2009 نهاية عقد : السعودية: الحرب على الإرهاب تكشف «الحلقة الإيرانية» في «القاعدة»

2009 شهد محاولة اغتيال الأمير محمد بن نايف.. وسقوط شبكة الـ44 من قيادات «القاعدة»

الأمير محمد بن نايف
TT

يبدو أن الدور الإيراني الداعم لتنظيم القاعدة، قد بات مكشوفا. فبعد أن كان الحديث يدور على استحياء عن هذا الدور، جاء ما يعززه على أرض الواقع، على خلفية حرب السعودية المستمرة على الإرهاب خلال عام 2009، والذي شهد إعلان قائمة تحمل اسم 85 ملاحقا، يعتقد أن 41 في المائة منها موجدون على الأراضي الإيرانية أو على حدودها.

وكشفت حرب السعودية على الإرهاب، ما بات يمكن تسميته بـ«الحلقة الإيرانية» لتنظيم القاعدة. وهي المرة الأولى التي يبرز فيها اسم إيران صراحة بالوقوف خلف «القاعدة»، وخصوصا فرع التنظيم الذي يخطط لشن هجمات ضد السعودية.

ومع استمرارية النجاحات التي حققتها أجهزة الأمن السعودية، في الحرب على «القاعدة» بالداخل، استمرت محاولات الخلايا النائمة، لإعادة إحياء التنظيم، لكن دون جدوى. فكل المحاولات التي سعت عبرها «القاعدة» لإعادة ترتيب صفوفها داخل السعودية، باءت بالفشل.

هذا الأمر، اضطر مجموعة من عناصر تنظيم القاعدة الخطرين في السعودية، إلى التسلل لليمن، ليتشكل إعلان لاحق بانضمام عناصر «القاعدة» في كل من البلدين تحت قيادة واحدة أوكلوها لناصر الوحيشي، المطلوب الأكثر خطورة، والملاحق من قبل سلطات الأمن في الرياض وصنعاء، وواحد ممن تم إدراجهم في لائحة عممتها وزارة الداخلية السعودية على الإنتربول الدولي.

في مطلع عام 2009، ظهر شريط فيديو، لـ4 من قيادات تنظيم القاعدة، في اليمن، يهددون بهجمات ضد السعودية، وكان من ضمنهم سعوديان اثنان، هما: محمد العوفي المكنى بـ«أبي الحارث»، وسعيد جابر الشهري، وكلاهما ممن استعادتهما الرياض من معتقل غوانتانامو سيئ السمعة، فيما أن الرجلين الآخرين، هما: ناصر الوحيشي، وقاسم الريمي، والأربعة ممن تلاحقهم الرياض على قائمة الـ85 التي أعلنت في فبراير (شباط) الماضي.

لم يمض الكثير، حتى أعلنت السعودية، أن محمد العوفي، وهو أحد المطلوبين على قائمة الملاحقين، وأحد الأربعة الذين ظهروا في فيديو قيادات «القاعدة»، قرر التراجع عما بدر منه، وتسليم نفسه للسلطات السعودية.

في الاعترافات التي بثها التلفزيون السعودي لمحمد العوفي، قام منتجوها بحذف اسمي الدولتين اللتين ذكر أنهما يدعمان «القاعدة». ولكن طبقا لما أكدت عليه معلومات «الشرق الأوسط»، فإن إحدى الدولتين اللتين كان يشير إليهما العوفي هي إيران.

وكان المطلوب الأمني السابق، يتحدث عن دور إيراني داعم، في سياق حديثه عن التحالف بين «القاعدة» والحوثيين في اليمن، واللذين تخوض معهما القوات المسلحة السعودية منذ ما يزيد على الشهر معارك لطردهم من الأراضي السعودية التي انتهكوا سيادتها.

ويرى الخبير أحمد الموكلي، المتخصص في الشؤون الإعلامية للجماعات الراديكالية، أن «القاسم المشترك في علاقة إيران بالقاعدة تكمن أولا في التحالف القائم بين القاعدة والحوثيين»، معتبرا أن الأخيرين هم صنيعة إيران، فيما تنطلق طهران في تحالفها مع «القاعدة» من منطلق أن «عدو عدوي صديقي».

ويضيف الموكلي في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، «رغم محاولة كل طرف منهما (القاعدة والحوثيين)، نفي علاقته بالآخر وبإيران، إلا أن العلاقة بين الجماعتين أكدها (محمد العوفي) أحد قادة تنظيم القاعدة الذي سلم نفسه للسلطات السعودية».

واسترجع الخبير في الشؤون الإعلامية للجماعات المسلحة، بعض الاعترافات التي بثها التلفزيون السعودي للمكنى بـ«أبي الحارث» العوفي، وتؤكد تورط طهران في دعم «القاعدة».

ولفت الموكلي، إلى أن علاقة إيران بالقاعدة، قد تم تأكيدها على لسان «حارس أسامة بن لادن الشخصي (ناصر البحري)»، كما يمكن تأكيدها كذلك بالنظر إلى «وجود عدد من قادة تنظيم القاعدة في إيران، ومن هؤلاء (سيف العدل)، و(أبو حفص الموريتاني)، وبعض المطلوبين الأمنيين في قائمة الـ85 التي أصدرتها وزارة الداخلية السعودية ومن بينهم صالح القرعاوي.

ويعتبر إصدار السعودية قائمة بـ85 مطلوبا، جميعهم في الخارج، أحد الأحداث الأمنية اللافتة التي شهدها عام 2009.

غير أن أبرز حدثين لافتين، هما: محاولة الاغتيال الفاشلة التي تعرض لها الأمير محمد بن نايف مسؤول ملف مكافحة الإرهاب في وزارة الداخلية، وذلك عبر مخطط تم رسمه في اليمن، وكان يقوم على إساءة استغلال الإجراءات التي في العادة يتبعها المسؤولون السعوديون في مقابلة أي شخص يفكر بالعدول عن أفكاره السابقة.

أما الحدث الآخر، فكان الإطاحة خلال شهر أغسطس (آب) بشبكة تضم 44 من قياديي تنظيم القاعدة. وكان منهم أشخاص يحملون شهادات عليا، منها الدكتوراه، وهي المرة الأولى التي يثبت تورط أشخاص وصلوا إلى مراحل عملية متقدمة مع التنظيم الإرهابي.

وكشفت السلطات الأمنية قبل ذلك، خلية إرهابية، كانت تتحصن في إحدى المغارات الجبلية في المنطقة الجنوبية، وكانت تضم مطلوبا في ثاني قائمة إرهابية تحمل 26 اسما، كان قد أعلن عن تراجعه عن أفكار التنظيم، قبل أن يعود للانخراط في صفوفه مجددا.

ولم يكن الإرهاب في السعودية، وليد أحداث الـ12 من مايو (أيار) 2003. يقول الموكلي إن تجربة بلاده في مكافحة الإرهاب ليست وليدة اليوم. ويذكر أنه «في نوفمبر (تشرين الثاني) 1979 احتلت جماعة جهيمان العتيبي الحرم المكي الشريف، وقد نجحت السعودية في مواجهة هذه الجماعة والقضاء عليها. لتشهد في عام 1995 تفجيرا في العاصمة الرياض وتفجيرا آخرا في الخبر عام 1996».

إلا أن الخبير في شؤون إعلام الجماعات الراديكالية، يرى «أن العامين 2003 و2004 كانا هما الأعنف في المواجهة ضد تنظيم القاعدة وقتل خلال هذه المواجهات الصف الأول من قادة التنظيم في السعودية كيوسف العييري وعبد العزيز المقرن، وقد صدرت ما بين عامي 2003 و2009 أربع قوائم شملت عددا من أسماء المطلوبين».

وأعلنت السعودية، خلال الـ6 سنوات الماضية، ملاحقة 166 مطلوبا لها، في الداخل والخارج، عبر 4 قوائم إرهابية.

وأعطى الموكلي لمحة سريعة حول تلك القوائم، قائلا «في مايو (أيار) 2003 صدرت أول قائمة بالمطلوبين والتي شملت 19 مطلوبا لترتفع في ديسمبر(كانون الأول) من نفس العام إلى 26 مطلوبا، فيما صدرت القائمة الثالثة التي ضمت 36 مطلوبا في يونيو (حزيران) 2005، في حين صدرت القائمة الرابعة في فبراير (شباط) الماضي 2009».

ورأى الخبير السعودي، أن إعلان قائمة الـ85 التي تضم أسماء ملاحقين في الخارج، هو «تحول في السياسة الأمنية السعودية من المواجهة إلى المبادرة من خلال الضربات الاستباقية المتلاحقة التي توجهها للتنظيم».

ويشير إلى أن أبرز ضربة أمنية وجهتها قوى الأمن للإرهاب، «تلك التي أعلنت من خلالها السلطات الأمنية السعودية القبض على 44 من معتنقي ومفكري وداعمي الفكر الضال، وتنبع أهمية الضربة من نوعية العناصر التي تم القبض عليها والتي كما ورد في البيان بأن بعضهم يحمل مؤهلات علمية عالية وخبرات تقنية متقدمة، وهذه النوعية من العناصر الإرهابية لو لم يتم القبض عليها لربما صنعت سيناريو تقنيا جديدا للحرب يتمثل في استخدام التكنولوجيا في عملياتها ضد أهدافها في المملكة، كاستهداف القادة والحكام والعلماء والمنشآت النفطية».

ويؤكد الموكلي، تحول سياسة تنظيم القاعدة في استخدام التقنية، من التجنيد، لاعتبارها وسيلة تنفيذ. ويقول «فبعد استخدامهم لشبكة الإنترنت بوصفها التقنية الأحدث في التجنيد والتدريب والدعاية والإعلام، توجه التنظيم إلى استخدام التقنية في عملية التنفيذ، وهذا ما لمسناه في محاولة الاغتيال التي استهدفت مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية التي استخدم فيها الجوال كوسيلة للتفجير عن بعد».

ولعل آخر المواجهات مع تنظيم القاعدة في السعودية لعام 2009، تلك التي شهدتها أحد المنافذ الحدودية في منطقة جازان، حينما حاول اثنان من المدرجين على قائمة الـ85 التسلل إلى الأراضي السعودية متنكرين بزي نسائي قبل أن تجهز عليهما السلطات الأمنية.

ويعتبر الخبير السعودي الموكلي، في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن الحوثيين أحد وكلاء إيران في المنطقة.

وقال «لقد سعت إيران مبكرا إلى خلق وكلاء وعملاء لها في المنطقة العربية من خلال وكلاء شرعيين لها يرتبطون بها آيديولوجيا من خلال المرجعيات الدينية العليا فيها، فأسست حزب الله اللبناني في الثمانينات وهذا ما أكده البيان الصادر عن الحزب في 16 فبراير (شباط) 1985 الذي جاء فيه (نلتزم بأوامر قيادة واحدة حكيمة عادلة، تتمثل بالولي الفقيه الجامع للشرائط، وتتجسد حاضرا بالإمام المسدد آية الله العظمى روح الله الموسوي الخميني، دام ظله، مفجر ثورة المسلمين وباعث نهضتهم المجيدة). كما قامت طهران بتأسيس حزب الله الكويتي وغيره من الأحزاب الأخرى في المنطقة».

ويؤصل الخبير السعودي، لعلاقة إيران بالقاعدة، بأنها بدأت بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول).

ويرى أن «المتابع لمجريات الأحداث على الساحة الدولية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر يلحظ بوضوح العلاقة بين تنظيم القاعدة وإيران القائمة على مبدأ (عدو عدوي صديقي) فأهدافها المشتركة سياسية بحتة، فالقاعدة كما هو موجود في أبجديات قادتها وأعضائها هدفها إقامة دولة الخلافة الإسلامية، وإيران في المقابل تهدف إلى إحكام سيطرتها على الخليج عامة والسعودية خاصة وخلق جبهة جنوبية متاخمة لحدودها لتنفيذ أجندتها السياسية الواسعة في المنطقة التي صرح بها قادتها الدينيون والسياسيون».

ولا يستبعد الخبير الإعلامي في شؤون الجماعات الراديكالية، أن تكون طهران تأوي نائب زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، بحيث يلقى الدعم منها، وهذا ما قد تؤكده بعض المؤشرات، منها أن إيران سبق وأن دعمت حركة (الجهاد الإسلامي في مصر) التي أسسها الظواهري وهذا الدعم جاء نتيجة للخلافات الناشبة بين الحكومة الإيرانية والمصرية آنذاك.

ومن المؤشرات التي يستند عليها الموكلي، في ترجيح وجود الظواهري في إيران «الإصدارات الإلكترونية المتكررة التي تصدرها له مؤسسة السحاب التي عادة ما تكون مواكبةً للأحداث الهامة كالانتخابات الأميركية أو مستجدات الأوضاع في فلسطين.

ويلاحظ أن الإصدارات الإلكترونية الصادرة عن الظواهري، على الرغم من كثرتها فإنها «لا تتطرق للسياسة الإيرانية وأهدافها إلا ما ندر وهذا قد يكون من باب التمويه رغم اختلاف المذهبين».

ويذكر أن السبب الآخر الذي يمكن أن يكون مؤشرا منطقيا لوجوده (الظواهري) في إيران يتمثل في «السياسة الحربية المعروفة للتنظيم بعدم تجمع القادة في مكان واحد أي أنه في حال حدوث هجوم على التنظيم وقرر قادته الهروب والاختباء كما حدث في أفغانستان بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، فعلى قادته أن يهرب كل واحد منهم باتجاه لضمان سلامة أحدهما على الأقل لمواصلة قيادة التنظيم، وأسامة بن لادن بحسب ما تذكر بعض التقارير الاستخباراتية من أنه موجود في المنطقة الحدودية بين أفغانستان وباكستان، وهذا ما قد تؤكده قلة الإصدارات الإلكترونية له بسبب سوء الأوضاع الأمنية هناك، إذن فمن الطبيعي أن يهرب الظواهري باتجاه إيران».

ويرى بالحالة الصحية الجيدة للظواهري، مؤشرا لوجوده في مكان مستقر، كإيران، فهو كما يبدو للمتابعين - والحديث للموكلي - «بصحة جيدة نتيجة لتوفر سبل الراحة والأمان على عكس بن لادن، وسبل الراحة والأمان هذه قد لا توفرها لرجل خطير كالظواهري إلا جهة استخباراتية مستفيدة من وجوده لديها».