المتهم النيجيري زائر دائم لغرف الدردشة والفيس بوك على الإنترنت

قال تحت الاسم المستعار «فاروق 1986»: أشعر بالاكتئاب والوحدة.. وتحدث عن صراعه الداخلي كمسلم بين الليبرالية والتطرف

TT

كان النيجيري البالغ 23 عاما، المتهم بالتخطيط لتفجير إحدى الطائرات الأميركية خلال أعياد الميلاد، يلجأ إلى شبكة الإنترنت من أجل النصح والصحبة، فقد كتب في أحد المنتديات الإلكترونية أنه يشعر «بالوحدة» وأنه فشل في العثور على «الصديق المسلم الحق». فقد كتب عمر الفاروق عبد المطلب في إحدى الرسائل على شبكة الإنترنت في 2005 عندما كان يقيم في إحدى المدارس الداخلية: «ليس لدي من أستطيع التحدث معه. ولا يوجد من أستطيع استشارته، ولا يوجد من يقف إلى جانبي. أشعر بالاكتئاب والوحدة. ولا أعرف ما الذي يجب علي فعله. وأعتقد أن حالة الوحدة سوف تؤدي بي إلى مشكلات أكبر».

وقد استعرضت «واشنطن بوست» أكثر من 300 رسالة نشرها عمر الفاروق على الشبكة تحت الاسم المستعار «فاروق 1986» (وهو خليط بين اسمه الأوسط وعام ميلاده). وكان عمر الفاروق يتحدث في تلك الرسائل بصراحة في الموضوعات المتعلقة بالحب والزواج وطموحات زملائه وغضبه من الاختبارات النمطية بالإضافة إلى صراعه الداخلي كمسلم متدين بين الليبرالية والتطرف. وكان يسعى من خلال الرسائل التي أرسلها على الشبكة في الفترة ما بين 2005 و2007 إلى تكوين صداقات عبر شبكة الإنترنت، عبر «فيس بوك» وغرف الدردشة الإسلامية: «اسمي عمر ولكنك يمكن أن تناديني بفاروق». وكان دائما يشجع القراء الآخرين على أن يدلوا بدلوهم في مشكلاته، فقد كتب في إحدى المرات: «فليجازك الله خيرا على قراءتك لرسائلي وليجازك المزيد من الخير على مساعدتي».

من جهته، يقول أحد المسؤولين في الحكومة الأميركية إن المسؤولين في الاستخبارات الفيدرالية كانوا يفحصون تلك الرسائل الإلكترونية ولكنهم لم يعلنوا حتى الآن عن تأكدهم من مصداقيتها.

على أية حال، فإن كثيرا من المعلومات الشخصية التي وردت في تلك الرسائل تنطبق على الحقائق المعروفة حاليا عن عبد المطلب.

فقد كتب «فاروق 1986» إنه ولد في 1986، وإنه كان يذهب إلى مدرسة بريطانية داخلية لا يدخلها إلا الصفوة في توغو، حيث كان كثير من زملائه في تلك المدرسة من البريطانيين المغتربين بالإضافة إلى طلاب من أنحاء غرب أفريقيا كافة.

كما أشارت تلك الرسائل إلى الزيارات التي قام بها عمر الفاروق إلى لندن، والولايات المتحدة، وغيرها من الدول بما فيها مصر واليمن. من جهة أخرى، أكد مسؤولون بوزارة الأمن القومي يوم الاثنين أن عبد المطلب سافر إلى واشنطن بالولايات المتحدة في يوليو (تموز) 2004، وإلى هيوستن في أغسطس (آب) 2008.

كما كتب «فاروق 1986» رسائل يتحدث فيها حول رغبته في الالتحاق بإحدى الجامعات البريطانية بما في ذلك «يونيفرسيتي كوليدج لندن» التي قال المسؤولون إنه درس الهندسة الميكانيكية بها في الفترة من سبتمبر (أيلول) 2005 إلى يونيو (حزيران) 2008. كما كتب بعض الإشارات إلى ثروة عائلته؛ والده هو الحاج عمرو عبد المطلب الذي يتردد كثيرا على الولايات المتحدة، الذي تقاعد خلال العام الحالي من عمله بأكبر بنوك نيجيريا «فيرست بنك»، الذي ما زال عضوا في كثير من الهيئات الإدارية للشركات النيجيرية.

يذكر أن تلك الرسائل كافة موجودة على الموقع الإلكتروني للمنتدى الإسلامي (Error! Hyperlink reference not valid.)، الذي يستخدم برنامجا للدردشة متوافرا تجاريا يطلق عليه «آي بي بورد» يضيف أوتوماتيكيا التواريخ للرسائل التي يضيفها المستخدمون. وقد أرسل كثير من أعضاء المنتدى الآخرين ردودا على «فاروق 1986» في اليوم نفسه الذي كتب رسائله فيه. وإذا ما نظرت لهذه الرسائل مجتمعة، فسوف تجد أنها تعرض وعيا عاما بالعادات والتقاليد الغربية مما يتواءم مع نشأة عبد المطلب كابن لأحد الأثرياء النيجيريين.

ففي يونيو 2005، كتب «فاروق 1986» أنه كان في اليمن لمدة ثلاثة أشهر لدراسة اللغة العربية مضيفا: «لقد كان الأمر رائعا». كما وصف اندهاش كثير من البريطانيين والأميركيين في صنعاء من وجود مراكز التسوق الكبرى والمطاعم العالمية مثل «بيتزا هوت» و«كنتاكي».

من جهتها، قالت السفارة اليمنية إن عبد المطلب كان في اليمن في الفترة ما بين أغسطس (آب)، وديسمبر (كانون الأول) من العام الحالي لدراسة اللغة العربية في أحد المعاهد اللغوية. ووفقا للسفارة؛ فإن عبد المطلب كان قد قضى بعض الوقت قبل ذلك في اليمن للدراسة في المعهد نفسه.

من جهة أخرى، كتب «فاروق 1986» كثيرا من الرسائل المتعلقة بإجراءات الالتحاق بالجامعة، فقد وصف في إحدى المرات رغبته في دراسة الهندسة بجامعة ستانفورد أو جامعة كاليفورنيا ببركيلي أو معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا. ولكنه أعرب في الوقت نفسه عن إحساسه بالإحباط نظرا لأنه يجب عليه إحراز 1200 نقطة في اختبارات الـ«سات»؛ فقد كتب في مارس (آذار) 2005: «لقد حاولت اجتياز السات وكان الأمر كارثيا».

ويظهر عبد المطلب في صورة له على «فيس بوك» مبتسما وهو يقف إلى جوار اثنين من أصدقائه مرتديا قميصا وردي اللون ونظارة شمسية. وكان لديه على «فيس بوك» 287 صديقا.

من جهة أخرى، قال فابريزيو كافالو مارينكولا، 22 عاما، الذي كان يدرس مع عبد المطلب بجامعة يونفيرسيتي كوليدج إن عبد المطلب كان قد تخرج في مايو (أيار) 2008 ولم تكن تظهر عليه أي علامات راديكالية أو إشارات لارتباطه بتنظيم القاعدة. مضيفا: «عندما كنا ندرس كان دائما يذهب ليصلي. وكان هادئا للغاية، ولكنه لم يكن اجتماعيا، كما أنه لم تكن له صديقة على حد علمي».

وكطالب في المدرسة الداخلية البريطانية في توغو، كتب «فاروق 1986» أنه يشعر بالوحدة لأنه لم يكن هناك سوى عدد قليل من المسلمين الآخرين؛ «أنا شخص نشط، وأتفاعل على المستوى الاجتماعي مع المحيطين بي كافة، وليست لدي أي خلافات مع أحد، كما أنني أمزح وأضحك مع الآخرين من دون إفراط». هذا ما كتبه عمر الفاروق في إحدى الرسائل التي بثها على شبكة الإنترنت التي كان يطلب فيها استشارة زملائه الآخرين. «يمكنني أن أصف نفسي بأنني طموح وقوي العزم خاصة فيما يتعلق بالدين. أبذل أقصى جهد لي في ممارسة حياتي اليومية وفقا لتعاليم القرآن والسنة. بالإضافة إلى أنني أمارس النشاطات الأخرى كافة؛ مثل الرياضة، ومشاهدة التلفزيون، وقراءة الكتب. (بالطبع أحاول الابتعاد عن مخالفة التعاليم الدينية قدر المستطاع). فديننا هو أسلوب حياة». وفي الرسائل التي نشرها في يناير (كانون الثاني) 2005 حول شعوره بالوحدة، تحدث «فاروق 1986» حول الصراع بين رغباته وواجباته الدينية مثل «غض البصر» في حضور النساء. قائلا إن «النبي عليه الصلاة والسلام قد أمر الشباب بالصيام إذا تعذر عليهم الزواج، ولكن الصيام لم يساعدني، كما أنني لا أستطيع الانتظار كل تلك السنوات الطويلة حتى أتمكن من الزواج». وأضاف أنه لم يكن باستطاعته أن يبحث وهو في سن الـ18 عن شريكة لحياته نظرا لأن الأعراف الاجتماعية تقتضي أن يكون «قد أتم تعليمه، حصل على وظيفة ومسكن، إلخ» قبل أن يفكر في الزواج. ولكنه قال: «على الرغم من أنني أعرف أن والدي يمكن أن يساعداني إذا ما عرفا أنني أنوي الزواج وعلى الرغم من أنني أعرف أنهما ربما لا يفضلان الزواج المبكر».

كما تحدث عن صراعه كمسلم «بين الليبرالية والتطرف»؛ «فقد قال النبي إن الدين يسر وإنه إذا قسا أحدكم على نفسه فإنه سيجد صعوبة بالغة كما أنه لن يتمكن من الاستمرار» ذلك ما كتبه في 2005. وأضاف: «عندما ألين مع ذاتي، أجدني قد انحرفت عن جادة الصواب وعندما أقسو عليها أشعر بالملل مما أقوم به مثل تلاوة القرآن. كيف يمكن للمرء الموازنة الحقيقة إذن؟».

وفي ديسمبر (كانون الأول) 2005، كتب «فاروق 1986» أن والديه كانا يزورانه في لندن وأنه يشعر بالصراع بشأن ما إذا كان يجب عليه تناول اللحوم معهما. قائلا: «أعتقد أن تناول اللحوم التي لم يتم ذبحها وفقا للشريعة الإسلامية هو حرام ما لم يكن هناك ضرورة، ولكن والدي يعتقدان أنهما كأجانب في هذا البلد يحل لهما تناول أي لحوم. ولكنني أعتقد أنني لا يجب أن أشاركهما تناول طعام حرام ولكنني أخشى أن ذلك ربما يحدث شقاقا عائليا».

وتحدث لأصدقائه ملتمسا رأيهم: «من فضلكم أسرعوا في الرد على رسائلي نظرا لأنني أتناول طعامي في الخارج حتى الآن محاولا ألا أعود إلى المنزل حتى أصل إلى حل».

يذكر أن عبد المطلب - أصغر إخوته الـ16 وابن الزوجة الثانية لأبيه - قد نشأ في منزل أسرته بمدينة كادونا التي تقع في الجزء الشمالي من نيجيريا الذي تقطنه أغلبية مسلمة. وفي المدرسة الداخلية، كان الفاروق حسن المعشر، مجدا في دراسته، حتى إن أصدقاءه أطلقوا عليه اسم «ألفا» وهو لقب يطلق محليا على رجال الدين المسلمين نظرا لولعهم بوعظ زملائهم حول الإسلام، وفقا لبعض أفراد أسرته.

فيقول عمه: «لقد كان فاروق مسلما مخلصا يتعامل بجدية مع دينه وكان مجدا في دراسته. لقد كان ولدا عبقريا ولم يكن لدى أي من أفراد العائلة أي تصور عن أنه يمكن أن يرتكب مثل ذلك العمل الجنوني».

وعلى الرغم من أن الفاروق لم يكن يقضي وقتا طويلا في نيجيريا وأن زيارته لها كانت تقتصر على العطلات الرسمية، فإن بعض أفراد أسرته وجيرانه في شارع أهمان باتيجي في منطقة أونغوار ساركي في كادونا قالوا إنه كان سهل المعشر ويتسم بالجلد فيما يتعلق بالممارسات الإسلامية. وقال أحد أولاد عمومته: «لقد كان متدينا للغاية ومهذبا ومجتهدا في الدراسة. ولكن لم يخطر على بال أي منا أنه من الممكن أن يشترك في محاولة تفجير طائرة».

*خدمة «واشنطن بوست».

خاص بـ«الشرق الأوسط».