مدن أميركية تدفع لسكانها حتى يغيروا مواقدهم.. حفاظا على البيئة

بعضهم يستجيب خوفا من الجيران «الجواسيس».. وآخرون يرفضون تمسكا بالتقاليد

TT

عشية عيد الميلاد، كانت المدفأة التي تعمل بالخشب تتلألأ في غرفة معيشة روزماري أوراتو، ينبعث منها الوهج والدفء وقدر قليل من الدخان. وذلك لأن روزماري قد استبدلت مدفأة جديدة بمدفأتها القديمة التي تم إرسالها إلى ساحة النفايات، على غرار ما فعله العشرات من سكان بلدة كين.

وتم هذا بعدما منحت الولاية ألف دولار لكل ساكن مقابل شراء موقد جديد يتوافق مع شروط الانبعاثات الحالية. ويقول ستيف بركينز، مالك المنزل الذي تسكن فيه أوراتو: «لقد كانت المدفأة القديمة مخيفة بعض الشيء».

ويعد ذلك البرنامج مقارنة ببرنامج «النقد في مقابل الأجهزة سيئة الحالة» الفيدرالي الذي ساعد الناس على استبدال سيارات أكثر ترشيدا لاستهلاك الوقود بالسيارات التي تسير بالبنزين، خطوة صغيرة على طريق الحصول على هواء نقي في المناطق الريفية في نيو إنغلاند، وهي المنطقة المعروفة بتمسكها بالتقاليد، والتي تتمسك بالمواقد التي تعمل بالخشب لأسباب عاطفية، على الرغم من أنها أصبحت خارج نطاق الزمن. ويستهدف ذلك البرنامج استبدال 100 موقد عتيق في كين، التي يبلغ عدد سكانها 23 ألف نسمة بحلول فبراير (شباط) القادم. ونظرا لأن تلك البلدة تقع في وادي، فإن الذرات الدقيقة للتلوث - النوع الذي ينجم عن حرق الأخشاب - تعلق على مقربة من الأرض خلال الأيام الباردة منعدمة الرياح. وهناك هيئات تقوم بإجراء مراقبات دقيقة للهواء، وترصد المستويات المقلقة من التلوث، وتضع قيودا متشددة على حرق الخشب.

وربما تمتد مثل تلك القيود إلى إصدار قرارات بمنع حرق الأخشاب أو ألواح الخشب المصنعة في المدفآت خلال بعض الفترات من العام، وذلك على غرار ما حدث في منطقة ساحل سان فرانسيسكو، حينما أصدرت الهيئة المسؤولة عن نقاء الهواء قرارا بمنع حرق الأخشاب في الكريسماس نظرا لوجود توقعات بطقس بارد وقلة حركة الرياح، وأكدت أنه على سكان المدينة الذين يرغبون في مشاهدة ألواح الخشب وهي تحترق أن يلجأوا إلى التلفزيون. يذكر أن، كين كانت واحدة من نحو 35 بلدة قدمت برنامج التبادل خلال السنوات الأخيرة، وذلك وفقا لهيئة حماية البيئة التي تشير تقديراتها إلى استبدال أكثر من 7500 موقد ومدفأة تعمل بالخشب. وقد جذب برنامج استبدال المال بالأجهزة العتيقة نحو 70% من السكان في كين، بينما أبدى البعض الآخر تشككا من منطلق أنهم يعرفون حالة مواقدهم أكثر من الموظفين البيروقراطيين الذين يبالغون في مخاطر تلك المواقد القديمة.

وتقول ديب فيرغسون، التي تعمل كوكيل عقاري، والتي قالت إنها كانت تحرق 4 كرد (مقياس للحطب يساوي 128 قدما مكعبا) خلال الشتاء الواحد في مدفأة «تيمبوود» العتيقة، إنها ذهبت لحضور أحد هذه الاجتماعات المتعلقة بذلك البرنامج ولكنها غادرت وقد ازدادت شكوكها. وتقول فيرغسون وهي تجلس إلى جانب طاولة مطبخها الخشبية في منزل دافئ يقع على مقربة من مزرعة خيول: «لا تسئ فهمي. فأنا أحب شراء الأشياء الجديدة. ولكن هناك الكثير من البيروقراطية الحكومية التي تحيط بذلك الأمر».

وفي شمال كاليفورنيا، اعتمدت إدارة المقاطعة لمراقبة نقاء الهواء على الجيران للإبلاغ عن أي انتهاكات.

ويتم إنذار الأشخاص الذين يتم ضبطهم وهم يحرقون الأخشاب خلال المرة الأولى ثم تغريمهم 400 دولار في المرة الثانية. وخلال الشتاء الماضي، حصلت الإدارة على أكثر من 1400 شكوى من 9 بلدات كانت تراقبها.

ووفقا لهيئة حماية البيئة الأميركية يوجد نحو 10 ملايين موقد يعمل بالخشب في الولايات المتحدة. وعلى الرغم من أن الهيئة وضعت ضوابط محددة للانبعاثات الصادرة عن المواقد التي تم إنتاجها بعد التسعينات، فإن معظم تلك المواقد أقدم من ذلك. ووفقا للهيئة فإن تلك المواقد تستهلك خشبا أكثر وتصدر معدلات أعلى من ذرات التلوث تزيد على المواقد الجديدة بنحو 10 مرات.

وفي كاليفورنيا، فرضت إدارة مراقبة نقاء الهواء حظرا على حرق الأخشاب بدءا من نوفمبر (تشرين الثاني) 2008 ولمدة 14 يوما، حتى الآن. وتم استبعاد الأشخاص الذين يعتمدون بشكل أساسي على الحرارة المنبعثة من حرق الأخشاب، ومن بينهم ساندي كلارك من وودكير في كاليفورنيا، التي قالت إنها أصبحت تشعر بأنها معزولة. وتقول كلارك، 65 عاما: «يرسل لي أحد الأشخاص تعليقات بذيئة محفورة على ألواح الخشب التي أشتريها. كما أن هناك امرأة تسير في الطريق ذهابا وإيابا بحثا عن الدخان المنبعث من المداخن، ولديها جواسيس - أبناؤها وامرأة أخرى تتجول للبحث عن الدخان وهي تحمل في يدها مفكرة».

من جهة أخرى، تقول هايدي هيلز، التي تشرف على برنامج استبدال المواقد الخشبية في فيرمونت إنه تم استبدال أكثر من 200 موقد خلال العام الحالي بقيمة 450 دولارا. يذكر أن ذلك البرنامج قد ساعد على استبدال أكثر من 1000 موقد قديم بليبي في مونتانا بدءا من عام 2005 وحتى 2007.

ومن المحتمل أن يوفر قانون التغير المناخي الذي ينظر فيه الكونغرس حاليا ميزانية تقدر بنحو 20 مليون دولار خلال السنوات الخمس المقبلة لبرنامج استبدال مواقد الوقود، ولكن مصير ذلك القانون ما زال غامضا.

ومن جهة أخرى، يقول غودموت، أحد تجار المواقد المشتركين في برنامج استبدال المواقد القديمة، إن قيمة الاستبدال تتراوح بين 1500 دولار للمواقد البسيطة و4000 دولار للمواقد المتقدمة، التي تحرق الأخشاب المضغوطة التي تصدر انبعاثات أقل. وأضاف غودموت إنه على الرغم من أن أسعار البترول قد انخفضت خلال العام الحالي، فإن الكثير من أصحاب البيوت ما زالوا يشترون مواقد الخشب خوفا من عودة الأسعار للارتفاع. وقال إن سكان نيو إنغلاند ينظرون إلى تلك المواقد القديمة باعتبارها صديقة حميمة. ويضيف: «وهم لا يستطيعون أن يتخيلوا أن صديقهم سيذهب إلى ركام المهملات».

* خدمة «نيويورك تايمز»