2009 نهاية عقد: عقد ثورة الإنترنت.. وأول ديمقراطية شعبية للإعلام

أبرز معالمه «آي فون» و«آي بود» و«يوتيوب» و«بلاكبيري» و«تويتر» و«فيس بوك» و«بلوغ»

TT

2009 عام حافل.. وهو أيضا نهاية عقد صعب حافل بالأحداث، فقد شهد العقد أكبر هجمة إرهابية في 11 سبتمبر (أيلول)، التي أشعلت الحرب على الإرهاب, وارتبط العقد بحربين كبيرتين (العراق وأفغانستان), وما زالت تداعياتهما مستمرة, وفي أميركا القوى العظمى الأولى في العالم طبعت إدارة الرئيس السابق جورج بوش العقد بطابعها وفلسفتها في التعامل مع العالم, وجاء أول رئيس ديمقراطي من أصول إفريقية (باراك أوباما) ليتولي قيادة الولايات المتحدة في نهاية العقد بأسلوب وفكر جديدين وإرث شاقّ سياسيا واقتصاديا. في الشرق الأوسط لم تتحرك القضية الفلسطينية أو عملية السلام خطوة إلى الأمام, وكانت حرب غزة (عملية الرصاص المصبوب) من أشد تطوراتها دموية, كما ظهر الانقسام الفلسطيني بشكل واضح، ولا يزال في غزة ورام الله.

نهاية 2009 المفترض أن تكون نهاية مشوار طويل من محاولات إقناع إيران بحل مشكلة ملفها النووي, ويحمل 2010 معه ملامح تصعيد أو مواجهة أكثر من مؤشرات التوصل إلى حل. كما كان 2009 أيضا هو سنة الثورة أو الانتفاضة الخضراء في إيران والتي ظهرت بعد انتخابات الرئاسة الأخيرة التي أُعلنَ أن أحمدي نجاد فاز بها. وهو عقد كوارث بيئية لا تتكرر إلا كل فترة طويلة (تسونامي وزلازل وفيضانات وأعاصير) ضربت العالم المتقدم والنامي مثل الإعصار كاترينا في الولايات المتحدة وتسونامي في آسيا. كما أنه عقد الوعي بمشكل التغير في المناخ وارتفاع درجة حرارة الأرض التي تُوّجت بقمة كوبنهاغن في نهاية 2009 وخرجت بنتيجة ضعيفة. 2009 هو أيضا عام الأزمة المالية والاقتصادية غير المسبوقة التي أشبهت بل قيل إنها أسوأ من الركود الكبير في أواخر العشرينات, الذي يعتبر البعض أنه قاد إلى الحرب العالمية الثانية, مع الفارق هذه المرة وهو أن الحكومات الغربية تدخلت بسرعة لإنقاذ مؤسسات عملاقة لم يكن أحد يحلم بأنها يمكن أن تسقط وضخت ألوف التريليونات من الدولارات بما مكّن من تفادي كارثة.

حروب وأزمات وكوارث وانهيارات اقتصادية... لكن أبرز ما ميز عقد التسعينات عن أي عقد آخر, هو أنه عقد ثورة الإنترنت ووسائل الاتصال, مواقع التواصل الاجتماعي الإنترنتي ودخولها كأدوات مؤثرة في الحراك السياسي, مثل «تويتر» و«فيس بوك». وهي ثورة يشترك فيها كل البشر في الشرق والغرب.

* ولد توم بيدج يوم أول يناير (كانون الثاني) سنة 2000. وقبل أسبوعين، سأله تلفزيون «إم تي في» الغنائي أسئلة سريعة ومبسطة، لمعرفة التغييرات الجديدة التي حدثت في المجتمع الأميركي خلال العشر سنوات الماضية في رأي صبي عمره عشر سنوات: ما هي أغنيتك المفضلة؟ «بيت إت» لمايكل جاكسون. من هو فنانك المفضل؟ مايكل جاكسون. من هي فنانتك المفضلة؟ بريتني سبيرز. ما هي أغنيتها المفضلة عندك؟ «وان مور تايم». من هو بطلك المفضل؟ كولبي بريانت (لاعب كرة سلة، أدين في جريمة تجارية). كم كان عمرك عندما استعملت الكومبيوتر أول مرة؟ سنتين. كم كان عمرك عندما حصلت على أول هاتف جوال؟ 5 سنوات. كم كان عمرك عندما حصلت على أول مسجل إلكتروني؟ 6 سنوات. ما هو هذا الصوت (صوت جرس تليفون قديم)؟ لا أعرف. ما هو هذا الصوت (صوت أزرار مسجل قديم)؟ لا أعرف. ما هذه (لعبة أتاري قديمة)؟ لا أعرف. من هو باراك أوباما؟ أول رئيس أسود. ما هو أهم خبر سمعته مؤخرا؟ وفاة مايكل جاكسون. هل سمعت بالحرب ضد الإرهاب؟ نعم، فيها قتل وموت. هل سمعت بحرب العراق وحرب أفغانستان؟ نعم، ابن عمي حارب في واحدة منهما، لكن لا أعرف أيهما. من هم الإرهابيون؟ الذين يقتلون المدنيين ولا يحترمون أرواح الناس. ما هو هجوم 11 سبتمبر (أيلول)؟ يوم ضربت طائرات مركز التجارة في نيويورك والبنتاغون في واشنطن. مم تخاف الآن؟ من أن يفعل الإرهابيون شيئا يؤذي عائلتي وأصدقائي. ماذا يسعدك الآن؟ عائلتي وأصدقائي وتليفوني (آي فون) ومسجلي (آي بود) وبريدي (فيس بوك).

قبل أسبوعين، قال بول ليفنسون، أستاذ اتصالات في جامعة فوردهام (في نيويورك)، ومؤلف كتاب «الإعلام الجديد»: «أعتقد أن أهم تحول في المجتمع الأميركي خلال العشر سنوات الماضية هو أن المستهلك صار منتجا. كنا نشتري صحيفة ونقرؤها، ونفتح تلفزيونا ونشاهده، ونفتح مسجلا ونسمع أغانيه. الآن، صرنا نكتب أخبارنا وتعليقاتنا في الإنترنت. ونصور أنفسنا بكاميرات فيديو. ونغني ونسجل أغنياتنا في مسجلات إلكترونية. وصرنا نوزع كل هذه على أقربائنا وأصدقائنا، بل على كل من يريد في الفضاء اللانهائي».

وأشار ليفنسون إلى أشياء ما كانت موجودة كلها قبل عشر سنوات، مثل: «آي فون»، و«آي بود»، و«يوتيوب»، و«بلاكبيري»، و«تويتر»، و«ويكيبيديا»، و«فيس بوك»، و«بلوغ»، و«لابتوب» و«سكايب».

وأضاف: «في الماضي، كان رئيس تحرير صحيفة لا يعرفك وفي مكان بعيد يقرر إذا كان سينشر ما تكتب. وكانت هوليوود هي مكان الشهرة لمن يريد أن يمثل أو يغني. لكن، الآن، صرنا كلنا رؤساء تحرير صحف، وصرنا كلنا مخرجين سينمائيين ومنتجي أغان».

وقال: «ها نحن خلال العشر سنوات الأولى من القرن الحادي والعشرين، حققنا أول ديمقراطية إعلامية».

وأشار ليفنسون إلى «سكايب» (موقع الإنترنت الذي يسمح للناس أن يتحدثوا مع بعضهم وهم يشاهدون أنفسهم، سواء كانوا متجاورين أو في الجانب الآخر من الكرة الأرضية). وقال إنه، قبل ثلاثين سنة، ظهر هاتف به شاشة ليرى الناس بعضهم بعضا. لكن، فشلت التجربة لسببين، أولهما: كان عدد الذين يمتلكون هذه الهواتف قليلا. أما الثاني: فرضت شركات الهاتف أسعارا عالية ورسوما شهرية عالية على مثل هذا النوع من الهواتف.

وقال إنه، قبل 30 سنة تقريبا، ظهرت التلفزيونات الفضائية، ولم يقدر كل الناس على اقتنائها لأن أسعارها كانت عالية.

وأضاف: «الآن، مجانا، نتصل مع بعضنا بالفيديو في موقع (سكايب). ومجانا، نشاهد تلفزيونات فضائية في موقع (هولو)».

وقال بارنا دونوفان، أستاذ اتصالات في كلية سنت بيترز (ولاية نيوجيرسي)، إن الثقافة الأميركية تحررت، مثلما لم تتحرر من قبل، ليس فقط من سيطرة رؤساء التحرير ومخرجي الأفلام ومنتجي الأغاني، ولكن، أيضا، من سيطرة الحكومة.

وقال إنه، في الماضي، كان هناك مؤسستان حكوميتان في واشنطن أثرتا، إن لم يكن سيطرتا، على النشاط الثقافي.

أولا: لجنة الاتصالات الفيدرالية (إف سي سي) التي تضع قوانين لمحطات الإذاعة والتلفزيون.

ثانيا: المؤسسة الحكومية الخيرية للآداب والفنون (إن آي إيه) التي تدعم نشاطات ثقافية كثيرة ورئيسية.

وقال إنه، رغم أهمية استمرار هذه، صار الناس عبر الإنترنت قادرين على تبادل نشاطاتهم الثقافية، بل وعلى دعمها عن طريق تبرعات عبر الإنترنت.

ما هو معنى ذلك بالنسبة للثقافة الأميركية؟

قال دونوفان: «صرنا نحن نحدد ثقافتنا، من دون أن يحددها لنا شخص معين أو مؤسسة معينة. وأيضا، صرنا نحن نحدد القيم التي تقود هذه الثقافة أو تؤثر عليها».

وأضاف: «صارت الثقافة نحن، وصارت القيم نحن».

ماذا عن مستقبل الثقافة وقيمها؟

قال دونوفان: «لا نرى إلا البداية. ولا أعرف ماذا سيليها. لكنني أعرف أنها بداية ثورة لم يشهد التاريخ ثورة مثلها.. ثورة إنترنتية».

مؤخرا، نشرت مؤسسة «بيو» للاستفتاءات الشعبية، ومركزها واشنطن، أرقاما أميركية تؤكد ما قاله بروفسور دونوفان: «قبل 10 سنوات، استعمل 50 في المائة الإنترنت. الآن 80 في المائة. قبل 10 سنوات، كان (برودباند) (اتصال إنترنت مباشر) في 5 في المائة من المنازل فقط. الآن موجود في 60 في المائة. قبل 10 سنوات، لم يقدر أي شخص على الاتصال لاسلكيا بالإنترنت. الآن يقدر 60 في المائة».

وهناك أرقام أخرى أعلنتها مؤخرا مؤسسة «نلسون» عن هذه السنة، سنة 2009: «زاد زوار موقع (تويتر) لتبادل الأخبار والتعليقات 700 في المائة. ووصل عدد مشاهدي موقع (يوتيوب) لتبادل الفيديو إلى 100 مليون شخص. وارتفعت نسبة الذين يستعملون الإنترنت لتبادل آراء وأخبار وصور إلى 20 في المائة (كان 6 في المائة في السنة الماضية)».

وعلق جون غيبز، مسؤول في مؤسسة «نيلسون»: «لم يؤثر الإنترنت على الثقافة فقط، أيضا، أثرت الثقافة على الإنترنت. قليلا قليلا، نحن نريد أن نوثق علاقاتنا العائلية والاجتماعية عن طريق الإنترنت. نريد أن نجعله إنسانيا، جزءا منا. وليس فقط للتعليم والدراسة وجمع الوثائق والأطروحات والمناقشات الأكاديمية». وقال إنه، عبر تاريخ الثقافات، لم يسيطر عليها الصغار، ولكن الكبار. وذلك لأن موضات الصغار تأتي وتذهب. (أين «هولاهوب»؟ وأين شعر «آفرو»؟). لكن، تبقى كتب الكبار ونصائحهم وحكمهم.

لهذا، رحب غيبز بزيادة نسبة الكبار في السن في مواقع مثل «فيس بوك»، و«ماي فيس»، و«تويتر»، لتبادل الأخبار والتعليقات والصور. قبل 5 سنوات، كانت نسبة الذين تزيد أعمارهم على 40 سنة في «فيس بوك» 5 في المائة فقط. الآن صارت 30 في المائة.

حتى مصادر وتبادل الإشاعات تغير. قبل أسبوعين، تشاتمت نجمتان سينمائيتان في موقع «تويتر»، مما جعل الناس يسمون ما حدث «حرب تويتر». شاهدت الممثلة باريس هيلتون صورة «تالولا»، بنت الممثلة ديمي مور، في موقع «يوتيوب». وكتبت في موقع «تويتر» أن البنت كانت تلبس ملابس لا تليق بعمرها. وردت عليها الأم، وبدأت «حرب» على طريقة «عيب عليك» و«عيب عليك أنت».

مع بداية هذا العقد، كانت الإشاعات تنشر في أعمدة في صحف يومية مثل «نيويورك بوست»، وفي مجلات فضائح أسبوعية، مثل «ناشيونال إنكوايارار»، ثم أسست «ناشيونال انكوايارار» ومجلات مثلها مواقع على الإنترنت.

وفي الحال، قلدتها مواقع خاصة، مثل «بوبشوغار» و«جستغارد». انتهى وقت جمع رأسمال لإصدار صحيفة، ودراسة جدوى للقراء واهتماماتهم. صار أي شخص يقدر على أن يؤسس موقع إنترنت لنقل الإشاعات. ليس بالضرورة بإرسال صحافيين لمتابعة المشاهير، ولكن بجمعها من مواقع أخرى، وإعادة توزيعها.

آخر مثال مع نهاية السنة، كانت فضائح لاعب الغولف تايغر وود.

حتى قبل شهرين، وصف بأنه «أكثر الأميركيين احتراما» لأنه اشتهر بالصمت، والابتعاد عن الأضواء، وبوسامة وبجمال زوجته السويدية الشقراء. وفجأة، اصطدمت سيارته بشجرة بالقرب من منزله في الثانية صباحا. وانتشرت إشاعة بأن زوجته طاردته بعصا غولف لضربه بعد أن اكتشفت أنه يخونها مع نساء غيرها. وخلال أسبوع، تحولت الإشاعات إلى حقائق. ونشرت مواقع في الإنترنت أسماء نساء قلن إنهن كن عشيقات الرجل.

وفي الأسبوع الماضي، وصل عددهن إلى 9.

ومن يكتب «عشيقات تايغر وود» في موقع «غوغل»، يحصل على 10 ملايين إشارة.

موضوعان ركز عليها الصبي توم بيدج، الذي ولد يوم الأول من يناير (كانون الثاني) سنة 2000، وأجرى تلفزيون «إم تي في» مقابلة معه، أولا: التكنولوجيا (رحب بها)، ثانيا: الإرهاب (خاف منه).

ويبدو أن الصبي، حقيقة، عكس التحولات في الثقافة الأميركية خلال الـ10 سنوات الماضية.

قالت إليزابيث هوفمان، أستاذة التاريخ في جامعة سان دييغو (ولاية كاليفورنيا): «مع بداية كل قرن، أو بداية كل عقد، نتنبأ عن ما سيحدث خلال المائة سنة التالية، أو العشر سنوات، التالية. لكن، لم يقدر أي واحد منا على أن يتنبأ، مع بداية القرن الحادي والعشرين بشيئين، أولا: هجوم 11 سبتمبر سنة 2001. ثانيا: مدى تأثيره على حياتنا».

وقال بروس شولمان، أستاذ تاريخ في جامعة بوسطن: «صار هجوم 11 سبتمبر نقطة تحول تاريخي هامة في حياتنا، ليس فقط خلال العقد الماضي، ولكن أيضا خلال عقود كثيرة ستأتي».

وقال بريان بالوغ، أستاذ تاريخ في جامعة فرجينيا: «قبل عشر سنوات، مثلما لم نكن نعرف (آي بود) و(آي فون)، و(تويتر)، لم نكن نعرف (أمن الوطن)، و(إرهاب محلي)، و(الحرب الكونية ضد الإرهاب)».

وبطريقة ما، أسهمت أكبر ظاهرتين في المجتمع الأميركي خلال العشر سنوات الماضية في دعم بعضهما: في جانب، نشر الإنترنت أخبار وتعليقات وصور الإرهاب. وفي الجانب الآخر، أثار الإرهاب الكتابة والنقاش في الإنترنت.

ما هو تأثير هذين العاملين المزدوجين؟

أجاب جوليان زاليفار، أستاذ التاريخ في جامعة برنستون، ومؤلف كتاب «سياسات الأمن الوطني.. من الحرب العالمية الثانية إلى حرب الإرهاب»، في كلمتين: «زاد خوفنا».

قال إن المجتمع الأميركي العقلاني عبر تاريخه، لم يتعود على سيطرة عواطف مثل الحب والكراهية والخوف والغضب. لكن، بعد هجوم 11 سبتمبر، صارت العواطف تؤثر على كل شيء تقريبا.

وقال إن الخوف والغضب تخطيا موضوع الإرهاب، وأثرا على موضوعات أخرى، مثل: السياسة والاقتصاد.

وأضاف: «رغم أنها حدثت قبيل هجوم 11 سبتمبر، أوضحت انتخابات سنة 2000 (التي فاز فيها بوش على غور بعد أن وصل الموضوع إلى المحكمة العليا) أننا صرنا شعبا أقل تأدبا. تغلبت العواطف السياسية، وليس المنطق».

وأشار إلى زيادة الاستقطاب السياسي في المجتمع الأميركي. ورغم أن زاليفار رحب بفوز الرئيس أوباما كأول رئيس أسود، وقال إن ذلك يوضح أن المجتمع الأميركي في طريقه للتغلب على واحدة من أكبر مشكلاته عبر تاريخه، وهي مشكلة التفرقة العنصرية، لكنه حذر من أن ما سماها «السياسة الأمنية» ستؤثر على ظاهرة أوباما.

ووصف «السياسة الأمنية» (سيكيورتي بولتكز) وهي في عنوان كتابه، بأنها «سياسة تركز على عواطف الناس، سوءا عاطفة الخوف أو عاطفة الغضب».

وأشار زاليفار إلى خطة أوباما لتأسيس نظام تأمين صحي جديد، ولاحظ أن الكونغرس عندما أجاز الخطة، أجازها بانقسام حزبي حاد (لم يؤيدها غير واحد من أعضاء الحزب الجمهوري في مجلس الشيوخ).

وقال: «كان الوضع المثالي هو أن يتفاوض السياسيون، ويصلوا إلى حل وسط. لا فائدة من خطة يعارضها كل قادة الحزب الجمهوري لأنهم، يوما ما، سيحصلون على أغلبية في الكونغرس، وسيغيرون ما فعل قادة الحزب الديمقراطي». وأضاف: «لا بد أن تؤثر هذه التقسيمات على نفسية الشعب الأميركي، وهو يتابع السياسيين في واشنطن يتعاركون ويشتمون».

والتقط القفاز من زاليفار، الأستاذ في جامعة برنستون، زميله شولمان، الأستاذ في جامعة بوسطن. وقال إن فوز أوباما بالرئاسة ربما أنهي مشكلة، لكنه بدأ مشكلة جديدة.

ربما أنهي التفرقة العنصرية (رسميا على الأقل)، لكنه بدأ المشكلة السكانية. ربما أنهي قلقا كان هاجس الأغلبية البيضاء، لكنه بدأ قلقا سيكون هاجس الأغلبية البيضاء، أو، في الحقيقة، الأقلية البيضاء.

ذلك أن شولمان قال إن نسبة غير قليلة من البيض لا ترفض أن يكون أسود رئيسا، لكنها ترى أن ذلك بداية طوفان أسود وأسمر وأصفر. وأن الأغلبية البيضاء يجب أن تستعد لتكون أقلية بيضاء.

وقال شلومان إن هناك نوعين من البيض في ما يخص هذا الموضوع: في جانب يقول نوع إن مبادئ الحرية الأميركية أهم من لون الأميركيين. وفي جانب، يقول نوع آخر إن غير البيض لن يقدروا على المحافظة على هذه الحرية.

حسب أرقام مكتب الإحصاء الأميركي (يو إس سي بي)، في سنة 2000، كانت نسبة السود والسمر الهسبانيك (من أميركا الوسطى والجنوبية) 20 في المائة. وفي السنة الماضية ارتفعت النسبة إلى 25 في المائة، أغلبيتهم من السمر الهسبانيك. وإذا استمرت زيادة هؤلاء بهذه النسبة، وربما بأكثر (بسبب الهجرة القانونية وغير القانونية، وبسبب زيادة نسبة الحمل والولادة وسط نسائهم) سيكون البيض أقلية في سنة 2050.

وقال داريل مايكل سكوت، أستاذ أسود للتاريخ في جامعة هوارد (أغلبيتها من السود) في واشنطن العاصمة (أغلبيتها من السود): «كان السود أكبر أقلية، والآن زاد عدد السمر علينا. لكن، ليس الموضوع موضع عدد، إنما هو التأثير الثقافي الواضح الذي نراه أمام أعيننا».

وأشار إلى زيادة المطاعم والمأكولات المكسيكية والكوبية (ساندويتشات «تاكو»، وطماطم «صلصة»، والفول الأسمر «براون بينز»، والفول الأسود «بلاك بينز»، وبيرة «كورونا»). وأيضا، أشار إلى رقصة «صلصا». وإلى أغاني نصفها بالإنجليزية ونصفها بالإسبانية. وأيضا، أشار إلى زيادة أعضاء الكونغرس السمر الذين تعود جذورهم إلى المكسيك أو كوبا أو دول أخرى مجاورة. (الآن، توجد في الكونغرس شقيقتان من هؤلاء: لندا شانشير، ولوريتا شانشيز، من ولاية كليفورنيا التي يكاد السمر يكونون أغلبية فيها).

لكن، رغم الحروب والمشكلات والخوف، وبفضل الإنترنت والتكنولوجيا، شهدت العشر سنوات الماضية تطورا حضاريا واضحا في المجتمع الأميركي.

مثلما سألت إليزابيث هولفمان، أستاذة التاريخ في جامعة سان دييغو (ولاية كاليفورنيا): «قبل 10 سنوات، من كان يصدق أن الدفء المناخي العالمي سيكون قضية كبرى يعقد فيها قادة العالم قمة؟ (في إشارة إلى قمة كوبنهاغن في الأسبوع الماضي). صحيح، كان قادة الحزب الجمهوري غير متحمسين للموضوع منذ أيام رونالد ريغان. لكن، يبدو أن الضغوط العالمية والحقائق العلمية تغلبت على نظرياتهم».

وأضافت: «هذا هو التحدي الحقيقي لبداية القرن الحادي والعشرين»، (وكأنها تقول إنه أهم من الإرهاب والحروب والمهاجرين الأجانب والإنترنت. أي ما معنى كل هذه الأشياء إذا كان العالم مهددا بالغرق؟).

إليزابيث هوفمان هي التي كتبت «في عرين الأسد: الحرب الأهلية الأميركية»، وملخصه أن المجتمع الأميركي يتقدم ويتطور رغم المشكلات. وفيه تفاؤل بأن الماضي لم يكن سيئا كما يقول البعض (تفرقة عنصرية وتفرقة نسائية). كما أن الحاضر ليس سيئا كما يقول البعض (حروب وإرهاب وغزو من شعوب العالم الثالث). وأن الاهتمام بنظافة البيئة والدفء المناخي يدل على أن الأميركيين وصلوا مرحلة حضارية متقدمة. رغم أنها أضافت: «لا ننسى أن حضارتنا سببت بعض هذه المشكلات».

وأشارت إلى فيلم «حقيقة غير مناسبة» الذي أخرجه آل غور، نائب الرئيس كلينتون سابقا، الذي حصل على جائزة نوبل للسلام، وهو عن نظافة البيئة. وسألت: «من كان يتصور أن فيلما عن البيئة سيجد كل هذا الإقبال؟ وسينال جائزة أوسكار؟». وفي الحقيقة، لم تصور وسيلة أحداث الـ10 سنوات الماضية مثلما صورتها الأفلام السينمائية والمسلسلات التلفزيونية والعروض المسرحية.

بداية بمسرحية «غوانتانامو»، عن المعتقلين في القاعدة العسكرية الأميركية في كوبا. وأفلام مثل «جارهيد» (عن حرب العراق)، و«معركة الحديثة» (عن حرب العراق)، و«سريانا» (عن ثروة البترول)، و«المملكة» (عن الإرهاب في السعودية)، و«براذرز» (عن شقيقين في حرب أفغانستان)، و«كايت رنر» (عن أفغانستان).

وقالت إليزابيث هوفمان إن هذه الأفلام والمسلسلات والمسرحيات تصور جانبين في الثقافة الأميركية: في جانب، شن الحروب، وفي جانب آخر، تقييم شن الحروب. وأشارت إلى أن الأميركيين عن طريق هذه الأفلام عرفوا كثيرا عن ثقافات الشعوب التي يحاربونها. قالت: «نقتل الأعداء، ونفهم الأعداء».

واختتمت بالقول: «كانت الـ10 سنوات الماضية قلقة وغامضة، وربما كانت واعدة».