أميركا فتحت حربا سرية ضد «القاعدة» في اليمن

«سي آي إيه» أرسلت عددا من عملائها إلى اليمن قبل عام ونقطة التحول في العلاقة بدأت بعد زيارة بترايوس

TT

في الوقت الذي ما زالت فيه الولايات المتحدة عالقة في أتون حربين في وقت واحد، فتحت جبهة سرية للحرب ضد تنظيم القاعدة في اليمن. فوفقا لأحد المسؤولين بالاستخبارات الأميركية، أرسلت وكالة الاستخبارات المركزية عددا من عملائها ذوي الخبرة في مكافحة الإرهاب إلى اليمن قبل عام، كما بدأت القوات الخاصة الأميركية سرا تدريب قوات الأمن اليمينية على العمليات التكتيكية لمكافحة الإرهاب، وفقا لبعض المسؤولين البارزين بالجيش. ومن المقرر أن ينفق البنتاغون أكثر من 70 مليون دولار خلال الثمانية عشر شهرا القادمة، ويستخدم فرقا من القوات الخاصة لتدريب وإعداد الجيش اليمني، ووزارة الداخلية وقوات حرس السواحل وهو ما يزيد عن ضعف مستوى المساعدات العسكرية السابقة.

وفي الوقت نفسه كان مسلحو تنظيم القاعدة يبذلون جهودا مضنية لتأسيس قاعدة لهم في اليمن خلال السنوات الأخيرة من خلال جذب المجندين من أنحاء المنطقة كافة، والهجمات المتزايدة على السفارات الأجنبية، وغيرها من الأهداف. ومن جهة أخرى، يسعى البيت الأبيض للحفاظ على الروابط مستمرة بحكومة الرئيس علي عبد الله صالح، وحثه على قتال أنصار القاعدة داخل أراضيه، وذلك على الرغم من أن بلاده الفقيرة تواجه حاليا تمردا داخليا عنيفا.

ويقول المسؤولون الأميركيون واليمنيون إن علاقة اليمن وأميركا مرت بنقطة تحول في أواخر الصيف الماضي بعد عدد من الزيارات السرية المتفرقة التي قام بها الجنرال دايفيد بترايوس، القائد الأميركي الإقليمي، وجون أو برينان مستشار الرئيس أوباما لمكافحة الإرهاب.

فمن جهته، أعلن الرئيس على عبد الله صالح موافقته على زيادة المساعدة السرية أو العلنية نظرا إلى الضغوط المتزايدة للولايات المتحدة والدول المجاورة لليمن خصوصا السعودية التي تسلل الكثير من عملاء القاعدة منها إلى اليمن، بالإضافة إلى التهديدات المتزايدة ضد النخبة السياسية للبلاد، وفقا لما قاله بعض المسؤولين. فيقول كريستوفر بوكيك الذي أجرى دراسات حول اليمن من خلال عمله كزميل لمعهد كارنيغي للسلام الدولي بواشنطن: «إن مشكلات اليمن الأمنية لن تقف على حدود اليمن، فهي مشكلات إقليمية ويمكنها أن تؤثر على المصالح الغربية».

يُذكر أن المخاوف من وجود تنظيم القاعدة في اليمن قد تزايدت قبل عام عندما قال أحد المحتجزين السعوديين السابقين بمعتقل غوانتانامو إن علي الشهري تسلل إلى اليمن للانضمام إلى تنظيم القاعدة هناك وإنه ظهر في مقطع فيديو مصور تم بثه على شبكة الإنترنت، بالإضافة إلى انضمام عدد آخر من المحتجزين بمعتقل غوانتانامو إلى تلك الجماعة. وعلى الرغم من أن المناطق النائية باليمن كانت تفتقر طوال الوقت إلى سيادة القانون فإن حالة الفوضى التي تسود البلاد حاليا زادت من تفاقمها خلال العامين الماضيين، في ظل صراع الحكومة مع المتمردين المسلحين في الشمال الغربي وتفاقم أزمة الانفصاليين في الجنوب. ومن جهة أخرى، فإن مخزون اليمن من البترول أوشك على النفاد، وبالتالي أثر اقتصاد الحكومة المتهاوي على قدرتها على مواجهة تنظيم القاعدة. وفي نفس الوقت، تزايدت الإشارات إلى الروابط بين اليمن والمؤامرات ضد الولايات المتحدة، فوفقا لتقرير أعده مكتب التحقيقات الفيدرالي عن المتطرفين الذين زاروا اليمن، فإن الرجل المسلم الذي اتهم في الأول من يونيو (حزيران) بقتل جندي بأحد مراكز التدريب في لتل روك بأركنساس كان قد سافر إلى اليمن.

يضاف إلى ذلك وجود صلة بين الشيخ الأصولي أنور العولقي باليمن والكثير من الإرهابيين المشتبه فيهم، بمن فيهم نضال مالك حسن الميجور بالجيش الأميركي الذي يواجه اتهامات بالقتل بعدما أطلق الرصاص على 13 شخصا بفورت هود بتكساس في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. وفي العدد الأخير من مجلة «سادة الملاحم»، المجلة الإلكترونية للقاعدة باليمن، حث قائد الجماعة ناصر الوحيشي على استخدام القنابل الصغيرة -وليس فقط الكبيرة- لمهاجمة الأعداء في عرض مخيف لأحداث يوم الجمعة على متن طائرة ديترويت.

ومن جهة أخرى، صعّدت اليمن حملتها ضد القاعدة من خلال عدة هجمات جوية موسعة شنتها في 17 ديسمبر (كانون الأول) وامتدت حتى يوم الخميس مما أسفر عن مقتل أكثر من 60 من المسلحين. ولم يفصح المسؤولون الأميركيون عن حجم الدور الأميركي في تلك الهجمات قائلين إنهم وفروا لليمن المساعدات الاستخباراتية و«السلاح» فقط.

ومن جهة أخرى، قال وزير خارجية اليمن أبو بكر القربي أول من أمس إن حجم التعاون العسكري اليمني مع الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية تزايد في الشهور الأخيرة، بعدما أكد تقرير حديث للاستخبارات عن تزايد وجود تنظيم القاعدة في البلاد. فيقول القربي في لقاء هاتفي أجري معه: «لقد كانت هناك تقارير استخبارية تفيد باستهدافهم للسفارة البريطانية وعدد من المؤسسات الحكومية بالإضافة إلى المدارس الخاصة. والسبب الثاني هو أنهم أصبحوا أكثر جرأة، وأصبحوا يرغبون في إظهار قدرتهم على تنفيذ أي أنشطة إرهابية بطريقة علنية، وبالتالي كان على الحكومة أن ترد».

ومن جهة أخرى قال القربي إن الهجمات الجوية الحديثة كانت مخططة من قبل شهرين أو ثلاثة ولكن لم يكن من الممكن تنفيذها قبل صدور تقرير حديث من الاستخبارات حول موقع عملاء القاعدة الذين تستهدفهم العمليات.

كما قال إن الاستخبارات، بما في ذلك المعلومات التي قدمتها الولايات المتحدة الأميركية «كانت العنصر الأكثر أهمية» في تلك الهجمات الجوية الناجحة على أعضاء تنظيم القاعدة.

وأضاف القربي أنه على الرغم من أن الولايات المتحدة قد مدت اليمن بالعتاد العسكري فإن الهجمات الجوية نفسها نفذها الجيش اليمني وحده.

وعلى الرغم من أن المعلومات الاستخبارية الأكثر أهمية جاءت من الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، وقد قدمت كل من الإمارات والكويت المساعدات على وجه خاص لأنهم «يدركون إمكانية استهدافهم إن عاجلا أو آجلا». يُذكر أن تنظيم القاعدة قتل خلال العام الماضي ستة من المسؤولين بالاستخبارات في المقاطعة التي يتمركزون بها كجزء من حملة شنتها الجماعة لتأمين ملاذها هنا. وكان المسؤولون بالاستخبارات يحاولون جمع المعلومات حول الجماعة وعرقلة العلاقات المتنامية بينها وبين القبائل المحلية، وهو جانب كبير من استراتيجيتها. ووفقا لبعض المسؤولين فإنه على الرغم من النجاح الذي حققته الهجمات الجوية التي شنتها الحكومة اليمنية خلال الأسبوعين الماضيين، كان لها جانبها السلبي كذلك. فيقول أحد المسؤولين اليمنيين الذي تحدث شريطة عدم الإفصاح عن هويته نظرا إلى الجانب الدبلوماسي لتلك القضايا: «لقد وجهت الحكومة اليمنية إلى المسلحين ضربة موجعة ولكنها ليست قاضية. والمشكلة هي أن تدخل الولايات المتحدة يزيد التعاطف مع تنظيم القاعدة. مما لا شك فيه أن التعاون بين الولايات المتحدة واليمن كان ضروريا ولكن يمكن أن يؤثر على رجل الشارع. الذي سوف يتعاطف مع القاعدة». وفي نفس السياق، أصدر تنظيم القاعدة باليمن تصريحا تم نشره على المواقع الإلكترونية يوم الأحد يؤكد فيه بشدة على الدور الأميركي في الهجمات الأخيرة، ويسخر من الحكومة اليمنية لإعلانها مسؤوليتها عن شن تلك الهجمات.

* خدمة «نيويورك تايمز»