ضحايا «كاترينا» لا يزالون يعانون رغم مرور 4 سنوات على الكارثة

المساعدات الحكومية نفدت وهيئات خاصة تقاوم بصعوبة لإنقاذ الآلاف من الشرائح الهشة

TT

عندما كانت قرية رينيسنس، المنطقة الفسيحة التي سكن فيها المرحَّلون جراء إعصار كاترينا خارج مدينة باتون روغ، تنهي أنشطتها في مايو (أيار) 2008، كانت تريزيا أوغست من أواخر مَن رحلوا عنها. كانت تهذي ببعض الكلام وتغني وتضع ثوب طفل على رأسها، وكان يجب إقناعها بأن تعبئ الملابس والقمامة المنتشرة داخل المقطورة التي كانت تسميها منزلا.

وحاليا، تعيش أوغست، 40 عاما، في شقة صغيرة داخل نيو أورليانز زينتها بالأزهار وبأضواء الكريسماس. ويتأكد فريق من العمال المجتمعيين بأنها تأخذ مضادات مرض اضطراب عقلي وبأنها تحصل على العلاج لإصابتها بفيروس «إتش آي في». وعلى الرغم من أنها لا تزال خجولة وتعاني من عثرة في لسانها، يمكنها الحديث بصورة متزنة أفضل من أي وقت سبق منذ وقوع الإعصار. وإذا كان هناك كلام عن أكثر الأميركيين معاناة من التشتت إثر الإعصار كاترينا، فهم أولئك الذين تركوا داخل قرية رينيسنس وغيرها من أماكن الإسكان المؤقت عندما بدأت هيئة إدارة الطوارئ الفيدرالية توزيع مساعدات الإسكان بعد ثلاثة أعوام تقريبا على وقوع الإعصار. كانوا من أفقر الأميركيين داخل هذه المنطقة قبل أن يقع الإعصار في أغسطس (آب) 2005، وكانوا يحصلون على الدعم في نيو أورليانز من خلال العلاقات الأسرية والمعارف. وكان عدد كبير منهم من كبار السن والمرضى والمدمنين والمرضى العقليين والمعاقين وغير الحرفيين وغير المتعلمين والمصابين بصدمات. وكان أطفالهم متأخرين في التحصيل الدراسي. وكان ينظر في البداية إلى الإعصار على أنه فرصة يمكن أن يحصلوا من خلالها على حياة أفضل، لكن مع مرور الوقت سقطت الآلاف من العائلات من برامج المساعدات الحكومية. الآن، وبعد مرور أكثر من أربعة أعوام على الإعصار، لم يحققوا سوى توازن ضعيف في حياتهم المعيشية، وتحول الكثير منهم إلى هيئات خاصة للحصول على مساعدة بعد انتهاء المساعدات الحكومية التي يحصلون عليها. لقد حُوِّل البعض إلى برامج حكومية دائمة يحصلون عبرها على مدفوعات مقابل الإسكان، ومع ذلك يواجهون عقبات تقف أمام اعتمادهم على أنفسهم مثل الاكتئاب أو تردي الحالة الصحية.

وهؤلاء الذين نجحوا قدموا درسا قيما للعمال المجتمعيين في المنطقة، وهو درس يرون أن الحكومة كانت بطيئة في تعلمه: ليس كافيا أن نعطي أموالا لأشخاص يعجزون عن التخطيط لحياتهم. والذين ينعمون بأفضل قدر من الاستقرار، مثل أوغست، حظوا بأكبر قدر من الرعاية المستمرة من خلال عمال يجرون اتصالات منزلية ويقدمون استشارات ويوفرون وسائل انتقال ويقومون بتشجيعهم بطريقة لطيفة. ولكن كان هذا النوع من الرعاية هو الاستثناء وليس القاعدة. لقد أنفقت الهيئات الفيدرالية أكثر من 200 مليون دولار على ضحايا الإعصار كاترينا والإعصار ريتا، ولكن لم يبذلوا الكثير ليقوموا بمتابعة هذا العمل. ويقول توني بانكستو، وهو طبيب نفساني في مؤسسة «نيبروز كيبر» غير الربحية، داخل باتون روغ «من الأسهل أن تقدم المال للمواطنين وبعد عام توقف ذلك». وتعمل مؤسسة «نيبروز كيبر» مع مؤسسة «كابيتال آريا آلينس فور هوملس» لتقديم مساعدات شاملة لضحايا الإعصار كاترينا. وتقول جوديث بران، وهي راهبة تدير مؤسسة «نيبروز كيبر»، إن المؤسسة كانت تحقق تقدما بسيطا مع الكثير من عملائها حتى تمكنت من إضافة رعاية الصحة العقلية ضمن الخدمات التي تقدمها. وتضيف «لدينا نظرة حادة جدا فيما يجب أن نقدمه من أجل مساعدة البائسين الذين تم ترحيلهم من أماكن كانوا يعيشون فيها».

ولدى المؤسسة برنامج رعاية شخصي خاص بكل عميل، حيث تحصل امرأة لا يمكن أن تمارس أي وظيفة على علاوة، ولكن يجب أن تتطوع بالعمل داخل أحد المطاعم. وربما يحصل عميل يسعى للإقلاع عن المخدرات أو الكحوليات على سجائر، ولكن تجد الراهبة جوديث نفسها تتردد في ذلك. وفي بعض الحالات ربما يجب أن تكون مؤسسة «نيبروز كيبر» جاهزة بكروت هاتف وملابس مدرسية. وعلى النقيض من ذلك، تدفع هيئة إدارة الطوارئ الفيدرالية للعائلات مقابل الإقامة في فنادق لمدة أشهر ويكون تواصلها مع هذه العائلات ضعيفا. وتعلق الراهبة جوديث على ذلك بالقول: «تحصل الحكومة الفيدرالية على عائد ضعيف جدا من استثمارها».

وفي الكثير من الحالات وضع الإعصار صعوبات جديدة علاوة على المشكلات التي كانت موجودة من قبل، ومن ثم يصعب تقييم عملية التعافي. وتعيش لورا هيلتون، وهي أم لثلاثة أطفال، حاليا في منزل داخل نيو أورليانز، تحت نفس برنامج الإقامة المدعومة كما هو الحال مع أوغست. ولا يزال طفلها روي، 12 عاما، ضعيفا في قدرته على القراءة مقارنة بأقرانه. لقد أخذ مسؤولون بالمدرسة الطفل روي إلى الطبيب، الذي ملأ روشتة لعلاج قصور الانتباه وقدموا له الدواء. لكنهم يقولون إن الجهود التي يبذلونها لا تثمر كما ينبغي، لأن الطفل روي لا يأخذ الدواء في العطلات الأسبوعية وخلال الإجازات. ومع ذلك، لا يزال روي يحضر المدرسة بانتظام وله علاقات هناك. وفي بعض الأحيان يطلب من تشارليتا هايز، وهي منسقة التعليم الخاص، أن تسمح له برؤية صورة رخصة قيادة والده، الذي قُتل بعد الإعصار. وتحتفظ المنسقة له بها داخل مكتبها. نُقل ألتون لوف، وهو أب وحيد في باتون روغ، إلى المستشفى في عام 2008 بسبب معاناته من مرض السكر المضاعف الذي لم يكن يعرف أنه يعاني منه. وعندما عثر على وظيفة جديدة يقود خلالها شاحنة في صيف العام الحالي وذهب للحصول على تدريب بدني، قام الطبيب بإلغاء رخصة القيادة التجارية الخاصة به لأن مرضه خطير. وعادت دوريس فونتين أخيرا إلى منزلها الذي جرى إصلاحه في نيو أورليانز، وتقوم بصورة دورية بزيارة مركز محلي للأميركيين الكبار. وعندما سُئلت عن الإعصار والسرطان الذي قتل زوجها بعد أقل من عامين، انفجرت في البكاء. وأضاف جرمين هووارد، 16 عاما، على نفسه أعواما دراسية ثلاثة. ولكن بعد تدخل من قبل مؤسسة «نيبروز كيبر» يعيش الآن مع قريب أكبر سنا في باتون روغ، ويشارك مع فرقة الرقص التابعة للكنيسة. والآن هناك مشكلة أخيه الأصغر الذي تغيب عن المدرسة. وتعمل المؤسسة على إدراجه في مدرسة بديلة. ويتضح من هذه القصص وغيرها أن تداعيات الإعصار لا تزال موجودة. ومن بين 30 ألف عائلة تحصل على مساعدات إيجار مؤقت في فبراير (شباط)، هناك 12500 عائلة مؤهلة للحصول على إعانات سكنية فيدرالية دائمة. وتم وقف المساعدات عن الباقي لأنهم لا يحتاجون إلى مزيد من المساعدات أو غير مؤهلين للحصول عليها. وقد اتصلت العشرات من هذه العائلات بمؤسسة «نيبروز كيبر» في باتون روغ وبمؤسسة «يونيتي أوف جريتر نيو أورليانز»، التي تقدم خدمات للمشردين، بعد شعورهم باليأس. وتقول الراهبة جوديث إن الأشهر التي قضاها هؤلاء في برنامج الإيجار كان بمثابة فرصة ضائعة كان يمكن للعمال الفيدراليين خلالها مساعدتهم على الارتقاء لمستوى أعلى من الاعتماد على الذات. تعثر ماتسو بيلي، 44 عاما، في سداد إيجاره الشهري الذي تبلغ قيمته 420 دولارا بمجرد أن انتهى دعم الإسكان الذي يحصل عليه في سبتمبر (أيلول) الماضي. وهو يعاني من إصابة في الرأس، وتوجد رائحة كريهة داخل شقته المليئة بالقمامة. ويحصل بيلي على أجر بسيط من أعمال بسيطة يقوم بها مثل رعاية حيوانات أليفة. وستساعده مؤسسة «نيبروز كيبر» على التقدم للحصول على مدفوعات الإعاقة وهو ما قد يستغرق أكثر من عام. وتتساءل الراهبة جوديث: لماذا لم يقم العامل الفيدرالي، الذي يقول بيلي إنه لم يره منذ الانتقال إلى الشقة، بإجراءات تقديم طلب للاستفادة من مدفوعات الإعاقة. وتضيف «ربما أصبح ماتسو الآن مواطنا يرعى الحيوانات الأليفة ويقلم الحشائش ويقيم في مكان ما».

* خدمة «نيويورك تايمز»