وزير خارجية المغرب: الجزائر توظف وسائل وإمكانيات ضخمة في حربها الدبلوماسية المفتوحة ضد الرباط

وزير الإعلام المغربي يدعو إلى عدم الخلط بين ملف أمينتو حيدر وحرية الصحافة

TT

جدد الطيب الفاسي الفهري، وزير الخارجية المغربي، استعداد المغرب للتعاون مع الأمين العام للأمم المتحدة، ومع مبعوثه الشخصي لتنفيذ قرارات مجلس الأمن بشأن الدخول في مفاوضات «مكثفة وجوهرية» حول نزاع الصحراء.

وكان الناطق الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة، قد أعلن قبل يومين أن كريستوفر روس، المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء، بصدد تحضير اجتماع ثان للمفاوضات غير الرسمية حول الصحراء في مطلع العام المقبل، دون أن يحدد تاريخ ومكان اللقاء. وكان مقررا إجراء اللقاء الثاني غير الرسمي بين المغرب وجبهة البوليساريو في مطلع الشهر الحالي، إلا أن بروز قضية الناشطة الصحراوية أمينتو حيدر، حال دون عقد اللقاء، الذي كان يرتقب أن يمهد الطريق أمام إجراء الجولة الخامسة من المفاوضات الرسمية بين طرفي النزاع. وقال الفاسي الفهري، الذي كان يتحدث مساء أول من أمس بمجلس النواب، ردا على سؤال وجه إليه من طرف الفريق النيابي لحزب العدالة والتنمية الإسلامي المعارض، حول مستجدات قضية الصحراء، إن «المغرب يجدد استعداده لإجراء «مفاوضات مكثفة وجوهرية على قاعدة الواقعية والتوافق، من أجل التوصل لحل سياسي نهائي في نطاق الثوابت والمقومات السيادية». كما جدد الفاسي اتهام الجزائر «بتوظيف وسائل وإمكانيات ضخمة في حربها الدبلوماسية المفتوحة ضد المغرب». وذكر الفاسي الفهري أن طي ملف حيدر «تم بعد قبول السلطات المغربية عودتها لأسباب إنسانية صرفة، وفي احترام تام للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل لدخول المغرب، وذلك استجابة للنداءات الودية من دول صديقة». واعتبر الفاسي الفهري أن «مثل هذه الحالات الفردية لا يمكن أن تحجب حقيقة وأبعاد هذا النزاع الإقليمي المصطنع الذي جعل مجموعة من المواطنين المغاربة طوال أزيد من ثلاثة عقود، يكابدون فوق الأراضي الجزائرية أبشع ويلات الاضطهاد والمهانة، في خرق سافر لأبسط الحقوق والمبادئ القانونية الدولية بما في ذلك حقهم في إحصائهم وتمتعهم بحماية كاملة من طرف المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، وهذا للأسف الشديد ما تصر الحكومة الجزائرية على رفضه».

وفي السياق ذاته، دعا عبد الإله بن كيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية المعارض، إلى وقف المفاوضات مع جبهة البوليساريو، إلى حين قبول الجزائر بإحصاء عدد سكان مخيمات تندوف (جنوب غربي الجزائر) من طرف المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، كما دعا قادة البوليساريو إلى مغادرة الجزائر والمجيء إلى المغرب.

وقال بن كيران الذي كان يتحدث الليلة قبل الماضية في برنامج تلفزيوني، بثته القناة التلفزيونية المغربية الثانية، إن الجزائر جعلت من نزاع الصحراء «قضية وطنية لاستمرار التوتر مع المغرب»، وأشار إلى ضرورة تجنب المغرب للقضايا ذات الطبيعة الحقوقية المرتبطة بالنزاع في الصحراء، في إشارة إلى قضية أمينتو حيدر، و«المراهنة على الحرية والعدل والديمقراطية» للتعاطي مع مثل هذه القضايا. وأضاف بن كيران أن ظهور «انفصاليي الداخل» أمر طبيعي، بسبب امتداد النزاع في الصحراء مدة 35 سنة، مشيرا إلى أن عدد الأشخاص الذين استقبلوا حيدر عند عودتها إلى العيون كان قليلا، وهو ما اعتبره «مؤشرا إيجابيا». يذكر أن المغرب والبوليساريو أجريا أربع جولات من المفاوضات منذ يونيو (حزيران) 2007، وكانت آخرها في مارس (آذار) من العام الماضي، تحت إشراف بيتير فان فالسوم، المبعوث الأممي السابق، الذي سبق أن صرح بأن «استقلال الصحراء أمر غير واقعي». وباشر روس، بعد تعيينه مبعوثا شخصيا للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء، مهمته بعقد أول لقاء غير رسمي بين المغرب والبوليساريو بالنمسا في شهر أغسطس (آب) الماضي، في إطار رؤية جديدة لإنهاء النزاع، عبر إجراء مفاوضات غير رسمية تمهد للمباحثات الرسمية بين الطرفين.

الى ذلك, اتهمت الحكومة المغربية خلال اجتماعها الأسبوعي أمس الجزائر بتوظيف ملف حقوق الإنسان كتعامل استراتيجي للالتفاف حول ما حققه المغرب من مكاسب دولية في سياق عرضه لمشروع الحكم الذاتي بالصحراء في نطاق السيادة المغربية، والتهرب أيضا من المفاوضات الهادفة، في الوقت الذي تؤكد فيه الأمم المتحدة والدول المؤثرة في النزاع على أن محور القضية ليس هو ملف تم التعامل معه من الناحية الإنسانية، وإنما الخوض في مفاوضات تتجه إلى عمق النزاع، وصولا إلى حل سياسي توافقي.

ودعت الحكومة إلى ضرورة اعتناء المنتظم الدولي بوضعية محتجزي (اللاجئين) مخيمات تندوف (جنوب غربي الجزائر)، معتبرة أن الجزائر تقف حجر عثرة أمام قيام المندوبية السامية للاجئين بإحصائهم كمدخل لمعالجة أوضاعهم الإنسانية المزرية.

وفي سياق ذلك، دعا خالد الناصري، وزير الإعلام المغربي، والناطق الرسمي باسم الحكومة، إلى عدم خلط الأمور بين الأزمة التي تمر بها الصحافة المغربية وملف أميناتو حيدر، إذ اعتبرها ناشطة انفصالية تخدم أجندة دولة جارة، جندت كل إمكانياتها الاستراتيجية للإساءة إلى المغرب منذ عام 1975.

وجاءت تصريحات الناصري خلال مؤتمر صحافي تلا اجتماع مجلس الحكومة.

وأضاف الناصري أنه عندما تعلق الأمر بإساءة لمقتضيات القانون، عرضت قضايا الصحافيين أمام المحاكم وعوملت كما يفرضه القانون، موضحا أنه إذا كان هناك من الصحافيين من له اعتراض على المعالجة القضائية، فأمامه طرق الطعن المعروفة، كما تتوفر لديهم كل إمكانية الدفاع عن أنفسهم في نطاق دولة الحق والقانون وما يؤمنه النظام القانوني والدستوري المغربي. وقال الناصري إن موضوع هذه الناشطة الانفصالية، متروك ليتعامل معه الوطنيون بما يلزم من الصرامة، وانطلاقا من الروح الوطنية.

وانتقد الناصري بعض الصحف المغربية التي تبحث لحيدر عن أعذار، وتقدمها كبطلة هزمت الدولة المغربية، وقال: «نترك للشعب المغربي أن يحكم على هؤلاء الصحافيين الذين سمحوا لأنفسهم بأن يصرحوا بأن الشعب المغربي تعامل مع هذا الملف بغرائز حيوانية.. أترك هذا للتاريخ». إلى ذلك، قال الناصري في شأن احتمال مشاركة المغرب في مجلس وزراء خارجية اتحاد المغرب العربي، الذي سينعقد في طرابلس الثلاثاء المقبل، إن الدولة المغربية إلى اليوم تعاملت دائما مع اتحاد المغرب العربي على أنه مؤسسة قائمة، على الرغم من التعقيدات التي تعرفها هذه الأخيرة. وأضاف أن المغرب يؤمن بأن مستقبل العلاقات المغاربية مسألة مقدسة، ويجب العمل على خلق الظروف المناسبة كي تتمكن مؤسسات اتحاد المغرب العربي أن تلعب دورها، مؤكدا على أن المغرب سيتخذ الموقف الذي يتناسب مع هذا التصور.