زيباري: لدينا تركة ثقيلة مع إيران.. وهي تصر على إقرار اتفاقية الجزائر

أكد أمام البرلمان أن بغداد تريد معالجة كل القضايا العالقة بصفقة واحدة لكن طهران ترفض

TT

فيما تؤكد جهات عراقية مسؤولة أن الخلاف مع إيران حول ملكية بئر في حقل الفكة النفطي، قام على خلفية نزاع حدودي محوره سعي طهران لدفع بغداد للاعتراف باتفاقية الجزائر، رفع البرلمان العراقي توصيات إلى رئيس الوزراء بشأن كيفية التعامل مع الأزمة.

وبث تلفزيون «العراقية» أمس وقائع جلسة سرية عقدها البرلمان الأربعاء الماضي، استضاف فيها وزير الخارجية هوشيار زيباري. وقال زيباري «لدينا منذ 2003 تركة ثقيلة مع إيران، منها مخلفات الحرب العراقية الإيرانية والحدود والمياه والألغام والمنافذ الحدودية والاتفاقات السابقة، والطائرات».

وتنص اتفاقية الجزائر التي وقعها في 6 مارس (آذار) 1975 نائب الرئيس العراقي آنذاك صدام حسين، وشاه إيران محمد رضا بهلوي، برعاية الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين، على أن نقطة خط القعر (النقطة التي يكون شط العرب فيها بأشد حالات انحداره) تشكل الحدود بين الدولتين. ولكن صدام ألغى هذه الاتفاقية عام 1980 بعد سقوط حكم الشاه ووصول أنصار الثورة الإسلامية إلى الحكم، الأمر الذي أشعل حرب الخليج الأولى (1980-1988).

وأضاف زيباري أن «موقفهم كان: لن نتفاوض ما لم تقروا اتفاقية الجزائر»، مؤكدا أن «أكبر ملف في وزارة الخارجية هو الملف مع إيران». وأوضح أن «الموقف الحكومي الرسمي، وخلال الحكومات الثلاث المتعاقبة (في العراق منذ 2004)، أنها متحفظة على هذا الاتفاقية»، لكنه استدرك قائلا إن ذلك «لا يعني أن العراق غير ملتزم»، من دون مزيد من التوضيح.

وتابع «لدينا مشكلة وما زالت، ونحن أردنا أن نعالج كل القضايا العالقة بصفقة واحدة، لكن الإيرانيين لم يتجاوبوا معنا في ذلك، بسبب أنهم كانوا يصرون على أن تحل القضايا وفق اتفاقية الجزائر لسنة 1975». وأكد زيباري أن الإيرانيين «يقولون إذا كنتم لا تقرون اتفاقية الجزائر فنحن لن نتعاون معكم في أي مشكلة».

وقال زيباري «تمكنا بعد ثلاث سنوات أن نقنع القيادة الإيرانية بأن نمضي بالقضايا الآنية التي تواجهنا من دون الإشارة إلى اتفاقية الجزائر (..) ووافق الجانب الإيراني خلال إحدى زياراتنا على تشكيل لجان عمل فنية لترسيم الحدود، لكن مشاكل مالية لدينا عرقلت ذلك». وأكد في الوقت نفسه أن «التجاوزات الإيرانية للحدود كانت متواصلة منذ 2006». وأوضح أن «فنيي وزارة النفط كانوا يذهبون إلى الآبار للاطلاع عليها، فيتعرضون إلى مضايقات والرمي (بالرصاص) واعتقالهم ومنعهم» من القيام بعملهم، مضيفا «حاولنا الوصول لحل في كل مرة من دون ضجة، من خلال الطرق الرسمية الدبلوماسية، وكانوا يتجاوبون معنا». غير أن زيباري أكد أن الإيرانيين «لم ينسحبوا من خط الحدود، وما زالوا داخل أراضينا». وشدد على عراقية بئر الفكة، قائلا «نعتقد أن البئر عراقية، هم (الإيرانيون) يقولون إنها واقعة على خط الحدود، لكن نحن نقول إنها غير متنازع عليها، وطالبناهم بالانسحاب والرجوع إلى أراضيهم حتى نبدأ عمل اللجنة» المشتركة.

وفي السياق ذاته، أوضح لبيد عباوي، الوكيل السياسي للخارجية العراقية «دخلت القوات الإيرانية المرة الأولى في التاسع من هذا الشهر - ديسمبر (كانون الأول) - وقدمنا احتجاجا للسفير الإيراني، وبعد ساعات انسحبت القوة (..) وفي 17 من الشهر» تكرر ذلك. وأضاف «في 18 من الشهر نفسه، أبلغنا بأن 11 عسكريا (إيرانيا) دخلوا الأراضي العراقية واحتلوا البئر (رقم 4) ورفعوا عليها العلم الإيراني». وتابع «بعد ساعة ونصف الساعة من حدوث ذلك، استدعينا السفير الإيراني، وقدمنا له مذكرة شديدة اللهجة، وطلبنا الانسحاب الفوري من الأراضي العراقية، لكن السفير الإيراني ادعى أن تلك الأراضي إيرانية».

وحسب وكالة الصحافة الفرنسية، أضاف عباوي «كنا واضحين وقلنا إن هذه الأراضي عراقية، والبئر عراقية، وتقع في أراضينا، وحاول السفير (الإيراني) الإشارة إلى اتفاقية الجزائر، لكننا أشرنا إلى أن هذه البئر بالذات، بدأ الحفر فيها عام 1978، أي بعد ثلاث سنوات من توقيع الاتفاقية، وبدأ الإنتاج فيها عام 1979، وتوقف بعدها بسبب الحرب عام 1980». وحقل «الفكة» النفطي يمثل جزءا من ثلاثة حقول يقدر مخزونها بـ1.55مليار برميل.

وأشار المسؤول العراقي إلى قيام «سفير العراق في طهران بتقديم مذكرة للخارجية في طهران، وأخبرنا بأنهم سوف يعملون على إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل الأحداث، وطالبوا باجتماع اللجنة الفنية». وأكد عباوي أن «القوة (الإيرانية) انسحبت في يوم 20 ديسمبر إلى مسافة 50 مترا عن البئر، لكنها أبقت على ساتر ترابي داخل الأراضي العراقية، واستدعينا السفير مرة ثانية وطلبنا سحب القوة» من الموقع. وأضاف «لدينا قوات متمركزة على بعد نحو 400 متر على يمين البئر، لكن لا توجد تحركات عسكرية، ونحن سنواصل جهدنا كي تنسحب القوة» الإيرانية. واعتبر المسؤول العراقي أن الكر والفر بين الجانبين سيتواصل حتى «تعلم (ترسم) الحدود لتحسم هذه المسألة».

وكان السفير الإيراني في بغداد، حسن كاظمي قمي، حمل في مؤتمر صحافي الأربعاء الماضي القوات العراقية مسؤولية الأزمة بين طهران وبغداد، نافيا دخول قوات إيرانية إلى منطقة نفطية جنوب العراق. وأكد قمي أن «هناك اتفاقيات ومعاهدات بين البلدين تحدد مسألة الحدود وتشمل أمورا مهمة بينها الآبار النفطية المشتركة والأنهار المشتركة والعلاقات الاقتصادية والأمنية». والأزمة التي سببها حادث الفكة هي الأولى بين بغداد وطهران منذ الإطاحة بنظام صدام حسين عام 2003.

إلى ذلك، تبنت لجنة الأمن والدفاع في مجلس النواب العراقي مهمة وضع مجموعة من المطالب لتقديمها بشأن الأزمة. وقال وليد شركة، عضو اللجنة، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن لجنته «أعدت مجموعة من التوصيات تم رفعها إلى رئيس الوزراء أيضا لإنهاء الأزمة بشكل دبلوماسي». وأوضح أنه بعد تلقي رد رئاسة الوزراء على توصيات اللجنة سيتم التباحث حول ما إذا كانت هناك حاجة لاستضافة زيباري مجددا للإجابة عن بعض التساؤلات. وكانت مصادر برلمانية قد أعلنت أن البرلمان كان يعتزم استضافته مجددا أو من ينوب عنه اليوم لتوضيح ما وصفه بـ«التصريحات الضبابية» للحكومة حول الأزمة مع إيران.