2009 نهاية عقد: جزائر 2009: عادت للمونديال ودفعت بسخاء للمهرجانات وأغاظت المستثمرين

جددت لبوتفليقة دون مفاجآت.. ولم توقف الاحتجاجات رغم رفع الأجور والمليون مسكن

بوتفليقة أثناء استقباله الفريق الوطني لكرة القدم في 19 نوفمبر الماضي إثر عودته من الخرطوم حيث فاز على المنتخب المصري وضمن التأهل للمونديال (أ.ب)
TT

أحداث كثيرة ومتنوعة طبعت عام 2009 في الجزائر، لكن يبقى أبرزها من حيث الترتيب الزمني، إعادة انتخاب عبد العزيز بوتفليقة بعد إلغاء المادة الدستورية التي كانت تمنع الترشح لأكثر من ولايتين، واحتضان البلد للمهرجان الثقافي الأفريقي الثاني بعد 40 عاما من المهرجان الأول الذي أقيم في الجزائر أيضا، ومؤخرا، وربما أهم حدث ستبقى الجزائر، ومعها الدول العربية، تذكره لعقود، تأهل فريقها الوطني لكرة القدم إلى مونديال 2010 في جنوب أفريقيا، إثر فوز تاريخي على الفريق القومي المصري في أم درمان، بالخرطوم، وما نجم عنه من عودة الجزائر إلى تصفيات كأس العالم بعد غياب دام 23 عاما.

لم يكن فور بوتفليقة في استحقاق 9 أبريل (نيسان) مفاجئا، على اعتبار أنه جاء ضمن خريطة طريق بدأت بإلغاء المادة الدستورية التي كانت تمنع الترشح لأكثر من ولايتين أواخر العام الماضي. ولم يفاجأ الناس أيضا بتقدم بوتفليقة بنسبة فاقت 90% على منافسيه الخمسة. وفي إطار سياسة الاستمرارية المتوقعة كذلك، حدد بوتفليقة أولويات ولايته الثالثة، ولخصها في مواصلة سياسة المصالحة (حل الأزمة الأمنية الناجمة عن إلغاء انتخابات 1991) واستحداث ثلاثة ملايين فرصة عمل، وتوفير السكن والمياه وإنشاء مزيد من شبكات الصرف الصحي، وإمداد المناطق النائية بالغاز والكهرباء، وتوفير الهياكل القاعدية والخدمات الصحية. ربما تمثلت المفاجأة النسبية الوحيدة، في تخلي الرئيس عن العرف السائد وإبقائه على غالبية طاقمه الحكومي المؤلف من 34 وزيرا، عدا عن إعفائه وزير الدولة، أبو جرة سلطاني، من منصبه، بناء على طلبه، حتى يتفرع الأخير للأزمة الداخلية التي ألمت بحزبه الإسلامي «حركة مجتمع السلم».

ويعتقد أن بوتفليقة اختار الاستمرارية في إسناد المناصب التنفيذية لأن غالبية المشروعات التي طرحها لولايته الجديدة، تعد امتدادا لبرنامج ولايتيه السابقتين. وأبقى على وزرائه لأنهم كانوا مكلفين باستكمال مشروعات كبيرة، أهمها تلك المتعلقة بقطاعات الأشغال العمومية والري والسكن والنقل والموارد المائية، وكان يتعين عليهم إنجازها في آجال محددة.

ومن بين المشروعات التي طرحت نظريا وغابت عمليا خلال عام 2009، فكرة العفو الشامل عن المسلحين عبر استفتاء شعبي. فقد أبدى الرئيس خلال حملة الانتخابات الرئاسية استعداده لتمكين آلاف الشبان الذين لا يزالون في الجبال والأدغال يمارسون الإرهاب، من عفو شامل، شرط أن يتخلوا عن العنف طواعية. ورغم أن المشروع طرح نظريا ليكون بمثابة نسخة ثالثة مكملة لمشروعي العفو السابقين عن المسلحين (الوئام المدني وميثاق السلم والمصالحة)، فإن إشارات متضاربة صدرت بعد انتخابات الرئاسة، من مسؤولين نافذين في الدولة بشأن الفكرة، الأمر الذي طرح شكوكا قوية حول تحويل مشروع العفو الشامل إلى حقيقة ملموسة.

وضمن المشروعات التي طرحت نظريا أو كمحاولات لجس نبض الرأي العام دون أن تتجسد واقعا، خلال العام الحالي على الأقل، ما أشيع عن عزم السعيد بوتفليقة، الشقيق الأصغر للرئيس، تأسيس حزب سياسي جديد. وفي خضم النقاش الإعلامي حول المشروع، نقل مقربون من الرئيس بوتفليقة أنه لا يسعى لفرض رئيس على الشعب الجزائري «لأني أحترم شعبي.. والجزائر ليست بلدا يورث فيه الحكم». لكن هؤلاء لم ينقلوا عن الرئيس معارضته أو تأييده لاحتمال ترشح شقيقه السعيد (53 سنة)، لخلافته.

سياسيا كذلك، شهد المشهد الداخلي حدثا لافتا تمثل في انشقاق «حركة مجتمع السلم»، التي أسسها الراحل محفوظ نحناح، مطلع التسعينات من القرن الماضي. فقد خرج عدد معتبر من قيادات هذا الحزب الإسلامي الموجود ضمن التحالف الرئاسي (3 أحزاب رئيسية تحالفت لدعم برنامج الرئيس بوتفليقة)، وشكلوا إطارا جديدا لهم سموه «حركة الدعوة والتغيير»، بعد سنوات من الاختلاف والخصومة مع رئيس الحزب، أبو جرة سلطاني، بحجة «ابتعاده عن المنهج الأصيل للحركة». وارتأى مؤسسو الكيان الجديد إعطاءه طابعا اجتماعيا وتركيز جهودهم على عمل الدعوة الإسلامية بدل السياسة.

اجتماعيا، تواصلت مظاهر الاحتجاج على البطالة والسكن رغم حديث السلطة عن إنجاز مليون وحدة سكنية خلال الفترة الرئاسية السابقة لبوتفليقة. وربما كان أبرز احتجاج، ذلك الذي نظمه سكان حي ديار الشمس القديم بأعالي العاصمة، في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، احتجاجا على «المعايير المزدوجة» في توزيع السكن الاجتماعي. وسرعان ما تحول الاحتجاج إلى أعمال عنف وشغب أسفرت عن اعتقالات وإصابات في صفوف رجال الشرطة. وفي احتجاج لافت آخر يأخذ بعدا مذهبيا، شهدت مدينة بريان في ولاية غرداية (600 كلم جنوب العاصمة)، مواجهات بين الإباضيين الناطقين باللغة البربرية، وبين الشعانبة الذين يتحدثون العربية خلفت عشرات الجرحى.

اقتصاديا، تمثل الحدث الأهم في العام المنصرم في تخصيص 150 مليار دولار، للمخطط الخماسي الممتد بين عامي 2009 و2014، رغم توقع تراجع إيرادات مبيعات المحروقات إلى 45 مليار دولار في عام 2009 الحالي مقارنة بـ76 مليار دولار في العام السابق. وفي خطوة أثارت استياء وانسحاب عدد من المستثمرين الأجانب، أعادت الحكومة النظر في قانون الاستثمار وفرضت على أي مشروع استثماري أجنبي، مشاركة برأس المال المحلي، لا تقل نسبتها عن 51 في المائة. كذلك قررت الحكومة في الشهر الأخير من السنة رفع الحد الأدنى للأجور من 12 ألف دينار (نحو 150 دولارا) إلى 14 ألف دينار (نحو 170 دولارا).

وثقافيا، احتضنت الجزائر المهرجان الثقافي الأفريقي الثاني بعد 40 عاما من المهرجان الأول، الذي أقيم في الجزائر أيضا. لكن الحدث الكبير لم يخل من تحفظات وانتقادات تلخصت في أمرين رئيسيين. أولهما استياء القوى المحافظة في البلاد من بعض العروض المختلفة عن تقاليد الشعب الجزائري أهمها ما قدمته نساء أفريقيات كن يرتدين ملابس قليلة، من رقصات في أماكن مفتوحة بعدة مدن. أما ثاني انتقاد، والذي صدر عن قطاع واسع من المهتمين بالشأن العام، فكان بسبب التكلفة المالية للحدث (100 مليون يورو) والتساؤل ما إذا كانت الفوائد المرجوة من الملتقى تتناسب وهذه الفاتورة المرتفعة. وككل سنة واصلت الجزائر خلال العام الحالي تنظيم مهرجانات وفعاليات عربية ودولية في الغناء والسينما.

وشهدت الجزائر في عام 2009، تغييرا في عطلتها الأسبوعية، بنقلها ابتداء من 14 أغسطس (آب)، يومي الراحة الدائمين، من الخميس والجمعة إلى الجمعة والسبت. واتخذ هذا القرار ذو الأبعاد الاقتصادية، ليضع حدا لنظام ظلت تعمل به البلاد منذ 33 سنة.

وبرزت خلال العام المنصرم مؤشرات على عزم الدولة الجزائرية، تكثيف اهتمامها بقطاع الجاليات في الخارج. فأعلنت الجهات المسؤولة عن هذا القطاع عزم الدولة إنشاء مجلس استشاري للجالية المقيمة في الخارج، تضم 56 ممثلا عن الجالية و33 ممثلا عن إدارات ومؤسسات عمومية. وسيكون هذا المجلس الذي حدد موعد تشكيله في يناير (كانون الأول) 2010، بمثابة منتدى للتشاور من أجل تدعيم العلاقات بين الجزائريين المقيمين في الخارج والوطن الأم. كذلك، أعلن عن توجه لافتتاح مراكز ذات أبعاد ثقافية واجتماعية، في عواصم خارجية، ربما كان أبرزها أو أكبرها التخطيط لإنشاء «دار الجزائر» في لندن.

هكذا مر العام المنصرم على الجزائريين، إذن، حافلا بأحداث كانت في مسارها العام سارة جدا على صعيد العودة القوية للكرة الجزائرية، ومتماشية مع جهود إرساء الاستقرار السياسي، لكن ذلك تزامن، في المقابل، مع تراوح محاولات تنويع الاقتصاد في مكانها، وبقاء البؤر المولدة للهزات الاجتماعية متجذرة وقادرة على إحداث المفاجآت غير المرغوب فيها في أي وقت.