الإدارة الأميركية تستعد لتشديد العقوبات ضد مسؤولين إيرانيين.. مع تجنب معاقبة الشعب

مع انتهاء المهلة التي حددها أوباما لطهران للرد على حزمة الشروط الدولية

TT

قال مسؤولون أميركيون إن إدارة أوباما تتهيأ لفرض عقوبات ضد أفراد في الحكومة الإيرانية، من بينهم متورطون في إجراءات القمع الدموية ضد المتظاهرين الإيرانيين، مما يشكل تحولا باتجاه سياسة أميركية أقوى نحو الجمهورية الإسلامية. وبعد عشرة شهور من تحديد الرئيس الأميركي باراك أوباما موعدا زمنيا نهائيا يتمثل في نهاية هذا العام، أمام إيران للتعاون مع القوى الدولية الكبرى بشأن برنامجها النووي، أخفقت حكومة طهران في تقديم استجابة واضحة، في ما عدا إيماءة لم تدُم طويلا صدرت عنها في الخريف.

والآن يقول مسؤولون إن الإدارة الأميركية ترغب، في إطار ما يعتبره الكثيرون محاولة عسيرة لتحقيق التوازن، في إقرار عقوبات مستهدفة لتجنب إثارة غضب الرأي العام الإيراني، مع ترك الباب مفتوحا أمام تسوية الخلاف حول البرنامج النووي الإيراني. ويتمثل الهدف من وراء عقوبات في إجبار الحكومة الإيرانية على الجلوس على طاولة التفاوض، وليس معاقبتها على تحركاتها الواضحة باتجاه تطوير سلاح نووي أو أسلوب تعاملها مع شعبها.

وقال مسؤول أميركي، رفض الكشف عن هويته لحساسية القضية: «لم ترق لنا قط فكرة العمل على إقناع العالم بأسره لفرض حصار على اقتصادهم، لكن ينبغي أن نتحرك بسرعة على هذا الصعيد، لأن أسلوب نظر الإيرانيين إلى عزلتهم يحمل أهمية كبيرة، بمعنى ما إذا كانوا يلقون اللوم على نظامهم أم أنه جرى خداعهم وإقناعهم بأننا نحن الملومون».

وعليه، لا يبدي كبار المسؤولين سوى اهتمام ضئيل بمشروع القانون المطروح أمام الكونغرس من شأنه معاقبة الشركات التي تبيع بترولا مكررا إلى إيران. في هذا السياق، قال مسؤول بارز: «لن تكون العقوبات بديلا عن التعاون. إننا نرمي إلى الإبقاء على الباب مفتوحا».

وحتى قبل الكشف عن العقوبات الجديدة، زادت حدة تصريحات الإدارة بشأن إيران على نحو بالغ، الأمر الذي يرجع في جزء منه إلى الحملات الصارمة التي تعرض لها المتظاهرون المناهضون للحكومة. في أعقاب إطلاق قوات الأمن الإيرانية النار على متظاهرين في الشوارع خلال عطلة نهاية الأسبوع، قطع أوباما الإجازة التي يقضيها في هاواي للتنديد بقوة برد الفعل الرسمي الإيراني تجاه المظاهرات.

ومن المحتمل فرض العقوبات عبر ثلاث سبل: مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، أو بالتعاون مع الدول الأخرى ذات التوجهات المشابهة، أو على نحو انفرادي. الملاحظ أن المسؤولين الأميركيين يعملون على استكشاف السبل الثلاث بصورة متزامنة، مع التركيز في البداية على المضي قدما عبر الأمم المتحدة في فبراير (شباط). وخلال رئاسة جورج بوش، أقدم مجلس الأمن ثلاث مرات على فرض عقوبات هينة نسبيا ضد إيران لفشلها في الإذعان للدعوات الموجهة إليها بوقف نشاطات تخصيب اليورانيوم. الملاحظ أن هذه العقوبات استهدفت في معظمها القطاعات النخبوية من الحكومة. إلا أن الاهتمام بضرورة تجنب إيذاء الإيرانيين العاديين زاد مع صعود حركة معارضة ناشئة في إيران، حسبما أوضح دبلوماسيون.

وحتى الآن لم تتخذ الإدارة قرارا نهائيا بعد بشأن حدود سياسة العقوبات التي ستتبعها، لكن يأتي على رأس قائمة الأهداف الحرس الثوري الإيراني، وهو ذراع المؤسسة العسكرية، الذي اضطلع بدور محوري في الهجمات ضد المتظاهرين، والذي أصبح يلعب دورا أكبر على نحو متزايد في الاقتصاد الإيراني. عام 2007 اتهمت إدارة بوش الحرس الثوري الإيراني ومجموعة من شركات الواجهة لصلتهم بالإرهاب وانتشار أسلحة الدمار الشامل، بما في ذلك شركة مقاولات بارزة تدعى «خاتم الأنبياء» حولت مليارات الدولارات سنويا إلى الحرس الثوري من وراء نشاطاتها بمجالات النفط والبناء والنقل وغيرها.

وأوضح مسؤولون أن دور الحرس الثوري المتزايد على الصعيد الاقتصادي وفي التعامل مع المظاهرات يجعل منه هدفا محتملا لسخط الشعب الإيراني، وكذلك عقوبات أميركية قاسية. إلا أنهم شددوا على أن العقوبات لن يتم ربطها بالمظاهرات. في هذا السياق أوضح مسؤول أميركي ثالث أن «الأمر لا يعدو كونه محض مصادفة أنه في الوقت الذي وصلنا إلى طريق مسدود، تشن الحكومة حملة إجراءات دموية. لقد أسهم هذا الأمر في تسليط الضوء على طبيعة النظام فحسب».

والمعروف أن ثاني أكبر مسؤول جمهوري أبقى عليه أوباما في إدارته بعد روبرت غيتس وزير الدفاع، هو ستيوارت ليفي وزير الخزانة، الذي اضطلع بدور الريادة في جهود إدارة بوش لاستهداف الحرس الثوري الإيراني وتسع شركات واجهة. الآن تعرّف ليفي وفريق العمل المعاون له على مزيد من شركات الواجهة، من الممكن أن يجري استهدافها جميعا.

في العام الماضي، في الوقت الذي اتبع الرئيس علانية نهج التعاون، عمل ليفي في هدوء على جمع الذخائر اللازمة لشن هجوم مالي ضد طهران. وفي وقت ما، جمع داخل مكتبه ممثلين من دول من المحتمل أن تنضم إلى واشنطن في فرض مثل هذه العقوبات، بينها قوى أوروبية واليابان وأستراليا والإمارات العربية المتحدة.

وعلاوة على ذلك نجح ليفي في فرض غرامات على مصارف دولية كبرى، منها غرامة بقيمة 536 مليون دولار ضد «كريدي سويس»، الشهر الماضي، لمساعدتها طهران في تجنب العقوبات الأميركية. ويأمل المسؤولون الأميركيون في أن يدفع سجل ليفي في تعقب المخالفين المؤسسات للتفكير مليا قبل الإقدام على الدخول في نشاطات تجارية مع إيران.

وفي هذا الإطار قال أحد المسؤولين: «عندما تضع كل هذه العناصر معا فإنها تخلق مخاطرة، ليس فقط أمام المصارف وإنما كذلك العناصر الأخرى بالقطاع الخاص التي ترى خطوات كثيرة في الاتجاه ذاته. وتزيد هذه الديناميكيات برمتها إمكانية نجاحنا في فرض ضغوط قوية وفاعلة على إيران».

وتكمن المفارقة في أن المظاهرات ربما تسببت في إحباط جهود الشروع في مفاوضات حول القضية النووية. كان مفاوضون إيرانيون قد التقوا بدبلوماسيين من الولايات المتحدة وقوى أخرى في جنيف في الأول من أكتوبر (تشرين الأول) قد وافقوا على مضض على اتفاق بمقايضة الكثير من اليورانيوم المخصب مقابل وقود لمفاعل بحثي طبي يستخدم في معالجة الأمراض. إلا أن انشقاقا دب في صفوف القيادات الإيرانية حول الاتفاق، خصوصا في أعقاب إثارة زعماء المعارضة شكوكا وتساؤلات حوله.

وحتى الآن، لم يتخلَّ مسؤولو الإدارة عن أملهم بعد في إمكانية إحياء الاتفاق، ويعملون على تشجيع جهود تركية لرأب الصدع بين الجانبين، لكنهم يرون أن حالة الفوضى الواضحة في صفوف القيادة الإيرانية تشكل عرضا جانبيا إيجابيا لإمكانات التعاون. وأشار أحد المسؤولين إلى أن جهود التعاون «تركت تأثيرا مقلقلا على أفراد النظام، وزادت من صعوبة تشويه صورة الولايات المتحدة والقول إنها منبت كل الشرور».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»