أئمة الإنترنت يعملون على مدار الساعة لتجنيد عناصر جديدة لـ«القاعدة»

فيصل الجامايكي وأبو يحيى الليبي والعولقي يتحدثون الإنجليزية ويتميزون بحضور قوي على الشبكة العنكبوتية

TT

كان من شأن الصلات الواضحة بين النيجيري المتهم بالتخطيط لنسف طائرة ركاب أميركية في عطلة رأس السنة وإمام يمني راديكالي أميركي المولد تسليط الضوء على عالم رجال الدين ذوي الشخصيات الكاريزمية الذين يعمدون إلى استغلال شهرتهم على شبكة الإنترنت في نشر آيديولوجية متطرفة في أوساط الشباب المسلمين وتجنيدهم لحساب تنظيم «القاعدة»، حسبما قال مسؤولون ومتخصصون أميركيون بمجال مكافحة الإرهاب. من جانبها، أعلنت المؤسسة العسكرية الأميركية وسلطات فرض القانون أول من أمس، أن الاحتمال الأكبر أن المتهم بمحاولة نسف الطائرة، عمر فاروق عبد المطلب، كانت له اتصالات برجل الدين أنور العولقي، الذي أشارت إليه التحقيقات باعتباره تبادل رسائل إلكترونية مع ميجور نضال مالك حسن، الطبيب النفسي بالجيش الأميركي المتهم بقتل 13 شخصا في حادثة إطلاق نار في نوفمبر (تشرين الثاني) في فورت هود بتكساس. الملاحظ أن عددا من الأئمة ممن يتحدثون الإنجليزية بطلاقة، بينهم العولقي وآخرون ممن يتميزون بحضور قوي على شبكة الإنترنت، وينتمون إلى دول متنوعة ما بين الشرق الأوسط وبريطانيا، يعملون على مدار الساعة يطرحون رسائل إيمانية مقنعة وهدفا للحياة وسبيلا نحو المستقبل أمام الشباب العادي والأفراد شديدي التدين المستعدين لاتخاذ الخطوة التالية نحو الجهاد، حسبما ذكر مسؤولون. في هذا الصدد، قال غاريت براتشمان، مؤلف كتاب «الجهاد العالمي: النظرية والتطبيق» (دار نشر: «روتليدج»، 2008)، ومستشار الحكومة الأميركية في شؤون الإرهاب: «يمكن أن ينجذب إليهم الأفراد عبر مختلف مستويات التيار الراديكالي، سواء كانوا لا يزالون في البداية أو ممن يعدون بالفعل عناصر راديكالية. يتمثل أهم ما يقومون به في تناول أكثر الأفكار الآيديولوجية تعقيدا وطرحها في صورة بسيطة، مع إرشادات واضحة حول كيفية الالتزام بالشريعة الإسلامية».

في مقال نُشر على شبكة الإنترنت عام 2005 تحت عنوان «فاروق 1986»، أشار عبد المطلب إلى رجل دين راديكالي آخر استمع إلى آرائه، وهو خطيب جامايكي المولد يُدعى عبد الله الفيصل.

كان فيصل قد تم ترحيله من بريطانيا عام 2007، وأدين منذ أربعة سنوات بالتحريض على القتل وإثارة الكراهية العنصرية عبر خطب مسجلة على شرائط سمعية باللغتين الإنجليزية والعربية حث خلالها أتباعه على قتل الهندوس والمسيحيين واليهود والأميركيين. وفي وقت لاحق، اتهم فيصل بالتأثير على أحد منفذي تفجيرات لندن في يوليو (تموز) 2005. ويتميز هؤلاء الأئمة المشاهير في بعض الأحيان بهالة بطولية بسبب دخولهم من حين إلى آخر في صدام مع القانون، علاوة على معرفتهم بالقرآن والآيديولوجية الإسلامية. من بين الأمثلة أبو يحيى الليبي، رجل دين ليبي، فر من سجن في أفغانستان عام 2005، وفيصل الذي لا يزال يقدم خطبا عبر شبكة الإنترنت حتى بعد إلقاء القبض عليه وترحيله.

في مقال له بتاريخ مايو (أيار) 2005، كتب عبد المطلب: «اعتقدت لوقت من الأوقات أنه أُلقيَ القبض عليهم، لأن أحدا لم يسمع عنهم». الآن، تحول عبد المطلب إلى بطل، مع انتشار صوره على مواقع عبر شبكة الإنترنت تنشر خطب هؤلاء الأئمة الراديكاليين. تقول السلطات الأميركية والأوروبية إن بعض هؤلاء الأئمة، مثل العولقي، يطرحون أمرا أكثر شرا بكثير عن مجرد محاولة نشر إسلام راديكالي، حيث يوفرون خط إمداد لعملاء «القاعدة» في مناطق مثل اليمن والمناطق القبلية الباكستانية التي يغيب عنها حكم القانون.

في هذا الصدد، أكد مسؤول أميركي معنيّ بمكافحة الإرهاب، أن «العولقي يعد، من بين أمور أخرى، مراقبا جيدا، ويشكل هذا جزء من أهميته بالنسبة لـ(القاعدة)». وعندما ينجذب أشخاص إليه، يصبح بمقدوره تمريرهم إلى مدربين ومخططي عمليات. وكان عبد المطلب من بين هؤلاء، فهو عبارة عن قطعة جديدة تم إدماجها في عملية». من جهته، يمزج الشيخ خالد بن عبد الرحمن الحسينين من الكويت، والذي يجتذب سريعا حلقة ضخمة من الأتباع، بين السياسات المعاصرة والحديث عن الشهادة. في أغسطس (آب) 2009، كتب الحسينين أن «أوباما مثلما رفع شعار (نعم بإمكاننا)، فأنا أيضا أرفع شعارا في حياتي: (السعادة يوم استشهادي)». من جانبهم، أشار مسؤولون استخباراتيون ومساعدون في الكونغرس، هذا الأسبوع، إلى التحقيق الجاري بشأن عبد المطلب موضحين أن المحققين لا يزالون عاكفين على محاولة تحديد طبيعة الصلات القائمة بينه وبين العولقي. حتى الآن، لا يزال من غير الواضح طبيعة الدور، حال وجوده من الأساس، الذي اضطلع به العولقي في مخطط نسف الطائرة. من ناحيته، قال مارك سغيمان (مسؤول سابق عن العمليات بوكالة الاستخبارات المركزية وخبير بشؤون «القاعدة») إن العلاقات بين هؤلاء الأئمة المشاهير والرجال الأصغر سنا مثل الميجور نضال وربما عبد المطلب كانت متبادلة». وأضاف: «الواضح أن هؤلاء الشباب هم من يسعون للأئمة الكبار، بمعنى أن الحركة تتجه من أسفل إلى أعلى. على سبيل المثال، نجد أن الميجور حسن بعث 21 رسالة عبر البريد الإلكتروني إلى العولقي، الذي أجابه برسالتين. إن هناك أفرادا يسعون وراء أمثال هؤلاء الأئمة ويطلبون منهم النصح. وما يقدمه هؤلاء الأئمة هو مبرر لما يود هؤلاء الشباب فعله من البداية. ورغم ممارسة هؤلاء الأئمة تأثير على الشباب، فإن التوجه يبدأ من الشباب أنفسهم الذين يسعون للوصول إلى الأئمة، وليس الشيوخ هم من يسعون وراء الشباب لتجنيدهم».

وحذر سغيمان من إلقاء المسؤولية بأكملها على عاتق الشخصيات القيادية أمثال العولقي، موضحا أنه ليست هناك أدلة على وجود صلات بين العولقي وعبد المطلب. واستطرد موضحا أن «الشباب لهم فكر مستقل؛ إنهم ليسوا آلات مبرمجة أو ضحايا غسل مخ. إنهم معتنقون بالفعل للفكر الراديكالي، لكن كل ما يرغبون به هو شعور بالشرعية لما يؤمنون به بالفعل. أما القادة الدينيون فهم المنارات التي تضيء لهم بسبب خطبهم المتطرفة. ولذلك، يتجمع الشباب حولهم». وأضاف سغيمان أن القيادات أمثال العولقي يتمكنون من مد تأثيرهم إلى داخل العالم الغربي لسبب واضح: قدرتهم على الحديث بالإنجليزية بطلاقة، ما يكسبهم كثيرا من الأتباع، خصوصا داخل بريطانيا. من ناحية أخرى قال عضو مجلس النواب بيتر هوكسترا، عن الحزب الجمهوري وعضو لجنة الاستخبارات التابعة للمجلس الذي شارك في كتابة تقرير سري، الأربعاء، حول التحقيق، إن شكوكه بوجود صلات بين عبد المطلب والعولقي تعززت بما سمعه. وتساءل عن السبب وراء عدم الالتفات إلى هذه الصلات الواضحة بين الاثنين قبل محاولة نسف الطائرة الأخيرة.

خدمة «نيويورك تايمز»