تنظم الخطط الأمنية من طرف معين سيتحمل هذا الطرف كامل المسؤولية وعندما تنظم الاستراتيجية من كل الأطراف ستتحمل ذات الأطراف المشتركة المسؤولية، فأرواح المواطنين لا تخص طرفا معينا يتنصل عنه الآخرون في أوقات الأزمة وليحصل ما يحصل. إن الواقع السياسي وأرواح العراقيين أهم بكثير من الاعتبار الانتخابي وعلى الجهود أن تتضافر وتتعاون من أجل الحفاظ عليها.- هل هذا يعني أن انفرادا بالقرارات جرى حول الملف الأمني؟

* ما سمعناه من مجلس النواب والقيادات الأمنية والوزراء كشف عن الحاجة لمزيد من التنسيق بين هذه الأجهزة وأن يتم تعاطي المعلومات في نطاق أوسع لا أن يتم حصرها في الدائرة التي حصلت عليها، وقد بانت بعض الثغرات في هذا الجانب ونتمنى أن تكون الاستضافة كافية لوضع استراتيجية وطنية للأمن الوطني ومعالجة الثغرات.

- دعوتم أخيرا إلى الانفتاح على البعثيين والحوار معهم، ثم ذهابكم إلى سورية أخيرا، مما فسر بأنهما جاءا بالضد من اتهام الحكومة العراقية لدمشق بإيواء بعثيين خططوا لتفجيرات ببغداد؟

* بالنسبة للانفتاح العربي فنحن نعتقد أن علينا أن نحافظ على هوية العراق العربية مع احترامنا وتقديرنا العالي للإخوة الأكراد والتركمان وكل القوميات غير العربية في العراق، وأن الوطن العربي وخصوصا دول الجوار العربي يمثلون ركيزة مهمة للحفاظ على الهوية ومساعدة العراق في المحافظة على التوازن في العلاقات إقليميا ودوليا. إن ما قلته للزعماء العرب أثناء جولتي الأخيرة أن حضور الدول العربية في العراق والدور الإيجابي الذي يمكن أن تلعبه هذه الدول سيساند التجربة العراقية، وهو ليس مصلحة عربية فقط بل هو مصلحة عراقية لتحقيق التوازن المطلوب. نحن نمتلك علاقات طيبة مع إيران وتركيا لكننا نحتاج إلى تطوير علاقاتنا مع المحيط العربي وعندما وضعنا في إدارة المجلس الأعلى كانت ضمن أولوياتنا تعزيز الانفتاح العربي، وبالنسبة إلى سورية فهي جزء من دول الجوار، وإن التواصل والحوار مع دول الجوار والمنطقة هو المدخل الوحيد لتعزيز العلاقة وحل الإشكالات. وقد أثبتت التجارب أن الحروب والتصادم والتوتر لن يحل أي مشكلة بل سيضيف مشكلات متعددة ونحن نعرف ما جرى في العراق بفعل النظام الصدامي من حروب ومتاهات لم يجن العراق من ورائها الرفاه الاجتماعي بل تراجعت ظروف الحياة وتراجع الوضع العام في العراق.

شخصيا لا أعتقد أن هناك اتهاما وجه من قبل الحكومة العراقية إلى سورية، إنما وجه الاتهام إلى عراقيين يظَن أنهم تواجدوا على أرض سورية، واستخدموا الأراضي السورية لانطلاق أعمالهم، وهم متورطون في العمليات الإرهابية حسب المعطيات الأمنية. لقد تشاورنا مع الحكومة العراقية وحملنا رسالة من مسؤولين في الحكومة إلى الرئيس بشار الأسد لحل المشكلات العالقة، مع أن سبب الزيارة أصلا كان لتقديم التعازي بوفاة شقيق الرئيس الأسد. أما بالنسبة للبعثيين، كنا وما زلنا نفرق بين الصداميين وعموم البعثيين. فالصداميون لهم أجندة خاصة، وهم كانوا وما زالوا متورطين بالإساءة للشعب العراقي وإهدار دم الأبرياء وهم يتحملون المسؤولية في إرباك الوضع الأمني في العراق، فهم يستهدفون الحياة والمشروع السياسي العراقي ولا يمكن التساهل معهم أبدا. أما عموم البعثيين ممن وقعوا على أوراق الانتماء لظروف الحياة ليأخذوا فرصهم في مواقع المسؤولية والخدمة في المؤسسات وهؤلاء ممن لم يثبت تورطهم في دم العراقيين فهم مواطنون عراقيون لهم الحق في حياة كريمة كسائر المواطنين.

- فسر الحديث عن البعثيين كدعاية انتخابية لكم؟

* لدينا رؤية ثابتة وتحدثنا طويلا في عدة مناسبات حول هذا الأمر، ومن يتابع تصريحاتنا وتصريح قيادتنا من قبل فقد جاء نفس الطرح على لسان السيد عبد العزيز الحكيم، رحمه الله، وعلى لسان قيادات في المجلس الأعلى. يجب أن نميز بين الصداميين ومن انضم إلى حزب البعث. إن إشكالاتنا مع الحزب كفكر وكيان سياسي والصداميين الذين يريدون استعادة الحكم في العراق والهيمنة على العراقيين.

- هل كان كرسي الحكم كرئاسة الوزراء هو الخلاف الجوهري مع رئيس ائتلاف دولة القانون، المالكي، في عملية الدمج مع ائتلافكم؟

* أعتقد أن معطيات الانتخابات هي التي تحسم هذه المواضيع. داخليا، بحثنا آليات العمل ولم نبحث تحديد المواقع السيادية المهمة، والفرص المتاحة بكل تأكيد ستكون ضمن النظام الديمقراطي وستفرضها الاستحقاقات الانتخابية ومن الصعوبة التكهن وتحديد التفاصيل.

- هل سيكون تشكيل الحكومة القادمة بالتوافق بين الأطراف وهي شكل من أشكال المحاصصة؟

* المحاصصة كانت من الخيارات غير الموفقة في التجربة العراقية، ونرى أن علينا الابتعاد عنها، لكن مفهوم الشراكة يعني حضور المكونات والأطراف السياسية المتعددة في صنع القرار العراقي، وهي مسألة ضرورية لتحقيق الاستقرار. فالعراق بلد تعددي برلماني. وفي الدستور من حق الكتل الفائزة توليف الحكومة من جميع المكونات. وعلينا التفريق بين المحاصصة والشراكة، فالمحاصصة عملية غير موفقة والشراكة ضرورية لإشعار كل الأطراف أن لهم حضورا في إدارة البلاد.

- لماذا برأيكم تعتبر الانتخابات القادمة مصيرية؟ وما الذي يفرقها عن الانتخابات السابقة التي جرت في 2005؟

* دائما في حياة الشعوب والأمم المراحل التأسيسية لها أهمية كبيرة، وإذا ما اعتمد الأساس على بنيان قويم وصحيح فإن هناك عشرات الطوابق يمكن أن تبنى بعد التأسيس الأول. في السنوات الماضية تجاوزنا مرحلة التأسيس واليوم ندخل مرحلة التثبيت، وإذا ثبتت الأمور واستقرت في اتجاهاتها الصحيحة فإنها ستساعد وضمن سياقات معينة على بناء الأطر العامة والمضي في المشروع الوطني. لذلك فإن مرحلة التثبيت ستشعل جو المنافسة وهي المرحلة الأكثر حساسية وإن الكتل التي ستحظى بثقة الشارع هي التي سيكون لها دور وحضور في هذا البناء.

- هل بإمكان الجو التنافسي أن يصل إلى الاغتيالات السياسية؟

* نتمنى أن لا يصل أي طرف إلى هذا النوع من التنافس وأن يبقى التنافس شريفا وفق معايير التراث العربي وأن يعتمد إلى إظهار الشخوص وبرامج الكتل السياسية وأن نبتعد عن أي مظهر من مظاهر العنف وأن نركز على التعريف بقوائمنا دون الإساءة للآخرين وأن نقبل الرأي الآخر.