الأميركيون العاملون في الصين يواجهون صداماً ثقافياً

اختلاف الأجور وطرق التعبير عن الرأي يثير مشاكل في الشركات المختلطة

TT

مع توجه مزيد من الأميركيين إلى الصين لتولي وظائف هناك، تعمل أعداد متزايدة من الصينيين والأميركيين جنبا إلى جنب. وفي الوقت الذي تحمل الشراكات العابرة للثقافات الكثير من المنافع، فإنها أيضا تسلط الضوء على الاختلافات في مجال الخبرة العملية ومستويات الأجور والاتصال. فخلال السنوات القليلة الماضية، سافرت أعداد متزايدة من الأميركيين في العشرينات والثلاثينات من أعمارهم إلى الصين للعمل هناك، انطلاقا من انجذابهم إلى النمو الاقتصادي السريع الذي تحققه بكين ومعدلات البطالة المنخفضة مقارنة بالولايات المتحدة. وعادة ما ينتمي زملاؤهم الصينيون إلى الفئة العمرية ذاتها. وأعرب فاس تاراس، بروفسور الإدارة بجامعة نورث كارولاينا في غرينسبورو، وهو خبير بإدارة مجموعات العمل المؤلفة من أفراد ينتمون لثقافات مختلفة، عن اعتقاده أن «التعاون الوثيق بين الدولتين بمجال النشاط التجاري والعلوم جعل من التعاون بين الصينيين والأميركيين أحد أكثر الشراكات شيوعا داخل أماكن العمل في الصين». بيد أن ذلك لا ينفي أن أفراد المجموعتين جرت تنشئتهما على نحو مغاير. والملاحظ أن الأميركيين كانوا أكثر عرضة لمبادئ السوق الحرة. وعن ذلك، قالت زينغ زهاو، 28 عاما، التي تعمل لدى «بلو أوك كابيتال»، وهي شركة أسهم خاصة مقرها بكين: «ترعرع الشباب الأميركي في بيئة تجارية. أما نحن فلا. وعليه، يتحول مكان العمل إلى عملية تعلم فريدة من نوعها بالنسبة لأبناء جيلي». ومعروف أن أبناء جيل زهاو ترعرعوا خلال الفترة التي أقدم خلالها دينغ زياوبينغ على تحقيق انفتاح صيني على الغرب، أو في أعقابها بفترة قصيرة. وبناء على هذه الخطوة، تحولت الصين من اقتصاد يخضع للتنظيم الحكومي إلى اقتصاد قائم بدرجة أكبر على السوق المفتوحة، كل ذلك خلال حياة هذا الجيل.

من ناحيته، أوضح سيان ليو، 28 عاما، مؤسس «نيوتشا»، وهو شبكة اجتماعية على شبكة الانترنت مقرها شنغهاي، أن الموظفين من الشباب الصيني غالبا ما ينضمون إلى بيئة العمل بخبرة عملية أقل. وربما أيضا يتسمون بتفهم أقل لمفهوم خدمة العملاء. وأضاف: «أعرف الكثير من زملائي الصينيين ممن لم يمروا بتدريب خلال الدراسة الجامعية»، على النقيض مما هو عليه الحال مع الطلاب في الولايات المتحدة. على ما يبدو، يدفع المديرون الذين يستعينون بموظفين في الصين مالا إضافيا مقابل الخبرة الغربية. وعادة، يتقاضى الأجانب رواتب أعلى من نظرائهم الصينيين بنسب تتراوح بين 10% و15%، حسبما ذكر مايكل نورمان، نائب رئيس «سيبسون كنستلنغ»، وهي شركة أميركية. وبطبيعة الحال، لفت هذا التباين أنظار العمال الصينيين. وفي هذا الصدد، أكد تنغ وانغ، 25 عاما، يعمل لدى «وايلد تشينا»، وهي شركة سياحة مقرها بكين، أن «هناك بالتأكيد اعتقادا أن الأميركيين يتقاضون أكثر منا عن نفس العمل». وفسر نورمان التباين بأنه نتاج ديناميكيات العرض والطلب. واستطرد قائلا: «إذا كانت هناك رغبة في الاستعانة بأجنبي لمعرفته الخاصة بالغرب، فإن الشركات تبدي استعدادها لدفع مزيد من المال». وعلى الجانب الآخر، يتمتع العمال الصينيون بتفهم أعمق لتأثيرات التوجهات الفكرية، مثل الكونفوشوية والشيوعية، على ثقافة واقتصاد بلادهم. وشدد نورمان، الذي يتناول قضايا الإدارة وقوى العمل داخل الشركات متعددة الجنسيات العاملة في آسيا، على أن من الضروري على الأميركيين العاملين داخل الصين التكيف مع البيئة الجديدة. وأضاف: «في الغرب، هناك جائزة مالية إضافية لمن ينجز المهمة سريعا، لكن عندما تنتقل للعمل في الصين، يصبح لزاما عليك تنمية قدرتك على الإنصات والتحلي بمزيد من الصبر والتفهم للأساليب المحلية للاضطلاع بالنشاط التجاري». يعد مينغ ألترمان، 25 عاما، المسؤول التنفيذي لدى «رازورفيش»، وهي شركة إعلام رقمي تتخذ من شنغهاي مقرا لها، الأميركي الوحيد بين 40 موظفا. وأكد أن الأميركيين بحاجة لتفهم أهمية بناء ما يدعى بالصينية «غوانشي»، وهو لفظ يشير إلى العلاقات، لكنه يحمل دلالات تمتد لما أبعد من الاضطرار لقضاء وقت لطيف مع الزملاء وتناول الغداء من الرؤساء من حين لآخر. وقال ألترمان: «في الصين، يتوقع أن تكون صداقة مع رئيسك والخروج معه والاختلاط اجتماعيا معه على نحو غير معتاد في الولايات المتحدة».

والملاحظ أن الصينيين المشاركين الآن في قوة العمل ترعرعوا وتلقوا تعليمهم داخل نظام يميل لمكافأة الطاعة والاستظهار من غير فهم. وفي المقابل، يتمتع أقرانهم الأميركيون بمساحة أكبر تمكنهم من توجيه أسئلة إلى المعلمين والتعبير عما يجول في خاطرهم، الأمر الذي يمكن أن يؤثر على الاتصال داخل بيئة العمل. كانت كورين ديلون، 25 عاما، تعمل بشركة متعددة الجنسيات في بكين، عندما لاحظت أن أقرانها الصينيين يبدون بعض التردد أحيانا إزاء التعبير عن آرائهم، الأمر الذي رأت أنه يضرب بجذوره في الاعتقاد بالترتيب الهرمي. وأعربت ديلون، التي تعمل حاليا مديرة لشؤون التسويق بـ«ثاتس ماندرين»، وهي مدرسة لغات مقرها بكين، عن اعتقادها أنه «نظرا لأن الأجانب غالبا ما يتقلدون مناصب أعلى في الشركات، أو حتى عندما لا يكون الحال كذلك، فإنهم يحظون باحترام ضمني، يثير هذا بعض الخوف في نفوس الصينيين حيال الإعلان المباشر عن اختلافهم في الرأي معهم خوفا من الظهور بمظهر مناف لقواعد الذوق والكياسة».

والملاحظ أن الاختلافات تترك تأثيرها على الجانبين. وأشارت زهاو، من «بلو أوك كابيتال»، إلى ذكرياتها بشأن تجربتها الأولى في العمل بوكالة في بكين تخضع لإدارة أميركية، وأوضحت أن ما اعتبره رئيسها حديثا مباشراً وصريحاً ترك في نفسها شعورا بالمذلة والإهانة. وقالت: «لا أزال أتذكر شعوري بالحرج البالغ عندما كان رئيسي يخبرني مباشرة في وجهي أن أمراً قمت به لم يرق له. أما الأسلوب الصيني لتوصيل الرسالة ذاتها فيحمل طابعا غير مباشر».

وشرح البروفسور تاراس أن أساليب الاتصال ربما تخلق تحديات داخل بيئة العمل، مضيفا أن «الأميركيين غالبا ما ينظرون إلى الصينيين باعتبارهم مترددين وأقل ثقة في أنفسهم وغير حازمين بالدرجة الكافية، بينما قد ينظر الصينيون إلى الأميركيين باعتبارهم وقحين وغير مراعين لمشاعر الآخرين». وأضاف: «ربما يسفر ذلك عن اندلاع صراعات وحدوث سوء تفاهم، ويؤثر كذلك على الترقيات واختيار المكلفين بمهام محددة، ويؤثر في النهاية على مجمل الأداء». لكن رغم هذه الصعاب، تحمل فرق العمل الصينية ـ الأميركية الكثير من الفوائد الاقتصادية والسياسية للبلدين. وقال نورمان: «تحتاج الصين إلى عمال يتفهمون الصين والغرب، بحيث تتمكن من تنمية حضور تجاري ونفوذ بالأسواق الخارجية. وبالمثل، يحتاج الأميركيون إلى أفراد يتفهمون الصينيين، من أجل ضمان القدرة على التنافس والتعاون». وأشار إلى أن عمل الأميركيين بجانب الصينيين في الصين يعد «أحد أفضل السبل لتعزيز هذا التفهم في المستقبل».

* خدمة «نيويورك تايمز»