بعد طبي للقضية النووية في إيران.. وآلاف المرضى يصارعون الزمن

إيرانيون: العقوبات لا جدوى منها لأنها تضر بالأشخاص العاديين وليس القادة

TT

كان الكهربائي المتقاعد روح الله سولوك، الذي يعيش في سانتا مونيكا بكاليفورنيا، في حالة يأس، فهو في حاجة عاجلة لإجراء عملية زرع كلى بالإضافة إلى سلسلة أخرى من عمليات التشخيص والعمليات العلاجية الإشعاعية. وعلى الرغم من أنه يستطيع الحصول على العلاج الإشعاعي في الولايات المتحدة فإنه لم يجد من يتبرع له بالكلية. وبالطبع لم يتوقع سولوك 78، اليهودي الإيراني الذي هاجر قبل عدة عقود، أن يجد كلاهما في بلاده. لكنه كان جالسا خلال الشهر الجاري بإحدى الغرف المنعزلة بواحدة من أقدم المستشفيات الإيرانية لقضاء فترة النقاهة بعدما تبرع له أحد الأصدقاء بإحدى كليتيه. فيقول «لقد أنقذوا حياتي هنا. وأتمنى أن يعالجوني الآن».

ففي إيران يوجد ما يقدر بنحو 850 ألف من مرضى الكلى، والقلب، والسرطان الذين يصارعون الزمن. وعلى الرغم من أن هؤلاء المرضى في حاجة ماسة إلى العلاج التالي للعمليات الجراحية والذي يتم باستخدام العلاج النووي، يؤكد الأطباء وعلماء النووي إن الإنتاج المحلي سوف يتوقف عندما ينتهي وقود المفاعل النووي البحثي في طهران وهو ما قد يحدث خلال الربيع المقبل. فيقول غوامريزا بورماند، الأخصائي الذي كان يعمل على علاج سولوك باستخدام تكنيشيوم - 99، وهو من العلاجات الإشعاعية الذي يستخدم لإجراء الفحوصات باستخدام أجهزة المسح الضوئي «الأمر بهذه البساطة، إذا لم نحاول مساعدتهم، سيموتون». وفي ظل التناقص المستمر للعلاج النووي، يدور جدل مستمر حول برنامج إيران النووي خاصة الجدل المتعلق بالصفقة التي أبرمتها مع القوى العالمية حول إمداد المفاعلات البحثية بالوقود النووي. وعلى غرار العديد من المناحي الأخرى للبرنامج، يثير الجانب المتعلق بالعلاج النووي جدلا واسعا. وتؤكد إيران أن العقوبات التي فرضها عليها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بهدف الحد من أنشطة تخصيب اليورانيوم تؤثر إلى حد كبير على القطاع الصحي بها. فعلى سبيل المثال، يقول المسؤولون الإيرانيون إنه ليس مسموحا لهم باستيراد أجهزة الفحص الضوئي الطبية الأميركية الحديثة أو المصنوعة في أوروبا، التي تساعد على التشخيص المبكر للأورام السرطانية نظرا لأن بعض أجزائها ربما تفيد البرنامج النووي، كما أنهم يؤكدون أن العقوبات التي تم فرضها في 2007 منعت إيران كذلك من استيراد النظائر الطبية.

ولكنّ المسؤولين بكل من الولايات المتحدة والأمم المتحدة يؤكدون أن إيران تستطيع شراء النظائر التي تحتاج إليها؛ حيث يسمح قرار مجلس الأمن باستيراد بعض الأشياء النووية الأساسية التي تستخدم في «الطعام، الزراعة، الأغراض الطبية أو الإنسانية». وهم يرجحون أن إيران ترغب في إنتاج النظائر الطبية لأنها أرخص، كما أنها يمكنها الاعتماد عليها في ظل التناقص العالمي الحالي.

على أية حال، ففي أعقاب توقف الواردات في 2007، بدأت إيران الانتفاع من مفاعل الأبحاث النووي الذي كانت تزوده الولايات المتحدة بالموارد في طهران. وفي البداية كان ذلك المفاعل يعمل لمدة نصف يوم أسبوعيا لإجراء الاختبارات ولكنه يعمل بشكل شبه دائم في الوقت الراهن. وفي يونيو (حزيران)، أخبرت إيران الوكالة الدولية للطاقة الذرية بأن الوقود الذي حصلت عليه من الأرجنتين في عام 1993 سوف ينفد بنهاية 2010 وهي التوقعات التي ربما يكون قد تم رفعها حاليا. ولكن عقوبات الأمم المتحدة تمنع إيران من شراء المزيد من الوقود من السوق العالمية.وتؤكد إيران أنها قادرة على إنتاج ما تحتاجه من الوقود على الرغم من أنها سوف تثير بذلك الغضب الدولي لأنها سوف تحتاج ليورانيوم مخصب إلى 19.75% وهو مستوى من التكنولوجيا يقارب ما يحتاجه إنتاج السلاح النووي. يقول محمد غنادي، نائب رئيس منظمة إيران للطاقة الذرية «نفضل شراء الوقود وفي أقصر وقت ممكن».

ويشرف غنادي من مقر القيادة الذي تحميه الأسلحة المضادة للطائرات على المفاعل العامل الوحيد لإيران بمدخنتيه البنيتين اللتين ينبعث منهما الدخان الأبيض. وكرئيس لوحدة الأبحاث ووحدة التطوير بمنظمة الطاقة النووية الإيرانية، تم منع غنادي من السفر بموجب العقوبات الدولية. يقول العالم الحاصل على تعليمه من الجامعات البريطانية «نستطيع تخصيب اليورانيوم بأنفسنا. ولكننا سوف تعترضنا عقبات تقنية. كما أننا لن نتمكن أبدا من إنجاز ذلك في الوقت الملائم لإنقاذ مرضانا».

ومن جهة أخرى، يقول الخبراء النوويون الأميركيون إن كبرى الصعوبات التي تواجه إيران هي أنها تحتاج إلى قضبان الوقود للمفاعل النووي. وبموجب صفقة اقترحتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية، سوف تسلم إيران 1200 كيلو من اليورانيوم المخصب والذي تزعم استخدامه في مصانع الطاقة النووية، تقوم روسيا في مقابل ذلك بتخصيب اليورانيوم الذي تحتاجه بنسبة 19.75 وفي الوقت نفسه تقوم فرنسا بتحويله إلى قضبان وقود لمفاعل طهران. وسوف يكون على الولايات المتحدة التأكد من تمام العملية بأمان في المفاعل المعمر. وتخشى القوى العالمية من أن تحول إيران المخزون الذي لديها في أحد الأيام إلى يورانيوم عالي التخصيب يمكن استخدامه كمواد قابلة للانشطار في الأسلحة النووية.وبعدما أعلنت مبدئيا عن قبولها العرض في الأول من أكتوبر (تشرين الثاني) طالبت إيران بالحصول على المزيد من الضمانات لاستلام وقود المفاعل، كما أبدت امتعاضها من استغراق تلك العملية لأكثر من عام كامل وهو ما يمثل مدة طويلة من وجهة نظرها. وخلال الأسبوع الماضي، اقترح وزير الخارجية الإيراني منوشهر متقي تبادل كميات أقل من اليورانيوم على مراحل مختلفة بدلا من أن تتم العملية بأسرها في مرة واحدة. كما اقترحت إيران أن يتم التبادل في جزيرة كيش؛ منتجع سياحي إيراني بالخليج العربي. ولكن إدارة أوباما قالت إن ذلك الاقتراح لا يتوافق مع خطة الأمم المتحدة.

ومن جهة أخرى، قال مسؤول بارز بالإدارة الأميركية «إذا ما كانت إيران ترغب في إنتاج تلك النظائر الطبية المشعة بنفسها فسوف يكون عليها قبول عرض الوكالة الدولية للطاقة الذرية» وقبول وقود المفاعل. كما أكد أن كافة الأطراف تتعهد بموجب الصفقة بتوصيل القضبان الأساسية في الوقت المحدد للحفاظ على استمرار عمل المفاعل. ويصف غنادي الجدل الدائر بأنه قضية إنسانية وليست سياسية. فيقول «إن ذلك يتعلق بالإنسانية... فعندما يكون شخص ما مريضا يجب علينا أن نعطيه الدواء. أعطونا الوقود وسوف نقوم بإنتاج العلاج الإشعاعي». ويقول غنادي إنه في الماضي كانت العقوبات تعوق تقدم العلاج النووي الإيراني الذي يتم تقديمه في نحو 120 مستشفي. «ولكننا عندما توقف شحن النظائر الطبية، اضطررنا إلى تصنيعه بأنفسنا. ويقول الأطباء إنه لمدة شهرين لم يكن من الممكن علاج المرضى مما جعل المستشفيات في حالة من الفوضى. ولكن في الوقت الراهن، يجلس المرضى الذين يحتاجون إلى العلاج النووي بمستشفى «شريعتي» بطهران في غرفة انتظار صغيرة بالقرب من جهاز الفحص الألماني الذي يحتاج إلى أن يستبدل.ومن جهة أخرى، يقول محسن ساغاري طبيب الأمراض الباطنية الذي درس بجامعة جونز هوبكنز «عندما يتحدثون عن حقوق الإنسان يجب عليهم أن يتذكروا أن مرضانا لهم حقوق. فالولايات المتحدة تحاول حاليا منعي من تطبيق ما تعلمته في الولايات المتحدة في إيران». وأخيرا، يقول سولوك، المريض إيراني المولود أميركي النشأة، إنه يعتزم كتابة رسالة إلى المسؤولين عن الصحة في أميركا يشرح لهم فيها تجربته في إيران. فقال بصوت واهن على إثر عملية زرع الكلية «لا أؤمن بهذه العقوبات. إنهم يضرون الأشخاص العاديين وليس القادة. ما نفع ذلك؟»

*خدمة «واشنطن بوست» خاص: «الشرق الأوسط»