دبي تتخطى أسوأ أزمة في تاريخها.. وأبوظبي لا تتخلى عنها

إعلان هيكلة الديون ملأ العالم ضجيجا.. والإعلام المحلي يراها «مؤامرة»

باراك اوباما يزور الاهرامات في القاهرة بعد القاء كلمته إلى العالم الاسلامي (رويترز)
TT

ـ 4/1: القوات الإسرائيلية تبدأ عملية الاجتياح البري لقطاع غزة. ومجلس الأمن يفشل في الاتفاق على نص يدعو لوقف العمليات القتالية.

ـ 9/1: 127 قتيلا و450 جريحا إثر انفجار 5 سيارات مفخخة استهدفت الدوائر الحكومية في بغداد.

ـ 9/1: مجلس الأمن الدولي يتبنى القرار 1860 الداعي إلى وقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة يليه انسحاب كامل للقوات الإسرائيلية.

ـ 10/1: مذبحة إسرائيلية في حي الزيتون، بقصف منزل على رؤوس 110 فلسطينيين.

ـ 17/1: انعقاد «قمة غزة» في الدوحة بمقعد شاغر لفلسطين.

ـ 19/1: افتتاح القمة الاقتصادية العربية في الكويت، التي عقدت في الفترة من 19 إلى 21 يناير بحضور معظم القادة العرب.

ـ 20/1: باراك أوباما يؤدي اليمين الدستورية كرئيس للولايات المتحدة الأميركية.

ـ 22/1: أوباما يوقع أمرا يقضى بإغلاق معتقل غوانتانامو في غضون عام واحد.

ـ 29/1: الرئيس الإيراني أحمدي نجاد يعلن ترشحه لولاية رئاسية ثانية.

ـ 30/1: القاهرة تتهم أمين عام حزب الله حسن نصر الله بالعمالة لإيران بعد هجومه واتهامه للنظام المصري بالكذب على العرب والمسلمين بشأن فتح معبر رفح.

ـ 31/1: البرلمان الصومالي ينتخب الشيخ شريف شيخ أحمد رئيسا للصومال.

ذات أربعاء ربيعي جميل، بعد صيف حار يستمر طويلا، وقبل يومين من احتفال الإماراتيين بعيد الأضحى المبارك، أعلنت مجموعة «دبي العالمية»، إحدى ثلاث شركات قابضة تملكها الحكومة المحلية، عن خطتها لإعادة هيكلة المجموعة. حتى الآن كان من الممكن أن يمر هذا الإعلان مرور الكرام، كما أريد له، لكن القشة التي قصمت ظهر البعير، واشتعلت باهتمام إعلامي دولي غير مسبوق، أن هذا الإعلان تضمن أيضا طلبا بتأجيل سداد الديون لمدة ستة أشهر.

كانت التوقعات المحلية أن يكون هذا الإعلان عاديا، شأنه شأن العشرات، بل المئات، من الإعلانات المماثلة على مستوى شركات أكبر وأضخم في العالم. فهل «دبي العالمية» أكبر من «جنرال موتورز» أو «فولكس فاغن» عندما أعلنت عن إعادة هيكلتها؟ ألم يعلن 130 بنكا أميركيا إفلاسه منذ بدء الأزمة؟ فلماذا «دبي» هي من تكون في عين العاصفة؟ لماذا هذا التأثير المبالغ فيه على الاقتصاد العالمي؟ هذا هو تساؤل المسؤولين الرسميين في حكومة دبي، وأيضا كتاب الصحف في الإمارات، بل وانعكس هذا الرأي نفسه على الشارع الإماراتي، لكن الإجابة لا يمكن أن تكتمل من دون الرد بسؤال آخر: هل كانت القراءة المحلية هي نفسها تلك التي صدرت من الخارج؟ ربما كانت كلمة «لا» قليلة للإجابة عن هذا السؤال، وربما أن الإجابة تستحق أن تكون ألفا من هذه الـ«لا». فما أن صحت الأسواق العالمية صباح يوم الخميس على هذا النبأ، حتى تفاعلت سلبا بخسائر جمة شملت جميع الأسواق الرئيسية، حتى إن بورصة لندن العريقة وحدها خسرت 66 مليار جنيه إسترليني في يوم واحد فقط، في حين أن مؤشر سوق دبي المالي تراجع إلى ما يقارب 30% منذ إعلان الحكومة سعيها لتجميد دين «دبي العالمية» لفترة مؤقتة، فمتى تخرج صحيفة مثل «التايمز» اللندنية، بكل عراقتها، لتكون عناوينها الرئيسية في صفحتها الأولى، عن أزمة «ديون دبي» ولا شيء غيرها؟ وقس على ذلك كبريات وسائل الإعلام العالمية، المقروءة منها والمرئية. إذن اهتزت الأسواق العالمية، والمحلية أيضا، لإعلان «دبي العالمية» إعادة هيكلتها. بدأت الأخبار تظهر بأن لدى المجموعة القابضة ديونا تقدر بـ59 مليار دولار أميركي، قبل أن تصدر تفاصيل إعادة الهيكلة التي أشارت إلى أن ما ترغب المجموعة تأجيل سداده من ديون هو نصف المستحق عليها تقريبا، وتحديدا 26 مليار دولار فقط. كما سعت الحكومة لطمأنة المستثمرين عندما أكدت، أنها وفي الوقت الذي لا تضمن فيه هذه الديون، فإنها لن تتخلى عن دعم شركاتها الكبرى. الأزمة استمرت في تضخم ككرة الثلج، ولم تفلح إجراءات عدة في إيقاف ذعر الأسواق المحلية التي تلقت ضربات موجعة، تهدأ الأسواق ثم تعود لتنتكس من جديد، فالوضع الاقتصادي العالمي لا يزال في مرحلة التعافي من أسوأ أزمة أصابته منذ ثلاثينات القرن الماضي، وأي أخبار سلبية هنا أوهناك، يستقبلها المستثمر بحذر مبالغ فيه، ينعكس فورا على الأسواق المالية، وهذه الأخيرة خير معبر عن الوضع الاقتصادي في أي دولة في العالم، ألم يقولوا إن رأس المال جبان؟

وعندما حان يوم الرابع عشر من ديسمبر (كانون الأول) الحالي، كان موعد الحسم لصكوك مستحقة على شركة «نخيل» التابعة لمجموعة «دبي العالمية»، غير أن المفاجأة السعيدة، وغير المتوقعة، كانت حاضرة بتدخل حكومة أبوظبي وضخ 10 مليارات دولار لصالح «صندوق دبي للدعم الحكومي»، وهو صندوق أسسته حكومة دبي للإشراف على الشركات المتعثرة التي بحاجة لدعم حكومي. وما أن أعلنت دبي عن هذا الدعم الذي جاء «بعد سلسلة من المشاورات الوثيقة»، كما صرح رئيس اللجنة العليا للسياسة المالية في دبي الشيخ أحمد بن سعيد آل مكتوم، حتى تنفس العالم الصعداء، فارتفعت الأسواق المالية العالمية، ناهيك عن الأسواق المحلية، فسوق دبي، مثلا، سجل سابقة لم يعرفها منذ تأسيسه، عندما ارتفع بنسبة تربو على 10 في المائة، التي جاءت كنتيجة حتمية وردة فعل متوقعة بعد خسائر جمة تلقتها الأسواق.

مسؤولو دبي، الذين يتحفظون كثيرا في الحديث للصحافة بعيد هذه الأزمة تحديدا، يرون أن هناك سوء فهم لقرار إعادة الهيكلة الذي أعلنت عنه «دبي العالمية» في 25 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، كما إنهم يقولون إن الشركة لم تعلن في أي وقت من الأوقات أنها شركة حكومية، وعندما أقرض الدائنون أموالهم للشركة، كانوا يعون جيدا أنها تتعامل وفق أسس تجارية، فلماذا الآن يحملون الحكومة مسؤولية التعاطي مع شركة تجارية؟ وفي الوقت نفسه الذي تقول الحكومة فيه إنها لا تضمن ديون «دبي العالمية»، باعتبارها شركة مستقلة، فإنها تؤكد أنها تدعمها، حيث كشف مؤخرا عن أن الحكومة قدمت لها دعما بقيمة تقارب 2.45 مليار دولار. ولا يبدي مسؤولو دبي قلقا من تأثيرات أزمة ديون «دبي العالمية» على اقتصاد الإمارة، مؤكدين ثقتهم بمتانة وقوة هذا الاقتصاد، وهم يرون قدرته على امتصاص مثل هذه القرارات مهما كانت صعوبتها، ودائما ما يؤكد مسؤولو دبي بأنه «لم يقل أحد بأن دبي طلبت عدم تسديد الديون، كل ما في المسألة أننا طلبنا إعادة هيكلة هذه الديون وتأجيل سدادها لفترة ستة أشهر». ولعل التصريح الأكثر طمأنة لدبي واقتصادها، هو ما قاله رئيس البنك الدولي روبرت زوليك الذي اعتبر أن أزمة ديون شركة «دبي العالمية» يمكن احتواؤها والسيطرة عليها. رئيس اتحاد الغرف التجارية الصناعية في الإمارات، المهندس صلاح سالم بن عمير الشامسي لا يعتريه القلق بشأن الحركة التجارية والاقتصادية في دبي، معتقدا أن أزمة الديون «بولغ فيها كثيرا، وتسبب الإعلام الغربي في تكبير شيء من لاشيء، فـ(دبي العالمية) لم تقل إطلاقا إنها لن تسدد، هي مارست حقا من حقوقها كشركة تجارية بطلبها إعادة هيكلة الديون.. فهل هذا أصبح محرما؟». ويشير المهندس الشامسي إلى أن أسواق الاقتراض «لا بد لها أن تتأثر خلال المدى القصير.. كما أن نسبة الفائدة على القروض سترتفع على الشركات الإماراتية»، لكن الشامسي يجزم أن هذه الأضرار ستكون قصيرة المدى «وستعود دبي إلى سابق عهدها».

«الشرق الأوسط» تسأل رئيس اتحاد الغرف الإماراتية عن دليله بشأن ما يقوله عن هذه المبالغة من قبل الإعلام في كل أنحاء العالم؟ فيجيب: «لبنان، على سبيل المثال، لديها ديون سيادية وتأجل دفعها منذ سنوات، بل ولا تدفع حاليا سوى فائدة الدين، وتسعى لتخفيضه. لاحظ أنني قلت إنها ديون سيادية وليست تجارية، ومع ذلك لم نسمع عشر الضجة التي أثيرت على ديون دبي، ألا يجب أن يكون التعاطي واحدا؟ ثم إن هناك المئات من المؤسسات المدعومة من حكوماتها في دول عديدة تقوم بهذه الخطوة نفسها ولم تثر كل هذا الغبار».

ولكن لماذا تسعى وسائل الإعلام العالمية هذه لترك كل أخبار العالم والتركيز على «ديون دبي»؟ يرد المهندس الشامسي: «لا تستطيع أن تحدد هذه الأسباب بدقة، لكن عليك أن تعي أن هناك مستفيدين كثر من ما يحدث من فوضى في أسواق المال العالمية. المضاربون، مثلا، ينتظرون مثل هذه اللحظات بفارغ الصبر، بل قد يسعون إليها، فهم في النهاية أكبر المستفيدين».

وعلى الرغم من أن دعم أبوظبي لشقيقتها دبي بمبلغ 10 مليارات دولار كان كشرب الماء البارد في لهيب الصيف، فهو أطفأ الأزمة التي اشتعلت سريعا وبلغت حد السماء، فإن المثير أن في الحلول المتخذة في هذه الأزمة، كما يقول محللون، كان بالإمكان اتخاذها سريعا وقبل خروج تلك التداعيات السلبية الكبيرة على اقتصاد دبي والاقتصاد الإماراتي، فالحكومة المحلية أعلنت عن خطتها لإعادة الهيكلة وتأجيل سداد الديون، من دون أن توضح أية تفاصيل أخرى، مما تسبب في قلق كبير للأسواق العالمية، وانتظرت الأسواق أربعة أيام حتى يتم الكشف عن أن المبلغ المراد إعادة هيكلته هو 26 مليار دولار وليس كامل الدين البالغ تقريبا 59 مليار دولار، وهنا يقول المحللون لو أن مثل هذه المعلومات كشفت منذ البداية، لأصبح حجم الضرر أقل بكثير.

وحتى عندما تدخلت أبوظبي وضخت 10 مليارات دولار، كان لها مفعول السحر بكل تأكيد، أتى ذلك بعد أن صرحت الحكومة المحلية في العاصمة الإماراتية في بداية الأزمة، أنها لن تقدم دعما مفتوحا، بل سيكون هذا الدعم «مشروطا»، وكان لهذا التصريح مفعول سلبي، لتحدث المفاجأة فيما بعد ويتم تقديم دعم بقيمة 10 مليارات، ولم يكن مشروطا ولا يحزنون، بل حتى هذا المبلغ ذكر أنه «دعم»، قبل أن يصرح وزير الخارجية الإماراتية الشيخ عبد الله بن زايد، بعدها بيومين، أن هذا الدعم «لم يكن متأخرا»، وأنه أتى على شكل سندات مالية مستحقة الدفع، ثم خرجت دائرة المالية في دبي، لتؤكد حكاية السندات هذه، وتشير إلى أن نسبة الفائدة المستحقة تبلغ 4% ولمدة خمس سنوات، أي إنه ما بين الإعلان الأول عن دعم أبوظبي، وما تبين لاحقا من أنها سندات بفائدة، مرورا بإعلان أبوظبي أن دعمها، لو تم، سيكون «مشروطا»، الكثير من التفاصيل التي تغيب، فتتغير تركيبة التفاعل مع أزمة «ديون دبي»، التي كان بالإمكان أن يكون ضررها أقل بكثير مما أحدثته خلال أسابيع. ووفقا لبيانات «بنك التسويات الدولية»، فإن البنوك البريطانية هي الأكثر تعرضا لديون الإمارات من بين البنوك الدولية، حيث يبلغ إجمالي قروضها للدولة 49.9 مليار دولار. ويعتبر بنكا «إتش إس بي سي» (الذي أبدى مديره التنفيذي في مطلع أزمة «ديون دبي» ثقته الكاملة في دبي والإمارات)، و«ستاندرد تشارترد» الأكثر تعرضا، حيث يبلغ حجم الديون لمجموعة «دبي العالمية» 17 مليار دولار أميركي و12.3 مليار دولار أميركي على التوالي. ويشير المحللون إلى أنه عند هذا المستوى، فإنه يمكن التحكم في تعرض البنوك الدولية بسهولة، حيث يعتبر هذا التعرض قطرة في محيط مقارنة مع الأصول المحفوفة بالمخاطر التي تمت تصفيتها خلال الأزمة العالمية. ولعل اللافت في أزمة «ديون دبي»، على الأقل في الداخل الإماراتي، أنه في الوقت الذي كان فيه العالم قد تعامل مع هذه الأزمة على أنها أزمة اقتصادية بالدرجة الأولى، فإن التعاطي المحلي كان مختلفا بصورة كبيرة، فقد اعتبرها الإعلام الإماراتي حملة إعلامية غربية موجهة ضد الإمارات، ودبي تحديدا، فهناك من وصفها بـ«المؤامرة» وافتتاحية إحدى الصحف وصفتها بأنها حملة «حقد» على دبي، وهناك من يقول إن دافعها الأساسي هو «الغيرة» من دبي، ويستغرب غالبية الشارع الإماراتي ما يصفونه بأنه رد الفعل العالمي المبالغ فيه في أزمة ديون لا تزيد في مجملها عن 26 مليار دولار، وهنا يقول عبد الحميد أحمد رئيس تحرير جريدة «قلف نيوز» الناطقة بالإنجليزية وأكثر الصحف في الإمارات توزيعا، إنه لا يشارك من يرون أن هناك مؤامرة «ولكنها مزيج من سوء الفهم لما يحدث على أرض الواقع والغطرسة الغربية المعتادة على الدور العربية، فديون الشركات العالمية والعديد من بلدان العالم مثل الولايات المتحدة الأميركية وألمانيا والمملكة المتحدة وغيرها، أكبر بكثير من ديون دبي وشركاتها، ومع هذا لا نرى تناولهم السلبي لهذه الديون بالطريقة نفسها التي تناولوا بها أزمة ديون دبي». ووفقا للصحافي الإماراتي عبد الحميد أحمد، فإن الإعلام الغربي لا يريد أن يصدق أن تكون هناك دولة عربية تصبح لاعبا عالميا «فقد حان الوقت لهم ليستيقظوا ويقبلوا الحقائق التي تشير إلى أن بعض بلدان العالم الثالث أصبحت قوى مهمة في الاقتصاد العالمي». وفي كلمة له أمام كلية في دبي، قال عبد الرحمن آل صالح مدير عام الإدارة المالية في دبي، إن أزمة دين دبي كانت مجرد نكسة مؤقتة لمصداقيتها، مقللا من شأن الحملات الإعلامية المبالغ فيها، ومتهما الصحافة الدولية ببث «هلع أعمى» حول ديون دبي.

إذن الإعلام المحلي يرى أن الأزمة أقل بكثير مما تناولها الإعلام العالمي، ولا تستحق هذا الضجيج وأن تفرد الصحف لها مساحات شاسعة (على سبيل المثال صحيفة «تايم أوف إنديا»، إحدى كبريات الصحف الهندية، استمرت في تغطية الأزمة لأكثر من عشرة أيام على مساحة 4 صفحات يوميا). غير أن الدكتور عبد الخالق عبد الله أستاذ العلوم السياسية في جامعة الإمارات، ربما كان من القلة في الإمارات، التي كان لها رأي مخالف، فهو يرى أنه في الوقت الذي كانت فيه هناك مقالات وتحقيقات وتقارير سلبية نشرت في وكالات الأنباء العالمية وفي الصحف الغربية، واصفا البعض منها بأنه كان «متشفيا وغوغائيا وغبيا وذهب بعيدا في إطلاق أحكام متسرعة عن نهاية نموذج دبي وسقوط حلمها وأفول نجمها»، فإنه يعتقد أيضا أنه مهما كان سبب وصف البعض لهذا بأنه «هوس إعلامي، فالمؤكد أن ليس كل ما قيل ويقال وكتب ويكتب عن دبي هو حاقد وشامت ومغرض وكاره، فبعض ما كتب في الآونة الأخيرة عن دبي محق ومنصف وناقد ويمكن الاستفادة منه لتحسين الأداء وتصحيح المسار والحفاظ على المكتسبات والمنجزات». ويمضي أستاذ العلوم السياسية في توضيح وجهة نظره بالقول إن دبي «لم تدَّعِ في أي وقت من الأوقات أنها كاملة ومتكاملة، ولم يقل أحد فيها إنها مدينة معصومة من الأخطاء في ما تفعله وتخطط له وتحلم به، كما لم تقل المدينة إنها بمنأى عن النقد، بل هي ترحب بالنقد مهما كانت حدته ومهما كانت قسوته، وقد استفادت من النقد أكثر من غيرها، فهناك الكثير الذي يمكن تناوله بالنقد المشروع في تجربة دبي التي أصبحت مادة رائجة للأكاديميين بقدر ما هي مادة رائجة للإعلاميين». ويعترف الدكتور عبد الخالق عبد الله بأن دبي ذهبت «بعيدا في الحلم، وتجاوزت حدود الممكن، وحاولت الوصول إلى المستحيل، وربما اندفعت في لحظة من اللحظات خلف النجاح ونشوته وأضوائه الباهرة والمغرية كل الإغراء، لكنها كانت منذ ولادتها الأولى وخلال ولاداتها اللاحقة ظاهرة أكثر مما هي مدينة عادية، هذا هو قدر ومصير هذه المدينة الرائدة دائما، والطموحة أبدا، والمختلفة دوما، والمتسرعة أحيانا، والمشاكسة صعودا وهبوطا».

فيما يتعلق بالتداعيات الاقتصادية، يقول تقرير حديث لـ«بنك الكويت الوطني» إنه من المحتمل أن تكون التداعيات الاقتصادية على دبي، وإلى حد أقل على الإمارات بشكل عام، حادة في المدى القصير. أما في المدى الطويل، فمن المستبعد أن تتخلى دبي عن ريادتها كمركز تجاري في المنطقة، ولو أنها قد تخسر بعض المميزات التي تتمتع بها مقارنة مع أقرانها.

على كل حال وبعد انقشاع الأسوأ في أزمة «ديون دبي»، ما التداعيات الاقتصادية السلبية الممكنة على الشركات الإماراتية؟ يلفت تقرير «بنك الكويت الوطني» إلى أنه ربما تواجه الشركات الإماراتية حاليا بيئة أكثر صعوبة للحصول على تمويل، «فإصدارات السندات التي اكتسبت زخما خلال الأشهر الأخيرة، باتت على الأرجح أصعب في ظل الظروف الحالية. وبالتالي، فإن الشركات الإماراتية التي ستستطيع الحصول على تمويل من خلال سوق السندات ستضطر على الأرجح إلى أن تدفع عائدا أعلى عليه».

ربما كان الأهم في تداعيات أسوأ أزمة تواجهها الإمارة الساحرة على ضفاف الخليج العربي، أن آفاق سوق الائتمان المصرفي تبدو أضعف من السابق مع تبني البنوك سياسات أكثر تحفظا. وهذا الأثر قد يتضاعف في حال اضطرت البنوك إلى أن تتخذ المزيد من المخصصات لمواجهة عمليات التعثر المتزايدة وتراجع أسعار الأصول. وعلى الرغم من كل التداعيات السلبية التي أفرزتها أزمة «ديون دبي»، فإنه لا يمكن بأي حال من الأحوال الحديث عن هذه الأزمة، من دون النظر إلى نصف الكأس الممتلئ، فقد يكون من الخطأ أن يظل التشاؤم هو سيد الموقف حيال التطلعات الاقتصادية المستقبلية على المدى الطويل، فمع التقديرات المتشائمة للدين المتراكم على شركات دبي، الذي سيحتاج بالتأكيد سنوات للوفاء به، فإن هناك أوجها إيجابية لنواحي اقتصادية أخرى، فهبوط أسعار الأصول وعودة أسعار الوحدات العقارية عن أسعارها المبالغ فيها، من الطبيعي أنه سيخفض تكلفة القيام بالأعمال في دبي. ولا بد أن نلفت إلى أنه مع عودة نمو الائتمان إلى مستويات متوازنة، فإن الأزمة ستسهم في إقصاء الاستثمارات ذات الجدوى الاقتصادية المتدنية، وتحسين استغلال الموارد في دبي في المدى الطويل. والأهم من ذلك أن شركات دبي، وعلى الرغم من حجم الديون المتراكمة عليها، فإنها قد راكمت أيضا قائمة طويلة من الأصول. ومن هذه الأصول، البنى التحتية ذات المعايير العالمية، وبيئة منخفضة الضرائب، والخبرات الماهرة في قطاعات أساسية. ومن شأن هذه الأصول أن تولد دخلا سيدعم أداء اقتصاد دبي مع الوقت ومساعدتها على سداد ديونها.

بقى أن نشير إلى نقطة غاية في الأهمية، وهي أنه وعلى الرغم من كل المصاعب التي قد تواجهها دبي أمام دائنيها، فإن الإمارة تمكنت من إنشاء بنية تحتية تعتبر هي الأكثر تطورا في المنطقة، وبالتالي فإن الحكومة المحلية لن تكون في حاجة للبذخ في الإنفاق العام خلال السنوات المقبلة، بعد اكتمال بنيتها التحتية، وبالتالي فإن من شأن هذا الأمر، أن يخفف الضغوط على موازنتها السنوية، ويساعدها على التركيز على تسديد مديونيتها المستحقة عليها.