2009 نهاية عقد : 10 سنوات غيرت الاقتصاد الأميركي

من فائض في الميزانية إلى عجز ضخم وأزمة طاحنة

متعاملون في بورصة نيويورك في 24 نوفمبر عام 2009، اليوم الذي أعلن فيه ارتفاع ثقة المستهلكين في الولايات المتحدة إلى 49.5 نقطة، مقارنة بـ48.7 في الشهر الذي سبقه (إ.ب.أ)
TT

كانت البداية «غلوبالايزيشن» (عولمة) التي بدأت تزدهر من قبل ثلاثين سنة تقريبا. وفي سنة 2001، صدر أول كتاب رئيسي عنها: «البحث عن العدالة الاجتماعية عن طريق العولمة» للأستاذ الجامعي كتشن غافين.

وكانت البداية منتجع دافوس (في سويسرا) الذي تأسس قبل عشرين سنة تقرييا، لكنه لفت كثيرا من الأنظار نحوه في سنة 2000، عندما تظاهر آلاف ضده، وحطموا مطاعم ساندوتشات «ماكدونالد» الأميركية المجاورة لمكان المنتجع. وكانت البداية منظمة التجارة العالمية (دبليو تي أو) التي تأسست سنة 1995. لكن، في سنة 2001، واجهت أول تحد لها في مؤتمر الدوحة عندما اشتكت الدول الفقيرة من ظلم الدول الغنية، ولا تزال الشكوى مستمرة.

وكانت البداية «دوت كوم ببل» (فقاعة الاستثمارات في التكنولوجيا الجديدة، وخاصة الإنترنت). في سنة 2000، وصلت أسهمها في «نازداك» (مؤشر الاستثمارات في نيويورك) إلى رقم قياسي: 5132 نقطة.

هكذا مع نهاية القرن العشرين، كان الاقتصاد العالمي واعدا ومتفائلا بصورة لم تحدث من قبل في التاريخ. واعتقد كثير من المستثمرين والتجار والسياسيين والاقتصاديين (وحتى عدد كبير من أساتذة الجامعات) أن القرن الحادي والعشرين سيكون أكثر ازدهارا.

ومع بداية القرن، جاءت مؤشرات تفاؤل أخرى:

أولا: صار هناك «يورو» عملة أوروبا الموحدة.

ثانيا: نجحت مواقع «غوغل» للبحث، و«أمازون» للكتب، و«آي بي» للبيع والشراء.

ثالثا: في العالم، استمرت سيطرة الاقتصاد الأميركي، رغم زيادة قوة اقتصاديي الصين والهند.

رابعا: في الولايات المتحدة، استمرت سيطرة شركات السيارات الأميركية، رغم زيادة نجاح «تايوتا» و«هوندا».

خامسا: فاز الرئيس بوش الأب، وبدأ يغير كثيرا من سياسات الرئيس كلينتون قبله.

اعتمدت «بوشنوميكز» (نظرية بوش الاقتصادية) على تغييرات أساسية في التخطيط الاقتصادي، بعيدا عن التركيز على دور الحكومة، ونحو التركيز على دور القطاع الخاص:

أعلن بوش تخفيض الضرائب (كثيرا عن الأغنياء، وقليلا عن غيرهم) بما يزيد على تريليون دولار. في التاريخ الأميركي، لم يفعل رئيس مثل هذا. لكن، على طريقة «ربغانوميكز» (نظرية الرئيس الجمهوري ريغان، قبل بوش بعشرين سنة)، قال بوش إنه كلما خفضت الحكومة ضرائب الأغنياء، كلما استثمروا أكثر، وكلما ازدهر الاقتصاد أكثر، وكلما استفاد من ذلك غير الأغنياء أكثر.

في سنة 2000، كان كلينتون ترك فائضا في ميزانية الحكومة، وكان أول فائض منذ قبل ذلك بأربعين. حققه لأنه كان، في أول سنة له في البيت الأبيض، سنة 1993، زاد الضرائب على الأغنياء. (لم يصوت أي عضو من الحزب الجمهوري في الكونغرس معه في ذلك الوقت. والآن، إذا قرر الرئيس باراك أوباما أن يفعل نفس الشيء، لا يتوقع أن يصوت معه أي واحد من هؤلاء).

لكن، في سنة 2000، قال بوش: «ما هو الهدف من فائض في الميزانية؟ ماذا تفعل الحكومة بفائض هو أساسا مال دافع الضرائب. أنا اقترح أن نعيد هذا الفائض إلى أصحابه، إلى الشعب الأميركي».

في ذلك الوقت، اختلف مع بوش وزير خزانته، بول اونيل. وبعد سنة، استقال الوزير. ثم كتب كتاب «ثمن الولاء»، إشارة إلى أن ولاءه للرئيس بوش لم يكن مشروطا. وأنه كان قال لبوش عندما اختاره وزيرا، انه، اونيل، لن يصمت على الخطأ. (بالإضافة إلى كشف ما أسماه «جهل بوش الاقتصادي»، أشار إلى ما أسماه «جهل بوش الاستراتيجي»، عندما كشف أن بوش كان يريد غزو العراق منذ أول يوم له في البيت الأبيض، قبل سنتين من الغزو نفسه).

لكن، أيد «بوشنوميكز» كل أعضاء الحزب الجمهوري في الكونغرس (وعدد من الجناح المعتدل في الحزب الديمقراطي). ولأن الحزب الجمهوري كان يسيطر على الكونغرس، فازت كل خطط بوش. وصار واضحا أن فلسفة (السوق المفتوحة) صارت فلسفة أميركا الجديدة.

في الحقيقة، نجحت نظرية بوش إلى حد ما. وذلك لأن المستثمرين فرحوا لقرارين اتخذهما: أولا: تخفيض الضرائب. وثانيا: تخفيض نسبة الفائدة. في سنة 2000 عندما فاز بوش، كان مؤشر «دوجونز» في «وول ستريت» (شارع المال في نيويورك) سجل 10,000 نقطة تقريبا. وفي سنة 2007، بعد سبع سنوات لبوش في البيت الأبيض، ارتفع إلى رقم قياسي: 14,000 نقطة تقريبا.

لكن، رغم فرح المستثمرين، كانت هناك أرقام أخرى غير مشجعة:

مثل أن الإنتاج الوطني لم يرتفع كثيرا (ظل أقل من ثلاثة في المائة). ومثل أن نسبة البطالة ارتفعت (من أربعة في المائة تقريبا إلى سبعة في المائة تقريبا). ومثل أن متوسط دخل المواطن الأميركي انخفض (بنسبة ثلاثة في المائة). ومثل أن نسبة الفقر ارتفعت (من عشرة في المائة تقريبا إلى ثلاثة عشرة في المائة تقريبا). ومثل أن جملة ديون الحكومة ارتفعت من ستة تريليون إلى ضعف ذلك مع آخر سنة لبوش في البيت الأبيض.

وقدم خبراء اقتصاديون تفسيرات كثيرة لذلك، منها:

أولا: ركز المستثمرون على الشركات الاستهلالية ذات الربح السريع.

ثانيا: زاد الأميركيون ليس فقط شراء البضائع الاستهلاكية، ولكن خاصة البضائع المستوردة.

ثالثا: انخفض الإنتاج الصناعي الأميركي، مثل ما حدث في مجال السيارات الأميركية.

وهكذا، بعد سنوات بعضها تفاؤلي وبعضها تشاؤمي، وبعد نشر أرقام بعضها مشجع وبعضها مخيب، وفي بداية سنة 2008، آخر سنة لبوش في البيت الأبيض، اهتز الاقتصاد الأميركي عندما بدأت البنوك والشركات الاستثمارية تفلس أو تواجه الإفلاس. وانخفض مؤشر «دوجونز» إلى سبعة آلاف نقطة. وخاف الناس من أن يتكرر الانهيار الاقتصادي الذي حدث سنة 1929.

وأثارت الأزمة الاقتصادية نقاشا وسط الأميركيين حول قدرة العقلانية (التي هي من أركان المجتمع الأميركي) على مواجهة الأزمات والكوارث. وناقش ذلك كتاب «ميث أوف راشونال ماركيت» (خرافة السوق العقلانية). قال الكتاب إن السوق ليست فقط عن الربح والخسارة، وليست فقط عن العرض والطلب، ولكن، أيضا، عن الخوف والشجاعة. وصار هذا واضحا، ليس فقط في الهلع الذي أصاب «وول ستريت» في سنة 2008، ولكن، أيضا، في الهلع الذي أصاب العاملين فيه، وخاصة الذين فقدوا وظائفهم، والذين وجدوا أن عقلانيتهم لم تقدر على حل مشاكلهم.

وهرع كثير من الناس نحو عيادات الأمراض النفسية. وأيضا نحو المكتبات لشراء كتب «سلف هيلب» (مساعدة النفس). وصدر واحد من هذه الكتب، وقدم النصائح الآتية للذين يفصلون من أعمالهم:.

أولا: زيادة الاتصالات مع أفراد العائلة والأصدقاء (رغم ما سبق عن قلة العلاقات العائلية).

ثانيا: التعبير عن العاطفة، وحتى البكاء، وحتى بالنسبة للرجال (رغم ما سبق عن العقلانية).

ثالثا: ممارسة الرياضة، ليس فقط للترويح عن النفس، ولكن، أيضا، ربما لمقابلة من هو في نفس الوضع.

رابعا: شراء كتب فيها نصائح عن طرق مواجهة الفصل من العمل (مثل الكتاب نفسه).

وكان مثال بيرني مادوف (72)، المستثمر الأميركي دليلا على الطمع والفساد الذي قال كثير من الخبراء الاقتصاديين والنفسانيين انه من الأسباب الرئيسية للازمة. في يونيو (حزيران) الماضي، حكمت محكمة في نيويورك بالسجن مدى الحياة عليه، ووصفته بأنه ارتكب أكبر عملية تزوير في تاريخ «وول ستريت» (شارع المال في نيويورك) وصل حجمها إلى سبعين مليار دولار.

بعد الحكم بثلاثة شهور، صدر كتاب «بيتريال» (خيانة: حياة وأكاذيب بيرني مادوف). الذي كتبه اندرو كيرتزمان. ووصف الكتاب ما فعل مادوف بأنه «أكبر تزوير في تاريخ وول ستريت». ووصف ما فعل مادوف بأنه «جريمة شريرة غير عادية». نقل الكتاب هذا الوصف من قرار المحكمة.

قال الكتاب إن مادوف، على الأقل منذ أن كان طالبا في المدرسة الثانوية، كان يكذب. مرة، في بداية خمسينات القرن الماضي، في مدرسة «فار روكواي» في نيويورك، خلال حصة اللغة الانجليزية في واقعة سجلها الكتاب.

وقال الكتاب إن المشكلة لم تكن مادوف فقط. ولا طبيعة الحياة والعمل والسلوك في «وول ستريت» فقط. ولكن، أيضا، قلة النزاهة الحكومية والاستثمارية والعائلية، والخاصة. وسأل: متى عرف المراقبون الحكوميون بما فعل مادوف؟ متى عرف زملاؤه المستثمرون؟ متى عرف أصدقاؤه؟ متى عرف أفراد عائلته؟ وصار واضحا من هذه الأسئلة أن فساد مادوف لم يكن سرا، بل ربما كان مسموحا به حسب ثقافة الاستثمار في شارع المال في نيويورك.

وقال الكتاب: «يقول بعض الناس إن مادوف عبقري، ولولا ذلك لما جمع سبعين مليار دولار في مؤسسته الاستثمارية، مجرما أو مثاليا. لكن، الحقيقة هي أن مادوف شخص عادي مثل كثير من الناس. ليس مجرما وليس مثاليا. انه مثل كل الناس، وجد فرصا مناسبة واستغلها».

إذا كان مادوف شخصا عاديا، لا بد أن الخلل في كل الناس. وسأل الكتاب الأسئلة الآتية:

أولا: هل يعقل أن أي شخص لم يلاحظ ثراء مادوف العملاق؟

ثانيا: هل يعقل أن يقبل المستثمرون بشروط مادوف ألا يكشفوا استثماراتهم في مؤسسته؟

ثالثا: هل يعقل أن يراجع المؤسسة مكتب مراجعة فيه شخص واحد؟ ثالثا: هل يعقل أن لا يستغرب المستثمرون من نسبة ربح وصلت إلى عشرين في المائة؟ «كل سنة. وسنة بعد سنة»؟

وهكذا، عمت أميركا، ولا تزال، مناقشات ليس فقط عن مادوف، ولكن، أيضا، عن كل النظام الرأسمالي.

قال واحد: «يعمي الطمع الناس». وقال آخر: «لا ينكر إنسان أن المغامرة هي جزء من النظام الرأسمالي. وان الاستثمار، لكونه استثمارا، هو مغامرة. لكن، توجد مغامرة تريد ربحا معقولا، ومغامرة تريده غير معقول. وتوجد مغامرة تلتزم بالقانون، ومغامرة لا تلتزم، أو تتحاشى، أو تدور حول، أو تفرق بين روح القانون وكلمات القانون».

ويتناقش الناس حول كلمة «ريسك» (مخاطرة). وإذا كان مسموحا به ما دامت قانونية.

مشكلة مادوف، والذين استثمروا في مؤسسته، هي أنهم ركزوا على علاقات خاصة أكثر من تركيزهم على القانون. وغلبوا الصلات العائلية والاجتماعية العاطفية على عقلانية النظام. وتحول الاستثمار إلى «علاقات عاطفية»، لأن الثقة لم تكن في النظام ولكن كانت في الشخص، في مادوف.

وخاصة بالنسبة لأفراد عائلته. كانت روث، زوجته، مسؤولة عن مكتب المراجعة. وكان بيتر، شقيقه، شريكا. وكانت شانا، بنت أخته، ومارك، ابنه، واندي، ابنه، يعملون في شركة تجارية منفصلة عن الشركة الاستثمارية. لكن، كانت الأولى في الطابق الثامن عشر وكانت الثانية في الطابق السابع عشر في نفس المبنى. وتساءل كثير من الأميركيين: هل يعقل ألا يعرفوا؟ ألا يشكوا؟

من بين الذين حاولوا تفسير ما حدث، ستيف فريزر، مؤرخ اقتصادي.

قال إنه، منذ قبل ثلاثين سنة (منذ «ريغانوميكز» ثم «بوشنوميكز») كان متشائما حول وضع البنوك والشركات الاستثمارية. ثم، الآن، يظل متشائما، ويتوقع أزمات أخرى. وقال: «خلال عشرين سنة بعد كارثة سنة 1929، فشلت البنوك والمؤسسات الاستثمارية في كسب ثقة المواطن الأميركي. لهذا، أتوقع أن يحدث نفس الشيء الآن». وأضاف: «يعيد التاريخ نفسه: يقل الخوف ويصير غضبا، ثم يقل الغضب ويصير شكوكا، ثم تقل الشكوك وتصير حذرا، ثم يقل الحذر ويصير ثقة. لكن، يحتاج هذا إلى سنوات كثيرة». يعمل فريزر في مجال التدريس والتأليف. وكتب: «عبر التاريخ المالي في الولايات المتحدة، ظلت علاقة المواطن الأميركي بأسواق المال والأسهم علاقة حب وكراهية. علاقة شكوك وثقة. في جانب، تمثل هذه الأسواق قوة المال. وفي جانب، تمثل المغامرة التي ربما لا تحمد عقباها».

وسأل أسئلة حرجة، لكنها مهمة:

هل يكسب الأميركي ثروته بالعمل الشاق؟ أم بالمتاجرة والسمسرة في سوق المال؟

هل تساوي الديمقراطية بين كل الأميركيين؟ أم هل تقود الطليعة الرعاع؟

هل يجب تطبيق قيم أخلاقية على أسواق المال؟ هل الواعز هو الطمع؟ أو الخلاص؟

لم تكن كارثة «وول ستريت» الحالية ليست فقط أول كارثة، ولكنها، أيضا، توضح أن أبطال كل كارثة يختلفون عن أبطال الكوارث الأخرى:

بعد استقلال أميركا بخمس عشرة سنة (سنة 1792) حدثت أول كارثة مالية. وسمى مؤرخون المسؤولين عن تلك الكارثة «بريتنشاص اريستوقراتز» (ارستقراطيين مزورين).

في سنة 1875، وقعت كارثة أخرى. وسمى مؤرخون المسؤولين «امبريال هيروز» (أبطال إمبراطوريين). مثل فاندربيلت، إمبراطور صناعة السكة الحديد والبواخر التي كانت تسير بالفحم الحجري.

وفي سنة 1929، وقعت الكارثة الاقتصادية المشهورة، وسمى مؤرخون المسؤولين عنها «اراغونتز» (استعلائيين)، اعتقدوا أنهم ملكوا أميركا وملكوا العالم. وكانت أكبر كارثة اقتصادية في تاريخ العالم.

وفي سنة 1992، بدأت سلسلة كوارث اقتصادية صغيرة، سمى مؤرخون المسؤولين عنها «اموراليستز» (غير الأخلاقيين). لم يكن هؤلاء «عمالقة» أو «أباطرة» أو «استعلائيين». كانوا أفرادا عاديين استغلوا غياب رقابة حكومية، وخدعوا حملة الأسهم وصغار المستثمرين. مثل مايكل ميلكن الذي اعتقل وسجن. ومثل المسؤولين عن شركة «انرون»، سبب أكبر إفلاس في تاريخ أميركا.

هذه المرة، تغلب وصف «غريد» (طمع). وصار مادوف رمز الطمع. وصارت كلمة «وول ستريت» رمزا لشارع الطمع.

هذا وصف صدر في كتاب عن وول ستريت:

«لا يوجد مكان في العالم يرتبط بالمال، وتجارة المال، وقوة المال، مثل «وول ستريت» في نيويورك. ولا توجد مدينة في العالم ترمز للنظام الرأسمالي، وعظمته الإمبراطورية، مثل نيويورك. يجب ألا يسمى وول ستريت. يجب أن يسمى «ستريت» (الشارع). شارع الشوارع. شارع يحلق فوق كل الشوارع. يقود الناس بالأرقام، وبالعقلانية. لكن الأرقام تخدع أحيانا، والعقلانية لا تخلو من عاطفة».

وسمى واحد «وول ستريت» أنه «ديموقراسي أوف ذا غريدي» (ديمقراطية الطامعين).

وقال الكتاب: «لا شيء ممنوعا، ولا شخص ممنوعا. هنا قصر الأحلام. هنا يغامر الناس وهم يأملون في الربح. هنا يصنع التاريخ مع صباح كل يوم. هنا كرنفال. لكن، هنا عالم يمكن أن ينقلب رأسا على عقب».

وقال: «في نفس الوقت، وول ستريت هو رمز الرأسمالية، وهو نقيض الرأسمالية. تحتاج الرأسمالية إلى وضع مستقر، وإلى رأس مال مستقر. لكن، هنا رأس المال يرتفع وينخفض كل يوم. ويعتمد على بشر لا يعرفون ماذا سيحدث غدا».

وقال يجب عدم توقع أن «وول ستريت» لا هم له غير المال. «هناك شيء آخر لا يسمع ولا يرى، وهو الضمير، الذي يريد خلط حب المال بحب الناس».

لهذا، توجد اليوم علاقة حب وكراهية بين «وول ستريت» (شارع المال) و«مين ستريت» (الشارع العام، أي الشوارع العادية التي يسير ويعمل فيه عامة الناس).

ولهذا، صارت فلسفة الاقتصاد الأميركي صراعا بين الخطيئة والخلاص. وسأل الرجل: «إذا كان تكديس المال خطيئة، أين الخلاص؟». وقال جيمس لودفيك، رئيس مؤسسة «مين ستريت» للنصائح المالية والاقتصادية في نيويورك إنها ليست كارثة اقتصادية فقط، ولكن اجتماعية. وأضاف: «نعم، أثرت الأزمة الاقتصادية على العلاقات الاجتماعية والعائلية. يأتي إلى مكتبي زوج وزوجة يريدان استشارات اقتصادية. وأول ما ألاحظ هو التوتر. ثلثهم في وضع صعب، مثل عدم القدرة على دفع أقساط المنزل الشهرية للبنك».

وأضاف: «أحيانا أكون مستشارا اقتصاديا وطبيبا نفسيا. أقول لهم أن أي نقاش لحل أي مشكلة يجب أن يعتمد على ثقة طرف في الآخر. لهذا، إذا غابت الثقة بين الزوج والزوجة، لن تقدر قوة في الأرض على حل أي مشكلة بينهما».

لكنه قال إن أكثر زبائنه من الأحسن حالا وأعلى دخلا. وان كثيرا من النقاش عقلاني وعلمي. وذلك لأن مكتبه في قلب واشنطن، بالقرب من البنك الدولي. وقال: «افهم أن الأزمة الاقتصادية تؤثر أكثر على الأقل دخلا، والذين ربما يتغلب عليهم الغضب، والذي، طبعا، يسبب أشياء أخرى سلبية».

بماذا ينصح؟

أولا: لا تناقشوا ميزانية العائلة عرضا أثناء الأكل أو مشاهدة التلفزيون. لكن، حددوا مكانا وزمانا لذلك. ربما خارج المنزل، مثل «رانديفو» (ميعاد غرامي ولكن اقتصادي أيضا).

ثانيا: اشتروا كتبا تقدم نصائح في مثل هذه الظروف، وتبادلوا الملاحظات عن ما جاء في هذا الكتاب أو ذاك.

ثالثا: قبل بداية النقاش، أثنوا على ميزات زوجاتكم أو أزواجكم، وعلى حرصهن أو حرصهم على الصرف الحكيم. وتحاشوا الانفراد بهذا الحرص، والادعاء بأنكم أكثر حرصا من الآخر.

ونشرت جريدة «يو إس توداي» الأرقام الآتية عن تأثير الأزمة الاقتصادية ليس فقط على ميزانيات العائلات، ولكن، أيضا على العلاقات العائلية:

أولا: من بين كل عشر زيجات على أبواب الطلاق، اضطرت خمس على العيش في نفس المنزل حتى تنفرج الأزمة الاقتصادية.

ثانيا: من بين كل عشر عائلات لم تكن تعمل فيها الزوجة في وظيفة خارج المنزل، اضطرت ثماني زوجات لخرق هذه العادة.

ثالثا: من بين كل عشر عائلات لا يزال يعمل فيها الزوج والزوجة، في خمس، اضطر زوج أو زوجة للعمل في وظيفة ثانية.

رابعا: من بين كل عشر عائلات كانت فيه مديرات منازل، استغنت ست عائلات عنهن.

خامسا: من بين كل عشر عائلات كانت تستأجر عمالا للإشراف على الحشائش والأعشاب والأشجار، أو لنظافة المنازل مرة في الأسبوع، استغنت خمس عائلات عن هؤلاء.

السؤال هو: هل سيتعظ المستثمرون، والبنوك، والطماعون؟