أطفال في العراق يتوقعون خطفهم في أي لحظة.. أو مقتل ذويهم

بعضهم يرفض الذهاب للمدرسة خشية تفجيرها.. وآخرون تحولوا إلى متسولين

TT

عندما سألناها عن طموحاتها في المستقبل وماذا تحب أن تكون، أجابت الطفلة رنا (9 أعوام) بحزن: «سأصنع سلاحا يدمر كل الأسلحة ويقتل من قتل أبي وأخي الصغير».

ورنا واحدة من كثير من الأطفال العراقيين الذين نشأوا في ظل أجواء الحرب والقتل والأخبار المؤلمة، إذ فقدت والدها وشقيقها الصغير في أحد تفجيرات بغداد الدامية الأخيرة، عندما استهدف انتحاري بسيارته الملغومة مبنى وزارة العدل وحضانة الأطفال التابعة له. والأطفال في العراق يقاسون من ومنذ ثلاثة عقود من الحروب وأخبارها التي أثقلت مسامعهم، وكانت الأعوام التي أعقبت الغزو الأميركي للعراق عام 2003 هي الأقسى، فخلالها يتوقعون الاختطاف في أية لحظة أو أن يفقدوا آباءهم وأمهاتهم أو أن يعتقل أحدهم أو يقتل أمام عينيه.

يقول الدكتور باسم عباس، الباحث النفسي والطبيب المتخصص في هذا المجال، إن وزارة الصحة العراقية تسعى إلى إيجاد حلول لظاهرة التأثيرات النفسية للحرب والعمليات الإرهابية على الطفل العراقي وإن هناك بحوثا في هذا المجال.

ويشرح الدكتور عباس قائلا إن «أفضل الحلول لغسل ذاكرة الطفولة من العنف يجب أن تبدأ من اللعب، إذ يجب أن تنتبه الدولة إلى أن استيراد ألعاب الأطفال التي تحرض على العنف سيكوّن شخصيته في المستقبل»، مشيرا إلى أنه من الممكن «معرفة شخصية الطفل من خلال اللعب التي يرغب في اقتنائها، وأن علينا أن نحسن ذاكرة الطفولة من هذه المراحل الأولى التي يبدأ فيها بتكوين شخصيته.

سارة علي (9 أعوام) ضحية أخرى من ضحايا دائرة العنف في العراق، فمنزل والديها يقع قبالة مبنى المعهد القضائي في جانب الرصافة من بغداد، وقد تعرض مرة إلى هجوم بسيارة مفخخة، وكانت سارة تقف قبالة المكان وتشاهد العشرات وهم يتساقطون ضحايا لهذا التفجير. وتؤكد سارة أنها ما زالت تحفظ كلمات الناس وهم يصرخون وتحفظ صورهم وأشكالهم المضرجة بالدماء، وتقول: «لن أنسى هذا الأمر طيلة حياتي، وسأقول لابنتي في المستقبل عندما أكبر وأتزوج أن لا تسكن بالقرب من هنا»، إذ تعتقد أن المسلحين سينفذون هجوما آخر في المستقبل. بعثة الأمم المتحدة، في آخر تقرير لها، أفادت أن «مسألة تعزيز حقوق الأطفال وحمايتهم تشكل تحديا كبيرا في هذه الفترة، فهم يتعرضون لكثير من التهديدات سواء الموت أو الإصابة نتيجة للعنف المذهبي والعمليات العسكرية والذخائر غير المنفجرة والمخلفات الأخرى للحروب»، وأشارت المنظمة في تقريرها من العراق إلى أن هناك هجمات تقع في مناطق تجمع الأطفال والشباب كانت من بينها المدارس.

وتقول أم علي، من مدينة الصدر شرق العاصمة العراقية بغداد، إنها فقدت ولدها في تفجير إحدى المدارس في المنطقة، وتؤكد أن ولديها الآخرين يرفضان منذ ذلك الوقت الذهاب إلى المدرسة خوفا من الموت وأنهما يصحوان يوميا وهم يبكون أخاهم الذي رحل في غفلة من الزمن.

وتشير أم علي إلى أن ابنها علي «كان ذكيا وجميلا وأن والده قتل في الأحداث العسكرية التي شهدتها مدينة الصدر في عام 2007».

وأشارت بعثة الأمم المتحدة في تقريرها الأخير إلى «استخدام الأطفال من قبل الجماعات المسلحة بالتفجير والعمليات الانتحارية»، الأمر الذي أكده أيضا علاء الطائي، المستشار الإعلامي لوزارة الداخلية العراقية، مؤكدا أن «هذه الأعمال لجأت إليها التنظيمات المسلحة بعدما فقدت قوتها وأصبحت تبحث عن الحلقات الأضعف في المجتمع لتنفيذ مخططاتها وهي المرأة والطفل».

وتؤكد الممثلية التابعة للأمم المتحدة أن الشرطة العراقية اعتقلت انتحاريا صبيا، كما كانت قد ذكرت أن من نفذ عملية اغتيال النائب حارث العبيدي رئيس كتلة التوافق في مجلس النواب العراقي في الحادي عشر من يونيو (حزيران) الماضي في جامع ببغداد كان صبيا أيضا.

هذا الاستغلال للطفولة في العراق قابلته أيضا عمليات اختطاف راح ضحيتها كثير من الأطفال أيضا، لكن بعضهم أفرج عنه بعد دفع الفدية من قبل ذويهم. ويقول «س.ل»، 11 عاما، إن خاطفيه أخذوه من باب أمام المدرسة في بغداد واقتادوه إلى بيت، واعتدوا عليه جنسيا. وقد كان يبكي من دون أن يسمعه أحد ويخفف عنه تلك الاعتداءات. وأضاف أن الخاطفين اتصلوا بأبيه وتم تسوية الأمر. ويقيم «س.ل»، حاليا مع ذويه في عمان التي غادروا إليها بعد الحادث الذي وقع بداية هذا العام.

ويقول والده إن ابنه يعاني الآن من آثار نفسية وصلت إلى أنه بدء يضرب أباه وأمه كلما اقتربا منه اعتقادا منه بأنهما سيعتديان عليه، كما أنه لم يعد يثق بأحد، ولا يستطيع الذهاب إلى المدرسة. وأضاف أنه دفع مبلغ 30 ألف دولار ليفرج عنه، لكنه «محطم نفسيا».

أما الطفلة علية (6 أعوام)، فقد وجدناها وهي تطلب من المارة ما تجود به أياديهم. وعندما سألناها أين والديك؟ ردت قائلة إنهما «قتلا في الفلوجة وإن أحد أقاربي أتى بي إلى بغداد، لكنه قتل هو الآخر، وأنا الآن أعيش مع الجيران (جيران أقاربها) وقد طلبوا مني أن أقف هنا وأجمع لهم المال». وتحصر منظمات المجتمع المدني أعداد الأيتام في العراق في ما بين 3 - 5 ملايين يتيم، غير أنه لا توجد إحصاءات رسمية حكومية بهذا الشأن.