والدة علي موسوي: أعجز عن تسمية ما حدث.. هل هو مصيبة أم شهادة؟ لست أدري

خديجة موسوي تروي في مقابلة تنشرها «الشرق الأوسط» تفاصيل جديدة عن حادثة مقتل ابنها

والد علي موسوي يعلق صورته على الحائط في منزل العائلة في طهران (أ.ف.ب)
TT

خلال الحقبة المظلمة من الحرب العراقية - الإيرانية التي دارت رحاها في الثمانينات، عاد الشاب علي حبيبي موسوي إلى منزله من الجبهة، لزيارة عائلته على مدى أسبوع كامل، ووسط أجواء الكآبة كان الفتى يفيض مرحا مع والدته، التي لم تتوقف دموعها فرحا بعودته وقلقا عليه. وتستدعي والدته إلى مخيلتها ذلك اليوم: «قال لي: أمي إنني بعافية وها أنا قد عدت إلى المنزل. ذاك رأسي، وتلك رجلي وهذه ذراعي. إنني بخير. إنني لا أستحق أن أكون شهيدا، فأنا مصنوع من فولاذ».

بيد أن خديجة موسوي، شقيقة زعيم المعارضة الإيراني مير حسين موسوي، لم تنقطع عن البكاء مرة أخرى، بكاء على ابنها البالغ من العمر 43 عاما، الذي قتل نتيجة إطلاق النار عليه في ظروف غامضة خلال المظاهرات المناوئة للحكومة التي جرت الأحد الماضي. وقالت والدموع تملأ عينيها، خلال مقابلة أجريت معها من خلال الجوال من منزلها في طهران: «لقد كان شابا رائعا، لكنني سعيدة أن هذا قد حدث له ظهيرة يوم عاشوراء؛ ذكرى استشهاد الحسين الذي قتل قبل 7 قرون». وأضافت بلهجتها الأذرية: «من المؤكد أن الحسين سيرعاه في الدار الآخرة». وهي المرة الأولى التي تحدثت فيها والدة علي حبيبي موسوي للصحافيين، وكشفت خديجة تفاصيل وفاة ابنها قائلة: «بعد أن وقع ابني على الأرض ميتا، نقل إلى المستشفى وتم وضعه في مشرحة، ولكن أثناء الليل، وصل عناصر شرطة وإسعاف إلى المشرحة ونقلوا الجثة إلى مكان مجهول». ومضى يوم ثان، حتى عرفت الأم الأرملة وبقية العائلة مكان الجثة، ولم توافق الشرطة على تسليمهم الجثة إلا بشرط أن تكون الجنازة والدفن والتعزية خاصة وهادئة وبلا ضجة إعلامية.

على الرغم من ذلك، فإن الأم قالت إن شرطة ترتدي ملابس مدنية جاءت إلى بيت التعزية، وراقبت المعزين، ونزعت لافتات وضعها جيران تنعي علي حبيبي موسوي، وتعلن أنه شهيد، وأكدت مواقع إنترنت إيرانية معارضة ما كشفت عنه الأم، وقالت إن الشرطة، إضافة إلى ذلك، تابعت الجنازة حتى المقابر حيث دفنت، وأنها اشتبكت مع متظاهرين معارضين خلال وبعد الدفن.

وأضافت الأم الثكلى أن علي كان قد اشترك في الحرب الإيرانية - العراقية، وأن شقيقه إبراهيم قتل فيها عام 1986، وأن علي عاد وطمأن أمه بأنها لم تفقد شقيقين. وفي حزن تذكرت الأم أنه يوم عودته قال لها: «انظري يا أمي، أنا عدت سالما، هاتان هما يداي، وهاتان هما قدماي. عدت سالما».

وقالت الأم إن علي كان منذ صغره هادئا مثاليا، وبعد أن أكمل الدراسة الثانوية عمل في مكتب خاله، حسين موسوي، عندما كان الخال رئيسا للوزراء، وفي وقت لاحق عمل في متجر تابع للعائلة في بازار بطهران، وإنه كان يحب كثيرا زوجته وابنيهما، وقال تجار مجاورون لمتجر علي إنه كان أمينا ومثاليا، وإنهم عندما سمعوا بقتله أخفتوا أضواء متاجرهم لأيام حزنا.

ويوجد في طهران اعتقاد قوي بأن فرقة خاصة تعمدت قتل علي حبيب موسوي وآخرين، وأن في قائمتها حسين موسوي وآخرين، وأن هذه الفرقة الخاصة ليست حكومية، لكن لها صلة غير مباشرة بالحكومة، وذلك بهدف إنكار الحكومة لأي قتل ترتكبه الفرقة. وتنفي السلطات الإيرانية معرفتها بمصرع حبيبي موسوي وتلقي باللائمة على قوى مجهولة، حتى إن حسين شريعتمداري رئيس تحرير صحيفة «كيهان» المحافظة اتهم موسوي بتدبير مقتل ابن أخته لكسب تعاطف المعارضة، لكن بعض الناشطين قالوا إن حبيبي موسوي ربما يكون قد قتل على يد العناصر المتشددة من قوات الأمن الإيرانية، التي يزعمون أنها تشكل القوة الضاربة التي تنفذ الأعمال التي تتبرأ منها الحكومة، كالاعتداءات على المعارضة وقادتها. وقال محسن مخملباف، المنتج الإيراني المقيم في باريس المتحدث باسم المعارضة في اتصال هاتفي، إن حبيبي تلقى تهديدات بالقتل قبل أسبوع من مصرعه، وكانت السلطات الإيرانية قد حاولت التكتم على حادث القتل حتى أجريت مقابلة مع العائلة التي كانت متكتمة على الحادث. ويقول الأصدقاء والأقارب إن حبيبي كان متواضعا وودودا ومعتدلا، وقالت والدته إن حبيبي موسوي عندما كان في الرابعة أو الخامسة عشرة تطوع هو وأخوه إبراهيم في الجيش الإيراني، لكن إبراهيم قتل في الجبهة عام 1986.

وتظهره الصورة التي نشرت له بالأبيض والأسود، وهو يرتدي عصابة على رأسه، ويعانق والده بعد عودته من الجبهة، بعد أن أنهى المحارب الشاب دراسته الثانوية وعمل في مكتب خاله رئيس الوزراء، لكن والده لم يكن رجلا ذا طموحات كبيرة، فكرس وقته لزوجته وطفليه وعمل في متجر العائلة الذي تبلغ مساحته 120 قدما مربعا في السوق الكبيرة في طهران. في بادئ الأمر عمل والده في بيع الأرز والشاي، لكنه توجه في النهاية إلى بيع الألعاب الآسيوية الرخيصة، وكان كل زبائن حبيبي وزملائه من التجار يحبونه، وقد أطفأ بعض التجار أضواء محلاتهم حزنا على مقتل زميلهم. وقال أحد التجار الذي اشترط عدم ذكر اسمه: «كان لبقا ومتحفظا وهادئا». وقال أقاربه وأصدقاؤه إنه على الرغم من تصويته لخاله في الانتخابات الرئاسية العام الماضي وتعاطفه مع المعارضة فإنه لم يضطلع بدور قيادي في الاضطرابات التي تهز البلاد، وكان أقصى نشاط سياسي له عرض ملصق لخاله وحرف «V» الأخضر رمز المعارضة على واجهة متجره، لذلك كان الأقارب مرتبكين وقلقين عندما بدأ حبيبي في تلقي تهديدات عبر مكالمات هاتفية قبل أسبوع من مصرعه، ويوم الأحد كان في منزل صهره في شارع شادمان بالقرب من مركز المظاهرات.

ذكر شهود عيان داخل متجر البقالة أنه غادر منزله برفقة ابنته في غضون فترة قصيرة، بهدف إلقاء نظرة على الجوار، مع تصاعد الصدامات بين قوات الأمن والمتظاهرين في منطقة قريبة، وأنه ربما نما إلى علمه أن مكروها ما حدث، حيث طلب من ابن شقيقته توصيل ابنته إلى المنزل. بعد دقائق ظهرت سيارة «نيسان» رياضية بداخلها رجال يرتدون ملابس عادية، واخترقت رصاصة قلب حبيبي موسوي وخرجت من ظهره، وتكشف صورة للسترة الجلدية التي كان يرتديها حجم الثقب الدموي الذي أحدثته الرصاصة بجسده، ويوضح مقطع فيديو جرى نشره على شبكة الإنترنت ما وصف بأنه جثته الهامدة، ملقاة على الرصيف. كانت والدته أول من تم إخطاره بأن حجرا أصابه، لكن في المستشفى رأت زوجة موسوي تبكي، وقالت: «سألتها هل ضرب ولدي موسوي بحجر حقا؟ أخبريني الحقيقة، أنا قوية بما يكفي، يمكنني تحمل الأمر، ثم علمت بالفاجعة التي ألمت به». بعد يومين من مقتل موسوي، أعلنت الشرطة أن حبيبي موسوي تعرض لإطلاق النار عليه من مسدس طراز «كولت 45» على يد شخص مجهول كان يسير في شارع شادمان، ويوحي نمط السلاح المستخدم بأن فريقا إرهابيا ارتكب جريمة القتل، حسبما أفادت الشرطة، وذلك على الرغم من أن أفراد ميليشيات موالية للحكومة جرى تصويرها خلال المظاهرات وهم يحملون مسدسات «كولت 45». وأشارت الشرطة إلى أنها احتجزت مالك سيارة «نيسان» رياضية سوداء، التي تشير المزاعم إلى أنه جرى استخدامها في الحادث، وذكرت تقارير أن صاحب السيارة أخبر الشرطة أن السيارة تعرضت للسرقة. من ناحيتها، لم تلق أسرة موسوي بمسؤولية القتل علانية على السلطات، لكن مخملباف وصف الحادث بأنه محاولة لإسكات القيادات الإصلاحية عبر استهداف أحبائهم. يذكر أنه في الأيام الأخيرة، ألقي القبض على أقارب كثير من الشخصيات الإيرانية البارزة، بينهم ابن شقيقة موسوي، وشقيقة الناشطة في مجال حقوق الإنسان، شيرين عبادي. من جانبهم، حاول بعض أصدقاء وأقارب حبيبي موسوي إقامة عزاء له في مسجد دار السلام بالقرب من منزله، لكن السلطات رفضت حتى الآن تأبين ضحايا المظاهرات علانية. أما والدته فلا تأبه للأمر، وقالت: «مر كثير من الشباب الإيراني بمثل هذه المصائب، فلماذا يجري تأبين علني لولدي في المسجد بينما يحرم الآخرون من ذلك؟» كما أبدت اعتراضها على تحول ابنها لرمز قائلة: «لا نطلق عليه لقب شهيد، عندما خاض الحرب التي كنت أخشاها كان يمكن أن يسقط شهيدا، لكني أعجز عن تسمية ما حدث، هل هو مصيبة أم شهادة؟ لست أدري».

* خدمة «لوس أنجليس تايمز».

خاص بـ«الشرق الأوسط».