أزمة سياسية جديدة في السودان بعد إقرار قانون الاستفتاء.. والبرلمان ينهي أعمال دورته

انسحاب نواب الحركة الشعبية من البرلمان بسبب فقرة تدعو لمشاركة الجنوبيين في الشمال في الاستفتاء

مساعد الرئيس السوداني نافع علي نافع خلال مؤتمر صحافي عقده أخيراً مع الأمين العام للحركة الشعبية باقان اموم (أ.ف.ب)
TT

اندلعت أزمة سياسية جديدة أمس بين شريكَي الحكم في السودان بعد أن أقر البرلمان قانون الاستفتاء حول استقلال الجنوب المقرر إجراؤه عام 2011 على الرغم معارضة الحركة الشعبية الحاكمة في الجنوب.

وقرر نواب الحركة مقاطعة جلسات المجلس الوطني (البرلمان) احتجاجا على إقرار القانون بعد تعديل فقرة فيه، واتهمت حزب المؤتمر الوطني الحاكم الذي يتزعمه الرئيس السوداني عمر البشير بالتراجع عن اتفاق تم التوصل إليه الأسبوع الماضي بشأن هذا القانون.

ويقضي القانون الذي أقره المجلس الوطني باستقلال الجنوب في حال تأييد 51% من الناخبين لهذا الخيار ولكن بشرط أن يشارك في الاقتراع 60% من الناخبين على الأقل. واعترض نواب الحركة الشعبية لتحرير السودان وأحزاب جنوبية أخرى على بند في القانون ينص على أن يقترع الناخبون الجنوبيون المقيمون في شمال السودان أو خارج البلاد في أماكن إقامتهم. وانسحب النواب الجنوبيون من الجلسة احتجاجا إذ كانوا يطالبون بأن تتم عملية تسجيل واقتراع كل الناخبين في الجنوب فقط. ويعتبر الجنوبيون أن هذا البند في القانون جوهري لأنه من دون اقتراع كل الناخبين في الجنوب فإنهم لن يتمكنوا من الإشراف على العملية الانتخابية برمتها.

وعُرض القانون على التصويت وجرى إجازته بـ«الأغلبية الميكانيكية» بعدها بالتضامن مع نواب الحركة نواب التجمع المعارض ونواب «سلام دارفور». وأعلن رئيس البرلمان انتهاء عمر البرلمان الانتقالي اليوم، وعدم وجود أي اتجاه لتمديد الجلسات. ووصف نائب رئيس الحركة الشعبية الدكتور رياك مشار في مؤتمر صحافي عاجل دعا إليه بعد الجلسة التي شهدت تطورات درامية- إجازة القانون بأنها «طعنة في قلب الثقة بين شريكي الحكم». واتهم حزب المؤتمر الوطني بالتنصل عن الاتفاق حول القانون. وقال إن الحركة الشعبية لن تحضر جلسات البرلمان، ولن تدع ما حدث في جلسة أمس أن يمر، ومع ذلك قال إن حركته هي لتواصل الحوار حول القانون مع حزب المؤتمر الوطني.

وقال مشار إن القانون جرى الاتفاق عليه بأن يجاز كما هو، وذلك في اجتماع اللجنة السياسية بينه وبين نائب الرئيس على عثمان محمد طه، كما تمت إجازته في مجلس الوزراء في جلسة وُصفت بأنها تاريخية. واستغرب: «كيف بعد كل هذا يتنصل حزب المؤتمر الوطني من الاتفاق؟»، وقال إنه يرى أن ما حدث من تنصل يكشف وجود خلافات داخل حزب المؤتمر الوطني. وقال القيادي في الحركة الشعبية ياسر عرمان في مؤتمر صحافي: «ما تم اليوم لا علاقة لنا به وهو أسوأ وأفدح خطأ يُرتكب في حق اتفاقية السلام الشامل». وأضاف الأمين العام المساعد للحركة: «منذ اليوم لن ندخل جلسات البرلمان إلى أن تتم معالجة الأمر». وتابع: «ليس مقبولا سياسيا أن تتفق مع الناس (على أمور محددة) وتعود لتنقض اتفاقاتك».

ووُصفت الجلسة أمس بأنها عاصفة، وشهدت ملاسنات، كما تبادل خلالها نواب المؤتمر الوطني والحركة الشعبية الاتهامات. ونص القانون على إجراء الاستفتاء في التاسع من يناير (كانون الثاني) 2011م قبل ستة أشهر من نهاية الفترة الانتقالية.

وتحدث البند الثالث من المادة السابعة والعشرين التي سُحبت من القانون وتسببت في الأزمة عن مراكز التسجيل والاقتراع، وينص على أنه «لا يجوز للناخب الذي تعود أصوله إلى أحد الأصول الإثنية في جنوب السودان ولم يكن مقيما إقامة دائمة دون انقطاع في جنوب السودان قبل أو منذ الأول من يناير 1956، لا يجوز لهذا الناخب المذكور التسجيل والاقتراع في المواقع الأخرى أي أن هؤلاء عليهم التسجيل والاقتراع في جنوب السودان فقط».

وشمل البند أيضا منع الناخب المقيم إقامة دائمة متواصلة دون انقطاع أو الذي أي من أبويه أو جديه مقيم إقامة دائمة ومتواصلة دون انقطاع في جنوب السودان قبل أو منذ الأول من يناير 1956م فقد تم منع هؤلاء أيضا من التسجيل والاقتراع في المواقع الأخرى بل في جنوب السودان فقط. وقبيل عرض القانون للتصويت طالب ياسر عرمان رئيس كتلة الحركة الشعبية في البرلمان علي أن يتم إجازة القانون دون أي حذف لأن ذلك ما تم الاتفاق عليه بين الشريكين في اللجنة السياسية برئاسة علي عثمان محمد طه نائب الرئيس والدكتور رياك مشار نائب رئيس الحركة الشعبية.

واحتدم الخلاف بين الشريكين عبر المداولات، ما دفع المنصة إلى رفع الجلسة لأكثر من ساعة ليتداول كتلتا المؤتمر الوطني والحركة الشعبية للوصول إلى اتفاق حول هذا البند، ولكنهم عادوا إلى قبة البرلمان مرة أخرى دون التوصل إلى اتفاق، ليطالب عرمان بإمهال كتلته حتى صباح الغد (اليوم) للوصول إلى اتفاق شامل وكامل، ولكن المنصة واصلت أعمالها في إجازة الدستور مما أدى إلى انسحاب نواب كتلة الحركة الشعبية لتحرير السودان.

ودافعت بدرية سليمان (مؤتمر وطني) رئيسة اللجنة البرلمانية لقانوني الاستفتاء لجنوب السوداني وأبيي عن المادة، وقالت في الجلسة إن «هذا النص يتعارض مع نصوص الدستور في المادة 42 في حرية التنقل فلا يصح أن يحرم الجنوبي المستوفي لشروط أهلية الناخب في سجل الاستفتاء من أن يدلي بصوته إلا في جنوب السودان وفي ذلك رهق له بأن يذهب ليسجل ثم يذهب ليقترع في جنوب السودان ولا يسمح له بالتسجيل أو بالاقتراع في المواقع الأخرى التي قد يكون فيها في تلك الأحايين رغم أن القانون يسمح بالتسجيل والاقتراع بجنوب السودان وحتى خارجه في المواقع الأخرى بولايات الشمال ودول المهجر المحددة في القانون متى كان الشخص مستوفيا لشروط أهلية الناخب». وذكرت أن جاستن جوزيف مارونا الرئيس المناوب للجنة عن الحركة الشعبية قد شارك في المداولات وإعداد التقرير ووافق على إلغاء هذا البند»، إلا أن الأخير نفى موافقته على هذا البند رغم أن التقرير كان يحمل إمضاءه.

من جانبه، وصف الدكتور غازي صلاح الدين البند الثالث من المادة 27 الذي تم إلغاؤه بأنه «مقيد، فالجنوبي من أصول جنوبية قديمة لا يستطيع أن يدلي بصوته في الاستفتاء إلا إذا ذهب وسجل في الجنوب، وهذا النص يقيد الحق الدستوري في التنقل». وحول المخاوف من أن تكون هذه الثغرة مدخلا للتزوير قال الدكتور غازي: «يمكن تلافي ذلك عبر آليات الرقابة وأن نشدد في من يحق لهم التصويت خارج حدود الجنوب».

وقال محمد أحمد حاج ماجد عضو البرلمان عن كتلة المؤتمر الوطني إن هنالك مفارقة وتناقضا في رفض الحركة للمادة بجعل أميركا والدول الغربية مؤتمنة على تسجيل واقتراع الجنوبيين في التسجيل والاقتراع في أماكنهم ويمنعوا من ذلك في الولايات الشمالية، وأضاف أن من حق أي جنوبي التسجيل والتصويت للاستفتاء في أي مكان وفقا لدستور البلاد الذي يسوي بين الناس.

أما النائب فوزي عبد الرحيم فقد أعلن رفض حزبه «وحدة وادي النيل» هذا القانون جملة وتفصيلا، مطالبا بوضع الضمانات الكافية في حالة الانفصال وأن تكون تلك الضمانات بحضور دولي. وقال النائب جوزيف أوكيلو وزير الشؤون البرلمانية إن المشروع تم إعداده بواسطة الشريكين ولم تشارك الأحزاب الأخرى في ذلك لذا على اللجنة أن تركز في تقريرها على الصياغة دون الإضافة والحذف. أما صالح حسب الله من «جبهة الشرق» فقد وصف مشروع القانون بأنه أسوأ قانون يمر على قبة البرلمان لأنه يفتت وحدة البلاد.

وحدد القانون الإجراءات المتعلقة بمفوضية استفتاء جنوب السودان من حيث الإنشاء والمقر، واستقلاليتها المالية والإدارية والفنية بجانب تكوينها وكيفية تشكيل عضويتها. وحدد القانون كيفية تنظيم الاستفتاء في جنوب السودان والمواقع الأخرى وماهية إجراءاته المتمثلة في إنشاء مكتب الاستفتاء بالجنوب واللجان العليا والفرعية وتشكيلها في ولايات الجنوب وبالمقاطعات ومراكز الاستفتاء بمقاطعات جنوب السودان في المواقع الأخرى التي حددت بشمال السودان وإثيوبيا، وكينيا، وأوغندا، وأستراليا، وبريطانيا، والولايات المتحدة الأميركية، وكندا، ومصر.

وتناول القانون شروط الناخب وإجراءات الاقتراع وضرورة أن يشارك في الاقتراع نسبة لا تقل عن 60% من الناخبين المسجلين وكيفية عد وفرز الأصوات انتهاء بإعلان النتيجة ليكون الخيار الفائز هو الذي يحصل على نسبة 50%+1. ونص القانون على اعتماد المراقبين واختصاصاتهم وكيفية سحب ذلك الاعتماد بجانب تمويل الاستفتاء والاستعانة بالمعينات الفنية والتقنية والالتزام بنتيجة الاستفتاء وترتيبات ما بعد الاستفتاء وفقا لما تقرره نتيجة الاستفتاء بأحد الخيارين، إما الوحدة وإما الانفصال وما يمكن أن يرتبه ذلك على طرفي اتفاقية السلام في ما يخص الجانب الموضوعي من الاستفتاء إذا كان الخيار هو الوحدة أو الانفصال وما يمكن أن يتم الاتفاق عليه في حالة الانفصال بخصوص الجنسية والخدمة العامة ووضع الوحدات المشتركة والمدمجة والاتفاقيات والمعاهدات الدولية، والأصول والديون، وحقول النفط وإنتاجه وترحيله وتصديره، وأثر ذلك على البيئة والمياه والملكية وأي وسائل موضوعية أخرى قبل انتهاء الفترة الانتقالية.