كلينتون: سنواصل دعم الحكومة الباكستانية لمكافحة التطرف

إسلام آباد تطالب زعماء قبيلة محسود بالتحرك ضد قيادات طالبان

TT

طلبت سلطات حكومية باكستانية رسميا من شيوخ قبيلة محسود تسليم 378 شخصا من المطلوبين وذلك لضلوعهم في أنشطة إرهابية في مدن باكستانية وفي هجمات استهدفت القوات الأمنية الباكستانية في المناطق القبلية في البلاد. وتم تسليم القائمة التي تحتوي على أسماء 378 عضوا من أعضاء قبيلة محسود إلى زعماء القبيلة في جيرغا (وهو مجلس استشاري قبلي) عقد في مدينة تانك، التي تقع على حدود وزيرستان الجنوبية الأسبوع الماضي. وينتمي الأشخاص المطلوبون على القائمة إلى «تحريك طالبان» وجميعهم أعضاء في قبيلة محسود.

وتم تحديد هوية عدد من أعضاء قبيلة محسود خلال الهجمات الانتحارية الأخيرة التي استهدفت مدنا باكستانية. وتعد قبيلة محسود هي القبيلة المسيطرة في وزيرستان الجنوبية وتعد كبرى القبائل من حيث التسليح في المناطق القبلية داخل باكستان. وينتمي زعماء «تحريك طالبان الباكستانية» كافة إلى هذه القبيلة. وبرز زعماء «تحريك طالبان الباكستانية» مثل بيت الله محسود الذي تم اغتياله والزعيم الحالي حكيم الله محسود، وولي الرحمن محسود، في أعقاب الغزو الأميركي لأفغانستان عام 2001. بيد أنهم لا يحظون بوضع قيادي داخل تشكيل القبيلة. واتصلت الحكومة الباكستانية في الوقت الحالي بزعماء قبيلة محسود وطالبتهم بالقيام بتحرك ضد هؤلاء الأعضاء المتورطين في الهجوم الذي استهدف المناطق القبلية في البلاد. وفي ظل القانون الباكستاني السائد في المناطق القبلية، يطبق مبدأ المسؤولية الجماعية، وتتحمل بموجبه القبيلة بأكملها المسؤولية عن الجرائم الفردية التي يرتكبها أي عضو في القبيلة. وعلى الرغم من ذلك، فإن الخبراء يقولون إن شيوخ القبائل فقدوا السيطرة على الوضع في المناطق القبلية في ظل صعود طالبان في هذه المناطق المضطربة. بيد أن هذا التحرك من جانب الحكومة يستطيع أن يقلب الرأي العام في قبيلة محسود ضد طالبان. ويضطلع أعضاء قبيلة محسود بدور مهم بصورة متزايدة داخل المجتمع الباكستاني. ويعمل بعض الأعضاء في قبيلة محسود كموظفين بارزين في الحكومة وجنرالات في الجيش ورجال أعمال وأطباء جراحة. وصرح مسؤولون لـ«الشرق الأوسط» بأن شيوخ قبلية محسود يسعون إلى كسب بعض الوقت حتى 20 يناير (كانون الثاني) للوفاء بمطالب الحكومة الباكستانية. إلى ذلك، أدانت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري رودهام كلينتون مساء أول من أمس التفجير الانتحاري الذي وقع أثناء مباراة للكرة الطائرة في باكستان وأودى بحياة 95 شخصا على الأقل.

وأكدت كلينتون أن الولايات المتحدة ستواصل تقديم الدعم إلى باكستان في مواجهة الإرهاب داخل حدودها. وقالت في بيان إن «الولايات المتحدة تدين بشدة هجوم أول من أمس الإرهابي على المدنيين في باكستان. ونقدم تعازينا لأسر الضحايا ولكل شعب باكستان».

وكانت حصيلة قتلى التفجير الانتحاري الذي وقع أول من أمس الجمعة في إقليم الحدود الشمالي الغربي في باكستان ارتفعت إلى ما لا يقل عن 95 قتيلا، وسط مخاوف من سقوط كثير من الأطفال بين الضحايا. وأصيب أكثر من 100 شخص في الهجوم الذي وقع بينما كان المئات يشاهدون مباراة للكرة الطائرة. وأضافت كلينتون أن «الشعب الباكستاني رأى الإرهابيين يستهدفون المدارس والأسواق والمساجد، والآن مباراة كرة الطائرة». وتابعت: «الولايات المتحدة ستستمر في الوقوف مع الباكستانيين في جهودهم لرسم مستقبلهم بشكل يخلو من الخوف والترهيب».

من ناحية اخرى فتحت السلطات الباكستانية أمس تحقيقا في الهجوم الانتحاري الذي أسفر عن مقتل 95 شخصا وإصابة العشرات خلال مباراة للكرة الطائرة في إقليم الحدود الشمالية الغربية. وقال محمد أيوب خان رئيس شرطة الإقليم عبر الهاتف: «وجدنا بعض الأدلة من الممكن أن تقودنا لمرتكبي الهجوم». وكان تفجير أول من أمس في قرية شاه حسن خيل الأخير في سلسلة غارات نفذها المسلحون ضد أهداف مدنية وحكومية في البلاد منذ منتصف أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وقال خان: «وصل الإرهابيون في سيارتين؛ سيارة زرقاء اقتحمت أرض الملعب مباشرة وانفجرت هناك، والثانية التي كانت تنتظر على مسافة قريبة تراجعت إلى الخلف وتوجهت صوب (قرية) لاكي ماروات».

وأسفر الانفجار عن تدمير نحو 30 منزلا قريبا وسوقا ومقتل ستة أطفال وامرأتين داخله. كما لقي خمسة من القوات شبه العسكرية حتفهم في الهجوم. وأضاف خان أن ما يتراوح بين 250 إلى 300 عبوة ناسفة استخدمت في الهجوم الذي خلف حفرة عمقها يتراوح بين متر ومترين في أرض الملعب. ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن الهجوم حتى الآن. غير أن سكان لاكي ماروات قالوا إن التفجير الانتحاري قد يكون انتقاما لجهود المدنيين الرامية لطرد مسلحي طالبان من القرية. وكانت القوات الباكستانية مدعومة بالمروحيات الحربية والمدفعية شنت هجوما على المتمردين الإسلاميين في شاه حسن خيل منذ نحو ثلاثة أشهر، مما أسفر عن مقتل العشرات من مسلحي طالبان واضطر الباقون إلى الفرار إلى وزيرستان الشمالية المجاورة. وشكل السكان المحليون لجنة سلام بعد العملية وميليشيا مسلحة للحيلولة دون عودة قوات طالبان وهو ما أثار ثائرة المتمردين. وقال مشتاق ماروات عضو لجنة السلام إن «السكان تلقوا تهديدات من المسلحين قبل أيام من التفجير». يذكر أن وزيرستان الشمالية، خاصة المناطق القبلية منها بطول الحدود الأفغانية تحولت لمعاقل آمنة للمتمردين منذ 2001 عندما قامت القوات الدولية بقيادة الولايات المتحدة بالإطاحة بنظام حكم طالبان في أفغانستان. ويشارك عشرات الآلاف من القوات الباكستانية حاليا في عملية كبرى ضد المتطرفين الإسلاميين في وزيرستان الجنوبية القبلية المضطربة. وأسفر الهجوم الذي استمر لأكثر من عشرة أسابيع عن مقتل أكثر من 600 من عناصر طالبان بحسب إحصاءات الجيش.

ورد المسلحون على الهجوم العسكري بسلسلة من التفجيرات الانتحارية الانتقامية استهدفت منشآت مدنية وعسكرية وخلفت ما يزيد على 600 قتيل منذ منتصف أكتوبر الماضي. وتعرضت الحكومة الباكستانية للضغط من جديد أمس لإرساء الاستقرار في البلاد بعد أحد أكثر التفجيرات دموية منذ أكثر من عامين الذي أودى بحياة 89 شخصا على الأقل. ويشير هجوم أول من أمس خلال مباراة للكرة الطائرة إلى أن مسلحي حركة طالبان الذين لهم صلة بتنظيم القاعدة باتوا يركزون على تفجيرات وسط الحشود الكبيرة من المدنيين لإيقاع أكبر عدد من القتلى والجرحى ونشر الرعب بدلا من مهاجمة أهداف صعبة مثل قوات الأمن. ولا يزال عمال الإنقاذ والقرويون يبحثون عن ضحايا بعد يوم من تفجير انتحاري بسيارة رباعية الدفع في ملعب للكرة الطائرة بقرية شاه حسن خيل بشمال غربي باكستان. وقال قروي يدعى زاهد محمد وهو من بين عشرات الأشخاص الذين يساعدون عمال الإنقاذ: «لا نزال نعتقد أن هناك مزيدا من الجثث بين الأنقاض، وأن عدد القتلى ربما يرتفع. الناس يحفرون في الأنقاض بأيديهم ومعاولهم ولا توجد آلات ثقيلة لمساعدتنا». ويتعرض الرئيس الباكستاني آصف علي زرداري لضغوط على عدة جبهات في الداخل والخارج. فهو على خلاف مع الجيش الباكستاني القوي الذي يقرر السياسات الأمنية، كما أن مساعديه قد يواجهون اتهامات بالفساد تجددت في الآونة الأخيرة. وقال المحلل السياسي حسن عسكري رضوي إن «عنف المتشددين يزيد الضغط على زرداري ويوفر فرصا جديدة لمعارضيه كي يهاجموا حكومته. الحكومة ستحتاج إلى أن يكون لديها منظور ما طويل الأمد، بمعنى أنه سيتعين عليها تعزيز الأمن الداخلي الذي ظل مهملا في الماضي لأنهم لم يدركوا أن الأمور قد تمضي بهذا السوء». ومما يسلط الضوء على السخط العام من زيادة مد العنف في البلاد، أن مدينة كراتشي الجنوبية أكبر مدن باكستان وعاصمتها التجارية شهدت إضرابا أمس.