حزب الترابي يختار مرشحا من الجنوب لمواجهة البشير في انتخابات الرئاسة

حزبا الأمة والاتحادي في سباق مع الزمن لتوحيد صفوفهما قبل انتخابات الربيع

TT

اختار حزب المؤتمر الشعبي المعارض بزعامة الدكتور حسن عبد الله الترابي قيادي جنوبي في الحزب، كمرشح له لخوض انتخابات رئاسة الجمهورية المقررة في الربيع المقبل، في أول سابقة لحزب شمالي. في وقت بدأ فيه حزبا الأمة والاتحادي المعارضان حملة لتوحيد صفوفهما التي شهدت انشقاقات عديدة في سباق مع الزمن قبل الانتخابات العامة المقررة في أبريل (نيسان) المقبل.

وقال حزب المؤتمر الشعبي في رسالة موجهة إلى أعضائه إن اختيار عبد الله دينق نيال، كمرشح للرئاسة السودانية جاء «بتوافق غالبية أعضاء الحزب». ويعتبر حزب الترابي هو ثاني حزب يختار مرشحه بعد حزب المؤتمر الوطني الحاكم بزعامة الرئيس عمر البشير الذي اختار الأخير مرشحا له منذ أشهر. وقال الحزب إن نيال حصل على نسبة 76% من ترشيحات الحزب، تليه الدكتورة خديجة كرار بدر، والدكتور محمد الأمين خليفة، رئيس البرلمان السابق، وعبد الله أبو فاطمة عبد الله، في الترشيحات المرفوعة لمجلس شورى الحزب.

وقال الترابي في مؤتمر صحافي عقده أمس إن ترشيح عبد الله دينق نيال يعبر عن مخطط لمخاطبة الوجدان الجنوبي الذي تسيطر عليه فكرة التهميش، وقال إن الشمال منذ وقت طويل لم يستطع أن يرسل رسالة يطمئن بها قلب الجنوب، وأضاف «نحن أول حزب يقوم برحلة للجنوب تعبر عن التقاء الشعب بالشعب». ووجه الترابي انتقادات عنيفة لترتيبات الانتخابات، ولم يستبعد أن يحدث تزوير في الانتخابات المقبلة، كما توقع تأجيلها من قبل حزب المؤتمر الوطني الحاكم، وقال إن «الأمر يتوقف على قرار منه وربما يؤجلها أو يعطلها»، وحسب الترابي فإن مفوضية الانتخابات السودانية «مسكينة»، وقال «إن منسوبيها موظفون في الدولة، وإنهم يقعون تحت وطأة رهيبة». وحذر الترابي من أن عدم ارتكاز الأحزاب على رأي أخير في قضية الانتخابات مرده الاضطراب القائم في البلاد، وقال إن البلاد فيها اضطراب والأحزاب جزء من ذلك. وكشف زعيم الإسلاميين في السودان أن القوى السياسية اتفقت على خوض الانتخابات بتقديم مرشحها في الدورة الأولى كل على حدة، الحركة الشعبية إذا قاطعت الانتخابات فلن تكون شرعية، وقال «ليس هناك تنسيق حتى الآن بين المعارضين في الترشح لمنصب رئيس الجمهورية». وحسب الترابي فإن احتمالات التحالف بين القوى السياسية واردة.

ولم يستبعد الترابي أن يتم تقديم مرشح واحد في الدوائر الجغرافية أو منصب الوالي، وفرص التحالف قائمة في هذا الجانب. وقال إن تعدد المرشحين يساعد على تشتيت الأصوات وإشباع رغبة الأحزاب في ترشيح منسوبيها، ورأى أن معظم الأحزاب تدخل هذه الانتخابات وهي كارهة، ونوه «إذا ما قدرنا نأخذ كل الحق فبعضه». وقال في هذا الخصوص: «من الغباء تقديم مرشح واحد لرئاسة الجمهورية في المرحلة الأولى»، ونبه الترابي إلى أنه قد يتعذر على صاحب الولاء الحزبي أن يصوت لمرشح آخر خارج حزبه. وطبقا للترابي فإن الذين تجاوزوا السبعين من العمر يجب أن يكونوا في الاستشارة أكثر من العمل التنفيذي.

وحول تزوير الانتخابات، قال إن التزوير سنة قديمة في السودان، وأضاف: «لكنه غالبا يكون في المناطق الطرفية»، وذكر أن من يحكم ليس مهما أن يكون من الشمال أو الجنوب، لأن هذه الاتجاهات جغرافية فحسب، وقال «لو ترشح أي شخص ولو كان متجنسا بالجنسية السودانية فقط وكان الأولى فسنصوت له». وطبقا للترابي فإن أكبر أزمة تحيط بالبلاد الآن هي أزمة الجنوب والشمال، ونزع الجنوب بين المفاصلة والابتعاد، وقال «ذلك هو الراجح»، واتهم الترابي الشمال باتخاذ الجنوب هامشا للموارد فقط لا يعامله بالمواطنة الحقيقية. وحذر الترابي من أن الانفصال «لن يكون في الجنوب فقط»، وقال إن الشماليين يتحدثون عن الوحدة «في حين لا يمكن أن يكون هناك والٍ من الجنوب في الشمال أو شمالي في الجنوب».

إلى ذلك، انطلقت تحركات واسعة في الخرطوم داخل الأحزاب السودانية لتحقيق الوحدة بين تياراتها التي تعرضت في الأعوام الماضية إلى انشقاقات بأسماء مختلفة. ورأت مصادر مطلعة تحدثت لـ«الشرق الأوسط» أن تلك التحركات تدفعها إلى الأمام قرب موعد الانتخابات العامة، وما فيها من منافسة انتخابية تتطلب كيانات سياسية كبيرة. وبرزت خطوات وصفت بأنها «عملية» في اتجاه الوحدة بين تيارات حزبي الأمة بزعامة الصادق المهدي، والاتحادي بزعامة محمد عثمان الميرغني. وكشفت مصادر مطلعة في حزب الأمة لـ«الشرق الأوسط» أن إعلان الوحدة بين ثلاثة تيارات في الحزب على الأقل ستعلن قبل فتح باب الترشيح للانتخابات العامة خلال أسابيع، فيما قالت مصادر في الحزب الاتحادي الديمقراطي لـ«الشرق الأوسط» إن خطوات الوحدة بين أكبر تيارين في الحزب الاتحادي قطعت شوطا بعيدا، ولم تشأ تحديد مدة زمنية لإعلان الوحدة بينهما. كما كشفت المصادر أن رئيس حزب الأمة الصادق المهدي يتحرك الآن في ثلاثة اتجاهات عبر ثلاث لجان مصغرة، تعمل في تكتم لتحقيق وحدة الحزب، وهي: الأولى مجموعة التيار العام وهي مجموعة وزير الطاقة السابق آدم موسى مادبو والمحامي محمد الدومة، التي اختلفت معه حول قرارات مؤتمر الحزب العام الماضي، قبل أن تتهم المؤتمر بأنه «غير دستوري». الثانية مجموعة من قيادات الحزب جمدت نشاطها في الحزب بقرار أو دون قرار، بينهم القيادي عبد الرسول النور. والثالثة مجموعة حزب الأمة، الإصلاح والتجديد، بزعامة مبارك الفاضل المهدي. وتوقعت المصادر أن ترفع اللجان تقاريرها إلى رئيس حزب الأمة القومي، الصادق المهدي خلال أيام.

وقال وزير السياحة السابق عبد الجليل الباشا القيادي في حزب الأمة، الإصلاح والتجديد، لـ«الشرق الأوسط» إن وحدة الحزب ضرورية الآن حتى لو لم تنته كل المشكلات التي أدت إلى الانشقاقات، وأضاف أن الظروف التي تمر بها البلاد تتطلب وحدة الحزب، الذي وصفه بأنه «همزة الوصل» بين كل السودانيين، ومضى «لذلك نحن رحبنا بنداء الصادق المهدي للوحدة». ونفى أن تكون الانتخابات المقبلة شكلت دافعا قويا في اتجاه الوحدة، وقال «القضية أصبحت الوطن نفسه».

وكان المهدي أعطى الضوء الأخضر لأحزاب الأمة المنشقة وتياراتها بالعودة إلى «الشرعية التاريخية»، وأسقط المهدي في بيان وصف بأنه تصالحي؛ شرط «التطهر»، الذي ظل لسنوات يتمسك به للعودة إلى الحزب «الأم». وقال إن الموقف الوطني يستوجب وحدة الصف في كل مجالات الحياة لمواجهة أزمات الوطن الداخلية والخارجية «وقد أمكننا الآن انطلاقا من مؤتمر جوبا للقوى السياسية المعارضة والحركة الشعبية أن نحقق أوسع تجمع وطني في تاريخ السودان الحديث».

وقال المهدي «مهما حدث من تطورات فإن حزب الأمة لم يلغ عضوية أحد»، ودعا الكافة إلى استئناف عضويتهم في الحزب دون حرج ما داموا يعترفون بالشرعية التاريخية والنضالية والفكرية للكيان الأم، وتعهد بتشكيل لجنة برئاسة رئيس المؤتمر العام وعضوية ممثلين للأطراف المعنية لتسكين مستأنفي العضوية بالحق والعدل، وتشكيل لجنة أخرى للنظر في الشبهة الدستورية على أساس النص الدستوري الذي انعقد المؤتمر في ظله. ورحب محمد عبد الله الدومة القيادي في حزب الأمة زعيم مجموعة «التيار» ببيان المهدي، وأبدى التيار العام في بيان له استعداده للمشاركة في اللجان التي اقترحها المهدي لترتيب وحدة الحزب. ونوه حزب مبارك الفاضل ببيان الصادق المهدي، وقال إنه يرحب بنداء الوحدة «وبذل كل الجهد المخلص لتوحيد حزبنا العتيد ليضطلع بمسؤولياته الوطنية والمشاركة الفاعلة من خلال الآليات المناسبة لإنزال هذا الهدف السامي إلى أرض الواقع».

وفي اتجاه الحزب الاتحادي، كشفت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» أن العمل يجري بصورة متقدمة لتوحيد أكبر جناحي الحزب الاتحادي الديمقراطي «الاتحادي بزعامة محمد عثمان الميرغني» و«الاتحادي جناح الهندي»، الذي يتزعمه الدكتور جلال الدقير، في حزب واحد، كما كان قبل الانشقاق بينهما، فيما قال حاتم السر الناطق الرسمي باسم الحزب الاتحادي بزعامة الميرغني في تصريحات صحافية إن «الأسباب التي أدت إلى الخلاف في السابق بين الجانبين زالت وأنه لا بد من تجاوزها»، وأضاف أن «بقاء الحزب الاتحادي موحدا سيساعد على استقرار الحياة السياسية في السودان».