2009 نهاية عقد: الصومال: العنف والقرصنة والتقلبات السياسية.. تحول المدن إلى خرائب

انسحاب القوات الإثيوبية أجج القتال بين الإسلاميين الصوماليين.. وإريتريا المتهم الأول بتسليح المعارضة

جندي صومالي حكومي خلال اشتباك مع مسلحين إسلاميين في مقديشو 11 يوليو الماضي (رويترز)
TT

شهد عام 2009 تطورات لافتة في الساحة الصومالية، وعلى الرغم من أن هذه التطورات كانت على قدر كبير من الأهمية فإنها لم تكن حاسمة في إخراج هذا البلد من حالة عدم الاستقرار التي يشهدها منذ نحو عقدين من الزمن. ففي بداية العام انسحبت القوات الإثيوبية من المدن الصومالية بما فيها العاصمة مقديشو، وهو شرط كانت مجموعات متمردة تطالب به من أجل إلقاء السلاح، ووقف العنف. وبعد أسبوعين من الانسحاب تغيرت الحكومة ووصل الإسلاميون المعارضون بقيادة الشيخ شريف إلى السلطة في مؤتمر عقد في جيبوتي المجاورة، لكن الحرب في الصومال دخلت مرحلة جديدة طرفاها هذه المرة حلفاء الأمس.. من الإسلاميين الذين انقسموا إلى 3 فرق رئيسية، أحدها في السلطة، والطرفان الآخران في المعارضة، ليبدأ صراع دام راح ضحيته المئات. ومع موجة من العنف المتواصل، اتخذت أعمال القرصنة في السواحل الصومالية وتيرة تصاعدية فاقت الأعوام السابقة، كما شهدت الصومال أكبر موجة من النزوح بسبب الحرب، وينتهي العام وقد سيطرت المعارضة الإسلامية على معظم جنوب الصومال الذي يمثل نحو ثلثي المساحة الكلية للبلاد، في الوقت الذي تواجه فيه الحكومة الانتقالية تحديات سياسية وعسكرية أكبر من طاقتها، وليس في الأفق أيضا مبادرة جادة للتسوية السياسية. يعد انسحاب القوات الإثيوبية الحدث الذي هيمن على الوضع في الصومال، فبعد عامين من الحرب المتواصلة بين هذه القوات وما عرف بفصائل المقاومة التي كانت أغلبيتها من الإسلاميين غادر آخر جندي إثيوبي الأراضي الصومالية في الـ15 من يناير (كانون الثاني) 2009، وكانت المفاوضات بين الحكومة والمعارضة طيلة الأشهر السابقة متعثرة، وانقسم المعارضون الإسلاميون حولها إلى جناحين، جناح جيبوتي الذي قادة الشيخ شريف، والذي قبل التسوية السياسية، حتى في ظل تواجد القوات الإثيوبية، وجناح أسمرة الذي رفض التسوية التي قادتها الأمم المتحدة، وأعلن مواصلة الحرب.

وقد تم الترتيب لتسوية سياسية عاجلة بالتزامن مع انسحاب القوات الإثيوبية، وذلك بضغط دولي وإقليمي على الرئيس السابق «عبد الله يوسف أحمد» للتنحي عن السلطة وعقد مؤتمر مصالحة في جيبوتي، وهو ما تم فعلا، حيث قدم الرئيس يوسف استقالته إلى البرلمان الصومالي، الذي كان مقره في بيداوا بجنوب غربي البلاد، وذلك  في 29 ديسمبر (كانون الأول) 2008 في الوقت الذي كان فيه رئيس الوزراء السابق نور حسن حسين عدي يواصل المفاوضات في جيبوتي مع جناح جيبوتي من المعارضة، ودعا إلى نقل جلسات البرلمان من الصومال إلى جيبوتي لإقرار عدد من السياسات أهمها توسيع البرلمان إلى الضعف ليصل عدده إلى 550 عضوا بدلا من 275، تمهيدا لدخول أعضاء تحالف المعارضة بقيادة الشيخ شريف إلى المجلس. ثم جاءت الخطوة التالية بانتخاب الرئيس الجديد خلفا للرئيس عبد الله يوسف أحمد، وكان انتخاب الشيخ شريف (45 عاما) شبه محتوم نظرا للتمهيدات التي سبقته بعد تخصيص نصف مقاعد البرلمان للمعارضة التي كان يقودها، وتم الانتخاب ليلة 31 يناير (كانون الثاني) 2009 بأغلبية ساحقة، وعين «عمر شرماركي» ( 48عاما) رئيسا للوزراء في 13 من فبراير (شباط) 2009، وحصل الإسلاميون على عدد كبير من الوزارات السيادية في الحكومة الجديدة، ليكون ذلك مرحلة جديدة من النزاع الصومالي الذي تحول إلى نزاع يقود طرفيه الإسلاميون، أو يشكلون أغلبية في الطرفين. وفي أول خطوة سياسية لافتة، قدمت الحكومة الصومالية الجديدة مشروعا لتطبيق قوانين الشريعة الإسلامية في البلاد، الأمر الذي صوت لصالحه البرلمان الصومالي بالإجماع في 18 من أبريل (نيسان) 2009، الأمر الذي فسر بأنه كان محاولة لسحب البساط من الفصائل الإسلامية المعارضة التي كانت تطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية، وللمرة الأولى أصبح تطبيق الشريعة الإسلامية اللافتة التي ترفعها أطراف النزاع في الصومال لكسب الشارع الصومالي الذي يدين جميعه بالإسلام. فبعد شهر فقط من انتخاب الشيخ شريف أعلن في العاصمة وتحديدا في 4 فبراير 2009 عن إنشاء تحالف إسلامي معارض بقيادة الشيخ عمر إيمان، تحت اسم «الحزب الإسلامي». وكان هذا التحالف يتكون من 4 فصائل هي، الجبهة الإسلامية، والمحاكم الإسلامية (جناح أسمرة) وجماعة رأس كمبوني، ومعسكر فاروق عانولي، وكلها تحسب بطريقة أو بأخرى ضمن التيار السلفي المسلح. وبعد عودة الشيخ حسن طاهر أويس (الحليف السابق) للشيخ شريف من المنفي في إريتريا استقال رئيس الحزب، الشيخ عمر إيمان من منصبه وانتخب الشيخ أويس لرئاسة الحزب الإسلامي في 26 مايو (أيار) 2009، وأعلن الشيخ أويس عن توجهات الحزب المتمثلة في المطالبة بانسحاب قوات الاتحاد الأفريقي التي تحمي الحكومة الصومالية ومواصلة الحرب ضد الحكومة وتطبيق الشريعة الإسلامية.

وبعد ذلك دخلت العاصمة في موجة من المواجهات الدامية بين قوات الحكومة التي تساندها قوات الاتحاد الأفريقي من جهة وفصائل المعارضة (حركة الشباب المجاهدين والحزب الإسلامي) من جهة أخرى، وأدت هذه الحرب إلى مصرع بضعة آلاف شخص، وتشريد نحو مليون شخص من سكان العاصمة، الأمر الذي حول أكثر من نصف مقديشو إلى خرائب مهجورة. ويأوي النازحون منها إلى معسكرات للنازحين في أطراف العاصمة البعيدة نسبيا عن مناطق المواجهات، وقد عبر 32 ألف نازح صومالي البحر الأحمر إلى اليمن خلال عام 2009 حسب أرقام المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، ويقدر عدد اللاجئين الصوماليين الذين نزحوا إلى كينيا خلال هذا العام بنحو 100 ألف شخص. ومما زاد من معاناة النازحين في الداخل الذين يعتمد نحو مليونين منهم على المساعدات الغذائية الخارجية بشكل كبير، إغلاق مكاتب عدد كبير من المنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية ومنعها من العمل وخاصة في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، كما تعرض العشرات من موظفي وكالات الغوث للقتل والاختطاف والاعتداءات الأخرى على يد مسلحين مجهولين في مسعى للحصول على الأموال مقابل إطلاق سراحهم، ولا يزال أكثر من 10 من موظفي المنظمات المحليين والأجانب قيد الاختطاف حتى الآن، وتعرض الصحفيون بدورهم للمضايقات من قبل أطراف النزاع في الصومال وقتل 8 صحفيين في حوادث متفرقة خلال عام 2009، فيما هرب عشرات منهم إلى خارج البلاد خوفا على حياتهم. وفي الوقت الذي أصبحت فيه العاصمة مقديشو مسرحا للاشتباكات والمواجهات المتكررة فإن بقية الصومال وخاصة المناطق الجنوبية منها تشهد هدوءا نسبيا، إذ تسيطر على معظمها حركة الشباب المجاهدين، التي وسعت مناطق سيطرتها في الفترة الأخيرة لتشمل 7 محافظات في الجنوب تخضع لها بشكل كامل، و3 محافظات تخضع لها بشكل جزئي  (من أصل 18 محافظة يتكون منها الصومال). وإلى جانب القوات الحكومية فإن قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي كانت هي الأخرى هدفا مباشرا لنيران المقاتلين الإسلاميين من حركة الشباب والحزب الإسلامي، وخسرت القوات الأفريقية خلال العام نحو 80 جنديا من أوغندا وبوروندي، قتل نصفهم قي اشتباكات مباشرة وهجمات انتحارية، ودخلت الولايات المتحدة في هذه الحرب في سياق مطاردتها لقادة تنظيم القاعدة فقتلت الكيني صالح علي صالح نبهان في غارة جوية بجنوب الصومال في 14 سبتمبر (أيلول) 2009، وتتهم واشنطن صالح نبهان بأنه كان وراء التفجيرات التي استهدفت السفارتين الأمريكيتين في نيروبي ودار السلام عام 1998 وتفجيرات مومباسا التي استهدفت فندقا سياحيا يملكه إسرائيليون عام 2004، وكان منذ ذلك الوقت ملاحقا من قبل الاستخبارات الأميركية. وبعد ساعات من مقتل نبهان توعدت حركة الشباب بالانتقام له، وجاء هذا الانتقام على شكل عملية انتحارية استهدفت قاعدة لقوات الاتحاد الأفريقي في مقديشو ومقر شركة أمنية أمريكية في هذه القاعدة، وأسفرت العملية عن مصرع 17 جنديا أفريقيا، من بينهم نائب قائد قوات حفظ السلام الأفريقية في الصومال الجنرال جوفنيال نيونغروسا، وأعلنت حركة الشباب مسؤوليتها عن هذه العملية التي اعتبرت نوعية إلى حد ما من حيث التوقيت، فقد تمت في الوقت الذي كان يجري في المكان اجتماع أمني ضم قيادات قوات الاتحاد الأفريقي والقادة الأمنيين الصوماليين. وكانت الضربة التي وجهها الإسلاميون المعارضون للحكومة الصومالية في مقديشو مصرع 3 من وزراء الحكومة المهمين، وهم وزير التعليم أحمد عبد الله واييل، ووزير التعليم العالي د. إبراهيم حسن عدو، ووزيرة الصحة قمر آدم علي، إضافة إلى عشرات آخرين من الطلبة والصحفيين وأساتذة جامعات في هجوم انتحاري استهدف حفلا لتخريج طلاب كلية الطب بجامعة بنادر أقيم بأحد الفنادق بالعاصمة. ووجهت الحكومة أصابع الاتهام إلى حركة الشباب المجاهدين، لكن المتحدث باسمها نفى تورط الحركة في العملية. ومن التطورات المهمة أيضا، قرار مجلس الأمن فرض عقوبات على إريتريا، بسبب تقديمها السلاح للمعارضة الصومالية التي قادت عمليات دامية في مقديشو ومدن أخرى. وتشمل العقوبات المفروضة على إريتريا بموجب قرار مجلس الأمن رقم 1907 حظرا على استيراد الأسلحة وفرض عقوبات على أفراد وتجميد أرصدة شركات ستحددها لجنة قائمة للعقوبات وسيكون من بينها، على ما يعتقد، شخصيات قيادية في البلاد. وكان هذا القرار يحظى بتأييد الاتحاد الأفريقي ومنظمة إيقاد الأفريقية راعية السلام في الصومال، اللذين طالبا مجلس الأمن في مايو (أيار) الماضي بمعاقبة إريتريا لعرقلتها جهود السلام في الصومال، ورفضها نتائج اتفاق السلام الموقع في جيبوتي في يونيو (حزيران) 2008 بين الحكومة الصومالية والمعارضة.

وكانت أوغندا تصر على هذا القرار أكثر من غيرها؛ لأن المتمردين الذين يقاتلون القوات الأوغندية في مقديشو تدعمهم إريتريا.

ويطالب القرار إريتريا بوقف تسليح وتدريب وتجهيز الجماعات المسلحة، بما في ذلك تنظيم الشباب الذي يسعى لزعزعة استقرار المنطقة. وتتهم إريتريا بإمداد متمردي الفصائل الإسلامية المعارضة بالمال والسلاح في قتالهم للإطاحة بالحكومة الانتقالية، وانتهاك حظر توريد الأسلحة إلى الصومال الذي فرضته الأمم المتحدة عام 1992. وكانت لجنة الأمم المتحدة لتسجيل مخالفات هذا الحظر قد قالت إن إريتريا ترسل ذخائر وتقدم دعما في الإمداد والتموين للمسلحين الإسلاميين في الصومال، ونفت أسمرة هذه الاتهامات بشدة. ورحبت الحكومة الصومالية بقرار مجلس الأمن، باعتباره مطلبا للحكومة الصومالية قبل أن تتبناه منظمة دول الإيقاد والاتحاد الأفريقي. ومن جانبها، انتقدت وزارة الخارجية الإريترية القرار ووصفته بأنه قرار «عار ومعيب»، معتبرة أنه يوم مخجل للمنظمة الدولية أن تنحدر إلى هذا المستوى من العدوان على أسمرة. وقالت إن الاتهامات غير صحيحة، مشيرة إلى الدور الأميركي والأوغندي في تمرير القرار داخل مجلس الأمن رغم معارضة عدد من الدول من بينها ليبيا.

وفي الوقت الذي كانت تجري فيه موجة من العنف الدامي في البر الصومالي، وفي العاصمة تحديدا، كانت هناك معركة أخرى أكثر صخبا، إعلاميا على الأقل، تجري في المياه الصومالية، حيث وصلت حوادث القرصنة إلى ذروتها خلال عام 2009، ووصل عدد حوادث القرصنة في السواحل الصومالية الطويلة والمياه الدولية فيها إلى نحو 180 هجوما، أي بنسبة 200% مقارنة بحوادث العام الماضي 2008، ونجح القراصنة في اختطاف أكثر من 50 سفينة أجنبية ومئات من البحارة الأجانب، وحصدوا مبلغا يتراوح ما بين أربعين إلى خمسين مليون دولار، ولا تزال نحو 15 سفينة أجنبية وبحارتها محتجزين لدى القراصنة الصوماليين حتى الآن. وقد أصبح القراصنة الصوماليون أكثر جرأة من أي وقت مضي خلال عام 2009 حيث نقلوا عملياتهم بعيدا عن الأماكن التقليدية في المياه الصومالية وخليج عدن التي تنتشر فيها قوات بحرية متعددة الجنسيات لمكافحة القرصنة، وتمكن القراصنة الصوماليون من اصطياد السفن في  المثلث المائي بين كينيا وتنزانيا وجزر سيشل. وهناك مخاوف من تصاعد وتيرتها في الفترة المقبلة بسبب مبالغ الفدية الضخمة التي حصل عليها القراصنة في الأشهر الأخيرة مما يشجعهم على مواصلتها.

وعلى الصعيد الميداني فإن إعلان حركة الشباب المجاهدين السيطرة على كامل جنوب الصومال، والذي تزامن مع انقضاء عام 2009، واستعداد أطراف أخرى، قبلية وسياسية، لقلب هذه المعادلة الجديدة، فإن استمرار العنف في الصومال خلال العام الجديد بات أمرا مرجحا. وهناك ثلاثة سيناريوهات مطروحة حاليا في المشهد الصومالي، أولها سيناريو حكومي مدعوم من الاتحاد الأفريقي وهو استعادة العاصمة مقديشو، بالتزامن مع تحريك القوات الحكومية والميليشيات القبلية المتواجدة على الجانب الإثيوبي من الحدود بجنوب غرب البلاد لاستعادة المحافظات الجنوبية الغربية ودفع مقاتلي الشباب إلى التراجع نحو الجنوب الأقصى للصومال المحاذي للحدود الكينية. ويرى السيناريو الثاني، وهو مدعوم من إثيوبيا والولايات المتحدة، وفحواه إنشاء جماعات مسلحة من الطرق الصوفية المعادية للمقاتلين الإسلاميين، وحركة الشباب تحديدا، لضرب معاقل الحركة في وسط وجنوب البلاد، وفي وقت لاحق يكون لهذه الجماعات، في حالة نجاحها، استحقاقات سياسية من قبيل الدخول في التسوية السياسية والمشاركة في السلطة التي يهيمن عليها الإسلاميون المعتدلون حاليا بقيادة الرئيس الحالي شيخ شريف شيخ أحمد. أما السيناريو الثالث فهو أن تعجل حركة الشباب بضرب معاقل القوات الحكومية وقوات الاتحاد الأفريقي في العاصمة مستفيدة من الكثرة العددية لمقاتليها وسيطرتها على كامل جنوب الصومال، وفي هذه الحالة قد تكون النتيجة إسقاط الحكومة الحالية ووضع قوات الاتحاد الأفريقي في مأزق عسكري جديد، وهو ما حذر منه مسؤول رفيع في الاتحاد الأفريقي أخيرا بأنه إذا لم يتم التحرك بشكل جدي فإن النتيجة قد تكون سيطرة حركة الشباب على الصومال وخسارة الاتحاد الأفريقي للمعركة برمتها، وهو أمر، في حالة حدوثه، غير معروف العواقب.