واشنطن تحقق في العلاقة بين أنور العولقي ومخطط تفجير الطائرة

رجل الدين اليمني أصدر فتاوى تقر هجمات «القاعدة».. واضطلع بدور محوري في التجنيد وتوفير الدعم اللوجستي لها

TT

يعتقد مسؤولو الاستخبارات ومكتب التحقيقات الفيدرالي أن أنور العولقي، رجل دين موجود في اليمن ويملك موقعا جهاديا شهيرا على شبكة الإنترنت، وعلى صلة بالانتحاريين المتورطين من هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، ربما كان له دور في المحاولة الأخيرة لتفجير طائرة ركاب أميركية.

تعكف الوكالات الأميركية المعنية بمكافحة الإرهاب على التحقيق بشأن ما إذا كان رجل الدين الإسلامي أميركي المولد، الذي تحول إلى مفتي الإرهاب وواحد من الشخصيات المحورية الموالية لتنظيم القاعدة في اليمن، اضطلع بدور في محاولة تفجير طائرة ركاب فوق ديترويت خلال عطلة عيد الميلاد، حسبما أفاد مسؤولون معنيون بفرض القانون، أول من أمس.

تشير نتائج التنصت على الاتصالات ومعلومات أخرى تم الحصول عليها إلى وجود صلات بين المشتبه به عمر الفاروق عبد المطلب وأنور العولقي - الذي كان أيضا على صلة بالمتهم بارتكاب الهجوم الذي وقع في قاعدة «فورت هود» في تكساس التابعة للجيش الأميركي، وأسفر عن مصرع 13 شخصا. وقد أدلى عبد المطلب، 23 عاما، نيجيري الجنسية، بمعلومات عن العولقي. جدير بالذكر أن عبد المطلب متهم بمحاولة نسف طائرة تتبع شركة «نورث ويست إيرلاينز» عندما كان على متنها في طريقها من أمستردام إلى ديترويت يوم عيد الميلاد باستخدام حزمة متفجرات أخفاها من مادة «بي إي تي إن»، حسبما صرح مسؤولون.

خلال التحقيقات التي أجراها معه مكتب التحقيقات الفيدرالي، قال عبد المطلب إنه التقى العولقي وأعضاء بارزين في «القاعدة» خلال رحلة مطولة قام بها إلى اليمن هذا العام، وإن رجل الدين شارك في بعض عناصر التخطيط والإعداد للهجوم وتوفير المبرر الديني له، حسبما ذكر مسؤولون.

واتضحت استخبارات أخرى تربط بين العولقي وعبد المطلب في أعقاب محاولة التفجير، بينها اتصالات جرى التنصت عليها من جانب وكالة الأمن القومي توحي بأن رجل الدين كان في اجتماع مع «نيجيري» استعدادا لعملية ما، طبقا لما قاله مسؤول استخبارات أميركي.

من جانبهم، لم يدرك محللو الاستخبارات أهمية هذه المعلومة في حينها نظرا لعدم ذكر اسم النيجيري وللغموض الذي اكتنف المعلومة، الأمر الذي أدى إلى ضياعها في خضم سيل المعلومات الواردة، حسبما أضاف المسؤول.

الملاحظ أن العولقي، 38 عاما، بات محل اهتمام وقلق بالغين من قبل الحكومة الأميركية بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول)، عندما اكتشفت السلطات أنه كان الزعيم الروحي للكثير من الانتحاريين في أثناء إلقاءه خطب في مساجد في سان دييغو وضواحي واشنطن العاصمة.

ولد العولقي في نيو مكسيكو، وقضى جزءا كبيرا من حياته داخل الولايات المتحدة قبل انتقاله إلى لندن للفرار من المراقبة اللصيقة التي فرضها عليه مكتب التحقيقات الفيدرالي. بعد ذلك انتقل للعيش في اليمن على مدار خمسة أعوام على الأقل، قضى عاما واحدا منها على الأقل في السجن.

منذ إطلاق سراحه استغل العولقي اليمن كملاذ آمن عمل منه على تحويل موقعه على شبكة الإنترنت إلى منتدى عالمي شهير لنشر الخطاب الجهادي والتحريض على مهاجمة مصالح غربية.

من جانبه، يدرس مكتب التحقيقات الفيدرالي التهم الجنائية المحتملة التي يمكن توجيهها إلى العولقي بناء على محاولاته المشتبه فيها لتحريض متطرفين على العنف، بينهم الميجور نضال مالك حسن، المتهم في تنفيذ حادث إطلاق النار في «فورت هود»، حسبما أكد مسؤول بالمكتب، الجمعة.

إلا أن مسؤولي مكافحة الإرهاب يعتقدون أنه العولقي لم ينمِّ علاقات وثيقة لذارع الشبكة الإرهابية بزعامة أسامة بن لادن المعروف باسم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية»، ومقره اليمن، حتى وقت قريب.

وقد أقدم العولقي على ذلك في وقت صعد التنظيم من عملياته الإرهابية ضد أهداف أميركية داخل المنطقة وخارجها. يذكر أن «القاعدة» أعلنت، الاثنين، مسؤوليتها عن تدريب وإمداد عبد المطلب بالمتفجرات لتنفيذ مهمته الانتحارية. وسارع مسؤولون أميركيون بتأكيد الادعاء.

واشترط المسؤولون الذين تحدثنا إليهم من أجل هذا المقال عدم الإفصاح عن هويتهم نظرا لأنه غير مخول لهم مناقشة التحقيق الجاري أو جهود جمع استخبارات بشأن العولقي.

من جهته أشار إيفان كولمان، مستشار حكومي لشؤون مكافحة الإرهاب، إلى أن العولقي أصدر فتاوى تقر هجمات «القاعدة» في اليمن، واضطلع بدور محوري في جهود التجنيد وتوفير الدعم اللوجستي وصياغة الاستراتيجيات والاتصالات لصالح التنظيم الإرهابي. وأضاف أن العولقي كان له دور حيوي مؤخرا في التفاوض حول عقد تحالفات بين «القاعدة» في اليمن وقبائل يمنية قوية تحميها من الحملات القوية التي تشنها الحكومة ضدها.

ويساور السلطات الأميركية القلق حيال الدور الجديد للعولقي في «القاعدة»، ليس بسبب هذه التحالفات ونفوذه على شبكة الإنترنت فحسب، وإنما أيضا معرفته بالولايات المتحدة وإجراءات الجمارك بها وإجراءاتها الأمنية، حسبما أوضح مسؤول الاستخبارات الأميركي.

واستطرد المسؤول قائلا: «يدور القلق الآن حول أنه تحول إلى تهديد عالمي، حيث سيعمد إلى استغلال معرفته بالولايات المتحدة في مساعدتهم. يدرس الجميع داخل المجتمع الاستخباراتي هذا الأمر».

وأبدى مسؤول مكتب التحقيقات الفيدرالي اتفاقه مع هذا الرأي، مشيرا إلى أنه بينما ليس هناك ما يدعو للشك في إدعاءات عبد المطلب، فإن تحقيقا مكثفا يجري بشأنها من قبل سلطات مكافحة الإرهاب في ثلاث قارات كجزء من تحقيقاتهم حول هجوم عيد رأس السنة، والتهديد المتصاعد لـ«القاعدة» ضد المصالح الأميركية بمختلف أرجاء العالم.

وأضاف مسؤول مكتب التحقيقات الفيدرالي عن عبد المطلب: «إنه يقول ذلك، لكننا لم نتأكد بعد مما إذا كان ما قاله برمته صحيحا، وما إذا كان العولقي أقر مخطط الهجوم أو أعطى الضوء الأخضر لتنفيذه أو كان القوة المحركة وراءه. هذا أمر محتمل للغاية ويجري تحقيق بشأنه الآن، لكن يبقى من المحتمل أيضا أن يكون اعترافه هذا مجرد محاولة لإضفاء مصداقية على نفسه» بين المسلحين الذي يوقرون العولقي.

وأردف المسؤول بأن «الأمر المؤكد أن القلق يساورنا جميعا حيال معرفة العولقي بالولايات المتحدة وإجراءات الجمارك فيها، ويمكن أن يطلع آخرون على هذه المعلومات. إنه العنصر الأساسي في تحقيق ضخم يعنى بمكافحة الإرهاب. والواضح أن مكتب التحقيقات الفيدرالي يعتبره مصدر تهديد بالغا».

من ناحيتها قالت جين هارمان، عضو الحزب الجمهوري ورئيسة اللجنة الفرعية المعنية بالاستخبارات بمجلس النواب، إن دور العولقي في قضيتي «فورت هود» وديترويت يثير قلقا بالغا، وكذلك دوره المحتمل في خلية إقليمية تتبع «القاعدة»، والتي تعتقد السلطات أنها على صلة مباشرة بالمقر الرئيسي لـ«القاعدة» في باكستان.

وأشارت هارمان إلى أن الضربة الجوية التي شنت الأسبوع الماضي ضد أهداف لـ«القاعدة» في اليمن ربما قتلت العولقي، لكنّ مسؤولي استخبارات أميركيين أخبروها أنهم لم يتأكدوا من الأمر بعد. يذكر أن بعض المواقع المتطرفة على شبكة الإنترنت ادعت أن العولقي لا يزال حيا.

وأكدت هارمان أنه «حتى لو كنا قضينا عليه الأسبوع الماضي، فإن هذا لا يحل مشكلتنا، فلا يزال هناك آخرون في اليمن يمكنهم إلحاق أذى بالغ بنا».

وتأتي المعلومات الجديدة حول العولقي في وقت تصعد هارمان ومشرعون آخرون مطالبهم بتوفير مزيد من المعلومات حول ما إذا كان لدى الوكالات الأميركية استخبارات كافية لإحباط مخطط عبد المطلب قبل صعوده إلى الطائرة. يذكر أن الطائرة وركابها الـ300 تقريبا نجوا فقط لأن محاولته إطلاق المتفجرات أخفقت وسيطر عليه الركاب والطاقم، حسبما أعلن الرئيس أوباما، الثلاثاء.

* خدمة «لوس أنجليس تايمز» خاص بـ«الشرق الأوسط»