2009 نهاية عقد: تركيا.. من موقع المتفرج إلىلاعب أساسي

أوغلو صاحب شعار وقف المزيد من الأزمات في المنطقة

وزراء أتراك وسوريون يرفعون الحاجز الفاصل للحدود بين الدولتين في أكتوبر الماضي (رويترز)
TT

لا يمكن لمتابع الشأن التركي إلا أن يسلم بأن عام 2009 كان بالنسبة لتركيا، عام النجاح. فقد نجح حزب العدالة والتنمية الحاكم، عبر قرع كثير من الأبواب في الداخل والخارج، في الانفتاح عربيا وإسلاميا وحصد نتيجة ذلك الكثير من النتائج الإيجابية تسجل في خانته. وتمكن من تعزيز مكانة تركيا وموقعها وقوتها الاقتصادية التي كانت تبحث عنها منذ سنوات طويلة، معيدا لها موقعها إلى الشرق الذي أهملته وابتعدت عنه لصالح الغرب الذي لم يقبلها بعد شريكا وعضوا في الاتحاد الأوروبي، على الرغم من مرور أكثر من نصف قرن من الانتظار.

تركيا في عام 2009 تحولت فعلا من المتفرج والمراقب البعيد، إلى الشريك واللاعب والمحرك والمقتحم لكثير من الأبواب والأماكن، من دون تردد. وهي اليوم تسهم في تركيب وتنظيم كثير من طاولات النقاش والقرار. وأثبتت أنها أكثر من ساعي بريد أو ناقل رسائل بين الأطراف، بل وسيط فعلي، وحلقة أساسية، ونقطة ثقل، لا يمكن التفريط فيها، كما ثبت مؤخرا في الشؤون اللبنانية والفلسطينية والعراقية وحتى الإيرانية. حكومة أردوغان أصرت في عام 2009 على قرع كثير من الأبواب ودخول كل بيت والوجود في كل عرس، لكن الخوف الأكبر هو أن تخرج من الزفة بلا رقص بعد كل هذا الحراك والتنقل الدائم الذي يشتت الأذهان. ولتقريب الصورة نكتفي بالتوقف عند المسعى التركي الأخير الهادف إلى التوسط بين تل أبيب ودمشق بعدما أعلنت حكومة نتنياهو أنه وصل إلى الطريق المسدود بسبب مواقف أنقرة من السياسات الإسرائيلية وفي مقدمتها حادثة دافوس التي فجرت الخلافات بين الجانبين بعد الحرب الإسرائيلية على غزة.

إقليميا، استقبلت تركيا الرئيس الأميركي الجديد وأعلنت وقوفها إلى جانبه في أكثر من مكان، ووقعت أكثر من اتفاقية جمركية مع دول المنطقة؛ تتقدمها اتفاقيات رفع تأشيرات الدخول مع سورية وليبيا والأردن، ووسعت من رقعة تحركها في العالم الإسلامي بالدخول مباشرة على خط الأزمات الباكستانية والأفغانية والإيرانية، ونجحت في عقد العديد من الاتفاقيات الاستراتيجية مع دول الخليج تحمل أبعادا اقتصادية إنمائية أمنية.

لكن تركيا في عام 2009 تعرفت إلى أهم الملفات الساخنة الداخلية - الخارجية الأبعاد، وفي مقدمتها قضية «أرغنيكون» حيث وجهت التهم إلى مجموعة من الضباط والأكاديميين والإعلاميين ورجال الأعمال، بالإعداد لتحريض الجيش على تنفيذ انقلاب عسكري جديد يطيح بـ«العدالة والتنمية». وتعرفت على حالة نادرة في التاريخ التركي الحديث، بعدما مثل مجموعة من كبار القيادات العسكرية المتقاعدة، أمام المدعي العام للإدلاء بما يعرفونه حول مؤامرة من هذا النوع تهدف إلى حمل الضباط مجددا إلى موقع القيادة السياسية في البلاد. المراقب المتابع يعرف أيضا أن حزب رجب طيب أردوغان، وعلى الرغم من انفتاحه الكبير على الخارج، لم يتمكن من حل كثير من المشكلات الداخلية الحساسة العالقة، وفي مقدمتها العقدة الكردية التي تشهد سخونة هذه الأيام، خاصة أن «العدالة والتنمية» أطلق أكثر من وعد وبرنامج سياسي مع وصوله إلى السلطة على طريق حل هذه المسألة. لكنه وقف عاجزا أمام قرار المحكمة الدستورية الأخير بحظر حزب المجتمع الديمقراطي ومنع قياداته من ممارسة العمل السياسي. كما أن الموضوع الأرمني المؤجل منذ أمد بعيد ينتظر بادرة جدية وحاسمة تترجم خطوة رئيس الجمهورية عبد الله غل الذي قصد يريفان مصطحبا فريق كرة القدم التركي، وعاد ليستقبل الرئيس الأرمني سركسيان وفريقه الأرمني. لكن الخطوات اللاحقة وردود الفعل المنتقدة والمعارضة في الجانبين، يبدو أنها نجحت إلى حد ما في تجميد وتبديد الحماس الذي أبدته القيادات السياسية في البلدين، والعودة مجددا إلى لعبة التوازنات الإقليمية والدولية المتحكمة في هذا الملف، وفي مقدمتها أزمة قره باغ والدور الروسي الفاعل في آسيا الوسطى والبلقان.

هذا إلى جانب مسائل أخرى تضغط باستمرار باتجاه الحصول على تسهيلات ترددها منذ أعوام وفي طليعتها مطالب الأقليات التي تتطلع إلى مزيد من الحريات والحقوق الاجتماعية والدينية، دون أن نهمل طبعا القضية القبرصية بعدما قبلت حكومة «العدالة والتنمية» أن تثق بالدول الغربية وتحديدا الاتحاد الأوروبي لمعالجتها. لكن كل ما قدم حتى الآن كان يندرج في خانة القبارصة اليونان الذين نجحوا في الالتحاق بالمجموعة الأوروبية أولا، وباتوا يهددون يوميا بعرقلة العضوية التركية إذا لم يحصلوا على ما يريدون من تنازلات ثانيا. وهناك أيضا الموضوع العراقي وشماله الذي تحاول أنقرة معالجته بالتنسيق والانفتاح مجددا على القيادات الكردية هناك، لكن المعارضة التركية تصر على أن فتح الأبواب أمام أكراد شمال العراق، سيسهم في إنعاش المنطقة اقتصاديا وتجاريا، لكنه سيزيد من قوة الجماعات الكردية السياسية والعسكرية أيضا على حساب الأقليات الأخرى هناك، والأقلية التركمانية خاصة. ومع ذلك، يظل موضوع التعديل الوزاري الواسع الذي حمل داوود أوغلو إلى منصب وزارة الخارجية لتسلم الدفة تحت شعار «استراتيجية العمق»، من بين أهم التطورات التي عاشتها البلاد في الداخل.

حكومة أردوغان أبدعت في السنوات الأخيرة في اللعب على التناقضات ومواصلة سياسة ملء الفراغ الكبير الذي خلفته كثير من القوى الإقليمية، مغازلة لهذا ومنازلة لذاك، من دون أي تردد في إعلانها العودة إلى مناطق وأقاليم كانت أهملتها طوال عقود، وأخذت موقعها ودورها فيها خلال السنوات الخمس الأخيرة من دون أن تتراجع عن علاقاتها القائمة مع إسرائيل على الرغم من كل الانتقادات والتهديد بالقطيعة و«الانفصال».. بل على العكس، ها نحن اليوم نسمع القيادات الإسرائيلية تتحدث عن «البيت الواحد والأسرة الواحدة»، على الرغم من أنها في الخفاء تعرف جيدا أن تركيا حرمتها ورقة استراتيجية مهمة كانت تلعبها باستمرار، وهي التباعد السوري التركي حتى الأمس القريب، والسوري الأميركي والسوري اللبناني حتى اليوم. لكن الصورة القائمة اليوم، ستسهل لنا في القريب العاجل التعرف على ما إذا كان القرار التركي بالانتقال من موقع المتفرج الذي ظل لسنوات طويلة يرجح المدرجات، إلى لاعب أساسي في الساحة سيقبل تحمل مخاطر وأعباء المرحلة الإقليمية المقبلة عندما تطالب تركيا بترجمة تحولها هذا إلى مواقف عملية في التعامل مع قضايا ساخنة وملحة يتقدمها الملف الإيراني والأفغاني طبعا. لا بل إننا سنعرف أكثر إذا ما كان حزب العدالة والتنمية قادرا على حماية شعاره الذي أطلقه قبل 7 سنوات «مواصلة الطريق لا توقف أبدا»، أو ما يعني مواصلة المسيرة مهما كانت العوائق والعقبات، أم إنه بسياسته البراغماتية سيعيد ترتيب وطرح أولوياته الداخلية والخارجية بحسب الظروف ومجريات الأحداث ووقوع ما ليس في الحسبان في منطقة تتميز بمتقلباتها ومتغيراتها اليومية وتحتاج إلى سياسة النفس الطويل في التعامل مع مشكلاتها؟

الرئيس التركي عبد الله غل قال لنا منذ البداية إن «تركيا ليست وراء الشهرة أو المنافسة على الموقع والمكانة»، لكنه قال أيضا إن بلاده لا يمكنها أن تتجاهل ما يجري وتدير له ظهرها. لكننا سنعرف خلال العام المقبل حقيقة ما يقال ويردد عن وجود رغبة تركية في لعب ورقة الاستقواء بالشرق لتحسين الموقع والدور والتمركز أكثر فأكثر في الغرب.

بصورة أوضح، داوود أوغلو الذي أغضبه ما قيل وردد عن «العثمانية الجديدة» والبعد الإمبريالي في السياسة الخارجية التركية الجديدة، وأصر على أن تركيا تقوم بما يجب عليها أن تفعله وبما يليق بها وبمكانتها الإقليمية، لا يمكنه أن يخفي فرحته بنجاحه في قلب سياسة تركيا الخارجية، وفق قواعد ونظم جديدة تخالف ما كان معروفا ومعمولا به طيلة عشرات السنين. فهو اللاعب الأساسي الذي جعل من تركيا صاحبة الكلمة المسموعة اليوم حيال أكثر من ملف وقضية، تحت شعار قطع الطريق على المزيد من الأزمات والتدهور في المنطقة. لكنه ملزم أن يقول لنا في المرحلة المقبلة ما الذي يعد له في حملته النهائية، هل سيحاول الجمع بين النظريات والتطبيق ووضع كل ذلك أمام الاتحاد الأوروبي والغرب لإقناعهم بالفرصة التركية الواجب عدم التفريط بها أو تجاهلها إقليميا ودوليا، أم إنه فعلا سيدفع تركيا نحو المحور الشرق أوسطي الجديد الذي تصر حكومة «العدالة» على عدم وجوده ليكون الخيار التكاملي الذي تريده أنقرة بديلا لعلاقاتها مع الغرب وأوروبا أو التي لم تحقق لها الكثير حتى الآن؟

* ديسمبر (كانون الأول):

* 1/12: مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية الياباني يوكيا أمانو يتسلم مهام منصبه خلفا للمصري محمد البرادعي.

* 2/12: الرئيس الأميركي باراك أوباما يفصح عن استراتيجيته الجديدة تجاه أفغانستان بالإعلان عن إرسال 30 ألف جندي إضافي، ويتعهد بالبدء في الانسحاب في يوليو (تموز) 2011.

* 2/12: إيران تعلن الإفراج عن البحارة البريطانيين الخمسة الذين كانوا محتجزين لديها بعد دخولهم للمياه الإيرانية عن طريق الخطأ.

* 3/12: انفجار في حافلة تقل ركابا إيرانيين في السيدة زينب بالقرب من دمشق، ووزير الداخلية السوري ينفي شبهة العمل الإرهابي.

* 3/12: تفجير انتحاري في مقديشو يستهدف حفل تخرج طلبة إحدى الجامعات الصومالية يؤدي إلى مقتل 19 شخصا على الأقل بينهم أربعة وزراء.