2009 نهاية عقد: ثقافة العرب: ازدهار الرواية.. انقسامات الوسط الثقافي.. وبهرجة مهرجانات وخسارة اليونسكو

خالد الفيصل يدعو إلى عقد قمة ثقافية عربية.. وخوجة من الدبلوماسية للثقافة .. والروائيون السعوديون يقتحمون «البوكر»

د. عبد العزيز خوجة من الدبلوماسية إلى الثقافة والإعلام (أ.ب)
TT

أبرز ما شهدته الساحة الثقافية السعودية لعام 2009 كان تعيين الوزير الأديب والشاعر الدكتور عبد العزيز بن محيي الدين خوجه وزيرا للثقافة والإعلام، خلفا للدكتور إياد بن أمين مدني. في 14 فبراير (شباط) 2009. والوزير خوجه الذي عمل في الحقل الدبلوماسي سفيرا لبلاده لدى عدد من الدول بينها: تركيا 1986 - 1992، وروسيا الاتحادية 1992 - 1996، والمغرب 1996 – 2004، ولبنان 2004 – 2009، يعرفه المثقفون السعوديون كأديب وكشاعر وكمسؤول في الحقل الإعلامي؛ حيث تولى منصب وكيل وزارة الإعلام للشؤون الإعلامية وقام بأعمال مدير عام جهاز تلفزيون الخليج، وترأس عدة مجالس، منها المجلس التنفيذي لمنظمة إذاعات الدول الإسلامية والمجلس التنفيذي لوكالة الأنباء الإسلامية.

ولفت خوجه الأنظار بافتتاحه صفحة للتواصل مع المثقفين والجمهور من خلال موقع التواصل الاجتماعي العالمي «فيس بوك».

بالإضافة إلى ذلك، كان النشاط الثقافي المؤسساتي بارزا، فقد أقيم عدد من المهرجانات، بعضها للمرة الأولى، مثل مؤتمر الناشرين العرب الأول، بينما أقيمت مهرجانات مهمة مثل مؤتمر الأدباء السعوديين نهاية العام. وعلى صعيد الاهتمام بالثقافة، فقد اتجهت وزارة الثقافة والإعلام السعودية لتوفير مساحة للنشاط الثقافي عبر أجهزة الإعلام وأعلنت الوزارة عن برنامج ثقافي يعرضه التلفزيون المحلي باسم «رواد سعوديون» يسلط الضوء على السير الذاتية لأشهر الأدباء والمفكرين والشعراء السعوديين خلال الـ100 عام الماضية.

وختمت الوزارة العام بإعلانها إطلاق قناة تلفزيونية فضائية تهتم بالثقافة، ضمن باقة من أربع قنوات متخصصة في القرآن الكريم، والسنة النبوية، والثقافة، والاقتصاد.

* قمة ثقافية عربية

* بيد أن المراقبين توقفوا أمام دعوة الأمير خالد الفيصل رئيس «مؤسسة الفكر العربي» إلى عقد قمة ثقافية عربية عبر خطاب أرسله إلى عمرو موسى أمين عام جامعة الدول العربية في ختام مؤتمر «حركة التأليف والنشر.. كتاب يصدر.. أمة تتقدم»، الذي نظمته مؤسسة الفكر العربي في بيروت يومي 1 و2 أكتوبر (تشرين الأول) 2009، وجاء فيه: «أجمع المؤتمرون على إنابتي لأنقل لكم رسالة المؤتمر ونداءه الأول من نوعه بأن تقوم جامعة الدول العربية بالدعوة إلى عقد قمة ثقافية تحت رعايتها على غرار القمة الاقتصادية التي عُقدت في الكويت أخيرا، علما بأن الأزمة الثقافية ليست أقل خطورة على المجتمع العربي وإن اختلفت مظاهرها وتباينت أثارها وانعكاساتها. ولكي تتضح أبعاد وأهمية المواجهة؛ فيمكن أن ينعقد في رحاب الجامعة العربية (فريق عمل) يضم البارزين المعنيين من المثقفين العرب، وإصدار ورقة عمل للقمة المقترحة». وكان الأمير خالد الفيصل أعلن عن إطلاق جائزة قيمتها مائة ألف دولار أميركي لأفضل كتاب عربي وذلك في ختام فعاليات مؤتمر «حركة التأليف والنشر في العالم العربي».

* الجنادرية 24

* في 4 مارس (آذار) 2009 أقيم في الرياض المهرجان الوطني الرابع والعشرين للتراث والثقافة (الجنادرية) الذي ينظمه الحرس الوطني سنويا، بحضور عدد من الشخصيات السياسية والفكرية والإعلامية العربية والخليجية والسعودية. وحمل المحور الثقافي عنوان «الإسلام وحوار الثقافات»، كما تم تخصيص عدد من الندوات الفكرية لمناقشة القضية الفلسطينية. وحلت روسيا الاتحادية كضيف شرف في «جنادرية 24».

* معرض الرياض الدولي للكتاب

* معرض الرياض الدولي للكتاب الذي أقيم خلال الفترة من 3 - 13 مارس (آذار) 2009 مثل البداية الأولى لإدارة وزير الثقافة والإعلام الجديد، الذي تسلم مهام منصبه قبل أيام من بدء المعرض، واعتبر المثقفون السعوديون حجم التفاوت في أداء المعرض بالمقارنة مع سابقه من حيث الفعاليات المصاحبة بأنه اختبار لرغبة الوزير الجديد في الحد من المساحة المتاحة للسجالات الثقافية. وكان معرض الكتاب في الرياض شهد قبل ذلك مقاربات فكرية وثقافية أحدثت ضجة في الأوساط الثقافية واعتبرت بداية قوية للفعاليات المصاحبة على هامش المعرض. لكن معرض عام 2009 قلل من المساحة المتاحة للأنشطة الثقافية. شارك في المعرض الذي استمر 11 يوما 650 دار نشر عربية وعالمية من 27 دولة، عرضوا 350 ألف عنوان.

* مهرجان سوق عكاظ

* تميز مهرجان سوق عكاظ هذا العام، الذي أقيم منتصف يوليو (تموز) الماضي وجرى إحياؤه في المكان التاريخي لسوق عكاظ القديم في الطائف منذ عامين، بالنشاط المسرحي، وافتتح المهرجان بعرض مسرحية «امرؤ القيس»، حيث عرضت المسرحية بجانب صخرة «السرايا» التاريخية من بطولة الفنان عبد المحسن النمر الذي مثل دور ملك «كندة»، والفنان عبد الله عسيري الذي تقمص دور كاهن كندة، والفنان إبراهيم الحساوي مربّي امرؤ القيس، ومن إخراج الدكتور حسين المسلم.

* مؤتمر الناشرين العرب الأول

* شهدت الرياض خلال الفترة من 6 - 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2009 إقامة مؤتمر الناشرين العرب الأول تحت عنوان «مستقبل صناعة النشر في العالم العربي». وكان المؤتمر حدثا مهما في سياق البحث عن مستقبل النشر العربي. وأضاف المؤتمر دفعا قويا في سياق التغلب على المعضلات التي تواجه النشر باعتباره وسيلة للمعرفة، وأهمها مأسسة الصناعة المتعلقة بالنشر وتنظيمها ووضع حماية لها ضد القرصنة، وكذلك دفع الأطراف جميعها لرعاية حقوق القارئ في الحصول على الكتاب بتكاليف قليلة، ومنع التعدي على حقوقه في المعرفة. المؤتمر ناقش من خلال 29 ورقة عمل وزعت على 10 محاور أساسية، بحث فيها 39 متخصصا جملة من القضايا التي تهتم بمستقبل صناعة النشر في العالم العربي من بينها، حرية النشر، وأهمية النشر، وحرية تداول المعلومات والعلوم والمعارف، وانتقال الكتب بلا حدود. وأوصى المؤتمر في ختام جلساته بإلغاء الرقابة، وإزالة العقبات من أمام انتقال الكتاب.

* حضور مميز في «جائزة البوكر»

* خلال عام 2009، تمكن الأدباء السعوديون من دخول الترشيحات لجائزة «بوكر» العالمية، وهي جائزة ثقافية أُطلقت في أبوظبي في الإمارات العربية المتحدة، في نيسان (أبريل) 2007، بالتعاون مع جائزة «البوكر» البريطانية، وبدعم من مؤسسة الإمارات، واختارت لجنة تحكيم جائزة «البوكر العربية» 16 رواية عربية من بين 115 رواية مقدمة من 17 دولة عربية على أن يجرى اختيار ست منها فقط في القائمة الأخيرة للجائزة.

وكانت الروايات السعودية الثلاث هي: «الورافة» لأميمة الخميس، و«شارع العطايف» لعبد الله بن بخيت، و«ترمي بشرر» لعبده خال. لكن رواية عبده خال «ترمي بشرر» اختيرت في اللائحة القصيرة خلال مؤتمر صحافي عقد على هامش معرض بيروت الدولي للكتاب يوم الثلاثاء 15 ديسمبر (كانون الأول) 2009، وضمت اللائحة أسماء: جمال ناجي، وربعي المدهون، وربيع جابر، وعبده خال، ومحمد المنسي قنديل، ومنصورة عز الدين.

ومن المقرر أن تعلن هوية الفائز بالجائزة النهائية خلال حفل رسمي في أبوظبي، مساء الثلاثاء 2 مارس (آذار) 2010، وهو اليوم الأول من «معرض أبوظبي الدولي للكتاب».‏ ورواية «ترمي بشرر» للروائي عبده خال، صدرت في بيروت 2009 عن «دار الجمل»، وهي إحدى أبرز روايات الأديب السعودي.

ويعكس دخول الأعمال الرواية لقائمة الترشيحات لجائزة «البوكر»، مرحلة النضج الذي تمر به الرواية السعودية، على الرغم من أن رواية خال وحدها تأهلت للمرحلة النهائية، وهو يأتي كإشارة لقدرة الرواية السعودية على لفت الأنظار عربيا.

* مؤتمر الأدباء السعوديين الثالث

* تحت شعار «الأدب السعودي: قضايا وتيارات» انطلق مؤتمر الأدباء السعوديين الثالث خلال الفترة من 14 - 17 ديسمبر (كانون الأول) بمدينة الرياض، وتم صدور الموافقة على طلب الوزارة بتنظيم جميع الدورات القادمة لمؤتمر الأدباء السعوديين كل سنتين في مدن مختلفة بالمملكة.

وصاحب المؤتمر الذي اختلف السعوديون في تقييمه، معرضا للكتاب تضمن جناحين؛ الأول يختص بالأندية الأدبية، والثاني بالأدباء السعوديين، واشتمل المؤتمر على 16 جلسة عمل احتوت كل جلسة على ثلاثة محاور، إضافة إلى إقامة أمسية شعرية بعنوان «الوطن في عيون الشعراء».

واختارت اللجنة العلمية للمؤتمر 50 بحثا من أصل 86 بحثا، كما تم تكريم 11 أديبا سعوديا على هامش المؤتمر، واختارتهم اللجنة بناء على إصدارهم كتب في الأدب السعودي. بينما قامت الوزارة بطباعة 7 كتب، خمسة منها لأديبات سعوديات.

* الكويت: استقالات جماعية في رابطة الأدباء الكويتية

* ربما تشكلت الاستقالة الرباعية المفاجئة لأعضاء مجلس إدارة رابطة الأدباء الكويتية الحدث الأبرز على الساحة الثقافية هناك، فالاستقالة جاءت قبل إتمام المجلس مدته بسبب ما قيل عن خلافات بين الأعضاء حول لجنة تشكلت في مجلس الإدارة اسمها لجنة الحريات اعتبر بعضهم أن أعمالها تمثل تدخلا في شؤون الآخرين خاصة الدول الأخرى. مراقبون اعتبروا أن الخلاف بشأن لجنة الحريات مثل الواجهة الأبرز لمجلس لا يوجد انسجام بين أعضائه.

بدأ المجلس الحالي أعماله منذ مارس (آذار) 2009 واستمر مدة ستة أشهر، ويضم في عضويته، الدكتور خالد عبد اللطيف رمضان الأمين العام، وليلى عبد الله العثمان أمين السر، وعقيل يوسف عيدان أمين الصندوق، وعضوية ميس خالد العثمان، استبرق أحمد الفرج، وصلاح دبشة الماجدي، وحميدي حمود المطيري. أما الأعضاء المستقيلون فهم الدكتور خالد عبد اللطيف رمضان، وعقيل يوسف عيدان، وميس العثمان.

الكويت شهدت حراكا ثقافيا خلال العام، ففي السابع من ديسمبر (كانون الأول) انطلقت أنشطة الدورة الحادية عشرة لمهرجان الكويت المسرحي، وتضمن المهرجان عددا من الأنشطة، منها تكريم الرواد وهم الفنانون جاسم الصالح، وخليل زينل، ونادر القنة، وعبد الرحمن الصالح، وعبد العزيز السريع، وعواطف البدر، كما تضمن إقامة الندوات، واستضافة عروض مسرحية محلية. وكانت الكويت قد استضافت في أبريل (نيسان) أعمال الدورة العاشرة لمهرجان المسرح الخليجي.وفي نهاية العام شهدت الكويت إقامة مؤتمر الفكر العربي الثامن (فكر 8) الذي أقيم تحت عنوان «التكامل الاقتصادي». سبق انعقاد المؤتمر إطلاق الأمير خالد الفيصل رئيس مؤسسة الفكر العربي «التقرير العربي للتنمية الثقافية»، الذي يقدم معلومات علمية ومعلومات دقيقة تفيد أصحاب القرار والأكاديميين والمثقفين والمواطنين العرب عموما، بحسب الأمير خالد الفيصل. وهذا هو التقرير الثاني للمؤسسة .

* الإمارات: زخم مهرجانات سينمائية

* اختتم مهرجان دبي السينمائي الدولي في دورته السادسة في 12/12/2009، وأعلن مجموعة من جوائزه، بينها جوائز المهر العربي، والمهر الآسيوي الأفريقي، وتضمنت الدورة السادسة للمهرجان أكثر من 40 فيلما في عروضها العالمية والدولية الأولى (29 عرضا عالميا أولا، 13 عرضا دوليا أولا)، وكان فيلم الافتتاح هو فيلم «تسعة» من إخراج روب مارشال، في حين اختتم المهرجان بفيلم «أفاتار»، للمخرج جيمس كاميرون.

وشهدت الدورة السادسة نحو 70 ندوة وورشة عمل، بينها ورشة التدريب الاحترافي لكتاب السيناريو العرب، وورشة التدريب الاحترافي للمنتجين السينمائيين العرب، كذلك شملت انعقاد «ملتقى دبي السينمائي»، الذي يضم مشروعات وأفكارا لـ15 مخرجا عربيا، ومن الفعاليات إقامة «سوق الفيلم»، الذي يجمع المخرجين بالموزعين والمنتجين، واستقطب السوق أكثر من 2963 مشاهدا، وأوضح أن السوق أتاحت للمشاركين فيه 205 بوابات رقمية للإطلاع على أحدث الأفلام المستقلة، عربية كانت أو من أفريقيا وآسيا. وبلغ عدد الأفلام التي وفرتها السوق هذا العام 323 فيلما. ورتبت صالة السوق هذا العام أكثر من 73 اجتماعا بين صناع أفلام وموزعين ومشترين، وساهمت في إنجاز 60 استبيانا ودراسة استقصائية.

في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي أقيم في أبوظبي «مهرجان الشرق الأوسط السينمائي الدولي» الذي تنظمه هيئة أبوظبي للثقافة والتراث، وشارك في المهرجان في دورته الأخيرة أفلام من 80 دولة واختارت الفيلم المصري «المسافر» للفنان العالمي عمر الشريف ليكون عرض ليلة الافتتاح. وكانت الدورة السابقة هي الثالثة في عمر المهرجان الذي تنظمه هيئة أبوظبي للثقافة والتراث في أكتوبر من كل عام في مدينة أبوظبي.

في 11 نوفمبر (تشرين الثاني) 2009 افتتح الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة فعاليات الدورة الـ28 لمعرض الشارقة الدولي للكتاب الذي أقيم تحت شعار «في حب الكلمة المقروءة».

* البحرين: 34 فعالية ثقافية

* الحدث الثقافي الأبرز في البحرين، كان مهرجان «ربيع الثقافة 2009» في دورته الرابعة في الأول من مارس (آذار) الماضي واستمر حتى 17 أبريل (نيسان). وهو المهرجان الذي لم يحدث الكثير من الصخب في دورته السابقة أسوة بالدورة التي سبقتها. وينظم المهرجان مجلس التنمية الاقتصادية بالاشتراك مع مركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث وقطاع الثقافة والتراث الوطني، بالإضافة إلى صالة الرواق للفنون ومركز لافونتين للفن المعاصر، وصالة دار البارح، وجمعية البحرين للفنون التشكيلية. واشتمل المهرجان على 34 فعالية، ركز في دورته لهذا العام على الموسيقى والغناء بالإضافة إلى تقديمه عروض المسرح والفنون البصرية والاستعراضية العالمية والإقليمية والمحلية، بالإضافة إلى الشعر والأدب وندوات الحوار والمحاضرات وورش العمل والصحافة ومعارض الفنون التشكيلية والنحت.

* قطر: مهرجان سينمائي دولي

* في الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) 2009 نظمت في الدوحة وعلى مدى أربعة أيام فعاليات «مهرجان الدوحة ترايبيكا السينمائي الدولي» الذي ينظم لأول مرة في دولة عربية، وأقيم حفل الافتتاح الكبير في ساحة المتحف الإسلامي في الهواء الطلق بحضور عدد كبير من أشهر نجوم السينما العربية والعالمية.

* مصر: صعود الثقافة البديلة

* طغت معركة اليونسكو التي خاضها وزير الثقافة فاروق حسني، وخسرها في الشوط الأخير بفارق 5 أصوات عن غريمته البلغارية إيرينا بوكوفا على مجريات المشهد الثقافي المصري خلال عام 2009. فقد احتلت هذه المعركة منذ بدايتها وحتى النهاية مساحة كبيرة من نقاشات الجماعة الثقافية، ما بين مؤيد لحسني ومعارض له. ولم تفلح في لم شمل هذا الانقسام دعوة فاروق حسني بعد أيام من مرارة الخسارة إلى مؤتمر عام للمثقفين، تأجل موعده أكثر من مرة، ورُحِّل إلى يناير (كانون الثاني) المقبل، وكذلك إعلانه عن تطبيق برنامجه الذي خاض به معركة اليونسكو في وزارة الثقافة. وبعيدا عن غبار هذه المعركة، شهد المشهد الثقافي المصري نموا ملحوظا لفكرة البحث عن ثقافة بديلة خارج أسوار المؤسسة الرسمية، تحفظ للفعل الثقافي نوعا من الاستقلالية، ومساحة أعرض من الحركة وحرية الحوار، وأيضا المشاركة بفعالية وندية في صناعة الشأن الثقافي الذي تهيمن عليه المؤسسة الرسمية المحكومة بمنظومة من اللوائح والقوانين التقليدية. ومن أبرز الأنشطة التي تصب في خانة هذه الثقافة البديلة التحضير لـ«الملتقى الثاني لقصيدة النثر في مصر» والمقرر انعقاده في مارس (آذار) المقبل. ويسعى منظمو الملتقى إلى تلافي بعض سلبيات الملتقى في مشهده الأول من الشعراء، وإكساب الدورة الجديدة للملتقى مسحة عربية من خلال زيادة عدد المشاركين من خارج مصر. وكانت دورة الملتقى الأولى ردا عمليا على مهرجان الشعر الرسمي الذي نظمته لجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة في مارس من العام الماضي، تحت عنوان «ملتقى القاهرة للشعر العربي»، واستطاع «ملتقى قصيدة النثر» أن يسحب البساط من تحت أقدامه، وحظي بنجاح جماهيري لافت، وبتقدير عدد كبير من النقاد والشعراء المصريين والعرب. كما يعزز هذا النمو لتيار الثقافة البديلة بروز عدد من دور النشر الخاصة، استطاعت أن تكسر احتكار الماكينة الرسمية لعملية الطباعة والنشر وسوق التوزيع والدعاية للمنتج الثقافي. الأمر نفسه ينطبق على حركة الفنون التشكيلية التي بدأت تلفت الأنظار إلى منجزها البصري والجمالي، من خلال عدد من قاعات العرض الخاصة، أصبح غالبية التشكيليين على اختلاف مشاربهم وأجيالهم الفنية يفضلون إقامة معارضهم فيها، هربا من نمطية وسكونية القاعات الرسمية.. ومن أبرز معارض هذا العام معرضا «العبور» لأحمد نوار، و«أضواء المدينة» لمحمد عبلة.

وعلى الرغم من معوقات جمة تواجه صعود هذا التيار البديل، وعدم انضوائه تحت مظلة، أو هيئة أو مؤسسة، أو حتى جمعية خاصة، تلم شتاته، وتعلي من شأن المشترك بين مشاربه الإبداعية، سواء في الشعر والرواية والفن التشكيلي والنقد؛ فإن الرهان الحقيقي يظل على الرغبة في التغيير ودفع قيم التجريب والتخطي والمغامرة، وهي هموم أساسية برزت نتاجاتها بقوة في عدد من العناوين والإصدارات التي تصدرت لافتة الكتب الأكثر مبيعا في سوق النشر، ومن أهمها راوية «سفينة نوح» لخالد الخميسي، ورواية «عزازيل» ليوسف زيان الفائز بجائزة البوكر العربية في دورتها الثانية هذا العام، والمجموعة القصصية «ما فعله العيان بالميت» لبلال فضل.

وعلى صعيد العمل الثقافي العام تأتي مكتبة الإسكندرية في صدارة المشهد، حيث بلغ فهرسها حاليا 650 ألف كتاب، ومن المتوقع خلال عام 2010 أن يصل عدد الكتب إلى مليون ونصف المليون كتاب. واستطاعت المكتبة إتاحة أكبر مكتبة رقمية عربية على الإنترنت على موقعها (dar.bibalex.org) الذي يضم أكثر من 120 ألف كتاب يستطيع أي قارئ أن يتصفحها في منزله. كما فازت «مكتبة النشء» بالمكتبة بالجائزة الأولى في مسابقة «سيبر فير» الدولية، وفي مايو (أيار) من هذا العام شاركت المكتبة في الاجتماع الخامس لرابطة المراكز العلمية بشمال أفريقيا والشرق الأوسط، واستضافت المكتبة العالم أحمد زويل الحائز على نوبل، والعالم البارز د. مصطفى السيد، وفينت سيرف وروبرت كان مخترعي الإنترنت، وإرينا بوكوفا المديرة الجديدة لليونسكو. ونظمت مؤتمرا ثقافيا لافتا ناقش «آليات الرقابة وحرية التعبير في الوطن العربي». كما شاركت المكتبة في أبريل (نيسان) الماضي مع اليونسكو في إطلاق أكبر مكتبة رقمية عالمية تبث بسبع لغات؛ منها اللغة العربية. واحتضنت أول مهرجان لموسيقى الشعوب بمشاركة 6 دول أورومتوسطية، بالإضافة لعدد من الفعاليات الثقافية والفنية المتميزة. وعلى الرغم من أعبائها الكثيرة في تفعيل الحياة الثقافية في أقاليم مصر، نجحت الهيئة العامة للثقافة الجماهيرية في تنظيم أول مؤتمر للشعر المصري، عقد بالإسكندرية في الفترة من 18 إلى 21 من ديسمبر (كانون أول) الحالي، وناقش المؤتمر المشهد الشعري المصري، بين المعرفي والجمالي، وتداخل الأنواع الأدبية، كما ناقش مرجعياته ورؤاه، في حلقات بحث وموائد مستديرة، وأقيمت على هامشه مجموعة من الأمسيات الشعرية. رأس المؤتمر الناقد الدكتور عبد المنعم تليمة، ومن أبرز نجاحاته لم شمل الشعراء على طاولة الحوار، وهو ما تفتقده بشدة الحياة الثقافة المصرية، خاصة في العقود الأخيرة.

وفي سياق البؤر الثقافية الخاصة، تمثل «ساقية الصاوي» الثقافية عصبا مهما، في دفع عجلة الثقافة الشعبية، وتقديمها للجمهور عبر أنشطة وفعاليات فنية وأدبية متميزة، تقدم على مدار العام، بالإضافة إلى عقد ورش فنية وأدبية، للتدريب واكتساب المهارات، في مجال الفن التشكيلي، وفنون السينما والمسرح، ولقاءات مع الكتاب والمبدعين والفنانين.

كما برز في مشهد هذا العام نشاطات متميزة لدار الكتب والوثائق المصرية، كان أبرزها مشروع لحماية 100 مليون وثيقة من التلف، ويستهدف المشروع الذي دخل حيز التنفيذ بالدار، الرجوع للصور الرقمية بدلا من الأصول.

وودعت الحياة الثقافية في مصر خلال هذا العام عددا من كتابها وشعرائها المرموقين، بعد معاناة شديدة مع المرض، وإخفاق المطالبة بسرعة علاجهم على نفقة الدولة سواء في البلاد أو خارجها، ومنهم الروائي يوسف أبو رية، والشاعران وليد منير، ومحمد صالح. ويبقى أن هذا الوداع المؤلم لهؤلاء المبدعين وهم في شباب عمرهم الأدبي يفتح ملفا شائكا وكارثيا، حول كيفية علاج الأدباء والشعراء وغيرهما من المبدعين خاصة مع تدني مشروع العلاج وتعثره في اتحاد كتاب مصر الذي يشرف بعضويتهم. المغرب: وزير جديد للثقافة وخلافات اتحاد كتاب المغرب أبرز حدثين تميز المشهد الثقافي المغربي خلال سنة 2009 بمجموعة من المحطات البارزة، جعلته يصبح في واجهة الأحداث واهتمام الفاعلين الإعلاميين، بعد أن كان في منأى عن الأحداث المغربية عامة، كما شهدت هذه السنة العديد من الإصدارات الجديدة في الأصناف الأدبية كافة.

وأهم حدث تميزت به هذه السنة، هو تعيين العاهل المغربي الملك محمد السادس للأديب والمفكر بنسالم حميش، وزيرا للثقافة، في إطار تعديل حكومي جزئي عرفته حكومة الاستقلالي عباس الفاسي، خلفا للممثلة المسرحية ثريا جبران، التي حالت ظروف صحية دون استمرارها في منصبها.

وإلى جانب تعيين حميش وزيرا للثقافة، توج المغرب في المجال الثقافي، بجائزتين لهما وزنهما في الساحة الأدبية العربية، الأولى «جائزة نجيب محفوظ للكاتب العربي» التي يمنحها اتحاد كتاب مصر سنويا لكاتب عربي من خارج مصر على مجمل إنجازه الإبداعي والفكري، حيث حصل عليها بنسالم حميش، وزير الثقافة المغربي «تقديرا لما قدمه في الإبداع الشعري والروائي والبحث والفلسفة والتاريخ». وتضاف هذه الجائزة، إلى عدة جوائز أخرى توج بها حميش في السابق منها جائزة مجلة «الناقد» اللندنية سنة 1990 المتوقفة عن روايته «مجنون الحكم»، ورواية «العلامة» عن رائد علم الاجتماع عبد الرحمن بن خلدون التي نال عنها جائزة نجيب محفوظ التي تمنحها الجامعة الأميركية بالقاهرة عام 2002. كما توج الروائي المغربي عبد اللطيف اللعبي بجائزة «الغونكور» الفرنسية للشعر لهذه السنة، ليصبح المغربي الثاني الذي تمنح له هذه الجائزة بعد الروائي المغربي الطاهر بنجلون سنة 1987.

وحسب أكاديمية الجائزة فإن الشاعر الروائي المغربي فاز بهذا التقدير الأدبي الكبير عن مجموع أعماله، وأن هذه الجائزة ستسلم له خلال حفل ينظم يوم 12 يناير (كانون الثاني) من العام المقبل في باريس.

وعلى الرغم من هذه البشائر التي عرفتها الثقافة المغربية خلال هذه السنة، فإن حدثا وحدا عكر صفو مسار الثقافة في المغرب، كان بطله اتحاد كتاب المغرب، لتعد هذه السنة جد استثنائية بالنسبة له، إذ عاش انقسامات وخلافات كبيرة، لم تشهدها المنظمة الثقافية منذ تأسيسها، وذلك بعد أن أصدر خمسة أعضاء من المكتب التنفيذي للاتحاد، وهم عبد الرحيم العلام وسعيد عاهد ومصطفى النحال وهشام العلوي وحسن البحراوي بيانا يوم 24 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي يعلنون فيه عن إقالة عبد الحميد عقار من رئاسة اتحاد كتاب المغرب، بعد أن حملوه مسؤولية الجمود الذي عرفته المنظمة الثقافية في عهده.

رد فعل الرئيس المقال كان سريعا، إذ طعن في شرعية هذه الإقالة وتمسك برئاسته لاتحاد كتاب المغرب، وبعد هذه الإقالة عقد الأعضاء الخمسة اجتماعا، قرروا فيه نهج التسيير الجماعي لاتحاد كتاب المغرب، وإحالة جميع اختصاصات الرئيس المقال إلى نائب الرئيس عبد الرحيم العلام، إلى حين عقد مؤتمر لانتخاب رئيس جديد للاتحاد.

إلى جانب هذه الأحداث الثقافية، شهدت الساحة الأدبية خلال هذه السنة العديد من الإصدارات شملت كل الأجناس الأدبية، وذلك تحت إشراف وزارة الثقافة.

وهكذا، ففي مجال الأعمال الكاملة، صدر للروائي المغربي مبارك ربيع الجزء الأول والثاني من أعماله الكاملة في صنف الرواية، وفي صنف المسرح صدر لعبد الكريم برشيد الجزء الأول من الأعمال الكاملة من «المسرحيات»، أما في صنف الشعر فصدر مؤلفان، الأول «الأعمال الشعرية الكاملة» للشاعرة مليكة العاصمي، والجزء الأول من «الأعمال الشعرية الكاملة» للشاعر إدريس الملياني.

أما في الترجمة، فصدر كتاب «مولاي العربي التهامي الوزاني، فيض النيل في آداب الفروسية والمعرفة بأوصاف الخيل»، من تقديم وتحقيق وتعليق الدكتور حميد لحمر والأستاذ حسن هرنان، وكتاب «المسرح والحداثة» لحسن اليوسفي، وكتاب «العقل.. قاطع الطريق في صداقة الفلسفة.. في نقد الحرية» لرشيد بوطيب.

وفي «سلسلة إبداع»، تنوعت الإصدارات، بين مجموعة قصصية لحسن البقالي تحت عنوان «قتل القطط»، ورواية «زاوية العميان» لحسن رياض، ودواوين شعرية، وهي «هشاشة القصب» لسعيد سمعلي، و«بنصف معنى فقط» لعبد الحميد الجماهري، و«برقة العابر» لزهرة المنصوري، مع نص مسرحي لمحمد قاوتي يحمل عنوان «نومانس لاند».

أما في «سلسلة الكتاب الأول»، فنجد كتابين في المجموعة القصصية، الأول يحمل اسم «مراتب الغربة» لمختار الزياني، و«لعبة الذباب» لهشام محمد العلوي، وفي الشعر صدر «صباح الخير أيتها المرارة» لعبد الرحمان الحمومي، و«الخروج من السلالة» لعبد المنعم الشنتوف، و«الموت بكل خفة» ليونس الحيول، و«يد تدفع خاصرة الريح» لعبد السلام خي، ثم «بالصدفة، نثر الفصول» لإحساين بنزبير، هذا إلى جانب إصدار وحيد في الزجل لعبد الكبير فلاح يحمل اسم «حروف الريح».

أما سلسلة «ندوات» فعرفت إصدارا وحيدا هذه السنة يحمل عنوان «تحولات النقد الأدبي المعاصر بالمغرب»، من تنسيق سعيد يقطين، أما الببليوغرافيا فعرفت أيضا إصدارا وحيدا يحمل عنوان «الأدب المغربي المعاصر» لمحمد يحيى القاسمي، بالإضافة إلى عدد واحد من مجلة الثقافة المغربية التي تعالج ملف «الآيديولوجيا العربية المعاصرة».

ونظمت وزارة الثقافة بتعاون مع مكتب معارض الدار البيضاء، الدورة الخامسة عشرة للمعرض الدولي للنشر والكتاب الذي امتد من 13 إلى 22 فبراير (شباط) الماضي، وكان الضيف الشرفي لهذه الدورة التي نظمت حول شعار «في مملكة الكتاب»، دولة السنغال، وشهد هذا المعرض مشاركة أكثر من 500 عارض من المغرب والعالم العربي وأفريقيا ودول غربية، إضافة إلى أكثر من 100 ناشر من مختلف هذه البلدان.

* لبنان: معارك كثيرة لكسب مغانم أو تصفية حسابات

* نادرا ما توافر للثقافة في لبنان التمويل والدلال اللذان تمتعت بهما طوال العام المنصرم. فلبنان بلد المبادرات الفردية، والفنانون كما الكتاب، تعودوا غيابا مزمنا للتمويلات الرسمية، وغالبا ما يعتمدون على سواعدهم، وقرائحهم وعلى عطايا المؤسسات الأجنبية لتنفيذ مشروعاتهم. هذه السنة وعلى غير العادة، وبمناسبة وجود احتفاليتين استثنائيتين، فتح باب الرزق للمثقفين ومشروعاتهم. الاحتفالية الأولى هي «بيروت عاصمة عالمية للكتاب». وتفرح العاصمة اللبنانية باختيارها من قبل اليونسكو، خاصة أنها هي المدينة العربية الثانية التي تنتخب بعد أن كان للإسكندرية هذا الحظ عام 2001. وقد أعلن وزير الثقافة السابق تمام سلام بداية العام عن تمويل قدره 4 ملايين دولار لهذه الاحتفالية، وأعلن عن وجود موقع إلكتروني مفتوح لكل اللبنانيين لتقديم اقتراحاتهم لأنشطة هدفها إغناء دور الكتاب وتفعيل القراءة، وهكذا حدث. فقد تقدم المئات بمقترحاتهم، وشهدت السنة أنشطة من كل لون، في المدارس والبلديات والمكتبات، كما طبعت الكتب واحتفي بالشعراء وتمت ترجمة كتب كما مولت مؤلفات جديدة. وهذا كله جيد ومحمود، لكن الغصة تبقى كبيرة عند كثيرين يسألون: ما معنى كل هذه المصروفات لمشروعات تنتهي بانتهاء المناسبة. وكيف لبيروت أن تكون عاصمة للطباعة والنشر والكتب ما دامت محتويات مكتبتها الوطنية مدفونة في الأقبية، وما دام أي قانون يلزم دور النشر بإرسال مطبوعاتها تحت رقم وطني إلى المكتبة الوطنية والمحفوظات الوطنية، لتشكيل أرشيف، لا يزال بعيدا أصلا عن مخططات وزارة الثقافة؟. وربما أن حدة النقد ازدادت بعد أن أعلنت د. ليلى بركات، المنسقة العامة لـ«بيروت عاصمة عالمية للكتاب» أن تكلفة هذه الاحتفاليات ستصل إلى 8 ملايين دولار - أي إن المبلغ تضاعف - وبات ضخما بالنسبة لبلد صغير جدا مثل لبنان. والسؤال الذي يطرحه كثيرون، هو: لماذا لم يرصد جزء على الأقل من هذا المبلغ للنهوض بالمكتبة الوطنية، ما دامت الأخبار تقول إن قطر التزمت ثم لم تدفع، لأسباب بقيت مجهولة؟ أوَليست المسؤولية واقعة على عاتق وزارة الثقافة اللبنانية أولا وأخيرا؟ مسألة أخرى أثارت الكثير من الحبر في ما يخص احتفاليات «بيروت عاصمة عالمية للكتاب»، وهو دخولها في شراكة مع مؤسسة بريطانية هي «هاي فستيفل» لتنظيم جائزة «بيروت 39»، بحيث يتم اختيار 39 شابا أعمارهم أقل من 39 سنة، من بين المتقدمين للجائزة، والفائزون يتم الاحتفاء بهم، وتتم ترجمة أعمالهم، ونشرها، لتشجيعهم على الإبداع. والمؤسف أن هذه الجائزة التي اعتبرت درّة الاحتفالية، انسحب منها الروائي علاء الأسواني واعتبرها غير شفافة، واتهمها بأنها تنتقي الفائزين، تبعا لأساليب غير موضوعية، وكذلك انسحب من لجنة تحكيم الجائزة الروائيان إلياس خوري وهدى بركات، وتشكلت لجنة جديدة ولا تزال الاتهامات لها مستمرة بعد ظهور نتائجها. ولسوء الحظ أيضا، أنها جائزة تحمل اسم بيروت، وملطخة بالشائعات ومتهمة باللامصداقية. ومن غرائب هذه الجائزة وعجائبها أن لائحة من فازوا فيها، ويفترض أنهم شباب موهوبون ومبتدئون تضم اسمين، تم اختيارهما أيضا كمحترفين لا بل وعالميين في اللائحة القصيرة الرابحة في بوكر أو «الجائزة العالمية للرواية العربية». أما كيف يمكن لكاتب أن يكون مبتدئا وهو عالمي المستوى في وقت واحد، فهذا من ألغاز هذا العام. لكن ليست الاحتفالية العالمية للكتاب هي وحدها التي أتت للثقافة في لبنان بالمال. فالاحتفالية الثانية المهمة هي الألعاب الفرنكوفونية التي يفترض أن تكاليفها بلغت 10 ملايين دولار. والفرنسيون لا يكتفون بالرياضة، ويقرنونها بالفنون والآداب، لذلك فقد كان للثقافة نصيب لا يستهان به، وإضافة إلى تشجيع الأعمال المحلية، تم استقدام فنانين تشكيليين وفرق رقص وروائيين وأقيمت مسابقات بين متبارين فرنكوفونيين. والمشكلة باستمرار هي ذاتها، أي عدم قدرة هذه الأنشطة على النفاذ وبقاؤها حكرا على مجموعة من المعنيين أو المتخصصين، مما لا يعمم الفائدة. وخارج إطار الاحتفاليتين الأساسيتين اللتين شغلتا لبنان هذه السنة، سارت الحياة الفنية والثقافية حيوية، متحفزة، على الرغم من أجواء الانتخابات النيابية الشرسة، التي علا زعيقها حتى كادت تقضي على كل أخضر وما يبس. لكن المسارح والمهرجانات كما معارض الكتب والمؤتمرات والندوات، قاومت ومضت بجمهورها كما لو أن السياسي الصارخ الذي يقسم ويفتت يجب أن يفصل عن الثقافي الذي يجمع ويوحد الناس تحت سقف الخيال والإبداع. سجل «مهرجان الرقص المعاصر» على مدى أسبوع نجاحا باهرا واحتشد له مئات من الشباب. وعاد مهرجان الشارع متألقا كعادته كل سنة، ليفاجئ جمهوره على كل ناصية ورصيف، وكذلك سجلت المهرجانات الصيفية حضورا ربما حسدت نفسها عليه.

وللمرة الأولى منذ سنوات عادت «مؤسسة الفكر العربي»، لتنشط من خلال مكتبها في بيروت وعقدت أحد مؤتمراتها في العاصمة اللبنانية بعد غياب بسبب التوترات الأمنية. وحظي «منتدى المرأة العربية» بحضور كبير ونقاشات حارة، كما المؤتمر الذي جمعت له «جامعة الدول العربية» القيمين على المهرجانات السياحية في المنطقة العربية، لتعلن من بيروت تشكيل هيئة تجمعهم، تسهيلا للتنسيق في ما بينهم والنهوض بمهماتهم، ناصحة إياهم بإعطاء التراث أولوية كسبيل لتنمية الأماكن التي يحيون فيها حفلاتهم. مع مطلع العام خسر لبنان أحد ألمع كباره وهو منصور الرحباني. خسارة كبيرة، أراد أولاده أن لا يدعوها تمر من دون تحية له، فأعادوا تقديم أول مسرحية له أنجزها منفردا بعد افتراقه عن أخيه عاصي، وهي «صيف 840»، حيث انتفضت على مسرح مطل على مرفأ جبيل، وكأن السنين لم تنل منها بل زادتها إشراقا. حيّا لبنان أم كلثوم، هذه السنة بصوت البديعة آمال ماهر، خلال حفل أقامته «مهرجانات بيت الدين». وشهدت بيروت ولادة الديوان الأخير لمحمود درويش «لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي»، وشهدت أيضا كل الخلافات التي دارت حوله، والاتهامات التي تبادلها ناشره رياض الريس ومعدّه للنشر إلياس خوري. معارك كلامية واتهامات كثيرة تبادلها المثقفون هذا العام، منها ما هو ساخن، وبينها ما هو فضائحي بالفعل، لكنها معارك بقيت كرغوة الصابون، لم تسبر عمقا أو تنتج فكرا. هي خلافات على قليل من الغنائم، أو شيء من الشهرة، وربما كانت تصفية حسابات بين متخاصمين. مشروع لا بد من ذكره كأحد إنجازات هذه السنة وهو اختراق الفنون للسجون، وتحديدا «سجن رومية» وهو الأكبر والأشهر الذي يضم أخطر المساجين. استطاعت الممثلة والمخرجة زينة دكاش أن تقنع المسؤولين بمعالجة السجناء بالدراما، ومساعدتهم بالتمثيل، وعملت على مشروعها لأشهر، واستطاعت أن تفتح أبواب السجن للجمهور ليتفرج على العمل، وكذلك حضر هذه المسرحية الاستثنائية والجميلة وزير الداخلية ومسؤولون أمنيون وقضاة. اقتحام السجون بالفنون لا يزال مستمرا عبر عروض سينمائية يناقشها المساجين مع مخرج الفيلم، والجهود الجبارة متواصلة، لتغيير معنى السجن من قفص للتعذيب إلى مكان للتأهيل والتثقيف.

لقد كان عام 2009 أشبه بالتحدي الكبير لكل العاملين في المجال الثقافي بسبب نجومية السياسة والسياسيين، لكن اللبنانيين انتصروا للخيال الجميل على الواقع الممض.