2009 نهاية عقد : فزع عالمي اسمه إنفلونزا الخنازير

نظريات المؤامرة وجدت طريقها

TT

أقلق فيروس « Aإتش1 إن1»، المعروف بإنفلونزا الخنازير، العالم على مدار هذا العام، قلق قد يمتد إلى فصول العام الجديد. كانت إطلالة الفيروس المثير للقلق في منتصف شهر مارس (آذار) الماضي. ومع بدايات الربيع في نصف الكرة الشمالي، لاحظت السلطات الصحية المكسيكية ازديادا غير معتاد في حالات تعاني من أعراض الإنفلونزا في غير موسمها السنوي. ونظرا لطبيعة المكسيك وكونها دولة من دول العالم الثالث، فقد استغرق قرار بدء التحقيق في هذا الفيروس قرابة الشهر، شوهدت خلاله حالات غريبة وشديدة من الالتهاب الرئوي، خطت بعده السلطات أول خطوة سليمة وبدأت عملية رصد شامل في كل أنحاء البلاد في منتصف أبريل (نيسان).

صورة مغايرة تماما ظهرت على الجانب الشمالي من الحدود. ففي الأطراف الجنوبية لولاية كاليفورنيا الأميركية المتاخمة للمكسيك، أصيب طفلان بمرض تنفسي مصاحب بارتفاع حاد في درجة الحرارة في أواخر شهر مارس (آذار). وبفحص عينات من الطفلين في مختبرات محلية، ثبت إصابتهما بفيروس الإنفلونزا من الفصيلة «أ». ونظرا لعدم قدرة المختبرات على تحديد أكبر لنوع الفيروس، فقد تم إرسال العينات إلى المختبرات المركزية لإجراء المزيد من البحث. في الخامس عشر من شهر أبريل (نيسان) استيقظ العالم على خبر مثير للذعر؛ فقد أعلنت مراكز الوقاية من المرض ومكافحة العدوى الأميركية، أنه بالتحليل الدقيق للعينات، ثبت إصابة الطفلين بفيروس جديد متحور يدعى إيه «أتش1 إن1»، ذي أصول تمت شفرتها الجينية الوراثية بصلة إلى الخنازير، على الرغم من أن هذا النوع لم يرصد من قبل سواء في البشر أو في الخنازير ذاتها. علما بأنه لا علاقة بين الطفلين، ولم يختلطا بالخنازير إطلاقا.

وفي السابع عشر من أبريل، قامت الولايات المتحدة بإرسال تنبيه لمنظمة الصحة العالمية عن الحالتين، كما تنص قواعد الصحة الدولية. وبحلول الرابع والعشرين من الشهر ذاته، كانت ست حالات إضافية قد سجلت في ولايتي كاليفورنيا وتكساس. وبعدها بثلاثة أيام، أثبتت المختبرات الكندية تطابق نتائج العينات الواردة إليها من المكسيك مع النتائج الأميركية، لتعلن منظمة الصحة العالمية في الخامس والعشرين من أبريل «حالة طوارئ صحية ذات اهتمام عالمي»، أي الدرجة الثالثة من الوباء. وبعد يومين، رفعت منظمة الصحة درجة الإنذار إلى الدرجة الرابعة لثبوت وجوده في أكثر من دولة في النطاق الجغرافي نفسه. وفي التاسع والعشرين من الشهر ذاته، ارتفع مؤشر الإنذار إلى الدرجة الخامسة، لثبوت انتقاله بين البشر. وفي الحادي عشر من يونيو (حزيران)، رفع الإنذار إلى درجته القصوى «السادسة»، بعد أن أبلغت 74 دولة حول العالم منظمة الصحة العالمية عن وجود حالات إيجابية مؤكدة بها، بلغت حصيلتها أكثر من 27 ألف حالة إيجابية منها 141 حالة وفاة. وبالتحليل الجيني لشيفرة الفيروس الجديد الوراثية، ثبت أنها خليط من المادة الوراثية لإنفلونزا البشر والخنازير والطيور. كما أن الصفات الوراثية الجزئية التي تصيب الخنازير في الأميركتين بها بعض الطفرات التي تشبه تلك الموجودة في آسيا وأوروبا، وهو الأمر الذي لم يحدث من قبل.

وهنا، بدأت نظريات المؤامرة في التسلل إلى العقول. فطبقا لرأي العلماء، من المحال أن تحدث كل تلك الطفرات الوراثية في اللحظة ذاتها لإنتاج هذا الخليط غير المتجانس، ولو حدثت الطفرة على مراحل لكانت لوحظت من قبَل العلماء. وتوالت النظريات التي تحاول إيجاد الأسباب. فإحداها تقول إنها نتاج تسرب «لتلاعب» مخبري أحدثه العلماء في الشيفرة الوراثية للفيروس، وأخرى تقول إنها نتيجة تعرض الفيروس لإشعاعات نووية.. وآراء أخرى «تشط» لتقول إن الفيروس قادم من الفضاء، أو إنه جزء من حرب بيولوجية، أو إن شركات الدواء واللقاحات تقف خلفه، أو حتى إنه لا يوجد فيروس أصلا بل كلها أكذوبة تروج لها مافيا الأدوية العالمية.

وبغض النظر عن كل النظريات، فإن الحقائق تقول إن الفيروس موجود فعليا، وإنه ذو مقدرة عالية على الانتقال بين البشر، وإنه وبحسب آخر تقرير لمنظمة الصحة العالمية صادر في هذا الشأن في الحادي عشر من ديسمبر (كانون الأول) الحالي، فإن عدد الدول التي سجلت حالات إيجابية مؤكدة بها بلغ 208 دول حول العالم، وعدد الوفيات جراء الإصابة بالمرض يناهز 10 آلاف حالة (تجاوز الرقم 14 ألفا بحسب إحصاءات منظمات غير رسمية أخرى في 14 ديسمبر الحالي). وتؤكد الحقائق أيضا أن المرض لم يصل بعد لدرجة الخطورة التي تستحق الذعر العالمي، فإن عدد الوفيات نتيجة الإصابة بالإنفلونزا الموسمية العادية يتجاوز الثلاثين ألف حالة سنويا في المتوسط. كما تشير الحقائق إلى أن استخدام عقار «الأوسلتاميفير» المعروف تجاريا باسم «التاميفلو» يسهم بدرجة كبيرة في الشفاء من المرض، أو على الأقل في تقليل حدة الأعراض الناجمة عنه. وعلى الرغم من اكتشاف حالات لمرضى ثبت إصابتهم بنوعيات من الفيروس تقاوم هذا العلاج، فإن النتائج البحثية الجارية تبشر بقرب التوصل إلى حل لهذه المشكلة. وبالنسبة للقاح ضد المرض، فإن التجارب التي أجريت عليه أثبتت نجاحه بنسبة أكثر من 97% في حماية المتلقي من الإصابة بالمرض، ولو أن سرعة إنتاج اللقاح قد أدت إلى قلق عالمي متزايد حول دراسته جيدا قبل طرحه للاستخدام، وصل إلى رفض البعض تلقيه خشية التعرض لمضاعفات صحية. ولكن الشهرين الماضيين، اللذين تليا استخدامه، لم يشهدا مشكلات صحية عامة تهدد بوقف استخدام اللقاح.

ويتبقى من الحقائق أن الوقاية خير من العلاج. وأفضل طرق الوقاية هو تجنب المواقف التي تسهل انتقال العدوى التنفسية مثل مناطق الازدحام والتكدس، وتجنب العادات غير الصحية مثل العناق والتقبيل، والابتعاد عن الأشخاص في حال العطس والسعال، والالتزام بالنظافة العامة والشخصية، إلى جانب زيادة جرعات المواد الطبيعية المنشطة للمناعة والمتوافرة في الخضراوات والفواكه الطازجة والمأكولات البحرية بصفة عامة.