الاعتداء على حافلة سورية بعد ساعات من زيارة الحريري لدمشق

وقع الهجوم في منطقة عسكرية.. وسورية تطالب بمعلومات «دقيقة» و«تفصيلية»

TT

بعد ساعات فقط على عودة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري من دمشق، في زيارة وصفت بأنها «تاريخية»، وأنهت خمس سنوات من التوتر بين البلدين، تعرض باص سوري للاعتداء، على الطريق الدولية الشمالية التي تربط لبنان بسورية مما أدى إلى مقتل المواطن السوري عبد الله. ع.ع (مواليد 1992). فبينما كان باص سوري ينقل 25 راكبا، منطلقا عند الساعة الثانية والنصف من فجر أمس، نحو الحدود السورية، تعرض لرشق ناري أثناء مروره في منطقة دير عمار (نحو 5 كلم من مدينة طرابلس)، مما أدى إلى وفاة أحد ركابه ونجاة الآخرين. واختفى مطلق النار. رئيس بلدية دير عمار أحمد عيد قال لـ«الشرق الأوسط» إنه توجه بعد وقوع الحادث مباشرة إلى الموقع فوجد الأجهزة الأمنية قد سبقته وبدأت تعاين مكان الجريمة، فيما بدا الناجون متأثرين جدا، وغالبيتهم من العمال الذين يأتون إلى لبنان للعمل.

وأضاف عيد وهو يحاول أن يقرأ دلائل ما حصل ومؤشراته «في بلدة دير عمار نحو 500 عامل سوري بسبب وجود مصانع بلاط وطوب فيها. هؤلاء مقيمون معنا ويعاملون كأنهم من أهالي البلدة، ولم يسبق أن اعتدى عليهم أحد.

الباص تمت مهاجمته على الطريق الدولية أي بعيدا عن البيوت والمناطق السكنية، وكان يمر على الطريق الدولية في منطقة تعتبر عسكرية، لأن فيها ثكنات ومراكز للجيش، والاعتداء وقع على بعد 50 مترا من أحد الحواجز العسكرية، وعلى مسافة 250 مترا من حاجز آخر. وقد تسلل الفاعلون إلى ملعب رياضي بمحاذاة الطريق، يفصله عنها منحدر صغير اختبأوا فيه ورشقوا الباص برشقة خزان واحد، إذ تم العثور على بقايا الرصاص في موقع الحادث».

وحول ما إذا كان قد ألقي القبض على مشتبه بهم أو تمت مداهمة بيوت، يجيب رئيس البلدية بأن حارسا واحدا موجودا في تلك المنطقة هو الآن قيد التحقيق، ولم يفرج عنه بعد، والسائق أيضا يتم استجوابه لمعرفة ما رآه، إضافة إلى شخصين آخرين». ويؤكد رئيس البلدية أن «القوى والأجهزة الأمنية تأخذ الأمر بجدية عالية، وقد ضربت طوقا حول المكان، واستعين بالكلاب البوليسية والخبراء الجنائيين». ويقول صالح الخير، النائب السابق عن منطقة المنية القريبة من دير عمار، «إن العملية قد تكون فردية وربما شاركت فيها أجهزة استخباراتية. فهناك متضررون من المصالحة اللبنانية السورية أو حاقدون، وهؤلاء يحتاجون لبث الفوضى في الأجواء». ويقول أحد سكان المنطقة الذي رفض الكشف عن اسمه «هي ليست المرة الأولى التي يتم فيها إطلاق نار على مواطنين سوريين يمرون على الطريق الدولية. فمنذ نحو السنة، وأثناء حصول الاضطرابات بين الموالاة والمعارضة، قام البعض بالاعتداء على مسافرين سوريين يستخدمون الطريق للوصول إلى بلادهم. وقد أجريت تحقيقات حينها لكنها كانت صورية، بسبب حالة الفوضى والانقسامات السياسية التي كانت سائدة وتم تجاهل المرتكبين. لكننا علمنا أن أحد المعتدين تم توقيفه أثناء محاولته دخول الأراضي السورية، ولا أعلم ما الذي حلّ به».

وجدير بالذكر أن بلدة دير عمار تمتد من الطريق الساحلية الشمالية صعودا إلى الجبل، وهي على مقربة من مخيم نهر البارد الذي شهد أحداثا أمنية كبيرة منذ عدة سنوات، وأسهم أهالي دير عمار في القبض على من فر من عناصر تنظيم «فتح الإسلام» المتطرف حينها. والبلدة تدين بولاء كبير لرئيس الوزراء سعد الحريري، وانتخبته بأغلبية كبيرة في الانتخابات الأخيرة، ومع أنها لم تشهد اشتباكات تذكر أثناء الاضطرابات بين الموالاة والمعارضة فإن أحد الذين طاولتهم الاغتيالات السياسية في تلك الفترة، هو ابنها النقيب في قوى الأمن الداخلي وسام عيد، الذي قضى بعبوة ناسفة العام الماضي واتهمت سورية بتدبير العملية، خاصة أن وسام عيد كان أحد المسؤولين الرئيسيين للتحقيق في أمر التفجيرات والاغتيالات الإرهابية التي شهدها لبنان منذ عام 2005.

ومع أن الظروف قد تغيرت، فإن بعض جماهير 14 آذار، ومنهم موالون للمستقبل، لا يستوعبون بسهولة الانقلابات في المواقف السياسية، ويعبر بعضهم عن صدمته لرؤية مشهد العناق بين الرئيس السوري بشار الأسد ورئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري. لكن رئيس بلدية دير عمار يقول «إن البلدة تتضرر بشدة، من الاعتداء الذي حصل أمس، وإن مصالح تجارية وثيقة تربط الأهالي بسورية، والانفراجات ستفتح أبوابا للرزق لأهالي البلدة الذين سيكونون أول المستفيدين من المصالحة، وهم في غالبيتهم مع نهج الحريري الذي هو نهج وفاق وحوار». وتابعت السلطات السورية التطورات التي جرت في لبنان بقلق، وقالت مراسلة «الشرق الأوسط» في دمشق «إن وزير الخارجية السوري وليد المعلم أجرى، صباح اليوم (أمس) اتصالا هاتفيا بوزير الخارجية والمغتربين اللبناني علي الشامي «في شأن الحادث الإجرامي الذي تعرض له الباص السوري»، ولفتت إلى أن المعلم طالب خلال الاتصال بـ«إعلام سورية بالسرعة الممكنة بمجريات التحقيقات التي تجريها السلطات اللبنانية ونتائجها وتحديد الفاعلين ومن يقف وراءهم». وأضافت أن المعلم اتصل هاتفيا أيضا بالأمين العام للمجلس الأعلى اللبناني - السوري نصري خوري «لمتابعة الموضوع». وكانت وزارة الخارجية والمغتربين في لبنان قد تلقت كتابا خطيا من السفارة السورية تطلب فيه تزويدها بمعلومات دقيقة وتفصيلية حول الحادثة وردت عليها الوزارة بكتاب تؤكد فيه أن الجهات الأمنية تولي اهتماما بالغا للحادثة من أجل كشف الفاعلين. واستنكر وزير الخارجية والمغتربين اللبناني علي الشامي الاعتداء، خلال اتصال بنظيره السوري وليد المعلم لتزويده بالمعلومات المتوافرة عن الحادثة بعد أن أجرى عددا من الاتصالات بوزير الداخلية والبلديات زياد بارود وبقائد الجيش العماد جان قهوجي وبمدير المخابرات في الجيش اللبناني العميد إدمون فاضل، واصفا الاعتداء بـ«الآثم والإرهابي».

واستنكر سياسيون لبنانيون من الأكثرية والمعارضة، الاعتداء يوم أمس، واعتبروه محاولة للتخريب على ما ساد لقاء الحريري - الأسد من إيجابية. ومن جانبه تابع الرئيس الحريري موضوع حادثة إطلاق النار على باص نقل الركاب السوري، وأجرى لهذه الغاية اتصالات بالقيادات الأمنية المعنية، طالبا منها الإسراع في إجراء التحقيقات اللازمة لمعرفة الجناة وملاحقتهم بأقصى سرعة ممكنة وإحالتهم على الجهات القضائية المختصة. وكانت التحقيقات لا تزال جارية في مكان الحادث حتى ظهر أمس. وتفقد مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر والمدعي العام الاستئنافي في الشمال عمر حمزة يرافقهما قائد سرية طرابلس العقيد بسام الأيوبي الباص الذي تعرض للاعتداء واستمع لشرح مفصل من المحققين. وادعى مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر على مجهول في حادثة إطلاق النار وكلف الأدلة الجنائية رفع البصمات والتقاط الصور والشرطة العسكرية إجراء التحقيقات الأولية وأحال الادعاء إلى قاضي التحقيق العسكري الأول رشيد مزهر الذي طلب من الأدلة الجنائية إجراء التحقيقات الفنية والتقنية وضبط موقع الجريمة وانتدب القاضي فادي صوان لإجراء التحقيقات.

واستنكر النائب أحمد فتفت من «تيار المستقبل» إطلاق النار على الباص السوري في عكار ووصفه بأنه «حادث أمني مدبر»، لافتا إلى أن «هناك من يحاول أن يحدث فتنة». وأوضح أنه «تم التعرض منذ أيام لصورة الرئيس الحريري في المنطقة نفسها»، مؤكدا أن «هناك مَن يحاول أن يعكر التوجه السياسي للرئيس الحريري وهذا التخريب خارج نطاق أي تأييد شعبي».