عمر عبد المطلب في قلب لندنستان

ترأس الأسرة الإسلامية بجامعة لندن ولم يظهر أبدا على شاشات المراقبة > المحققون يبحثون كيف تحول إلى إرهابي

TT

بعد عمليات التفجير الإرهابية التي تعرضت لها لندن في 2005، فرضت بريطانيا نظاما دقيقا من المراقبة على المتطرفين الإسلاميين، وقالت أجهزة الاستخبارات البريطانية إنها كانت تفرض كذلك مراقبة خاصة على المسلمين في الحرم الجامعي. وبالرغم من ذلك، وفقا لما قاله مسؤول أمني بريطاني، فإن الطالب المسلم الذي كان يرأس الأسرة الإسلامية بجامعة لندن كوليدج العريقة «لم يظهر أبدا على شاشات المراقبة باعتباره مصدرا للتهديد الأمني».

هذا الطالب هو عمر فاروق عبد المطلب، النيجيري ذو الثلاثة وعشرين عاما، والمتهم بمحاولة تفجير طائرة متوجهة إلى ديترويت في عطلة الميلاد بأوامر من تنظيم القاعدة.

وبالرغم من أن تلك المحاولة لم تسفر عن أي خسائر بشرية، فإنها أطلقت صافرات الإنذار حول وجود ثغرات أمنية في الطيران، ووجود جبهة جديدة نشطة لتنظيم القاعدة في اليمن، بالإضافة إلى وجود مخاوف عميقة بشأن بريطانيا التي أصبحت مجالا لبحث المحققين هنا وفي الولايات المتحدة؛ حيث كان بإمكان الراديكاليين تجنيد شخص مثل عبد المطلب داخل بريطانيا دون أن يلحظ أحد.

ومن جهته، يقول قاسم رفيق (24 عاما)، والذي خلف عبد المطلب كرئيس للأسرة الإسلامية في 2007 «لقد استغرقت وقتا طويلا حتى تعرفت عليه. فقد كان عبد المطلب يعد شخصا منطويا؛ وكان من الممكن أن يدخل إلى إحدى الغرف ويخرج منها من دون أن يلحظه أحد».

ومن الواضح أن انضمام عبد المطلب للإسلام الراديكالي مثل صدمة هائلة لأسرته في 19 نوفمبر (تشرين الثاني)، وذلك عندما قام أبوه، وهو واحد من الرجال الأثرياء والمرموقين في نيجيريا، بزيارة السفارة الأميركية، معبرا عن مخاوفه من احتمالات انضمام ابنه، الذي اختفى ربما إلى اليمن، إلى تنظيم راديكالي.

ولكن إلقاء نظرة سريعة على السنوات التي تشكل فيها عبد المطلب في لندن في الفترة من 2005 إلى 2009 تكشف عن الصعوبات الأساسية التي تواجه عملية التنبؤ بالهجمات الإرهابية المستقبلية ومنعها.. فالأصدقاء والأقارب وأحد مدرسي عبد المطلب بالإضافة إلى أحد زملائه من الطلاب المسلمين قالوا إنهم لا يستطيعون تحديد اللحظة التي يمكن أن يكون ذلك الشاب الودود، المحظوظ والورع، قد تحول عبرها إلى ذلك الشخص الذي بإمكانه المشاركة في جريمة قتل جماعي.

وأفضل التخمينات التي توصلوا إليها - والتي شاركهم فيها الكثير من المحققين - أن الطريق إلى الراديكالية كان يمر عبر اليمن، التي درس فيها عمر فاروق اللغة العربية خلال مراهقته والتي من الواضح أنه كان يستعد فيها أيضا لأداء مهمته الانتحارية، ثم من خلال البوتقة الإسلامية في لندن. ومن جهته، قال أحد المسلمين بكاليفورنيا والذي كان يدرس اللغة العربية في اليمن مع عبد المطلب، في حوار أجري معه عبر الهاتف، والذي رفض الإفصاح عن هويته حتى لا يجذب الانتباه إلى أسرته التي هاجرت من باكستان إلى أورانج كاونتي عندما كان صبيا «ليس من الصواب الإلقاء باللوم على هؤلاء الأشخاص في تلك الأراضي البعيدة. فما يجب علينا فعله حقا هو أن نحاول أن نفهم ما الذي يحدث في شوارعنا الخلفية. ويجب أن نسأل أنفسنا لماذا يقدم شاب مثل عمر فاروق على مثل ذلك العمل، وعن العوامل الموجودة في لندن التي ربما تكون قد دفعته إلى العنف».

وفي الحقيقة، فإن المحققين يراقبون بدقة حاليا المسار الذي اتخذه عبد المطلب بعد قضائه الصيف في صنعاء باليمن في 2005، وبعدما التحق بجامعة لندن حيث كان يدفع 25 ألف دولار أميركي سنويا. وفي الأيام الأخيرة، قال المسؤولون في واشنطن وفي لندن إنهم يركزون جهودهم على التحقق مما إذا كانت السنوات التي قضاها في لندن - بما في ذلك احتمالية تواصله مع جماعات أصولية - كان لها دور أساسي في توجهه نحو التطرف الإسلامي.

وإذا ما ثبتت صحة تلك الفرضية، فإنها سوف تمثل دليلا صارخا على أن بريطانيا - أقرب حلفاء الولايات المتحدة - أصبحت تمثل تهديدا حقيقيا للأمن الأميركي. فيقول المعارضون إن قوات الأمن البريطانية فشلت في فرض مراقبة دقيقة والحد من الجهاد الإسلامي المتزايد في شبكة المساجد الواسعة التي تخدم 1.5 مليون مسلم في بريطانيا، بالإضافة إلى حرم الجامعات المنتشرة في البلاد والتي يدرس فيها ما بين 100 ألف و500 ألف طالب مسلم يشتملون على الكثير من الطلاب غير البريطانيين مثل السيد عبد المطلب.

وعلى غرار الكثير من المتهمين التسعة عشر في تفجيرات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، والانتحاريين الأربعة الذي شنوا هجمات لندن في 7 يوليو (تموز) 2005، بالإضافة إلى المسلحين الإسلاميين الذين اشتركوا في عمليات إرهابية في العقدين الماضيين، فإن عبد المطلب تعرض في العاصمة البريطانية لمؤثرات متناقضة ربما تكون قد ساعدت على سرعة تحوله إلى التيار الأصولي.

ومن جانب آخر، كانت أمام عمر فاروق فرصة الالتحاق بواحدة من أكثر الجامعات البريطانية عراقة وهي يونيفرسيتي كوليدج التي حصلت أخيرا على الترتيب الرابع كأفضل جامعة في العالم بعد هارفارد وكامبريدج وييل في الاستطلاع السنوي الذي تجريه «تايمز هاير إيديوكيشن». بالإضافة إلى أن عمر فاروق كان يعيش بطريقة لا يستطيع تحمل كلفتها سوى عدد محدود من البريطانيين؛ حيث كان يعيش في شقة فاخرة بمنزل راق على مقربة من الحرم الجامعي ليونيفرسيتي كوليدج بمنطقة بلومسبري الراقية.

وتتكشف التفاصيل المتعلقة بسلوكيات عبد المطلب خارج الفصل الدراسي ببطء شديد ربما نظرا لأنه كان شخصية تتسم بالغموض، تميل إلى البقاء في الظل، بالإضافة إلى أنه كان لا يبوح بالكثير حتى للأشخاص الذين يعتبرونه صديقا لهم.

ويعد نشاط عمر فاروق كرئيس للأسرة الإسلامية بالجامعة من بين الاتجاهات الأساسية لبحث المحققين حاليا؛ حيث كان عمر قد انضم لتلك الأسرة الطلابية فور التحاقه بالجامعة. وربما يكون قد التحق بها لكي يتغلب على حالة الوحدة الدائمة التي كان يشعر بها والتي وصفها في تلك الرسائل التي كان ينشرها على المواقع الإسلامية الإلكترونية قبل أن يصل إلى بريطانيا.

وبعد عام من وجوده بلندن، كان عمر سعيدا بدوره كرئيس للأسرة، حيث أرسل رسالة إلكترونية إلى أحد أصدقائه بكاليفورنيا في أغسطس (آب) 2006 وصف فيها الوقت الذي يقضيه بالجامعة بالوقت الطيب، قائلا إن الوقت يمر سريعا منذ أن التحق بجامعة يونيفرسيتي كوليدج وانضم إلى الأسرة.

وما لم يتم قوله في هذا الصدد هو أن عبد المطلب قد وصل إلى لندن في ذروة الحماسة الدينية والنخبوية التي سادت الجالية الإسلامية البريطانية والتي أعقبت هجمات 7 يوليو (تموز) التي أسفرت عن مقتل 56 شخصا بما فيمن الأربعة الانتحاريون.

يذكر أن الانتحاريين الأربعة مسلمون بريطانيو المولد، وليس لديهم أي تاريخ من العنف الأصولي، وقد تم تجنيدهم داخل المساجد اللندنية أو من خلال زيارات إلى باكستان، وقد سجل الانتحاريون الأربعة مقاطع فيديو يتحدثون فيها عن الشهادة؛ مفسرين اشتراكهم في تلك العمليات بأنه رد على الدور الذي لعبته بريطانيا في حربي العراق وأفغانستان.

وبالنسبة لعبد المطلب - الذي منحه انضباطه وحرصه على الصلاة خمس مرات في اليوم لقب «ألفا» الذي يطلق على رجال الدين المسلمين ـ فإنه يبدو أن الأسرة الإسلامية قد مثلت الأمان لذلك الطالب الذي حصل على تدريبه بمدرسة النخبة البريطانية بتوغو بغرب أفريقيا.

ومن خلال موقعها الإلكتروني ومقاطع الفيديو التي تصور تجمعاتهم والتي تم بثها على الـ«يوتيوب»، يبدو أن تلك الأسرة كانت تمثل خلال السنوات الماضية منتدى ساخنا حول «القمع» الذي يتعرض له 1.2 مليار مسلم في جميع أنحاء العالم على يد الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية.

وكانت الأسرة تستضيف دائما في منتدياتها أئمة راديكاليين، وبعض المعتقلين السابقين في غوانتانامو، وعددا من السياسيين اليساريين المناهضين لأميركا وبريطانيا، وبعض الناشطين في حقوق الإنسان. وفي يناير (كانون الثاني) 2007 وعندما كان عبد المطلب رئيسا للأسرة، قامت الأسرة برعاية «أسبوع الحرب على الإرهاب» والذي كان ينتقد بشدة الممارسات الأميركية في العراق وفي أفغانستان.

* خدمة «نيويورك تايمز»