2009 نهاية عقد: الحكومة المصرية: إقالة واستقالة.. بينهما استحداث وزارة

عام الحديث عن التعديل الوزاري

TT

بين إقالة وزير واستقالة آخر واستحداث وزارة جديدة، مر عام 2009 على الحكومة المصرية مليئا بأحداث استثنائية، حيث بدأت السنة مبكرا بإقالة وزير الري السابق الدكتور محمود أبو زيد واستحداث وزارة للأسرة والسكان تولتها السفيرة مشيرة خطاب، وانتهت باستقالة وزير النقل محمد لطفي منصور على خلفية حادث تصادم قطارين قتل وأصاب العشرات. ومع اقتراب العام من نهايته ثارت تكهنات عديدة بتعديل وزاري لم يتم.

ففي صبيحة أحد أيام شهر مارس (آذار) الماضي، تلقى الدكتور أحمد نظيف رئيس مجلس الوزراء المصري استدعاء عاجلا من الرئاسة فذهب مسرعا ليجتمع به الرئيس المصري حسني مبارك، ويُعلن بعد الاجتماع عن تعديل وزاري محدود تم فيه إعفاء الدكتور محمود أبو زيد من منصب وزير الري والموارد المائية، وتعيين الدكتور نصر علام خلفا له، بعد 12 عاما قضاها أبو زيد في منصبه.

ورغم أن التعديل الوزاري صاحبه إعلان رسمي بأن «أبو زيد طلب» إعفاءه من منصبه لظروف صحية، فإن «أبو زيد»، وهو خامس وزير للري في عهد الرئيس مبارك الذي تولي حكم مصر عام 1981، نفى هذه الرواية، مؤكدا أنه لا يعرف أسباب إقالته بهذا الشكل، ورفض الإفصاح عن أي تفاصيل بهذا الخصوص.

وتعد وزارة الري والموارد المائية في مصر من الوزارات التي يمضي الوزير المسؤول عنها فترة طويلة في منصبه، لبُعدها عن الخدمات الجماهيرية، وبالتالي لا تثور حوله المشاكل مثل الوزارات الخدمية الأخرى، كما أن وزير الري عادة ما يتم تغييره في إطار تغيير الحكومة بأكملها وليس في تعديل وزاري محدود.

ورغم مرور نحو تسعة أشهر على خروج وزير الري من منصبه، فإن أسباب هذا الخروج متعددة طبقا لروايات مختلفة، إلا أن المشترك بين تلك الروايات هو أن ملف مياه النيل كان سببا رئيسيا في تلك الإقالة، بعد أن تعثر ملف التفاوض حول مياه نهر النيل وإنجاح الاتفاق الإطاري الجديد مع دول حوض النيل، وعدم القدرة على إقناع إثيوبيا وأوغندا بالمطالب المائية المصرية.

بينما تقول رواية أخرى، وهي الأرجح، أن يكون عدم رد «أبو زيد» على هجوم شنته أوغندا وإثيوبيا على مصر، خلال اجتماعات مجلس وزراء النيل في أوائل مارس (آذار) الماضي، بسبب تقارير مزعومة عن تزويد مصر لإسرائيل بملياري متر مكعب من مياه النيل عبر أراضي سيناء، قد تسبب في غضب الرئيس مبارك فقام بإقالته.

وبالإضافة إلى مشاكل مياه النيل، فقد اتسمت علاقة وزارة الري بوزارة الزراعة، وهما وزارتان وثيقتا الصلة بمشاكل عديدة خاصة فيما يتعلق بالمشاريع الزراعية الجديدة في توشكى (جنوب) وسيناء (شمال) بسبب عدم قيام وزارة الري باستكمال مشروعات إنشاء البنية القومية في هذه المشروعات، وظهر الغضب الرئاسي من هذه المسألة في صورة قرار جمهوري نُقل بموجبه حق التصرف في أراضى مشروعي ترعة السلام بسيناء وتوشكى من إشراف وزارة الري إلى هيئة التنمية الزراعية التابعة لوزارة الزراعة، «للإسراع بتنفيذ برامج الاستصلاح وتقديم تسهيلات للمستثمرين الجادين للتوسع الزراعي في أراضي المشروعين»، بحسب ما قالت مصادر رسمية.

وخلف أبو زيد، الدكتور محمد نصر الدين علام، وهو أستاذ جامعي كان يشغل منصب رئيس قسم الري والهيدروليكا في كلية الهندسة بجامعة القاهرة وأعد دراسات كثيرة عن التحديات في مجال توفير المياه والاستعانة بالشركات الخاصة لتشغيل وصيانة بعض المنشآت الكبرى مثل مشروعات ترعة السلام وتوشكى، بينما تولى «أبو زيد» بعد خروجه من الوزارة رئاسة الاتحاد العربي للمياه.

وأبى عام 2009 أن يمر دون أن يثير أزمة وزارية أخرى إذ استقال المهندس محمد لطفي منصور وزير النقل من منصبه، في أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، عقب حادث تصادم قطارين بمركز العياط بمحافظة الجيزة (جنوب القاهرة)، مما أسفر عن مصرع وإصابة عشرات الأشخاص، ليصبح منصور ثاني وزير للنقل في مصر يستقيل من منصبه خلال سبع سنوات بسبب حوادث قطارات، بعد الدكتور إبراهيم الدميري الذي استقال عام 2002 بسبب حادث احتراق قطار الصعيد الذي أودى بحياة نحو 360 شخصا.

وأرجع منصور استقالته إلى إحساسه بـ«المسؤولية السياسية» عن الحادث، مشيرا إلى أنه عمل على مدى أربعة أعوام، منذ توليه للوزارة عام 2005، في إطار برنامج طموح للحكومة للنهوض بقطاع النقل، وقام خلال هذه الفترة ببذل قصارى جهده بالتعاون مع فريق متميز في تطوير قطاع الموانئ الذي شهد طفرة كبيرة بدأت تؤتي ثمارها، وتطوير قطاع الطرق والكباري لفتح شرايين جديدة بين مدن ومحافظات وقرى مصر وكذلك تطوير قطاع النقل النهري كمجال جديد وواعد. ويعد منصور من الوزراء المنتمين إلى طبقة رجال الأعمال، إذ يملك وأسرته مجموعة من التوكيلات التجارية العالمية في مجال السيارات والنقل، وهو محسوب على جمال مبارك، نجل الرئيس المصري، الأمين العام المساعد، أمين السياسات بالحزب الوطني الديمقراطي (الحاكم).

وكثيرا ما تعرض منصور لانتقادات من المعارضة المصرية بسبب انتمائه لما تسميه المعارضة «طبقة الوزراء رجال الأعمال»، وتقصد بهذا المسمى رجال الأعمال الذين تم توزيرهم، ومنهم منصور.

ويعد قطاع السكك الحديدية من أكثر المرافق التي تحتاج إلى تطوير في مصر، وتتكرر حوادث القطارات بصور مختلفة كل فترة وتخلف عددا من الضحايا. ومنذ استقالة وزير النقل في أواخر شهر أكتوبر الماضي ظل منصبه شاغرا، ويشرف عليه بشكل مؤقت وزير الكهرباء الدكتور حسن يونس لحين تعيين وزير جديد.

وفي 2009 دخلت السفيرة مشيرة خطاب الأمين العام للمجلس القومي للأمومة والطفولة، إلى الحكومة، بتوليها منصب وزيرة الدولة للأسرة والسكان، بعد فصل هذا التخصص عن وزارة الصحة، ليتفرغ وزيرها الدكتور حاتم الجبلي لمكافحة إنفلونزا الطيور وإنفلونزا الخنازير.

وبرر الدكتور أحمد نظيف رئيس مجلس الوزراء المصري استحداث وزارة الأسرة والسكان بأنها تهدف لزيادة الاهتمام بالبعد الاجتماعي في عمل الحكومة خلال الفترة القادمة مؤكدا أهمية موضوع السكان وضرورة العمل على تنظيم الأسرة وعلى وضع السكان بشكل عام. وفور تأسيسها ضمت الوزارة الجديدة تحت لوائها المجلس القومي للسكان، والمجلس القومي للطفولة والأمومة، والمجلس القومي لعلاج الإدمان، بعد أن كانت تلك المجالس تتبع مجلس الوزراء مباشرة، ورُصدت لها ميزانية قدرها 57 مليون جنيه في عامها الأول. ومنذ توليها منصبها، ركزت مشيرة خطاب على شعار «طفلان لكل أسرة» للارتقاء بالخصائص السكانية ومعالجة قضايا مثل عمالة الأطفال ومكافحة المخدرات. ومن أهم المشاريع التي اهتمت بها الوزارة الجديدة منذ تأسيسها مشروع أفقر ألف قرية، حيث بدأت الوزارة بتشجيع الأسر الفقيرة على احتضان أطفالها وتعليمهم وتشجيعهم على التخلي عن الظواهر السلبية، ومنها عمالة الأطفال وأطفال الشوارع، وأهمية توعية المقبلين على الزواج بالقضية السكانية، ووضع معايير لضمان عدالة التوزيع ووصول الخدمات والتسهيلات إلى الأسر المستحقة. ونظمت الوزارة خلال العام المنصرم عدة حملات لمكافحة التدخين والمخدرات، وللتوعية بأمراض الإيدز، والسل، وتنظيم الأسرة. وفي الأيام الأخيرة من عام 2009 عادت التكهنات عن تعديل وزاري وشيك، قد يكون موسعا، وقد يكون محدودا.