2009 نهاية عقد : «انتفاض» المالكي على شركائه الشيعة.. والهاشمي على «الإسلامي» أبرز تطورين سياسيين في 2009

انتخابات مجالس المحافظات رسمت خارطة الطريق لتحالفات الانتخابات النيابية العراقية في مارس

TT

تحول رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بين عشية وضحاها في عام 2009 إلى «نجم صاعد» في سماء السياسية العراقية، بل صار من أكثر السياسيين العراقيين شعبية وذلك بعد إعلان نتائج انتخابات مجالس المحافظات أو الانتخابات المحلية التي جرت في يناير (كانون الثاني) الماضي. فقد حصدت قائمته «ائتلاف دولة القانون» غالبية أصوات الناخبين في المحافظات الجنوبية التسع وفي بغداد أيضا، مما مكن ائتلافه من الحصول على منصب المحافظ في كل تلك المحافظات، كما أسندت معظم المناصب القيادية في المجالس المحلية إليه.

نجاح المالكي، وإن كان قد تراجع لاحقا بسبب تفجيرات بغداد الأخيرة، لم يأت اعتباطا، فقد تحقق إثر التحسن النسبي في الأمن الذي لمسته معظم المدن الساخنة في العراق، خاصة بغداد، بعد تنفيذ عمليات أمنية مهمة في البصرة وديالى والموصل ومدينة الصدر شرق بغداد التي استهدفت فيها الجماعات المسلحة السنية والميليشيات الشيعية على حد سواء. ورافق النجاح الأمني دعوات المالكي آنذاك إلى المصالحة الوطنية والحوار مع البعثيين وزيارته لمرقد الإمام أبو حنيفة النعمان في حي الأعظمية السني، وكذلك تلميحاته بتبني العلمانية بعد أن أظهرت استطلاعات الرأي «نفور» العراقيين من الأحزاب الإسلامية. مما مكنه من الحصول؛ ليس على دعم الشيعة الإسلاميين فقط، بل العلمانيين منهم أيضا، فيما أخذت أطراف سنية ترى في المالكي أنه أقرب المسؤولين الشيعة إليهم. تألق نجم المالكي وحزبه «الدعوة الإسلامية» جاء على حساب أفول «نجوم شيعية» أخرى، فحزب كبير مثل المجلس الأعلى الإسلامي العراقي، الذي تزعمه آنذاك الراحل عبد العزيز الحكيم قبل أن يخلفه نجله عمار، فقد ثقله أمام تحالف المالكي، ولم يتمكن من الحصول على منصب المحافظ في أي من المحافظات ذات الأغلبية الشيعية ولا حتى في معقله، مدينة النجف. كما تراجع التيار الصدري، بزعامة رجل الدين مقتدى الصدر، حتى في حي مدينة الصدر، شرق بغداد التي تعتبر معقل أنصار الصدر، حيث أعطى الناخبون أصواتهم لتحالف دولة القانون، وأصبح كامل الزيدي رئيسا لمجلس محافظة بغداد، المرشح عن ائتلاف دولة القانون في مدينة الصدر. ورسم تقدم «دولة القانون» خارطة التحالفات السياسية الشيعية في الانتخابات النيابية المقبلة المزمع إجراؤها في مارس (آذار) المقبل. فحزب الدعوة لم يعد يرضى بأن يكون مجرد جزء من كتلة شيعية يقودها المجلس الأعلى كما كانت عليه الحال إبان الانتخابات التشريعية في ديسمبر (كانون الأول) 2005 التي أوصلت المالكي إلى رئاسة الحكومة. بل فرض شروطا وصفت بأنها صعبة التحقيق مقابل خوص الانتخابات بقائمة واحدة مع حلفائه السابقين. فحزب المالكي أصبح لا يكتفي بأن يكون على قدم المساواة مع حليفه المجلس الأعلى، بل أن تكون له حصة 51 في المائة من الائتلاف الوطني العراقي، أي أكثر من النصف، وأن توزع بقية الحصص بين المجلس الأعلى والتيار الصدري وتيار الوسط، بزعامة موفق الربيعي، وتيار الإصلاح، بزعامة رئيس الوزراء العراقي السابق إبراهيم الجعفري والأمين العام السابق لحزب الدعوة وغريم المالكي. وبحسب مصادر في الائتلاف الوطني فإن المالكي اشترط أيضا إبعاد التيار الصدري وكذلك تيار الإصلاح عن الائتلاف.

وكان أحمد المسعودي، المتحدث باسم الكتلة الصدرية في البرلمان العراقي، قد قال في وقت سابق لـ«الشرق الأوسط» إن «المالكي كان يطالب بمطالب واسعة تنخرط ضمن قضية المحاصصة وكان يشترط لدخول الائتلاف الحصول على نسبة أكثر من 51 في المائة من الائتلاف». وأضاف أن رئاسة الائتلاف ستكون بناء على ذلك «تحصيل حاصل»، موضحا «إذا حصل (المالكي) على نسبة أكثر من 51 في الائتلاف فهذا يعني أن رئاسة الائتلاف ستكون لصالحه وكذلك رئاسة الحكومة». غير أن قياديين مقربين من المالكي نفوا بشكل قاطع تلك الشروط وأكدوا أن المالكي قرر خوض الانتخابات بقائمة منفصلة لكي يبتعد عن المحاصصة الطائفية التي كانت الملمح البارز للانتخابات عام 2005.

وأمام هذه الشروط «المستحيلة» تعثرت المفاوضات بين الطرفين وأسفرت عن إعلان تشكيل الائتلاف الوطني الموحد من دون المالكي. غير أن الطرفين يخوضان حاليا جولة مفاوضات جديدة لخوض الانتخابات ضمن جبهة واحدة لكن بقائمتين منفصلتين، أي أن يكون ائتلاف دولة القانون على قدم المساواة مع الائتلاف الوطني العراقي، وكان هذا أيضا أحد شروط رئيس الوزراء. الانتخابات المحلية لم ترسم خارطة الطريق للقوى الشيعية فقط، بل أفرزت وبشكل واضح تراجع الأحزاب الإسلامية عموما سواء الشيعية منها أو السنية. كما برزت قوى لم يكن لها أي وجود لدى إجراء الانتخابات النيابية في 2005 مثل قوات الصحوة السنية.

فالحزب الإسلامي العراقي، أكبر الأحزاب السنية، الذي كان بزعامة نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي آنذاك، تراجع تراجعا حادا في مناطقه عموما أمام قوات الصحوة العشائرية التي حاربت تنظيم القاعدة في محافظة الأنبار وبقية المحافظات ذات الأغلبية السنية. ومحافظة الأنبار، غرب العراق، التي كانت في يوم ما معقلا لتنظيم القاعدة، تعد المثل الأوضح في هذا السياق، فبعد أن شغل الحزب الإسلامي منصب المحافظ لأربع سنوات متتالية، لم يحصل في المجلس الجديد سوى على 6 مقاعد من أصل 29 مقعدا، فقد فازت الصحوات، بقيادة الشيخ أحمد أبو ريشة، بمنصب المحافظ، كما حقق كل من «مجلس إنقاذ الأنبار»، بزعامة الشيخ حميد الهايس، وقائمة «المشروع العراقي الوطني» التي يدعمها زعيم جبهة الحوار الوطني صالح المطلك، نجاحا كبيرا فيها. وإذا كان المالكي قد «انتفض» على شركائه الشيعة رغبة منه في الابتعاد عن المحاصصة الطائفية بعد فوزه بالانتخابات النيابية، حسب زعمه، فإن الهاشمي قد يوازيه في هذا التوجه لدى الطرف السني من المعادلة، لكن ربما بسبب تراجع حزبه في الانتخابات.

فالهاشمي سرعان ما أعلن عن استقالته من منصب الأمين العام للحزب الإسلامي في مايو (أيار)، أي بعد فترة وجيزة من ظهور نتائج انتخابات مجالس المحافظات، ثم فاجأ الجميع بإعلان استقالته النهائية من الحزب في سبتمبر (أيلول) واصفا عضويته في الحزب الإسلامي بأنها أصبحت «في ذمة التاريخ». وأعلن عن تشكيل قائمة «تجديد»، التي يمكن اعتبارها علمانية، لخوض الانتخابات النيابية المقبلة، مؤكدا رفضه المحاصصة الطائفية في العراق. وتحالف الهاشمي لاحقا مع إياد علاوي، رئيس الوزراء العراقي الأسبق، والسياسي البارز صالح المطلك، وهما من أبرز الشخصيات العلمانية، للمشاركة في الانتخابات.

وقال الهاشمي لدى إعلان كتلة «تجديد» إن «هناك حاجة ماسة لانطلاق هذه القائمة، وهي أنها جاءت استجابة لحاجة استراتيجية وطنية تتمثل في إخراج العراق من المأزق التاريخي عندما تبنى نظرية دولة المكونات التي شطبت المواطنة وضربت التماسك الاجتماعي وكرست الطائفية والعرقية على حساب قيم المواطنة وعرضت حياة الإنسان العراقي لخطر جسيم وتنكرت لوحدة الكيان الوطني العراقي وحفزت الآخرين على استباحة حرماته وأمنه وسيادته».