2009 نهاية عقد : السؤال الذي يحير أجهزة الاستخبارات: بن لادن حي أم ميت؟

«القاعدة» تحاول الانتشار في مناطق جديدة في الصومال واليمن

بن لادن المطلوب الأول في العالم
TT

اعترف وزير الدفاع الأميركي، روبرت غيتس، أخيرا بعدم قدرته على الإجابة على هذا السؤال «أين أسامة بن لادن؟» مع عدم وجود أي معلومات استخباراتية مؤكدة حول عدو الولايات المتحدة والمطلوب الأول حول العالم على قائمة الإرهابيين. منذ ثماني سنوات تدور الشائعات حول مكان أسامة بن لادن، وفيما إذا كان لا يزال على قيد الحياة بالفعل.

هل مات الرجل المتهم بتورطه بالهجمات على البرجين التوأمين في نيويورك التي عرفت بهجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) بسبب مرض الكلى؟ هل قامت وكالة الاستخبارات الأميركية بتزييف أشرطة مسجلة منسوبة لابن لادن؟ وإذا كان على قيد الحياة، هل هو عموما في باكستان أو أفغانستان أو في أي مكان آخر؟ يعتقد أغلب الإسلاميون في أوروبا اعتقادا راسخا أن بن لادن لا يزال حيا يرزق. «وفقا للشريعة الإسلامية يتحتم على منظمته إبلاغ أسرته لو كان أسامة بن لادن قد مات بالفعل، لأسباب تتعلق بالميراث وهذا أيضا من الفروض حسب الشريعة الإسلامية كي يتسنى لزوجاته التزوج مرة أخرى. وأعتقد أنه لم يمت».

واستنادا إلى أمثلة سابقة من قادة إسلاميين آخرين تم الإبلاغ عن موتهم وفقا للشريعة الإسلامية مثل أبو الليث الليبي والخبير الكيماوي أبو خباب المصري وكلاهما قتل في هجوم صاروخي أميركي في الشريط القبلي.

وكانت «القاعدة» نعت أبو خباب المصري في أغسطس (آب) 2008 على لسان الشيخ سعيد المحاسب مسؤول التنظيم في أفغانستان، وقالت إنه انضم إلى «كوكبة الأبطال»، وقتل معه أشخاص آخرون. وكانت الولايات المتحدة قد خصصت مكافأة قدرها خمسة ملايين دولار للوصول إلى مدحت مرسي السيد عمر المصري الجنسية «أبو خباب». وكان يشتبه في أنه يدير معسكرات تدريب في أفغانستان. وخلال قصف كابل عام 2001، قُتل أبو حفص المصري، وهو المسؤول العسكري لتنظيم القاعدة، وتم إبلاغ أسرته. وكذلك قتلت (أم محمد) عزة أنور نويرة وأبناؤها الخمسة وهي زوجة أيمن الظواهري، الرجل الثاني في التنظيم ومساعد بن لادن، خلال القصف الأميركي على منازل العرب في قندهار نهاية عام 2001 في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وتم إبلاغ عائلتها بوفاتها أيضا.

من جهته يقول الإسلامي المصري الدكتور هاني السباعي مدير مركز «المقريزي» في لندن في اتصال هاتفي أجرته معه «الشرق الأوسط» الأصل في الإنسان الحياة وليس الموت ومن يدعي أن شخصا ما قد مات فعليه عبء الإثبات، فعلى سبيل المثال لما أشاع الروس أن القائد خطاب قد قتل لم تصدقهم وسائل الإعلام حتى ظهر في شريط فيديو وجسده مسجى وأنصاره في الشيشان يقومون بدفنه وتشييعه وقد أعلنت نبأ مقتله قيادة «المجاهدين» واختاروا بعده أبو الوليد الغامدي الذي قتل أيضا فيما بعد. ويضيف هذه ليست المرة الأولى التي يشاع فيها عن وفاة بن لادن وقد ظل في إحدى المرات لا يظهر لوسائل الإعلام لمدة سنتين متتاليتين ورغم ذلك فقد ظهر بالصوت والصورة بعد ذلك. ويشير إلى أن تنظيم قاعدة الجهاد تنظيم عقدي يرفع شعار الفوز بإحدى الحسنيين إما النصر وإما الشهادة أي الموت، وقال السباعي لو مات بن لادن «فلن يتردد قادة تنظيم القاعدة في نعيه للأمة ورثائه بقصائد تشيد بعظمته ولن تتأثر الوحدة الفكرية بموته وسيأخذ الراية من بعده أجيال منتشرة في العالم الإسلامي من إندونيسيا وماليزيا وأفغانستان وباكستان والعراق والجزيرة واليمن ومصر والصومال والمغرب الإسلامي وأدغال أفريقيا». ويشير السباعي أيضا إلى العديد من الأشرطة والتسجيلات الصوتية التي ظهرت على مر السنين كسبب للاعتقاد بأن بن لادن لا يزال على قيد الحياة، على الرغم من بعض الشكوك حول صحتها. إذا كان على قيد الحياة، كما تعتقد معظم وكالات الاستخبارات، فمن الجائز أنه يستتر لدى مجموعة من المتعاطفين المحليين. البعض يقول إنه في منطقة القبائل في باكستان، والبعض الآخر يقول إنه في شمال أو شرق أفغانستان، على الرغم من عدم احتمال ذلك لوجود قواعد أميركية على الحدود. وأينما كان مكانه، سيُطرح السؤال مرة أخرى بعد أشهر قليلة أخرى، وإلى أن يلقى إجابة محددة، وإلى أن يحدث ذلك، سيبقى أبرز الهاربين المطلوبين من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي وسيظل يحتل العناوين الرئيسية، وسيظل الشخصية الأكثر مراوغة في الحرب على الإرهاب. ويؤكد كثير من الأصوليين أن بن لادن يعيش بعيدا عن الظواهري زعيم «الجهاد» المصري الرجل الثاني في «القاعدة» وهو الآخر ملاحق من قبل المباحث الأميركية. والظواهري جراح سابق عمره 50 عاما من أسرة ميسورة في القاهرة وانضم إلى بن لادن عام 1998 لتشكيل جبهة لضرب المصالح الأميركية والإسرائيلية. من جهته يقول هاني السباعي في اتصال هاتفي أجرته معه «الشرق الأوسط»: «إن غياب بن لادن إعلاميا منذ آخر ظهور أثار جدلا كبيرا لدى أعدائه وأحبابه؛ فطائفة تقول إن غيابه الطويل يدل على أنه قد مات أو قتل. وطائفة تقول إنه كامن في مكان ما ويختار الوقت المناسب للظهور». وأوضح السباعي «قد يكون غياب بن لادن إعلاميا من باب توزيع الأدوار بحيث يظهر الدكتور أيمن الظواهري غالبا في وسائل الإعلام من خلال بث بعض الخطب والحوارات التي تجريها معه مؤسسة سحاب بغية التأكيد من بقاء تنظيم القاعدة وقادته، وشحذ همم أنصار التنظيم عالميا، وتحريض شباب الأمة الإسلامية على القيام بقتال المحتلين لأراضي المسلمين في فلسطين وأفغانستان والعراق وكشمير وغيرها، ونشر أفكار التنظيم وفلسفته في كيفية استنهاض الأمة وحل مشاكلها، وتجنيد أعضاء جدد ينتمون فكريا لتنظيم القاعدة وليسوا بالضرورة منتمين عضويا مما يعد مكسبا كبيرا لتنظيم القاعدة». وأضاف أن غياب بن لادن سواء كان هذا الغياب متعمدا من قبل التنظيم أو كان نتيجة وفاة أو أسر فلن يؤثر على معنويات أعضاء التنظيم والمتعاطفين معه إلا قليلا. وأعرب السباعي عن اعتقاده أن غياب بن لادن إعلاميا لم يؤثر على حركة التنظيم وقوته على الساحة الدولية فتنظيم القاعدة الذي كان محاصرا في السودان وجد له ملاذا حيويا في أفريقيا وأفغانستان، وبعد أن حصار التنظيم في أفغانستان والقضاء على طالبان وزعيمها الملا محمد عمر، إذا بالتنظيم يجد له متنفسا ورئة جديدة في العراق ثم اليمن والصومال. وقال الجنرال مكريستال في شهادة أدلى بها أمام الكونغرس في واشنطن إن بن لادن أصبح «شخصية رمزية»، وأن بقاءه حرا وعلى قيد الحياة يعزز تصميم تنظيم القاعدة على مواصلة عملياته. غير أن الجنرال الأميركي أوضح إن تنظيم القاعدة لن ينتهي بمجرد اعتقال بن لادن أو قتله، ولكن من الناحية الأخرى لن يكون من الممكن تصفية التنظيم ما دام بن لادن يتمتع بالحرية. واستمع الكونغرس إلى شهادة الجنرال مكريستال في إطار تقييمه للوضع في أفغانستان بعد قرار الرئيس الأميركي باراك أوباما زيادة عدد القوات الأميركية بنحو 30 ألف جندي لمواجهة مسلحي طالبان. وقال الجنرال مكريستال في شاهدة أدلى بها أمام الكونغرس بواشنطن إن بن لادن أصبح «شخصية رمزية» و«إن بقاءه حرا وعلى قيد الحياة يعزز تصميم تنظيم القاعدة على مواصلة عملياته في كل أنحاء العالم». وقال الجنرال الأميركي إن تنظيم القاعدة لن ينتهي بمجرد اعتقال بن لادن أو قتله، ولكن من الناحية الأخرى لن يكون من الممكن تصفية التنظيم ما دام بن لادن يتمتع بالحرية. وقال مكريستال إن الأشهر الـ18 القادمة ستكون أشهرا حاسمة بالنسبة لأفغانستان، إلا أنه أضاف بأنه لا يتوقع أن يحتاج إلى عدد أكبر من الجنود لإنجاز مهمته. وأضاف في شهادته التي أدلى بها أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب: «سيتطلب تحقيق النجاح التزاما قويا ودفع ثمن باهظ». وقال إن التعزيزات العسكرية التي امر بها الرئيس باراك أوباما «ستمنحنا القدرة على مواجهة زخم المتمردين ورده، وستتيح لنا عزل حركة طالبان عن بقية الشعب الأفغاني». وأشاد ضابط سابق في «سي آي إيه» بالصراحة التي ميزت حديث الإدارة الأميركية مؤخرا عن زعيم تنظيم القاعدة بن لادن، حين أكدت أنها لا تتوفر على أي معلومات عنه، وطالب بأن تبنى الخطط الأميركية بأفغانستان على فرضية استحالة العثور على بن لادن. ويرجح الخبراء أن يكون بن لادن متحصنا في منطقة جبلية منيعة بين باكستان وأفغانستان. وقال ضابط غربي متخصص في مكافحة الإرهاب إن «ما يحميه (أي بن لادن) مزيج من العبادة والجهل لدى سكان المنطقة القبلية المعزولة عن العالم، والرعب المطلق» وأن مخبأه يديره تنظيم القاعدة حصرا. وأكد الجنرال جيمس جونز مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض أن بن لادن موجود حتما بين باكستان وأفغانستان «في مكان ما شمال وزيرستان» في قلب المنطقة القبلية التي تعد معقل حركة طالبان باكستان وحصن تنظيم القاعدة. وبحسب الصحافي الباكستاني رحيم الله يوسف ضي الذي التقى بن لادن مرتين في 1998 في جبال أفغانستان، فإن زعيم تنظيم القاعدة «لا يمكنه الخروج من هذه المنطقة من دون أن يتم رصده». وقال الضابط الغربي «توجد مناطق كتومة حقيقية، يمنع من الدخول إليها حتى عناصر طالبان المحليون، فقط عناصر القاعدة الأجانب يمكنهم الدخول». وأكد ضابط باكستاني كبير في مكافحة الإرهاب أن «عملاءنا يستحيل عليهم دخول هذه المناطق» وذكر بأن القبض على العدد الأكبر من عناصر «القاعدة» منذ نهاية 2001 «تم فقط عندما كانوا يأتون إلى المدن الكبرى لم يجر القبض على واحد منهم في المناطق القبلية، حتى وإن قتل بعضهم جراء صواريخ» أطلقتها الطائرات الأميركية. وقال مسؤول عسكري باكستاني «ليس لدينا أي جديد منذ 2004، عندما علمنا أن أسامة أصبح في شمال وزيرستان». واعتبر الضابط الغربي أن «الاستخبارات الغربية لا تهتم مطلقا بأسامة بن لادن سوى لما يمثله كرمز.. الهدف الأول اليوم هو القائد الفعلي (لتنظيم القاعدة) أيمن الظواهري، وهو الأكثر فاعلية وتشددا». ولم يعد مكان المصري أيمن الظواهري محددا بعدما أخطأه صاروخ أميركي في 13 يناير (كانون الثاني) 2006 في منطقة باجور الحدودية مع أفغانستان حيث تم تحديد مكانه آنذاك. وكان الجنرال ستانلي مكريستال قائد القوات الدولية في أفغانستان قال الأسبوع الماضي أنه من الوهم التفكير بهزيمة تنظيم القاعدة من دون القبض على بن لادن أو قتله لما يمثله من «صورة رمزية يشجع بقاؤها القاعدة».

ووعد جيمس جونز بأن يتولى الأميركيون شأن بن لادن، لكن زعيم القاعدة يعتمد على منعة طبيعية وبشرية. فقد أنشأ أنصاره منطقة وقائية منيعة وأنشأت طالبان باكستان دائرة الرعب الثانية حيث يقطع رأس كل من يشتبه به أمام عدسات التصوير لنشر هذه اللقطات. جثث من دون رؤوس تنتشر في المنطقة، يكتب عليها «جاسوس أميركي». وبحسب الضابط الغربي فإن «مجرد ذكر اسم بن لادن أو إبداء فضول قد يؤدي بك إلى الإعدام». وأضاف حتى لو تم تحديد مكان بن لادن «يوجد في وزيرستان على الأخص مناطق مليئة بالمغاور والوديان بحيث يستحيل معها الهجوم بالطائرات التي لا تقدر على إطلاق صواريخها عموديا». وخلص رحيم الله يوسف ضي إلى أن «أسامة حذر جدا في ما يخص أمنه، وأقول أيضا إنه محظوظ جدا حتى الآن». وفي بداية تعليقه بمجلة «تايم» الأميركية تحت عنوان «كفانا مطاردة لشبح بن لادن»، استعرض ضابط الاستخبارات الميداني السابق بالشرق الأوسط روبرت باير أهم ما يشاع حول موت أو مكان وجود زعيم تنظيم القاعدة من فرضيات، فنقل قول مستشار الأمن القومي الأميركي جيمس جونز إن زعيم تنظيم القاعدة ربما يتحرك ذهابا وإيابا عبر الحدود الأفغانية - الباكستانية ذات الجبال الوعرة. ونقل باير عن عميل بالـ«سي آي إيه» وزميل سابق له بهذا الجهاز وصفه بأنه أحد المكلفين منذ هجمات سبتمبر (أيلول) بمطاردة بن لادن قوله إن «بن لادن قد مات»، وأضاف أن هذا هو السبب الذي جعل المعلومات حوله غير متوفرة. ولتبرير ما ذهب إليه يصر هذا العميل على أن التسجيلات الصوتية وأشرطة الفيديو التي نشرت لابن لادن مفبركة بإتقان من تسجيلات وأفلام فيديو قديمة لهذا الرجل. غير أن العميل المذكور أقر بأن وكالة الاستخبارات الأميركية لا تتوفر على أي دليل يثبت أن بن لادن قد مات، وأشار إلى أنه توصل شخصيا إلى هذه القناعة عبر الحدس وسنوات التجربة التي قضاها في مطاردة الإرهابيين الهاربين. لكن باير يؤكد أن النظرية القائلة بأن بن لادن قد مات لا تجد لها مؤيدين بواشنطن لأنها انزلاق نحو فكر المؤامرات، ولأن من يعتقدون فيها يخشون إن هم عبروا عن ذلك علنا أن يظهر بن لادن من جديد. وقد يكون زعيم القاعدة قد قتل أو مات من المرض، «لكن لنفترض اليوم أنه حي وبصحة جيدة» يقول الكاتب، «فالمؤكد أنه يتخذ إجراءات لم نشهد لها مثيلا وأنه لا يستخدم الإنترنت ولا الهاتف الجوال، وليس هناك شك في أن من هم حوله يلتزمون بإجراءات أمنية صارمة»، على حد تعبير باير. وفي غياب المعلومات عن هذا الرجل، يضيف الكاتب: «يمكننا أن نتصور أنه قد لا يكون في منطقة الحدود الأفغانية - الباكستانية، بل ربما كان في منطقة بلوشستان التي لا تخضع لسيطرة الحكومة الباكستانية وليس للأميركيين بها وجود، وربما كان في الصومال بل ربما كان في جزيرة نائية بإندونيسيا». وهنا ينصح الكاتب السلطات الأميركية بالتخطيط كما لو كان بن لادن قد اختفى إلى الأبد، وعبر عن اعتقاده بأن إرسال 30 ألف جندي أميركي إضافي «لن تمكننا من الاقتراب من القبض على زعيم القاعدة، حتى لو فتشنا بيوت القبائل الباكستانية بيتا بيتا ما دام هذا الرجل يطبق مثل هذه المعايير الصارمة لحماية نفسه».

ويختم بالقول «ما لم يبتسم لنا الحظ، فإن أفضل ما يمكننا أن نأمل في تحقيقه من تعزيز قواتنا في أفغانستان هو أن ننجح في تجفيف المستنقع الأفغاني من الأعداء، وإبقاء بن لادن مختبئا حيثما هو»، لكن باير ينهي تعليقه بالتساؤل التالي: «لو افترضنا أننا لن نعثر على بن لادن أبدا، فكيف إذن سنعرف متى يكون المستنقع الأفغاني قد جف بالفعل؟». وعلى الجانب الآخر يستنتج خبراء مكافحة الإرهاب أن رسائل بن لادن، لا تقدم دليلا على أنه لم يعد حيا بعد عام 2001. وهذا الاستنتاج أدّى إلى السؤال التالي: لو أن أسامة بن لادن مات فعلا عام 2001، لماذا وكيف ظهرت العشرات من رسائله منذ ذلك الحين؟ ولكن الدليل الرئيسي على أنه لا يزال على قيد الحياة رسائل، من المفترض أنها تعود إليه، تأتي على شكل أشرطة فيديو وأشرطة صوتية. وإن كان بن لادن توفي أواخر عام 2001، فذلك يعني أن جميع تلك الرسائل ملفقة. لكن ماذا لو أن بعضا منها على الأقل كان حقيقيا؟ ذلك سينفي صحة التقارير كافة التي تتحدث عن موته. هنا يبقى السؤال مطروحا حول ما إذا كانت الأسباب، لاعتبار بعض هذه الرسائل على الأقل حقيقية، قوية بما يكفي لتتفوق على أدلة تشير إلى موت بن لادن منذ وقت طويل. عام 2008 قال محلل في الاستخبارات الغربية إن توقّف تدفق المعلومات الاستخباراتية عن بن لادن في ديسمبر (كانون الأول) 2001 أصبح دائما: «لم نحصل على معلومات استخباراتية موثوقة عن بن لادن منذ عام 2001، أما المعلومات الباقية فكلها شائعات تثيرها وسائل الإعلام أو تتمخض في دهاليز السلطة في العواصم الغربية». فغياب أي معلومات استخباراتية حول بن لادن في ظل وجود أقمار تجسس اصطناعية، ومكافأة بقيمة 25 مليون دولار لمن يقدم معلومات عنه يقدّمان سببا آخر للاستنتاج أنه لم يعد بيننا». ويستنتج الكاتب من ذلك أن الأدلة المتاحة كافة تؤيد التصريح الذي أدلى به روبرت باير في أكتوبر (تشرين الأول) 2008 بأن أسامة بن لادن مات. ويرى محللون أن أحد الأسباب التي تدفع إلى الشك بأن الأشرطة والرسائل المنسوبة إلى بن لادن ملفقة، ظهور الأخيرة غالبا في أوقات ملائمة لإدارة بوش: أي عندما تعزز شعبية الرئيس أو تدعم ادعاء صادرا عن إدارته أو عن حليفها الرئيس في الحرب على الإرهاب، رئيس الوزراء البريطاني توني بلير. ويتساءل محللون أيضا عمن يملك الدافع لتلفيق أشرطة بن لادن ورسائله في حال كانت ملفقة فعلا، ويستدل على إجابة معقولة من حقيقة أن استمرار الجهود العسكرية الأميركية في أفغانستان مرتبط ارتباطا وثيقا بمطاردة بن لادن. فإذا اقتنع الرأي العام الأميركي أن بن لادن مات، فمن المؤكد أن الدعم المقدم إلى هذا الجهد سيجف إلى حد كبير. وفي السياق نفسه، إذا كان جهاز الاستخبارات العسكرية لفق أدلة لربط الحرب في العراق بالجماعة التي يُعتقد أنها قامت بالهجوم على الولايات المتحدة في 11 سبتمبر، أما كانت تملك دافعا كذلك لتلفيق أدلة تعزز الاعتقاد بأن بن لادن حي، لتستمر في مطاردته؟ ووقّع وزير الدفاع الأميركي، روبرت غيتس الشهر الحالي على أول قرار عسكري لتنفيذ استراتيجية الرئيس باراك أوباما الجديدة بأفغانستان، إذ وافق على إرسال وحدة من مشاة البحرية، وذلك وفق معلومات خاصة، بأن البيت الأبيض وافق على اقتراح لزيادة حجم عمليات القصف باستخدام طائرات دون طيار عند الحدود الأفغانية الباكستانية. بالمقابل، نفت وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، في مقابلة خاصة مع «سي إن إن»، ما قيل حول وجود خطط لدى أوباما لترك الأمور كما هي والانسحاب بأسرع وقت من أفغانستان، وشددت على أن جيش بلادها لم يكن ليوجد بأفغانستان لو أن زعيم طالبان، الملا عمر، وافق على تسليم زعيم تنظيم القاعدة، أسامة بن لادن بعد هجمات نيويورك. وقالت كلينتون إن إعلان أوباما رغبته في بدء انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان اعتبارا من يوليو (تموز) 2011 يقوم على «انتقال مسؤول للسلطة إلى الجانب الأفغاني مبني على الظروف الحاصلة على الأرض». وذكرت كلينتون أن بلادها تنظر إلى الأوضاع في الولايات الأفغانية المختلفة، البالغ عددها 34 ولاية، وهي تدرس حالة كل منها بشكل مستقل، وترى أن بعضها مستقر ويمكن تسليمه حاليا للجانب الأفغاني، في حين أن ولايات أخرى لا تزال تشهد معارك عنيفة. ولفتت الوزيرة الأميركية إلى أن المجتمع الدولي أخطأ في السابق عندما ساعد «المجاهدين» في طرد القوات السوفياتية من أفغانستان، دون أن يقوم بعد ذلك بخطوات لتحسين أوضاع السكان قائلة: «لقد أدرنا ظهرنا وتركنا خلفنا وجودا خطيرا ومتزايدا (للمسلحين) في أفغانستان وباكستان». وشككت كلينتون في رغبة زعيم حركة طالبان، الملا عمر، بالاستجابة لطلب اللجوء إلى الحوار المقدم له من الرئيس الأفغاني، حميد كرزاي، قائلة إن الملا عمر «لا يرغب في الحوار مع كرزاي أو أي جهة أخرى».

وأضافت: «يجب التذكر بأن واشنطن طلبت من الملا عمر تسليمها زعيم تنظيم القاعدة، أسامة بن لادن، بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، ولو كان قد فعل ذلك لما كنا في أفغانستان اليوم». وبحسب كلينتون، فإن البيت الأبيض «ينظر بجدية» إلى احتمال أن يكون بن لادن والملا عمر في باكستان أو في المنطقة الحدودية مع أفغانستان، كما أبدت «ارتياحها» لما يجري في دول الخليج لجهة مكافحة تمويل تنظيم القاعدة من قبل جهات مستقلة في تلك الدول. وعلى صعيد غارات الطائرات العاملة دون طيار، فقد وافق البيت الأبيض على زيادة الطلعات والعمليات التي تنفذها هذه الطائرات، بعد طلب ورد في هذا الصدد من وكالة الاستخبارات المركزية «سي آي إيه»، وفق ما أكدته مصادر في الإدارة الأميركية. وقالت المصادر إن هذه الغارات: «مهمة للغاية في العمليات الهادفة لضرب الأهداف الإرهابية»، مقللا من شأن التقارير التي تشير إلى أن هذه الضربات مسؤولة عن مقتل عشرات المدنيين عبر قوله إن الضحايا من غير المسلحين لا يشكلون سوى «نسبة ضئيلة» من بين القتلى. يذكر أن الأشهر التي تلت تولي أوباما السلطة عام 2009 شهدت 40 غارة لطائرات من دون طيار في مناطق الحدود الباكستانية - الأفغانية، وذلك بزيادة كبيرة مقارنة بعام 2008، الذي شهد تنفيذ 30 غارة في ظل إدارة الرئيس السابق، جورج بوش.

* أغسطس (آب):

ـ 2/8: الحكم على نائب رئيس الوزراء العراقي الأسبق طارق عزيز بالسجن سبع سنوات لدوره في تهجير الأكراد.

ـ 3/8: مرشد الثورة الإسلامية الإيرانية علي خامنئي يصادق على فوز الرئيس أحمدي نجاد بالانتخابات الرئاسية.

ـ 4/8: افتتاح المؤتمر العام لحركة فتح في بيت لحم والرئيس الفلسطيني محمود عباس يؤكد التمسك بالحوار الوطني وبمفاوضات السلام.

ـ 5/8: الجنرال محمد ولد عبد العزيز يؤدي اليمين الدستورية رئيسا لموريتانيا بعد عام على الانقلاب الذي قاده.

ـ 5/8 افتتاح مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر الأبيض المتوسط بحضور محافظ الإسكندرية وعدد قليل من نجوم السينما.

ـ 7/8: حركة طالبان باكستان تعلن مقتل زعيمها بيت الله محسود.

ـ 17/8: حريق في خيمة بالجهراء في الكويت يسقط 44 قتيلة تسببت فيه طليقة العريس انتقاما من زوجها.

ـ 19/8: منتخب ألمانيا يفوز بكأس العالم لكرة اليد للشباب بعد فوزه في النهائي على الدنمارك والمنتخب المصري يكتفي بالمركز الرابع بعد خسارته أمام سلوفينيا.

ـ 20/8: اسكوتلندا تعلن الإفراج عن الليبي عبد الباسط المقراحي المدان في قضية لوكيربي لأسباب إنسانية.

ـ 27/8: نجاة نائب وزير الداخلية السعودي الأمير محمد بن نايف من محاولة اغتيال عندما فجر شخص مطلوب نفسه، عندما دخل إلى مكتبه، يذكر أن هذا الانتحاري تابع لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب.

ـ 30/8: فوز الحزب الديمقراطي الياباني المعارض بقيادة يوكيو هاتوياما بالانتخابات العامة ويطيح بسيطرة الحزب الليبرالي الديمقراطي الذي يحكم اليابان منذ 50 عاما.

ـ 30/8: المدعي العام الإسرائيلي يوجه ثلاثة اتهامات بالفساد والكسب غير المشروع إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت.