القرار 1559 عرضة لهجمات حزب الله وحلفائه.. والبعض يعتبره ضمانا ضد التدخل الخارجي

فشل في نزع «سلاح الميليشيات» وفي منع التجديد للحود

TT

لم تشمل «الهدنة» اللبنانية، التي سرت منذ إعلان نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة، القرار الدولي 1559 الذي وجد نفسه عرضة لهجوم مركز من قبل القوى اللبنانية «المؤيدة لخيار المقاومة»، والتي رأت في ظروف «المحبة»، التي هبطت على القيادات السياسية بتأثير من الانفراج الإقليمي، فرصة سانحة للانقضاض على هذا القرار، الذي كان إقراره في مجلس الأمن في الثاني من سبتمبر (أيلول) عام 2004 بداية لفصل جديد من التأزم اللبناني، وصل إلى ذروته في عام 2007 وكاد يتسبب في حرب أهلية جديدة. وهكذا وجد اللبنانيون أنفسهم، مجددا، أمام سجال إعلامي جديد حول قضية «إلغاء القرار 1559»، وهو ما لم يصرح بشأنه علي الشامي، وزير الخارجية الجديد، على الرغم مما تردد بقوة عن «طلب سوري لإلغائه، أو عن قوله أمام سفراء أجانب إن «هذا القرار أصبح ميتا». فبين ليلة وضحاها تذكر اللبنانيون هذا القرار الذي يحمل 3 عناوين عريضة، هي انسحاب سورية من لبنان عسكريا وسياسيا، وعدم تمديد ولاية رئيس الجمهورية السابق إميل لحود، وسحب أسلحة الميليشيات، والمقصود بها حزب الله والمنظمات الفلسطينية. ففي حين انبرت القوى المسيحية في «14 آذار» إلى الدفاع عن هذا القرار، كرر حزب الله، بتصريحات شبه يومية من قادته، عدم الاعتراف به، فيما كان تيار «المستقبل»، الذي يقوده رئيس الحكومة سعد الحريري، يجري «قراءة عقلانية» تتعامل مع التطورات بواقعية انسجاما مع أجواء التوافق الداخلي، من دون أن «يكسر الجرة» مع المجتمع الدولي.

والقرار 1559، الذي كان يحاول منع تمديد ولاية الرئيس لحود، فشل في مهمته هذه، إذ إن تمديد ولاية الأخير 3 سنوات إضافية جرى في جلسة نيابية عقدت في اليوم التالي، وبقي في منصبه حتى غادره عشية «عيد الاستقلال» في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2007 تاركا البلاد دون رئيس، كما فشل في نزع سلاح حزب الله الذي خاض حربا مع إسرائيل عام 2006 خرج منها محتفلا بـ«انتصاره»، كما أن الميليشيات اللبنانية ارتفع عددها عام 2004 وهو ما ظهر في 7 مايو (أيار) عام 2008 في شوارع بيروت ومناطق الجبل، وفي اشتباكات استعملت فيها القذائف والصواريخ، ناهيك عن الأسلحة الرشاشة من قبل الكثير من الميليشيات، إلى جانب سلاح حزب الله الذي استعمل «السلاح دفاعا عن السلاح». أما السلاح الفلسطيني، فقد جرى اتفاق لبناني في الحوار اللبناني عام 2006 على «تنظيمه في المخيمات وإزالته من خارجها»، غير أن هذا الاتفاق لا يزال حبرا على ورق.

أما الانسحاب السوري، فقد جرى بالفعل بتأثير من الأحداث التي أعقبت اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري في فبراير (شباط) عام 2005.

والقرار المذكور صدر بأغلبية 9 أصوات من أصل 15 صوتا في مجلس الأمن، وقد امتنعت دولتان من الدول الخمس دائمة العضوية عن التصويت، هما الصين وروسيا، علما بأن الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا، صاحبتي مشروع القرار، اضطرتا إلى إجراء تعديلات عدة على مشروعه قبل التصويت، بغية تأمين أكبر عدد ممكن من الأصوات لإقراره، ومن هذه التعديلات إلغاء جملة القوات السورية، ووضع بدلا عنها القوات الأجنبية.‏ ويقول وزير لبناني من فريق «14 آذار» إن هذا القرار يحتاج إلى إعادة قراءة فعلا، من حيث إن بعض بنوده نفذت فعلا، وبعضها الآخر لم يعد صالحا، وبعضها من المفترض أن ينفذ لبنانيا بالحوار المقترح بين القيادات، أي سلاح المقاومة الذي لا يجوز التعامل معه تحت مظلة القرار 1559، على الرغم من وجود تباين وطني حوله. لكنه يشدد على أن بعض هذه البنود لا يزال يشكل مظلة ضد التدخل الخارجي في لبنان. ويرفض الشيخ نعيم قاسم، نائب الأمين العام لحزب الله، حتى الاعتراف بوجود هذا القرار، مفضلا اعتماد تسمية «القرار المسمى 1559»، الذي يؤكد أنه «ولد ميتا»، وهو التعبير نفسه الذي استخدمه الحزب عند صدور القرار عام 2004. ويقول قاسم «لسنا معنيين به لا من قريب ولا من بعيد، فهو قرار ميت لا حياة له، وليست لديه قابلية أن يكون مطية للاستثمار الداخلي أو الخارجي، فمن حمله وسار به حمل ميتا يعطيه عبئا إضافيا في حمله بدل أن يرفعه في مشواره»، مشيرا إلى أنه «إذا كان المقصود بإثارة القرار 1559 الالتفاف على المقاومة وتوجيه السهام إليها، لإثبات وجود هؤلاء الذين يطلقون السهام، فنقول لهم: صراخكم في الفراغ لا يسمعه أحد، ولا يؤدي إلى أي ثمرة، لأن التجربة أثبتت دور المقاومة ونجاحات المقاومة، والتحرير حصل على يديها ويدي مجاهديها، وهي أوصلتنا إلى النتائج العظيمة والبركات الكبيرة التي حصلنا عليها لمصلحة لبنان».

ورأى رئيس كتلة نواب حزب الله، النائب محمد رعد، أن القرار 1559 كان عنوانا لحقبة سوداء أظلت الأزمة السياسية في البلد أكثر من 4 سنوات، وقال «اليوم نقول: نحن نعتقد أن صيغة 1559 مضت، ونحن نلتزم بصيغة 15-5-10 التي تشكلت في ضوئها حكومة الوفاق الوطني»، وآمل في «أن يكون منطلقا لمزيد من تعزيز قوة لبنان ومنعته، وللشروع جديا وبكل مسؤولية في بناء دولة قوية قادرة على تحمل مسؤولياتها الوطنية، وتقوم بمهامها تجاه المواطنين؛ تدافع عنهم، وتحمي سيادتهم، وتحتفظ بعناصر القوة كلها التي تكفل هذا الهدف، ومن أهمها حفظ المقاومة جنبا إلى جنب مع الجيش اللبناني»، معتبرا أن «الذين يريدون التخلي عن خيار المقاومة إنما يطلبون منا أن نفتح لبنان ليكون مستباحا أمام الإسرائيليين، هم لا يريدون القتال لأنهم لا يقاتلون ولا يصمدون، لكن فليكفوا عن الدعوة إلى التخلي عن خيار المقاومة والصمود». ويؤكد الشيخ نبيل قاووق، مسؤول منطقة الجنوب في حزب الله أن «الحديث عن القرار الدولي رقم 1559 أصبح من الماضي»، مشددا على أن «بند نزع السلاح في هذا القرار دفن مع أشلاء الدبابات الإسرائيلية في حرب يوليو (تموز) عام 2006، وأنه أصبح رمادا عصفت به رياح المقاومة»، ولفت النظر إلى أن «لا معادلة اليوم إلا معادلة البند السادس من البيان الوزاري، الذي يؤكد شرعية المقاومة، ويضفي اعترافا رسميا وشرعيا على دورها كضرورة وطنية واستراتيجية في الدفاع عن الوطن، وفي تحرير ما تبقى من أرض في مزارع شبعا وتلال كفر شوبا». ولم ينفع تدخل السفيرة الأميركية في لبنان ميشيل سيسون في الدفاع عن هذا القرار، وإبداء تمسك بلادها بـ«القرارات الدولية كلها» إلا في زيادة الحملة ضدها وضد هذا القرار، فانتقد النائب أيوب حميد، كتلة رئيس البرلمان نبيه بري، «تدخل السفيرة الأميركية في الشؤون الداخلية اللبنانية ومحاولاتها استحضار عناوين الانقسام والعودة بالوطن إلى مرحلة سوداء طويناها جميعا»، مشددا على أن «القرار 1559 قد مات ودفناه وتقبلنا بموته التعازي».

وتعتبر الجماعة الإسلامية التي تحالفت مع قوى «14 آذار» أن «القرار 1559 شكل عامل عدم استقرار وفتنة في لبنان»، ولكنها تشدد على أنه «يبقى قرارا دوليا ينبغي التعامل مع الجوانب الإيجابية فيه، وموقف الحكومة اللبنانية واضح في هذا الخصوص من خلال ما ورد من احترام القرارات الدولية والتعامل معها». ويؤكد عماد الحوت، نائب الجماعة الوحيد في البرلمان، أن «ليس لأي جهة اعتبار هذا القرار قد انتهى سوى الحكومة اللبنانية، وهذا الأمر لم يطرح من قريب ولا من بعيد على جدول أعمال الحكومة»، مشيرا إلى أن «أغلب بنود هذا القرار قد تم تنفيذها، ويبقى السلاح الفلسطيني الذي أخذت فيه قرارات واضحة على طاولة الحوار، وستقوم الحكومة بوضع الآليات المناسبة لتطبيقها، وبالتالي فإن تقرير متابعة تنفيذ القرار سوف تفيد بتطبيق مندرجاته ويصبح عندها منتهيا».