التواصل مع الجنود يتهدده الخطر بعد مذبحة فورت هود

ثغرات في النظام العسكري.. والقاعدة بحاجة إلى 40 معالجا نفسانيا لرعاية الصحة الذهنية للجنود

TT

في اليوم التالي لإقدام مسلح على قتل 13 شخصا هنا الشهر الماضي، بعث جنرال روبرت دبليو. كون، قائد القاعدة، رسالة عبر البريد الإلكتروني إلى جمهور استثنائي، وهو من العناصر المحلية المناصرة للجنود المتضررين والمتخلفين عن الخدمة في الجيش ورافضي الحرب، حيث أعلن أنه «قيل لي إنكم ربما تساعدونني في تفهم من أين نشأت بعض الثغرات التي ظهرت في نظامنا».

الأسبوع الماضي، وضع هذا الجمهور عرض جنرال كون على المحك، حيث أعلن أحد الجنود الذين تخلفوا عن الخدمة العسكرية رغبته في تسليم نفسه. وبات التساؤل المثار: هل سيساعد الجنرال في توفير الرعاية إلى جندي يعاني من اضطرابات ما بعد الصدمة العصبية؟

وجاء رد الجنرال بالإيجاب.

من جهته، قال جيمس برانوم، المحامي الموكل عن الجندي كريس جاسينسكي «لم أشهد في حياتي مثل هذا الأمر. إنه أمر غير معتاد قط أن يشارك القائد العام في مثل هذه القضايا».

لسنوات طويلة، كانت «فورت هود» بمثابة رمز للمؤسسة العسكرية المنتشرة على مساحة مفرطة في الاتساع، مع نشر الجنود لفترات طويلة، وتتسبب الضغوط العصبية المصاحبة للمهام القتالية في ازدياد معدلات الانتحار والطلاق وإساءة معاملة الزوجة والجريمة، حسبما أوضح خبراء بالصحة الذهنية.

الآن، بعد حادث إطلاق النار الذي وقع في 5 نوفمبر (تشرين الثاني)، تحاول القاعدة إظهار أن لها وجها آخر يوفر الرعاية للجنود الأكثر حساسية وتضررا من المهام القتالية.

على مدار الشهر الماضي، وجه البنتاغون عشرات الأطباء النفسيين والمعالجين وقساوسة للتواصل مع الجنود وأسرهم، وتعزيز الشبكة المعنية برعاية الصحة الذهنية في القاعدة، والتي تعاني من نقص مزمن في أعداد العاملين. وتولى البنتاغون الإشراف على إنشاء نظام جديد لتقديم الاستشارات حال التعرض لصدمات نفسية. وتعهد البنتاغون بتعيين العشرات من المتخصصين بمجال الصحة الذهنية على نحو دائم.

إلا أن هذه الجهود المتسارعة، رغم تلقيها إشادة حتى من جانب منتقدي سجل الجيش في التعامل مع الضغوط العصبية المرتبطة بالقتال، يجري النظر إليها باعتبارها اختبارا لمدى عزم المؤسسة العسكرية على التخلي عن نهجها السابق. ولا يزال تعزيز هذه التغييرات يشكل تحديا ليس فقط بالنسبة لـ«فورت هود»، وإنما للجيش بأسره في إطار سعيه الدؤوب لتحسين مستوى الرعاية المقدمة لأعداد متنامية من الجنود الذين أنهكتهم المهام التي يخوضونها.

الملاحظ، أن الكثير من المعالجين الذين جرى توجيههم إلى القاعدة حديثا رحلوا عنها. وعندما يرحلون جميعا، ستصبح القاعدة بحاجة إلى تعيين 40 معالجا إضافيا، حسبما أوضح جنرال كون. بوجه عام، يحتاج الجيش إلى 800 خبير بمجال الصحة السلوكية، حسبما أعلن مسؤولون بالبنتاغون.

وتتمثل المهمة الأشد وطأة في مكافحة الشعور بالنبذ والعار الذي يعانيه الجنود الذين يعترفون بمعاناتهم من مشكلات. وأوضح الجنرال أنه رغم دعم غالبية قادته للجنود الذين يعانون من مشكلات، فإنه «من حين لآخر يخفق قائد في الاضطلاع بهذا الأمر».في حالة الجندي جاسينسكي، أخبر أحد قادته والدته مؤخرا بأنه لا يعتقد أن نجلها يعاني من اضطرابات ما بعد الصدمة، حسبما ذكر برانوم والأم. منذ ذلك الحين، عكف أطباء على تفحص الجندي وخلصوا إلى أن لديه ميولا انتحارية.

من ناحية أخرى، قد تنطوي مسألة دفع الجنود للاستفادة من خدمات الدعم واسعة النطاق المرتبطة بـ«فورت هود»، والتي تم افتتاح غالبيتها قبل حادث 5 نوفمبر (تشرين الثاني) بفترة قصيرة، على صعوبة، ذلك أن الكثير من الجنود لا يزالون على غير دراية بالعلاج الجماعي وتوافر إمكانية استشارة قسيس طوال ساعات اليوم في إطار «مركز إعداد روحي»، حسبما أوضح أحد القساوسة.

ويعتمد برنامج لإعادة تأهيل الجنود يستمر لثلاثة أسابيع على عمليات تدليك للجمجمة واليوغا والوخز بالإبر بهدف الحد من التوتر العصبي الذي يصاحب الاضطرابات العصبية. إلا أن البرنامج يقتصر على التعامل مع 16 جنديا في المرة الواحدة.

من جهته، أبقى جنرال كون، خريج «ويست بوينت» الذي تولى القيادة هنا في سبتمبر (أيلول) الماضي، على سياسة أقرها سلفه تلزم القادة بالسماح لأفراد وحداتهم بالتوجه إلى منازلهم في الثالثة مساء أيام الخميس، وتحظر التدريب في عطلات نهاية الأسبوع، إلا بموافقة شخصية منه. إلا أن الشكاوى تتراكم بشأن وجود مهام إضافية تستلزم من الجنود حمل بعض العمل معهم إلى منازلهم.

ولا يزال من المبكر للغاية القول بما إذا كان مزيد من الجنود ينتفعون بالخدمات واسعة النطاق التي أصبحت توفرها «فورت هود». لكن الكثيرين أكدوا أن البرامج المستحدثة ساعدتهم على التأقلم مع المهام القتالية.

في هذا الصدد، قال لفتنانت كولونيل بيت أندريسياك، قائد الكتيبة 20 الهندسية «هناك الكثير من الأمور التي فعلها الجيش لنتمكن من خوض هذا الأمر». جدير بالذكر أن الكتيبة من المقرر أن تتجه إلى أفغانستان مطلع العام القادم، وقد فقدت في المذبحة التي وقت الشهر الماضي أربعة جنود، أكثر من أي وحدة أخرى بالجيش.

في المقابل، يرى بعض النقاد أن الخدمات الجديدة لن تعدو كونها إضافات شكلية حال عدم توفيرها لمزيد من الأفراد. وربما يوفر الجندي جاسينسكي دراسة حالة في هذا الصدد.

قضى جاسينسكي (23 عاما) الذي التحق بالخدمة العسكرية بعد إتمام دراسته بالمدرسة الثانوية عام 2005، 15 شهرا في محافظة ديالي، شمال بغداد. وأكد أقاربه أن هذه التجربة بدلته، حيث تعرض صديق له للقتل وفقد آخر أحد أطرافه. وأشار جاسينسكي إلى أنه أثناء خدمته في وحدة استخباراتية جمع معلومات جرى استغلالها في شن ضربات جوية أسفرت عن مقتل الكثير من العراقيين، ربما يكون بينهم مدنيون.

* خدمة «نيويورك تايمز»