2009 نهاية عقد : رحيل الطيب صالح.. الروائي الأمهر

ترجمت بعض أعماله إلى أكثر من 30 لغة

TT

بعد رحلة خصبة من العطاء المتميز، أثرى خلالها فن الرواية والسرد العربي، رحل في 18 فبراير (شباط) من هذا العام، عن عمر يناهز الثمانين عاما، الروائي السوداني الأمهر الطيب صالح، في أحد مستشفيات العاصمة البريطانية لندن حيث كان يقيم. رحل الطيب صالح مخلفا بصمة لافتة في مجالات عديدة شملت الأدب والثقافة والصحافة والإذاعة. ورشح لجائزة نوبل في الآداب، واختيرت روايته «موسم الهجرة إلى الشمال» ضمن قائمة أفضل 100 رواية في القرن العشرين. كما ترجمت بعض أعماله إلى أكثر من 30 لغة، وفار بجائزة مؤتمر الرواية العربية في القاهرة عام 2005.

احتل الطيب صالح مكانة مرموقة في سجل الرواية العربية المعاصرة، وأصبح أحد المعالم المهمة في السعي إلى تطويرها، ودفعها إلى آفاق العالمية. وشكلت النقلة الفكرية والجمالية التي فجرها في روايته الأولى (موسم الهجرة إلى الشمال) إبان صدورها في بيروت عام 1966، مؤشرا على مولد شكل روائي عربي جديد، بعيدا عن القوالب والأنماط السردية التقليدية. فقد طرحت الرواية على لسان بطلها العربي سؤال الهوية، وانحازت إليه بقوة، بعيدا عن ثنائية: غرب متقدم في مقابل شرق متخلف.. التي راجت في عدد من الأعمال الروائية العربية. قدم الطيب صالح في روايته نموذجا جديدا للبطل الإشكالي المتربص بذاته، المفتون بها، إلى حد الهوس والجنون. وفي فضاء سردي سلس وشيق، يلامس الواقع بعفوية، ومفتوح على تخوم البدايات والنهايات. حتى إن هذا البطل، وهذه الرواية، أصبحا من النماذج القلية النادرة التي تقاس عليها مواطن السلب والإضافة في مرآة العديد من الأعمال الروائية اللاحقة التي لعبت على وتر العلاقة بين الشرق والغرب. وُلد الطيب صالح في إقليم مروى شمالي السودان بقرية كَرْمَكول بالقرب من قرية دبة الفقيرة، وهي إحدى قرى قبيلة الركابية التي ينتسب إليها، وتلقى تعليمه في وادي سيدنا وفي كلية العلوم بجامعة الخرطوم.

مارس التدريس لفترة، ثم عمل في الإذاعة البريطانية في لندن، وشغل منصب ممثل اليونسكو في دول الخليج ومقره قطر في الفترة 1984 - 1989. التصق صالح بأعماله، وأحب شخوصها وأبطالها، وبدهشة طفل وعين طائر تعاطف مع لحظات قوتهم وضعفهم. ورغم أسفاره وتنقلاته الكثيرة بين بلدان العالم، فإن الكتابة كانت حقيبته الخاصة ومتعة السفر الحقيقية له، يحاول أن يتكشف على ضفافها ذاته وما وراء العالم والعناصر والأشياء. وانعكس كل هذا على طرائق السرد والحكي لديه، فاكتسبت خاصية التحليق والتأمل والغوص، وجرأة التعبير والتخطي، كما اتسم الزمن الروائي في أعماله بالاختزال والتقطير.. إنه زمن الحكي والسرد، وليس زمن التاريخ والوقائع والأحداث، مهما بلغت ضراوة الاشتباك معها.

وفي أعماله اللاحقة، مثل «عرس الزين» و«مريود» و«نخلة على الجدول» و«دومة ود حامد»، وغيرها، قدّم الطيب صالح تنويعات وانبثاقات سردية لافتة، يمكن النظر إليها كمواسم أخرى لهجرة من نوع خاص، أو أنها بمثابة انخطافات أو مشاعل للروح والجسد، في أجواء ومناخات محلية، تحتفي بالريف السوداني. دُفن الطيب صالح صباح 21 فبراير (شباط) الماضي بمقابر البكري بأم درمان، في جنازة شعبية ورسمية تَقدّمها الرئيس السوداني عمر البشير، وحضرها الآلاف من السودانيين.