رعب في المكسيك بسبب «عمليات الانتقام» خلال حرب المخدرات

وداع تكريمي لعسكري قتل في حملة مناهضة للجريمة يتحول لمجزرة ضد عائلته

TT

كان وداعا مهيبا لأحد أبطال المكسيك. فقد حظي إنسين ميلكويسديد أنغولو كوردوفا، وهو بحار من القوات الخاصة قُتل الأسبوع الماضي خلال حملة تعد الأكثر نجاحا خلال أعوام قامت بها الحكومة ضد أحد أباطرة تجارة المخدرات، بتقدير كبير، حيث قام وزير البحرية بتسليم والدته العلم الذي أحاط بكفنه. لكن بعد ساعات قليلة من انتهاء العائلة المكلومة من عملية دفن الابن في مسقط رأسه، اقتحم مسلحون منزل العائلة وأمطروه بطلقات الرصاص وقتلوا والدته وثلاثة آخرين من أقاربه، حسبما قال مسؤولون. وكانت هذه نهاية مرعبة للعملية التي قادتها البحرية وأفضت إلى مقتل بارون تجارة المخدرات أرتورو بيلتران ليفا وستة من المسلحين التابعين له. وبدا أن الهدف من ذلك توصيل تحذير واضح للجنود الذي يتصدرون حرب الرئيس فيليب كالديرون ضد مجموعات «كارتلات» المخدرات داخل المكسيك. ومفاد التحذير: أنتم وعائلاتكم هدف لنا. وقد قُتل مدعون ورؤساء أقسام شرطة وآلاف آخرون خلال أعمال العنف التي شهدتها المكسيك، وفي بعض الأحيان كان يحدث هجوم على عائلات كاملة خلال محاولة اغتيال تقوم بها المجموعات المسلحة. ولكن السعي وراء عائلة البحار الذي كان قد مات بالفعل يعطي مثالا نادرا لعملية الترويع، حسبما ما يقول محللون، ويوضح ذلك التقدم البسيط الذي أحرزته الحكومة في أحد الأهداف ذات الأهمية البالغة: إعادة الشعور بالأمن والنظام للمكسيكيين المحاصرين في خط النار. ويقول غولرمو زيبدا، وهو خبير أمني يعمل لدى مركز أبحاث التنمية في مكسيكو: «سيكون هناك مزيد من عمليات الانتقام الرمزية والاستراتيجية، وسينتقمون من الشخصيات البارزة ومن جميع المشاركين».

في المعتاد يقوم أفراد القوات العسكرية وقوات الشرطة المشاركون في حرب المخدرات بتغطية وجوههم بأقنعة لإخفاء هوياتهم، ولكن تنشر الحكومة في المعتاد أسماء ضباط الشرطة والجنود الذي قتلوا في حرب المخدرات. وردا على عمليات القتل الأخيرة، قال الرئيس كالديرون: «هذه الأفعال الخسيسة دليل على انعدام الضمير لدى منظمات الجريمة التي تهاجم الأرواح البريئة، وهذا يشد من عزمنا في سعينا لاستئصال هذا الورم السرطاني الشاذ».

قتل المسلحون أرما كوردوفا بالما، والدة إنسين أنغولو، وشقيقته يوليدابي، 22 عاما، بعيد منتصف الليل، وهما نائمتان، حسبما قال مسؤولون في ولاية تاباسكو. وماتت العمة يوزفا أنغولو فلورز، 46 عاما، وهي في طريقها إلى المستشفى ومات بينيتو، شقيق إنسين أنغولو، بعد أن دخل المستشفى بوقت قصير. وجرحت أخت أخرى لم تحدد هويتها. وكان البحار إنسين أنغولو، 30 عاما، قد قتل في 16 ديسمبر (كانون الأول) الحالي عندما أحاطت قوات الجيش بمجمع شقق داخل مدينة كويرنافاكا، التي تقع على مسافة ساعة بالسيارة جنوب مكسيكو. وتمكنت قوات الجيش من محاصرة بيلتران ليفا، الذي يقول عنه مسؤولون أميركيون ومكسيكيون إنه من أشد أباطرة تجارة المخدرات المكسيكيين عنفا. وعلى الرغم من أن الرئيس كالديرون وصف مقتل بيلتران ليفا بأنه انتصار مهم في حرب المخدرات، فقد حذر مسؤولون فيدراليون من أن ذلك يمكن أن يتسبب في مزيد من أعمال العنف. وقال المحامي العام أرتورو شافيز في حديث مع الصحافيين صبيحة اليوم الذي تلا الغارة ضد بيلتران ليفا إن أتباعه سيتقاتلون مع بعضهم بعضا في نزاع حول من يحل محله على رأس الكارتل الذي يحمل اسمه. ولكن ما لم يتوقعه المسؤولون هو أنه سيكون من بين الضحايا مواطنون أبرياء. وخلال حرب المخدرات التي استمرت على مدار ثلاثة أعوام، قال مسؤولون مكسيكيون إن نسبة بسيطة من القتلى كانت بين غير المقاتلين. وفي الواقع، فإن غالبية القتلى يعتقد أنهم أعضاء في عصابات مخدرات سقطوا خلال عمليات تصفية حسابات. ويقول مسؤولون حكوميون إن نصف الجثث لم تطلبها عائلاتهم. ولكن، أظهرت الحكومة ضعف قدرتها على حماية كثير من قواتها خلال حرب المخدرات، بصورة أشد من ضعفها عن حماية المتفرجين الأبرياء. وفي إحدى الحالات في يوليو (تموز) الماضي، قتل مسلحون يشتبه في أنهم أعضاء كارتل، 12 ضابط شرطة فيدراليين داخل ولاية ميتواكان الغربية في رد انتقامي على إلقاء القبض على أحد قادتهم. وتظهر عمليات القتل الأخيرة مدى عرضة المدنيين للمخاطر. ويقول مسؤولون إن كثيرا من قوات الشرطة المحلية يعانون من الفساد المرتبط بأموال المخدرات ومَن ليسوا كذلك غير مناسبين لمواجهة عصابات المخدرات. وفي واحدة من أفظع الهجمات التي استهدفت مدنيين، ألقى أعضاء كارتل مفترضون قنابل يدوية وسط حشد يحتفل بيوم الاستقلال داخل مسقط رأس الرئيس عام 2008، وأدى ذلك إلى مقتل ثمانية أشخاص. وأشار ذلك إلى حالة الخوف التي يمكن للكارتلات إثارتها وقتما تشاء وأينما تحب على الرغم من تعبئة الآلاف من القوات ضدها. ويقول محللون إن المستويات الجديدة التي وصل إليها الإرهاب المرتبط بالمخدرات جاءت في الوقت الذي تحاول فيه عصابات المخدرات بث الخوف بين من يقاتلونهم. ويقول الخبير الأمني زيبدا: «قد يكون أي هدف عرضة للمخاطر. ويجب أن تتوقع الدولة ذلك».

* خدمة «نيويورك تايمز».