كوشنير: المعارضة الإيرانية ستنتصر.. والحريري تصرف كرجل دولة

قال إن الحديث مع بوش كان أسهل من أوباما.. ولمح إلى نزع سلاح حزب الله وإعادة الجولان

TT

قال وزير الخارجية الفرنسي، برنار كوشنير، إنه يعتقد أن الحركة الاحتجاجية في إيران المتمثلة في «الحركة الخضراء» تشكل 70 في المائة من الشعب الإيراني، وإنها «سوف تنتصر». وحث الوزير الفرنسي الغرب على دعم هذه الحركة «سياسيا»، لكنه اعتبر في الوقت عينه أنه يتعين «عدم الدفع باتجاه استخدام السلاح والحرب في الشوارع»، مفضلا أن تكون الحركة ذاتية، سلمية ومحض إيرانية. كذلك رفض كوشنير الاستجابة إلى الشرط الضمني الذي وجهه الرئيس الإيراني، محمود أحمدي نجاد، لباريس للإفراج عن الجامعية كلوتيلد ريس المتهمة بالتجسس والمشاركات في مظاهرات ممنوعة بعد الانتخابات الرئاسية.

وجاء كلام كوشنير، أمس، في باريس في لقاء نظمه نادي الصحافة الأوروبي – الأميركي، حيث تناول مسائل الساعة من قمة كوبنهاغن للتغير المناخي إلى الوضع في أفغانستان، إلى الشرق الأوسط ولبنان.

غير أن الملف الإيراني بأبعاده الأربعة وهي: الموضوع النووي، والحركة الاحتجاجية، وكلوتيلد ريس، و«الإشكال» على الحدود العراقية - الإيرانية، احتل الحيز الأهم بالنظر إلى دور باريس ومواقفها الأكثر تشددا من إيران في المعسكر الغربي، وذلك منذ ربيع عام 2007، تاريخ وصول الرئيس ساركوزي إلى قصر الإليزيه. وفيما تتحاشى إدارة الرئيس أوباما الحديث عن تغيير النظام الإيراني وتركز على تغيير «السلوك» الإيراني، لا يتردد المسؤولون الفرنسيون في تناول هذا الموضوع «الحساس»، وذلك منذ الانتخابات الرئاسية الصيف الماضي، حيث نددت باريس بالتزوير الواسع الذي عرفته وبالقمع الذي لجأت إليه السلطات الإيرانية للجم الشارع والحركة الاحتجاجية.

يبني الوزير الفرنسي الكثير من الآمال على «الحركة الخضراء» الاحتجاجية التي يصفها بأنها «الأكثر ديمقراطية في الشرق الأوسط»، رغم تعدد مشاربها، التي تذهب من «اليساريين المغالين في يساريتهم إلى الثيوقراطيين الذين يعتبرون أن النظام الحالي لا يتبع مبادئ الإسلام». وينوه كوشنير بـ«الخطاب السلمي» لهذه الحركة «الشعبية» التي تسعى للوصول إلى «نظام ديمقراطي»، مضيفا أنه مؤمن بـ«أهمية» الحركة المذكورة. وانطلاقا من هذا المعطى، يدعو كوشنير إلى توفير «الدعم السياسي» لها باعتباره أمرا «بالغ الأهمية». ويعني ذلك، وفق الوزير الفرنسي، التنديد بالقمع والأحكام الجائرة التي صدرت في حق مئات من المحتجين وخصوصا أحكام الإعدام. وشدد كوشنير على أن المعارضة الإيرانية «تحتاج إلى دعمنا وهي تطلب منا أن لا نتوقف». غير أنه في المقابل، حذر من أن دور فرنسا ومعها الغرب «ليس تأجيج النار» و«الدفع باتجاه استخدام السلاح» وإنما الاكتفاء بالدعم السياسي.

وفي الموضوع النووي، رأى الوزير الفرنسي أنه بعد نفاد المهلة التي طلبتها الولايات المتحدة «نهاية العام الحالي» للنظر في عقوبات جديدة على إيران، سيتم العمل على فرض عقوبات إضافية تتناول البنوك وشركات التأمين الإيرانية وما له صلة بالعمليات المالية والاستثمارية الخاصة بإنتاج النفط الإيراني. غير أن الوزير الفرنسي لا يعتبر أن التوصل إلى عقوبات جديدة أمرا محسوما سلفا، على الرغم من أن روسيا «تسير» في موضوع العقوبات، بل يرى أن الصعوبة تأتي من الصين التي «توقع عقودا كبيرة للغاية، وكذلك بعض الدول الأوروبية» التي لم يسمها.

ويرى الوزير الفرنسي أن «لا بديل عن العقوبات والحوار في آن»، رغم أن هذه الطريقة لم تعط نتيجة حتى الآن. غير أن كوشنير نبه إلى ضرورة تفادي عقوبات تصيب المدنيين و«خصوصا الداعين منهم لتغيير النظام»، مشيرا بذلك إلى فرض عقوبات تمنع وصول المشتقات البترولية مثل البنزين وخلافه إلى إيران، علما بأن طهران تستورد نسبة 40 في المائة من استهلاكها من الخارج. وعلى أي حال، يرى كوشنير أن العقوبات هي «السبيل لتلافي الحرب والاستمرار في المسار السياسي». وينتظر أن يعقد ممثلو الدول الست «الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، وألمانيا» اجتماعا قريبا لبحث العقوبات الجديدة التي تريدها الدول الغربية في مجلس الأمن الدولي.

أما بالنسبة للجامعية الفرنسية، كلوتيلد ريس، المفترض أن تمثل أمام القضاء في طهران يوم الأربعاء القادم قبل أن يصدر الحكم عليها، فإن باريس ترفض «مقايضتها» بعلي وكيلي رعد الذي اغتال شهبور بختيار، آخر رئيس وزراء إيراني في عهد الشاه في عام 1991، وحكم لذلك بالسجن المؤبد عام 1994، مع فترة إلزامية من 18 عاما. وكرر كوشنير الموقف الذي عبر عنه ساركوزي قبل أيام لكنه شدد على «إننا لن نبادل أحدا بأحد». وجاء كلام الوزير الفرنسي ردا على ما قاله أحمدي نجاد قبل أيام ولمح فيه إلى أن فرنسا «تعرف ما عليها القيام به» من أجل الإفراج عن ريس. وكان رد كوشنير أنه «حتى ما إذا أرادت الحكومة ذلك، فإنها لا تستطيع إخلاء سبيل رعد»، في إشارة منه إلى استقلالية القضاء الفرنسي. غير أن إطلاق رعد يصبح ممكنا عندما يكون قد أمضى 18 عاما في السجن تنتهي في عام 2012 عندما يصبح إخلاء سراحه ممكنا، في حال رأت العدالة ذلك.

وفي موضوع البئر النفطية العراقية «الفكة»، التي احتلتها قوة إيرانية قبل أن تنسحب منها، اعتبر الوزير الفرنسي أنها أمر «خطير» يجب متابعته لمعرفة ما إذا كان سيشكل بؤرة توتر جديدة في المنطقة، خصوصا أن كل دولها، بما فيها إسرائيل، «تتابعه عن قرب». ويرى كوشنير أن «هذا التطور يندرج ضمن العلاقة المعقدة بين العراق الذي يشكل الشيعة أكثرية فيه، وبين إيران الدولة الشيعية بامتياز في المنطقة وضمن (التأثيرات) والعلاقات والنوافذ القائمة بين الطرفين». وخلاصة الوزير الفرنسي، الذي يتوقع أن مزيدا من الاستقرار للعراق في مرحلة ما بعد الانتخابات، أن «ثمة أطرافا لديها مصلحة في التوتير الدائم للأوضاع في المنطقة»، دون أن يسمي الجهات التي يشير إليها.

في سياق مواز، أبدى كوشنير خيبته من «غياب التقدم» في موضوع الشرق الأوسط، لا بل إنه أبدى «تحسره» على أيام الرئيس الأميركي جورج بوش ووزيرة خارجيته كونداليزا رايس، حيث كان الكلام مع بوش «أسهل من الحديث إلى الرئيس الحالي، باراك أوباما»، ومع رايس «حيث كان هناك خط وحوار بين الفلسطينيين والإسرائيليين». أما الآن «فليس هناك شيء».

وأشار كوشنير إلى قرب عودة جورج ميتشل إلى منطقة الشرق الأوسط، وإلى زيارته سورية هذه المرة ما يفيد أن واشنطن أخذت حذو باريس التي كانت سباقة في وصل العلاقات مع دمشق.

ولكن أين أصبح مشروع مؤتمر السلام الذي تدعو إليه فرنسا في باريس؟ يربط كوشنير بين انعقاد هذا المؤتمر وبين معاودة انطلاق الحوار الفلسطيني - الإسرائيلي. وهدف المؤتمر، كما يقول الوزير الفرنسي توفير «قاعدة» التفاوض وتجميع الدول التي تدعم قيام الدولة الفلسطينية. وكشف كوشنير أن باريس وموسكو مستعدتان للعمل معا، إذ إن روسيا تسعى، من جانبها إلى الدعوة لمؤتمر دولي. غير أن المشكلة تكمن في توفير الحضور وإقناع الجهات المترددة ومنها الدول العربية بقبول الجلوس إلى طاولة المؤتمر وكذلك بإقناع واشنطن. وقالت مصادر فرنسية دبلوماسية لـ«الشرق الأوسط» إن تحقيق هذا الهدف «أمر ممكن». أما إسرائيل فإنها أعطت موافقتها على الحضور. وفي أي حال، يؤكد الوزير الفرنسي أن باريس «متمسكة» بالمؤتمر وهي تعمل على ذلك.

وفي ما خص زيارة رئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري، دمشق، رأى كوشنير أن الأخير «تصرف كرجل دولة»، مشيدا في الوقت نفسه بـ«تصرف» الرئيس السوري، «رغم أننا غالبا ما أصبنا بخيبات» من قبل هذا البلد.

وكشف كوشنير أن الحريري سيزور باريس «في الأيام القادمة». وقالت مصادر واسعة الاطلاع في العاصمة الفرنسية لـ«الشرق الأوسط» إنه سيأتي بعد الخامس من الشهر القادم، بناء على دعوة رسمية وجهت إليه.

وأبدى الوزير الفرنسي تفاؤله إزاء مستقبل الوضع في لبنان وإزاء استمرار المحكمة الدولية. لكنه استدرك أن المشكلات العالقة «الخطيرة»، في إشارة إلى الجنوب وحزب الله، «ما زالت قائمة».

أما عن احتمال أن تبتعد سورية عن إيران وعن حزب الله، فاعتبر كوشنير ذلك شيئا مرغوبا فيه، وأن فرنسا قامت بالخطوة الأولى عندما تقاربت مع دمشق. ونوه كوشنير بزيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى دمشق مؤخرا. وتساءل كوشنير بخصوص العلاقة بين حزب الله وسورية والجولان: «هل سيقوم السوريون بتجريد حزب الله من سلاحه؟ وهل ثمة تبادل ممكن بين نزع سلاح حزب الله وعودة الجولان إلى سورية؟ كثير من الناس يعتقد ذلك».