زوما يكشف عن نفسه كسياسي داهية

بعد أن حبس العالم أنفاسه عندما تم تنصيبه رئيسا لجنوب أفريقيا

TT

حبس العالم وثلث سكان جنوب أفريقيا، الذين لم يصوتوا لصالحه أنفاسهم، عندما تم تنصيب جاكوب زوما رئيسا لأكبر ديمقراطية في أفريقيا عام 2009. وزعيم حزب المؤتمر الوطني الأفريقي، 67 عاما، ونائب الرئيس السابق وصل إلى السلطة في مايو (أيار) وسط غيوم تحيط به.

وقبل ذلك بثلاث سنوات كان يحاكم عن اغتصاب صديقة للأسرة، مصابة بفيروس «إتش آي في» المسبب لمرض الإيدز، في قضية أظهرت ضعف فهمه للوباء والمرض المسبب له فهما أقل لحرية المرأة، وقد بُرئ بعد ذلك.

كما اتهم أيضا بتقاضي رشى في صفقة أسلحة بمليارات الدولارات، وقبل الانتخابات العامة بأسبوعين فقط، والتي جرت في أبريل (نيسان)، وبينما كان يعد نفسه للمثول أمام المحكمة، أُسقطت الاتهامات بسرعة لأسباب تقنية.

وقد أثار الأمر تساؤلات بشأن ما إذا كان زعيم المقاتلين السابق، والرجل الذي يفخر بأنه متعدد الزوجات، هو الشخص المناسب لخلافة تابو مبيكي، ووراثة الرئيس المبجل الأول للبلاد نيلسون مانديلا.

بعدها بسبعة أشهر كشف السياسي عن موهبة في بناء الإجماع من حوله، والميل يسارا في السياسة الاقتصادية، التي كان كثيرون يخشون من أنها ستكون الثمن الذي ستطلبه الحركة النقابية والحزب الشيوعي، ثمنا لدعم محاولة زوما الرئاسية التي لم تتجسد بعد.

وعلى الرغم من أن زوما عين شيوعيين ونقابيين في المواقع الرئيسية في إدارته التي تنحو نحو يسار الوسط، فإنه آثر البراغماتيين على الآيديولوجيين في قيادة البلاد، للخروج من أول حالة كساد تشهدها في 17 عاما، ولا يزال زوما يشدو بنغمة مختلفة تماما عن مبيكي، ولأن عينه على الانتخابات المحلية التي تجري عام 2011، وإقرارا منه بأن حزب المؤتمر الوطني الأفريقي لا يمكنه أن يعول على فترة كفاحه من أجل التحرير للأبد، فإن زوما قرر تحسين الأداء الحكومي، وبخاصة على المستوى المحلي.

وخرجت المستوطنات في مختلف أنحاء البلاد، في انتفاضة مجددا هذا الشتاء، في استعراض سنوي للإحباط من جانب الفقراء، سكان الحضر، بسبب ارتفاع نسبة البطالة وسوء أحوال المعيشة.

وأقام زوما خطوط اتصال هاتفية ساخنة في الرئاسة للتعامل مع الشكاوى، ونزلت لجان غير معلنة للتعامل مع الموظفين المتقاعسين، وفي واحد من المجالس المحلية تم فصل السلطة التي يقودها الحزب الوطني بالكامل.

وعن فيروس «إتش آي في» (مرض الإيدز) والجريمة اللذين ابتلي بهما المجتمع في جنوب أفريقيا، فقد تفوق أسلوب زوما النشط على أسلوب مبيكي الذي دفن رأسه في الرمال.

كان مبيكي قد اتهم شركات الأدوية الغربية بالتضخيم من أزمة الإيدز في أفريقيا، وتأخير صرف الأدوية المضادة للارتجاع المنقذة للحياة، أما زوما فقد التزم العلم ووضع أهدافا طموحة جديدة للعلاج.

كما حاول أيضا إدخال إصلاحات على اعترافه، خلال محاكمة الاغتصاب، بأنه لم يستعمل عازلا طبيا أثناء ممارسته مع السيدة التي اتهمته، فقال لمواطني جنوب أفريقيا في اليوم العالمي للإيدز في الأول من ديسمبر (كانون الأول) إن الطريقة الأفضل في علاج الإيدز لا تعني إلا أن نتحلى بالمسؤولية في ممارساتنا الجنسية.

وفي حين نفى مبيكي بشدة خروج الجريمة عن نطاق السيطرة في البلاد، التي بلغ معدل جرائم القتل بها 50 جريمة يوميا، والاغتصاب حالة كل 17 ثانية، فإن زوما اعترف بأن ثمة شيئا خطأ في مستوى العنف الذي يميز الجريمة.

كما ثار الجدل حول تعليماته للشرطة باستخدام القوة بشراسة في التعامل مع المشتبه في ارتكابهم جرائم، فقد قتلت الشرطة عددا من المارة الأبرياء خلال الأسابيع الأخيرة منهم صبي في الثالثة من عمره.

كما أن سِجل زوما بشأن استقلال مؤسسات الدولة مشوش أيضا، ففي حين تحاشى هو نفسه محاكمة فساد، بعد أن اكتشف أحد القضاة دليلا على تدخل سياسي في القضية التي ينظرها، فإن زوما عين أخيرا أحد المقربين من حزب المؤتمر الوطني، الذي حاول التدخل في عمل رجال النيابة عندما كان في الحكم، رئيسا لجهاز الادعاء في البلاد.

وفي حين أن أسلوبه في بناء الإجماع من حوله يساعد في الحفاظ على ذلك الطيف الواسع من الليبراليين والشيوعيين والقوميين، الذين يشكلون التحالف الحاكم للحزب الوطني متماسكا، فإن البعض بدأ في الشعور بالحنين للقبضة الصارمة لمانديلا أو مبيكي.

كتب المعلق والصحافي المخضرم أليستر سباركس في صحيفة «بيزنس داي» يقول «الحكم بالإجماع بطيء، كما أنه عملية شاقة لا تسمح بقيادة قوية وحاسمة».

وقال جون روبي مقدم أحد البرامج الحوارية في محطة «إذاعة 702» الخاصة أخيرا إنه يستشير ويستشير ويستشير، وتساءل «لكن هل هو يقود؟».