كينيا تستعد للأسوأ.. بعد عامين على العنف والتسوية السياسية الهشة

أفراد القبائل يتسلحون والحكومة تتحرك ببطء لاحتواء تداعيات المأساة

TT

بعد مرور عامين على أحداث العنف التي أعقبت الانتخابات الكينية التي وضعت هذا البلد على حافة الحرب الأهلية، تعلم جوزيف نغارويا ركوب الدراجة باستخدام ساق واحدة، حيث لم تشف جراح ساقه الأخرى الناجمة عن طعنات بالمنجل. تعلم نغارويا التسامح مع جيرانه الذي يعتقد أنهم ضربوه حتى أوشك على الموت وحرقوا الكنيسة؛ مما أسفر عن مقتل 36 شخصا في واحدة من أسوأ أيام الاقتتال العرقي. لكنه يقول إنه لم يستطع قط تصديق أسفهم عن تلك الأحداث، كما لم يستطع الإيمان بإمكانية تحقيق العدالة التي لن تجعله مضطرا لشراء سلاح آلي إذا تمكن من جمع المال اللازم لشرائه.

يقول نغارويا، 38 عاما، الذي كان ضمن مئات الآلاف من الجيكويو الذين نزحوا من المناطق الزراعية الغربية على أيدي مسلحي الكالنجين القبليين بعد انتخابات ديسمبر (كانون الأول) 2007 المتنازع عليها: «ليس من الممكن أن نظل غير مسلحين. كما كنا قبل ذلك؛ في المرة القادمة سيكون الأمر أسوأ بكثير».

وعلى الرغم من صفقة اقتسام السلطة وأجندة الإصلاح، فإن الوضع في البلد ما زال معرضا للانهيار، ويقلق المسؤولون الأميركيون الذين يحاولون التعامل مع بعض المخاطر الأخرى في تلك المنطقة؛ حيث تحارب الصومال التي تقع على الحدود الشرقية لكينيا المتمردين المتصلين بتنظيم القاعدة، كما أن السودان التي تقع على حدودها الشمالية الغربية على وشك الدخول في حرب أهلية، وبالتالي فإنه وفقا لمسؤولين أميركيين أصبح استقرار كينيا يمثل أمرا أكثر حيوية من أي وقت مضى.

إلا أن التحالف القائم بين الرئيس مواي كيباكي وقائد المعارضة رايلا أودينغا الذي أصبح رئيسا للوزراء ما زال يرزح تحت وطأة السياسة القبلية التي قادت في الأساس للعنف. كما أن الحكومة تتحرك صوب الإصلاح ببطء وتعوق أي محاولات قضائية محلية لمحاكمة المتهمين بالتحريض على العنف الذي يعتقد أن كثيرين من النخبة السياسية الكينية كانوا متورطين فيه.

وقد أعلنت المحكمة الجنائية الدولية مؤخرا عن عزمها على إجراء تحقيق خاص بها يرجح أن يركز على عدد قليل من القادة الذين يشتبه في تزعمهم أحداث العنف. ويقول كين وافولا مدير مركز «حقوق الإنسان والديمقراطية»، الكيني: «يختبئ الناس والقادة خلف الغطاء القبلي لأنه يمنحهم الإحساس بالأمان. ما لم يتم عمل شيء بذلك الخصوص، فإننا ننتظر الانفجار الذي سيكون كارثيا».

ربما يكون الوضع أكثر هشاشة في وادي الأخدود العظيم الذي تكسوه الخضرة من أي مكان آخر؛ حيث بدأت أسوأ أعمال العنف العرقية في تلك المنطقة الغربية بعدما وجه أودينغا إلى كيباكي الذي ينتمي إلى الجيكويو اتهاما بسرقة الانتخابات الرئاسية لعام 2007. وما تلا ذلك وصفه المحققون بأنه حمام دم مخطط له؛ قام فيه أنصار أودينغا الذين ينتمون إلى كالنجين بإحراق المنازل والمزارع ودفع المنتمين لجيكويو إلى وادي الأخدود الكبير بالسهام والمدي الضخمة. وسرعان ما قام المنتمون لجيكويو بجمع أنصارهم للانتقام من أنصار أودينغا. وقد بلغت الحصيلة النهائية لتلك المعارك نحو ألف قتيل.

وعلى الرغم من أن الحسابات القبلية ربما تختلف هذه المرة وفقا للتحالفات السياسية في العاصمة نيروبي، فإن الناس يتحدثون بما يشبه اليقين حول احتمالات تكرار أحداث العنف إلا أنها ستكون هذه المرة بالأسلحة النارية. ووفقا لوافولا وغيره، فإن كلا من كالنجين أو جيكويو يعمل حاليا على إعداد فرق مسلحة للدفاع عن نفسه، بعضها يشتمل على قيادات عسكرية. وعلى الرغم من أن التقارير التي ترصد شراء الأفراد للأسلحة النارية يصعب التحقق من صحتها، وتشدد القوانين الكينية التي تحذر من شراء الأسلحة النارية، فقد تمكنت قوات الشرطة الكينية في بداية الشهر الحالي من ضبط نحو 100 ألف من الذخيرة والأسلحة النارية المتطورة والزي الرسمي العسكري الذي تم تهريبه بمساعدة بعض أفراد الشرطة المحلية، مما منح تلك المزاعم بعض المصداقية.

من جهته، قال جوزيف ناغويرا وهو يجلس في منزله الطيني إنه يعرف كيف يحصل على سلاح ناري عندما يصبح مستعدا. ويقول صاحب المتجر سابقا الذي أنقذ زوجته وابنته وأولاده الأربعة من الكنيسة المشتعلة: «إذا ذهبت إلى منطقة المستنقعات على الحدود الأوغندية، لن تخفق في الحصول عليه».

كان ذلك في المساء، عندما مر ناغويرا بأصابعه على جراح المنجل الذي مزق وجهه وترك شجا في جمجمته. كان قد ضجر من ركوب الدراجة يوميا إلى المدينة التي يبحث فيها عن عمل من دون جدوى؛ حيث يبدو أن محال البقالة، والمحال التجارية، والحافلات، وشركات الشاحنات أصبحت أكثر ميلا لتعيين الأشخاص المنتمين إلى الكالنجين هذه الأيام. وذلك نظرا لاحتمال تعرض الأعمال التي يعمل بها المنتمون إلى الجيكويو إلى الحرق كما حدث في المرة الماضية.

ويقول ناغويرا إنه بعدما فكر في الأمر، خلص إلى أن أزمة ما بعد الانتخابات قد علمته ليس فقط أن القبلية هي أداة مدمرة للنخبة السياسية ولكن أن قبيلته ربما تكون هي ملاذه الوحيد منذ الآن. وقد اكتشف أن الكالنجين قد عقدوا عزمهم على الشيء نفسه.

يذكر أن منطقة كيامبا، التي يسكنها أفراد قبيلة الجيكويو التي تكسوها الحقول الصفراء والطرق ذات التربة الحمراء، لم يتبق من سكانها سوى النصف بعد أن انتقلوا للعيش في خيام النازحين. وفي مكان احتراق الكنيسة، أصبح هناك صفان من الصلبان الخشبية تكسوهما الأعشاب وهما يمثلان قبر الأشخاص الذين ماتوا داخل الكنيسة الذين كانوا في معظمهم من النساء والأطفال.

ما زال التوتر هنا في ذروته حيث اعترض قادة الكالنجين المحليين على بناء مزيد من المقابر الأسمنتية الدائمة أو التذكارية قائلين إنها ستكون بمثابة اعتراف بالذنب. ومن بين المعترضين كان ألفريد كملاماي بور، أحد المسنين من الكالنجين النافذين الذي تقع مزرعة عائلته الفسيحة على الجانب الآخر من السلك الشائك لكيامبا. وهو أحد المتهمين بتمويل المسلحين الكالنجين الذين انطلقوا من مزرعته لمهاجمة جيرانه في كيامبا، وهي التهمة التي ينفيها. وقد مثل أولاد بور مؤخرا أمام المحاكم الكينية بتهمة إدارة المسلحين ومساعدتهم على حرق الكنيسة وهي المحكمة التي قال هنا العديد من ضحايا جيكويو إنها فاشلة.

يطلق بور، 88 عاما، على جيرانه صفة «اللصوص»، ويتهمهم بسلسلة من الممارسات القبلية البشعة ويصفها بالممارسات «غير المتحضرة». قبل الانتخابات، كان آل بور يشترون السكر وغيره من البضائع من الباعة الذين ينتمون إلى الجيكويو في كيامبا. وكان الجيكويو يدخلون مزرعة بور للحصول على اللبن والذرة. وعدا بعض الاستثناءات لم يتم استئناف تلك الأمور البسيطة.

ويقول إيمانويل أحد أبناء بور إنه لا يتفق مع آراء والده، على الرغم من أنه يشعر بأنه مقيد بها على نحو ما. فعندما وصل المسلحون إلى مزرعته في يوم رأس السنة، كان العدد على حد علمه يبلغ ألف شاب، وجوههم ملطخة بالطين لإخفاء هويتهم. وأضاف إيمانويل إنه لم يكن أمامه خيار سوى التظاهر بالانضمام إليهم، لأنه إذا أعرب عن رفضه للمشاركة، كان سيعرض نفسه لخطر القتل. وعندما وصل إلى الكنيسة المحترقة، شعر أن عليه المشاركة. وقال إنه كان أمر المسلحين بفتح الكنيسة قبل انهيار البناء، مؤكدا أنه ذهب إلى هناك لإنقاذ جيرانه وليس لإحراقهم.

سار خارجا من منزله وعبر أحد الحقول ووقف إلى جانب السلك الشائك داخل كيامبا؛ كان الظلام قد أوشك على الحلول وكان المكان قد أصبح هادئا على نحو مريب. ويقول بور وهو يسير إلى جانب المنازل المحترقة: «لقد كان هذا المكان صاخبا يعج بالناس. لكن استمع الآن، ليس هناك إلا الوطاويط». هناك بعض الجيران من الجيكويو الذين يصدقون رواية إيمانويل الذين أصبح يطلق عليهم صفة الخونة. بينما قال البعض إنهم حتى وإن أرادوا تصديق مثل تلك الرواية فإنهم لا يستطيعون. ويقول ريجينا موثوني نيوكوبي الذي ماتت أمه على الكرسي المتحرك في حريق الكنيسة الذي يحلم بالانتقام أحيانا: «لا نعرف ما الذي يخططون له. ولا نعرف ما الذي في قلوبهم».

خدمة «واشنطن بوست».

خاص بـ«الشرق الأوسط».