جدل حول انتشار التشدد الإسلامي في الجامعات البريطانية

قضية «النيجيري» دفعت للمطالبة برقابة أكبر على المنظمات الطلابية في بريطانيا

TT

أثارت قضية عمر الفاروق عبد المطلب، النيجيري المتهم بمحاولة تفجير طائرة ركاب أميركية، مجددا الجدل حول ما إذا كان يجري استغلال الجامعات البريطانية كمكان لتفريخ التشدد الديني، فعلى مدار ثلاث سنوات، تنقل عبد المطلب بين شقته في وسط لندن ومبنى بني اللون مؤلف من 11 طابقا يتبع «يونيفرسيتي كوليدج لندن»، حيث كان يدرس الهندسة الميكانيكية.

وقبله كان أحمد عمر سعيد شيخ، المدان بقتل مراسل صحيفة «وول ستريت جورنال»، دانيال بيرل، عام 2002، يرتاد كلية لندن للاقتصاد، كذلك التحق المواطنان البريطانيان آصف محمد حنيف وعمر خان شريف بـ«كينغز كوليدج لندن» قبل شنهما هجوما انتحاريا في تل أبيب عام 2003.

وعلى الرغم من أن مثل هذه الحالات لا تؤكد على نحو قاطع أن المتطرفين اخترقوا الجامعات البريطانية، فإن خبراء يعتبرونها أدلة على أن المسلمين الذين اعتنقوا آيديولوجيات راديكالية أقدموا على ذلك خلال سنوات دراستهم الجامعية، التي عادة تمثل مرحلة تشكل توجهاتهم الفكرية. كان عبد المطلب (23 عاما) يرأس الجمعية الإسلامية داخل «يونيفرسيتي كوليدج لندن»، وطبقا لأنتوني غليز، بروفسور دراسات الأمن والاستخبارات بجامعة بكنغهام، يعد عبد المطلب الرئيس الرابع للجمعية الإسلامية داخل الجامعة، يجري الربط بينه وبين جرائم إرهابية في السنوات الأخيرة، وجدير بالذكر أن أحد الرؤساء السابقين، وحيد زمان، تجري حاليا إعادة محاكمته بناء على مزاعم بصلته بمخطط تفجير طائرات ركاب فوق المحيط الأطلسي عام 2006. ومثلما هو الحال مع الكثير من المنظمات الجامعية، يضطلع الطلاب من أعضاء الجمعيات الإسلامية بأدوار اجتماعية مهمة بالنسبة إلى الطلاب، حسبما أوضح أسامة حسن، الرئيس السابق لجمعية إسلامية في ثلاث جامعات بريطانية، ويعمل محاضرا جامعيا حاليا، غير أنه أردف أن هؤلاء الطلاب بمقدورهم كذلك نشر أفكار أصولية، ويمكن أن يتلقوا المساعدة في ذلك من قِبل ضيوف متحدثين يتسمون «بقدر بالغ من ضيق الأفق والتطرف». وأشار إلى أن الجمعيات الإسلامية استعانت بالكثير من أكثر الخطباء الإسلاميين راديكالية في ندواتها، فعلى سبيل المثال، على الرغم من أن الحظر الذي تفرضه بريطانيا على دخول أنور العولقي - المتشدد المقيم في اليمن والذي يجري التحقيق بشأن علاقته بمحاولة تفجير طائرة الركاب الأميركية خلال عطلة الميلاد - إلى أراضيها، فإن صوته يمكن سماعه باستمرار داخل بعض الجامعات البريطانية عبر وصلات الفيديو خلال مؤتمرات ومناسبات أخرى، وعلق حسن على الأمر بقوله: «إن هذا يثير القلق، لأن هذا الرجل يتمتع بشخصية كاريزمية، وبعض الطلاب ينصتون إليه».

يُذكر أن عبد المطلب حصل من الجامعة على درجة علمية في الهندسة الميكانيكية والتمويل التجاري في يونيو (حزيران) عام 2008، وبعد ذلك بأقل من عام سعى للحصول على تأشيرة ثانية للدراسة في بريطانيا، لتلقي دورة في مجال «تدريب الحياة»، حسبما ذكرت تقارير صحافية، لكن طلبه قوبل بالرفض، لأنه كان متعلقا بالانضمام إلى مؤسسة لا وجود لها. وخلال الفترة التي قضاها في «يونيفرسيتي كوليدج لندن»، نظم عبد المطلب مؤتمرا بعنوان «أسبوع الحرب ضد الإرهاب» داخل الجامعة، وكان من بين فعاليات المؤتمر محاضرة بعنوان «محاضرة حول الموقف الإسلامي من الجهاد وقضايا أخرى»، ولا يزال من غير الواضح متى مر عبد المطلب بفترة تحول آيديولوجي، في الواقع، كان عبد المطلب بعيدا كل البعد عن كونه راديكاليا عنيفا، وأعرب مدرسوه وأقرانه ومعارفه السابقون، في لندن، عن دهشتهم حيال المزاعم الموجهة ضده. ومن جانبه، قال مالكولم غرانت، رئيس «يونيفرسيتي كوليدج لندن»، في أثناء مقابلة أجريت معه عن الكلية، إنه شعر «بصدمة كاملة» بنبأ اتهام عبد المطلب، وأضاف أنه تحدث إلى أساتذة عبد المطلب، وأكدوا أنهم «يجدون استحالة في التمييز بينه وبين أي طالب آخر عادي»، بل أكدوا أن عبد المطلب كان «دمث الأخلاق وهادئ الطباع ومهذبا». من ناحية أخرى، أعلن «اتحاد الجمعيات الإسلامية الطلابية»، وهي منظمة تعمل بمثابة مظلة تمثل 90.000 طالب أعضاء بالجمعيات الإسلامية عبر مختلف أرجاء بريطانيا، أنه «لم يكن في سلوكه (عبد المطلب) في ذلك الوقت ما يوحي بأنه سيقترف مثل هذه الجرائم المزعومة».

وفي بيان له، قال فيصل حنجرة، المتحدث الرسمي باسم الاتحاد، إنه خلال فترة رئاسة عبد المطلب أقام «علاقات وثيقة مع الجمعيات الطلابية الأخرى، من الديانات كافة والأخرى التي لا تتبع ديانات، بجانب إدارة الكلية واتحاد الطلاب»، علاوة على مساعدته الجمعية في جمع أموال لصالح «مجموعة متنوعة من المنظمات الخيرية، والمساعدة في خدمة قضايا صالحة». غير أنه استطرد موضحا أن عبد المطلب قطع صلاته بأصدقائه وزملائه في لندن في أعقاب التخرج، والملاحظ أن البريطانيين استغلوا قضية عبد المطلب في دعوة الجامعات البريطانية لفرض رقابة أكبر على المنظمات الطلابية. يُذكر أن «يونيفرسيتي كوليدج لندن»، أول جامعة بريطانية تقام على أساس علماني بحت، تشتهر بتوجهاتها الليبرالية وتزعمها الدعوة لحرية التعبير، ومع ذلك حث البعض خلال الأسبوع الماضي على إغلاق الجمعية الإسلامية، ومن ناحيته أعرب غرانت، رئيس «يونيفرسيتي كوليدج لندن» أن هذه الخطوة لا ضرورة لها، وأضاف أن «إغلاق الجمعية يعني التلميح إلى أنها أرض خصبة للفكر الراديكالي، وهذا غير صحيح، إنها جمعية طلابية، وبالنسبة إليّ أرى أننا نتحمل مسؤولية أمام المجتمع بالامتناع عن التدخل في حرية التعبير». وقال غرانت إنه لا يدري ما الذي كان بمقدور «يونيفرسيتي كوليدج لندن» القيام به للتعامل مع عبد المطلب على نحو مختلف يؤتي نتيجة مغايرة، وأكد أن الجامعة ستجري تحقيقا داخليا إذا لزم الأمر.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»