المعارضون يجتاحون شوارع طهران في ذكرى عاشوراء.. وصدامات أمام مسجد الخميني

الشرطة تطلق النار وتعتقل محتجين.. ومتشددون يهاجمون خاتمي.. و«الحركة الخضراء» تستخدم الرسائل النصية لحث أنصارها على التجمع اليوم.. اعتقال مصور لـ«رويترز»

صبي ايراني يضرب نفسه بالسلاسل ضمن مراسم إحياء ذكرى عاشوراء في طهران أمس (رويترز)
TT

تجددت المظاهرات في شوارع طهران أمس، مع بدء الاحتفالات بذكرى عاشوراء، مما استدعي تدخل قوات الشرطة ومكافحة الشغب، التي انتشرت بكثافة في العاصمة الإيرانية، مطلقة الغازات المسيلة للدموع والرصاص الحي في الهواء، لتفريق الحشود. واشتبكت الشرطة مع متظاهرين في ميدان عام شرق العاصمة، وهاجمت أيضا مبنى يضم وكالة الطلبة الإيرانية للأنباء التي لجأ إليها بعض أنصار المعارضة للاحتماء بها. وسط أنباء بوقوع اعتقالات، وسط هؤلاء المحتجين، الذين كانوا يهتفون ضد الرئيس أحمدي نجاد. ووقعت صدامات بين الشرطة ومتظاهرين معارضين للحكومة في شمال طهران قرب مسجد الإمام الخميني حيث كان الرئيس الإيراني السابق الإصلاحي محمد خاتمي يلقي خطابا. وقالت مصادر إن آلافا من أنصار خاتمي، أحد وجوه المعارضة الإصلاحية للرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، تجمعوا حول مسجد جعفران مرددين هتافات مناهضة للحكومة حين تدخلت الشرطة لتفريقهم. واستخدمت قوات الأمن التي كان بعض عناصرها راجلا والبعض الآخر على دراجات نارية، الغاز المسيل للدموع لصد المتظاهرين باتجاه حي نيافاران التجاري المجاور.

وأفاد موقع إصلاحي على الإنترنت بأن مجموعة من المتشددين الإيرانيين قاطعت خطبة خاتمي. وأضاف موقع «برلمان نيوز»: «استخدم أكثر من خمسين متشددا السلاسل والهراوات ورذاذ الفلفل في مهاجمة المكان.. الذي كان يلقي فيه خاتمي خطبة بالقرب من منزل زعيم إيران الراحل روح الله الخميني». وحسب مواقع إصلاحية على الإنترنت، فإن الشرطة قامت بتفريق المئات الذين كانوا يحاولون التجمع في ساحة انقلاب مستخدمة الهراوات، واعتقلت العديد منهم. وكان المتظاهرون يهتفون «الموت للديكتاتور» في إشارة إلى الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد الذي أعيد انتخابه في 12 يونيو (حزيران) الفائت وسط تشكيك المعارضة في نزاهة العملية الانتخابية. وقد دعت المعارضة إلى التظاهر في هذه المنطقة بمناسبة ذكرى عاشوراء التي تصادف هذه السنة يوم غد الأحد، واستعمل منظمو المظاهرات الرسائل النصية الإلكترونية لحث الناس على التجمع في الساحات أمس واليوم.

وقال موقع «جرس» الإصلاحي الإيراني على الإنترنت إن شرطة مكافحة الشغب الإيرانية أطلقت قنابل الغاز المسيل للدموع والأعيرة النارية التحذيرية لتفريق أنصار المعارضة في طهران الذين استغلوا المناسبة الدينية في محاولة لتجديد الاحتجاجات المناهضة للحكومة. وأضاف الموقع أن قوات الأمن هاجمت أيضا مبنى يضم وكالة أنباء الطلبة الإيرانية، حيث قالت قوات الأمن إن بعض المتظاهرين حاولوا الاحتماء بها خلال الاشتباكات. وقال شاهد عيان إن شخصين على الأقل أصيبا حينما طاردت الشرطة بعض المحتجين إلى المبنى الواقع في وسط المدينة. وأضاف الشاهد «لقد كسروا جمجمة أحد أفراد الوكالة وألحقوا إصابات شديدة بموظف آخر». وبدا أن الوكالة تعمل بصورة طبيعية ولم تتضمن تقاريرها أي إشارة إلى اقتحام قوات الأمن للمبنى. وقال موقع «جرس» «تشتبك قوات الأمن المجهزة بشكل جيد بعنف مع أنصار المعارضة في العديد من أجزاء وسط طهران». وأبدى العديد من سائقي السيارات تأييدهم لأنصار المعارضة الإيرانية عن طريق إطلاق العنان لأبواق سياراتهم في كل مرة كانت الشرطة تتصدى للمتظاهرين، وفق وكالة الصحافة الفرنسية. وأقيمت تجمعات أخرى لمجموعات صغيرة من المعارضين في جوار جامعة طهران تخللها إطلاق شعارات معادية لأحمدي نجاد. واعتقلت الشرطة متظاهرين اثنين على الأقل. وفي وقت لاحق، استعادت هذه المنطقة هدوءها مع استمرار الانتشار الكثيف للشرطة الإيرانية.

وحضت سيدة مسنة على متن باص مكتظ، الركاب على ترديد شعار المعارضة «يا حسين، مير حسين» في تلميح إلى رئيس الوزراء السابق مير حسين موسوي الذي أصبح من أبرز قادة المعارضة. وهتافات «يا حسين» تردد عادة في المسيرات التقليدية في ذكرى عاشوراء. وهتف ركاب الباص أيضا «ندا لم تمت، الحكومة هي التي ماتت»، في إشارة إلى الشابة ندا أغا سلطان التي قتلت في 30 يونيو أثناء مظاهرة وتم تصوير مقتلها في شريط فيديو بث في كل أنحاء العالم.

ونقلت وكالة «أنباء فارس» عن أحمدي نجاد قوله إن أعداء إيران الخارجيين ليس بمقدورهم إيذاء الجمهورية الإسلامية من داخل البلاد. وأضاف «لقد خططوا لسيناريو معقد للغاية واسع النطاق.. ولكنهم لا يعلمون أن الأمة المستعدة للتضحية بالنفس فداء للشخصيات الدينية ستدمر جميع محاولاتهم الشيطانية».

وفي إشارة إلى مزيد من الاضطرابات المحتملة أفادت رسائل نصية على الهواتف المحمولة بأن الحركة الخضراء المعارضة حثت الناس على التجمع في طهران صباح اليوم أيضا. وكان مساعد قائد الشرطة الإيرانية الجنرال أحمد رضا رادان حذر الأربعاء من أن قوات الأمن ستتحرك ضد أي «تجمع غير قانوني» خلال إحياء ذكرى عاشوراء. ودعا رجل الدين المحافظ آية الله أحمد خاتمي، أول من أمس، الإيرانيين إلى الوحدة بمناسبة إحياء ذكرى عاشوراء. وقال خاتمي في خطبة ألقاها في جامعة طهران ونقلتها الإذاعة العامة مباشرة إن «الحداد في ذكرى الإمام الحسين يجب ألا يخدم مصالح أعدائنا. فالإمام الحسين كان دوما رمزا للوحدة، لذا ينبغي ألا تكرس احتفالاتنا للتفرقة».

وحملت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية وسائل الإعلام الأجنبية المسؤولية عن المبالغة في تصوير «التجمع الفاشل للمشاغبين» وعن محاولة حث الناس على النزول للشوارع. وتابعت أن «المشاغبين» لم يتجاوز عددهم 150 شخصا، مضيفة أنهم أرادوا تعكير صفو الاحتفالات ولكن الشرطة فرقتهم. ويحظر على وسائل الإعلام الأجنبية تغطية الاحتجاجات بشكل مباشر. وأوقفت الشرطة مصورا يعمل لـ«رويترز» للتحقق مما إذا كان قد التقط صورا للاحتجاجات.

ويسلط اندلاع أعمال عنف بين قوات الأمن والمعارضة الضوء على التوترات المتزايدة في إيران بعد ستة أشهر من انتخابات الرئاسة المتنازع على نتيجتها والتي أغرقت إيران في فوضى. وعلى الرغم من القبض على العشرات والحملات الأمنية، فإن احتجاجات المعارضة اندلعت مرارا منذ انتخابات الرئاسة التي جرت في يونيو والتي تقول المعارضة إنه جرى التلاعب في نتيجتها لضمان فوز الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد بفترة رئاسة ثانية.

وككل عام، جمعت مئات المواكب والتجمعات عشرات الآلاف من المؤمنين في المساجد أو في شوارع طهران المتشحة بالسواد لإحياء ذكرى موقعة الطف التي قتل فيها الإمام الحسين وغالبية أفراد عائلته بيد جيش الخليفة الأموي يزيد بن معاوية سنة 680 ميلادية. وتحل ذكرى عاشوراء هذه السنة في أجواء من التوتر السياسي زادت من حدته وفاة آية الله العظمى حسين علي منتظري الخليفة المعزول للإمام الخميني والمعارض للنظام في 19 ديسمبر (كانون الأول). وقد شارك عشرات الآلاف في تشييع منتظري الذي تحول إلى مظاهرة للمعارضة.