مستوطنون متزمتون يعتدون على رجال الدين المسيحيين في القدس

بسبب مواقف كنائسهم من الاستيطان في الأراضي الفلسطينية

TT

شكا رجال الدين والكهنة المسيحيون الذين يخدمون في الكنائس القائمة في محيط مدينة القدس من تواصل الإهانات والاعتداءات الجسدية التي يرتكبها المستوطنون ضدهم. وروى عدد من الكهنة في الكنائس الروسية والبولونية والرومانية والإثيوبية أن مستوطنين يعترضون طرق الكهنة، ويعتدون عليهم بالبصق ويكيلون إليهم الشتائم، وفي بعض الأحيان يلجأون إلى الاعتداءات الجسدية بالدفع وإلقائهم أرضا. ويقوم هؤلاء المتطرفون بكتابة شعارات بالعبرية ولغات غيرها تتضمن كلمات تسيء للسيد المسيح عليه السلام. وفي أحيان أخرى، يقذفونهم بالحجارة. وقبل أسبوعين، ألقوا بقطة ميتة في ساحة إحدى الكنائس المقدسية.

وقال هؤلاء الكهنة إن هذه الاعتداءات عليهم تنفذ في كل يوم تقريبا وأنها زادت كثيرا في الشهور الأخيرة بشكل خاص. وربط بعضهم بين هذه الاعتداءات والنشاطات والمواقف السياسية التي تتخذها الكنائس المسيحية.

ففي شهر نوفمبر (تشرين الثاني) مثلا، أصدر المجلس العالمي للكنائس، الذي يضم 349 كنيسة في دول العالم المختلفة، قرارا يطالب الحكومة الإسرائيلية بوقف بناء مستوطنات جديدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وجاء هذا النداء إثر قرار بلدية القدس الغربية بناء تسعمائة وحدة سكنية جديدة في مستوطنة غيلو في القدس الشرقية. وفي حينه أعرب أمين عام المجلس، القس صموئيل كوبيا، عن خيبة أمله الكبيرة إزاء هذا القرار وشجب السياسة التي تنتهجها الحكومة الإسرائيلية بقيادة بنيامين نتنياهو. وقال المجلس إنه واثق بأن سياسة الاستيطان تقف عائقا في وجه الجهود المبذولة لإعادة إحياء عملية السلام، داعيا الحكومة الإسرائيلية إلى العودة عن هذا القرار. وأكد أن بناء المستوطنات فوق الأراضي الفلسطينية التي احتلتها إسرائيل عام 1967 يشكل انتهاكا للقوانين الدولية، وحذر من مغبة أن تقضي سياسة الاستيطان على إمكانية إحلال السلام في المنطقة.

في أعقاب هذا الموقف تصاعدت الاعتداءات على رجال الدين المسيحيين بشكل خاص، وجرى الاعتداء على راهبات أيضا. وفي أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، انطلقت في مدينة بيت لحم «المسيرة العالمية للسلام واللا عنف»، بمشاركة عدد من الشخصيات الوطنية والدينية وحشد من المواطنين الأجانب والوفود المسيحية العالمية التي أتت للتضامن مع الشعب الفلسطيني. ومن بين المشاركين في المبادرة المطران عطا الله حنا رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس وفكتور بطارسة رئيس بلدية بيت لحم. وفي أثناء المسيرة رُفعت الصلوات والترانيم والأدعية ورددت الأغاني المنادية بتحقيق العدالة وإنصاف الشعب الفلسطيني. واختتمت المسيرة في الموقع الذي خُصص لاستقبال البابا بنيديكتس السادس عشر أثناء زيارته للأراضي المقدسة في مايو (أيار) الفائت، أي في مكان يُطل على جدار الفصل الإسرائيلي. وعند عودة رجال الدين، كان المستوطنون يتربصون بهم. فقذفوهم بالحجارة.

وأبلغ الكهنة، وغالبيتهم من الأجانب، حكومات الدول التي جاءوا منها، بأمر هذه الاعتداءات. فانهالت رسائل الاحتجاج والاستنكار من هذه الدول على وزارة الخارجية الإسرائيلية. وخلال التحقيقات التي قامت بها الوزارة، تبين أن منفذي الاعتداءات هم من اليهود المتزمتين دينيا وسياسيا (حرديم) من المستوطنين في مختلف الأحياء الاستيطانية في المدينة. وبادر القنصل البولوني الفخري في القدس، زئيف بيرن، إلى الاتصال مع القيادات الدينية لهؤلاء الشبان والفتية المعتدين. وعقد رئيس بلدية القدس الغربية، نير بركات، لقاء ضم عددا منهم مع رؤساء الدوائر والأحزاب الدينية الممثلة في البلدية، وشرح لهم فداحة الأضرار التي تلحقها تصرفاتهم بسمعة إسرائيل وكيف أنها تفتح باب جهنم للعلاقات الإسرائيلية مع الفاتيكان وأوروبا والولايات المتحدة وغيرها من دول العالم المسيحي.

وتعهد رجال الدين المتزمتون باتخاذ إجراءات جدية لمكافحة هذه الظاهرة. وأصدروا تعليمات إلى الفتية تحظر عليهم تنفيذ هذه الاعتداءات وتقول إنها مخالفة لأحكام الديانة اليهودية. وأن منفذيها هم صبية طائشون لا يتحلون بالمسؤولية ولا يحترمون الدين. ولكن ذلك أدى إلى تخفيف طفيف في الاعتداءات، ولكنها لم تتوقف بعد.