سعود الفيصل: إسرائيل كـ«الطفل المدلل» يفعل ما يشاء دون عقاب

أكد وجود مفاوضات من أجل تسهيل عودة ابنة بن لادن من إيران > أوغلو ينفي أن يكون وجوده في الرياض لتسهيل زيارة مرتقبة لمشعل

وزير الخارجية السعودي ونظيره التركي خلال المؤتمر الصحافي المشترك في الرياض أمس (رويترز)
TT

وصف الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي، إسرائيل بـ«الطفل المدلل» للمجتمع الدولي، «تفعل ما تشاء بدون عقاب أو مساءلة».

وتأتي هذه الانتقادات اللاذعة للفيصل بعد لقائه وزير الخارجية التركية أحمد أوغلو، في الرياض أمس، في الوقت الذي طالب فيه باسم بلاده المجتمع الدولي وحكومة الولايات المتحدة الأميركية على وجه الخصوص، بـ«وقفة حازمة لوضع حد لسياسة الاستيطان في الأراضي الفلسطينية عامة، والقدس على وجه الخصوص».

وتتطابق وجهات نظر الرياض وأنقرة، إزاء القضية الفلسطينية، كما يؤكد ذلك وزير الخارجية التركية أحمد أوغلو، الذي تأتي زيارته إلى السعودية، بهدف لقاء خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، والبحث مع المسؤولين السعوديين في تعزيز العلاقات بين البلدين.

ونفى أوغلو، أن يكون وجوده في الرياض هذه الأيام، بهدف تسهيل زيارة يعتقد أنها مرتقبة لرئيس المكتب السياسي خالد مشعل.

وحاول مراقبون الربط بين التحرك التركي تجاه إنهاء الانقسام بين حركتي فتح وحماس، وزيارة محمود عباس الأخيرة إلى السعودية وزيارته المرتقبة لتركيا، وأنباء عن زيارة قريبة لمشعل إلى الرياض.

لكن وزير خارجية تركيا، قطع هذه الاحتمالات، بقوله «لا ليس هنالك علاقة»، مؤكدا أن بلاده والرياض تسعيان لدفع الفلسطينيين إلى «التصالح والتفاوض وإزالة الانقسام لتحقيق الوحدة». وتطرق وزيرا خارجية السعودية وتركيا، خلال مباحثاتهما، التي وصفها سعود الفيصل بـ«العمق والشمولية والبناءة»، للسبل الكفيلة بإعادة اللحمة للصف الفلسطيني. وهنا قال أوغلو «السعودية وتركيا مهتمتان بإزالة الانقسام في الصف الفلسطيني».

وسيطر الموضوع الفلسطيني، على مجريات البحث بين أوغلو والفيصل. وقال وزير الخارجية السعودي، إن «عملية السلام حظيت بنصيب وافر في المحادثات، خاصة في ظل الجمود الذي تشهده، والتناقض بين قول إسرائيل بتجميد الاستيطان، وواقع الحال الذي يشهد بناء المزيد من المستوطنات وآخرها في القدس الشرقية». واعتبر الفيصل أن التوسع الاستيطاني «مصدر قلق واستنكار شديد لنا والمجتمع الدولي، على حد سواء. لافتا إلى أن هذه السياسة «تلقي بالشكوك حيال جدية إحياء عملية السلام، على أسس إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة والقابلة للحياة في إطار حل الدولتين».

وأكدت الرياض أن «الحل العادل والشامل والدائم للنزاع ينبغي أن يرتكز على الانسحاب الإسرائيلي الشامل من كافة الأراضي العربية المحتلة في عام 67 بما فيها الجولان السوري، ومزارع شبعا وقرية الغجر اللبنانيتان».

ورأى الفيصل أن الأوضاع الدولية المعقدة، تعقد الوصول إلى حل للقضية الفلسطينية. وقال في رده حول ما هي الرسالة التي يوجهانها هو ونظيره التركي للشعب الفلسطيني لإنهاء معاناته «لو كان الحل بيدي لحللته من أربعين سنة ولكن للأسف الأوضاع الدولية معقدة».

وأضاف أن «العلة من عدم الوصول إلى الحلول هي المعاملة المميزة التي تعامل بها إسرائيل، فالدول التي تخترق القانون الدولي إذا قامت بذلك تلقى جزاءها. إلا إسرائيل؛ أصبحت هذه الدولة في المجتمع الدولي كالطفل المدلل تفعل ما تشاء بدون عقاب أو مساءلة، وحتى يتغير هذا الأسلوب نعتقد أن الأمور ستبقى على ما هي عليه».

وأشار الفيصل إلى أن «المطلوب أن يكون هناك مقترح محدد يعنى بالمسائل الأساسية وهي الحدود والقدس واللاجئين وغيرها من المشكلات الأساسية، وأن توضع أفكار لحلها وتدعى الأطراف للمفاوضة عليها وإذا وصلوا إلى نتيجة كان ذلك جيدا وإذا لم يصلوا يُرجع إلى محكمة العدل الدولية».

وأضاف مكملا «هذا هو الأسلوب المتبع في التعامل مع القضايا المشابهة للقضية الفلسطينية ولكن للأسف لم يتبع حتى الآن هذا الأسلوب. نعتقد أنه ما زال هناك أمل».

وشدد وزير خارجية السعودية، على ضرورة أن تعي إسرائيل أن «رفضها للسلام ليس في النهاية لصالحها وإنما أول ما تهدد هي هذه الدولة من عدم الاستقرار الذي سيحصل في منطقة الشرق الأوسط.. ونحن دائما متفائلون ونأمل في الخير، ونأمل أن يعي المجتمع الدولي مسؤوليته وأنّ ترك الأمور لن يعالجها وأن يتخذوا الإجراءات التي تؤدي إلى نتائج». ومقابل الانتقادات التي وجهها وزير خارجية الرياض لضعف المجتمع الدولي في التعاطي مع القضية الفلسطينية، نوه «بالدور الكبير لتركيا ومشاركتها الإيجابية في جهود حل المشكلات التي تزخر بها منطقتنا وعلى رأسها المشكلة الفلسطينية، وكذلك مكافحة الإرهاب، ومكافحة الفكر الضال والمنحرف الذي يعصف بمنطقتنا، ويهدف إلى إشاعة الفتنة، وإثارة النزعات العرقية والطائفية بها»، على حد تعبير الفيصل. وقال وزير الخارجية السعودي، إن «أهمية دور تركيا تنبع من كونها دولة إسلامية كبيرة، ترتبط بعلاقات جيدة مع دول منطقة الشرق الأوسط، تتسم بالاحترام المتبادل، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، والعمل وفق أطر الشرعية الإقليمية والدولية. وهو الأمر الذي جعل من تركيا طرفا فاعلا بناء في منطقة الشرق الأوسط».

وحضرت قضايا الملف النووي الإيراني، والوضع في كل من العراق وأفغانستان واليمن، في صلب مباحثات الفيصل وأوغلو.

وكان هناك وضوح من الرياض وأنقرة، إزاء أهمية اعتماد الوسائل الدبلوماسية السلمية في التعامل مع الأزمة النووية الإيرانية، في الوقت الذي أكدتا فيه على أحقية كل دولة في الاستفادة السلمية من الطاقة النووية. وأمام ذلك، قال وزير خارجية السعودية إن الرياض وأنقرة «متفقتان على حق إيران ودول المنطقة في امتلاك الطاقة النووية للأغراض السلمية، وندعم في الوقت ذاته الجهود الدولية المخلصة والجادة لحل أزمة الملف (النووي الإيراني) بالحوار وعبر الطرق السلمية».

وأكد الفيصل أن من شأن استجابة إيران للجهود السلمية لحل موضوع ملفها النووي «نزع فتيل الأزمة، وإزالة الشكوك والمخاوف الإقليمية والدولية حيال برنامجها النووي». وأضاف «ونرى أهمية تركيز الجهود على خلو منطقة الخليج والشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل، والأسلحة النووية، وتطبيق هذه المعايير على جميع دول المنطقة بما فيها إسرائيل».

وأكد وزير خارجية تركيا، أن بلاده تلعب دورا لصالح التوسط لإنهاء الأزمة النووية الإيرانية. وقال «لدينا اتصالات مباشرة مع كافة الجهات المعنية وهنالك فرصة للجهود الدبلوماسية لإيجاد الحل».

وفي شأن إيراني آخر، على صلة بأفراد عائلة بن لادن المتواجدين على الأراضي الإيرانية، أكد وزير خارجية السعودية، وجود مفاوضات للتعامل مع هذا الموضوع على نفس المستوى الإنساني الذي يمثله هذا الملف.

وقال سعود الفيصل حول موضوع ابنة بن لادن «إيمان بن لادن موجودة في السفارة.. ونحن نعتبر أن الموضوع إنساني بحت ونحن في مفاوضات مع الحكومة الإيرانية للتعامل مع الموضوع على نفس المستوى وترك خيار المغادرة للبنت نفسها ولا نرغب في الدخول في مواضيع سياسية في هذا الموضوع لأنني لا أريد أن أعكر صفو الأمور وربما تعطيل سفر الفتاة من طهران».

وفي سؤال حول المطلوب من إيران لتحسين علاقتها مع دول الخليج، قال سعود الفيصل «ليس مطلوبا من إيران شيء خاص لا ينطبق على جميع الدول.. وهو التعامل على أسس القانون الدولي وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير وحسن الجوار.. وهذه صفة العلاقات الطبيعية بين الدول، والمطلوب تطوير العلاقات مع إيران».

وعراقيا، أمل وزير الخارجية السعودي «أن تحقق الانتخابات المقبلة طموحات الشعب العراقي في الأمن والاستقرار والازدهار، والتعايش السلمي بين كافة أبنائه بمختلف أعراقهم وطوائفهم ومعتقداتهم وأطيافهم السياسية، والحفاظ على استقلاله وسيادته بمنأى عن التدخلات الخارجية».

واستعرض الفيصل وأوغلو خلال مباحثاتهما في الرياض، الوضع اليمني، وسط آمال الجانبين بـ«نجاح جهود الحكومة اليمنية، في توفير الأمن والاستقرار في ربوع اليمن، والحفاظ على وحدته الوطنية، وسلامته الإقليمية».

ودخلت السعودية، منذ نحو شهرين، في عمليات عسكرية لتطهير أراضيها من المتسللين الحوثيين. وقال الأمير سعود الفيصل، إن أي تهدئة على صعيد ما تشهده جنوب بلاده من معارك مسلحة من المتسللين الحوثيين، ينبغي أن تربط بالأفعال لا بالأقوال.

ورد على سؤال حول امتداح زعيم المتمردين الحوثيين لمضامين الخطاب الذي وجهه ولي العهد السعودي لضباط القوات المسلحة، ومدى استعداد السعودية للقبول بعرض للتهدئة، بقوله «المطلوب منه أن يفعل ما يقول».

وأبدى وزير الخارجية السعودية، ألمه لأجواء القتال التي تشهدها اليمن، مؤكدا أن بلاده في مقدمة الدول التي كانت ولا تزال تصر على أن يرتفع مستوى اليمن ليصل إلى المستويات التي تنعم بها بقية بلدان الجزيرة العربية.

وقال «المملكة كانت من أشد الداعين لأن يكون لمجلس التعاون موقف صلب وحاسم في موضوع تطوير اليمن ورفع مستوى المعيشة فيه إلى أن يصل إلى المستويات الموجودة في بلدان الجزيرة العربية، وهناك برنامج ضخم تقوم به المملكة في هذا الإطار.. وهذا من الأسباب التي تجعلنا نتألم ونعتصر ألما عندما نرى القتال في اليمن والخروج عن التعايش السلمي بين أطياف القبائل اليمنية، لأن هذا يفسد ويبدد الموارد ويضيع الفرص، والبرنامج كان يمضي على أحسن ما يرام إلى أن قامت الحرب التي عطلت التنمية».

وبعيدا إلى الشأن الأفغاني، تطرقت مباحثات وزير خارجية الرياض وأنقرة، إلى «أهمية السعي دائما إلى تحقيق المصالحة بين فئات الشعب الأفغاني، حفاظا على وحدته الوطنية، ودعم أمنه واستقراره ونمائه»، كما عبر عن ذلك سعود الفيصل، قبل أن يكشف نظيره التركي، أن بلاده لديها النية لاستضافة اجتماعات بشأن أفغانستان. وتسعى كل من الرياض وأنقرة، إلى تطوير العلاقات بينهما لترقى إلى مستوى العلاقات الاستراتيجية.

وقال الفيصل إن العلاقات المتميزة بين بلاده وتركيا «تستند على الأخوة، ووحدة العقيدة، والمصير المشترك».

وأضاف «لذلك من الطبيعي أن تتطور علاقاتنا، لترتقي إلى مستوى العلاقات الاستراتيجية، الذي من شأنه تأطير هذه العلاقة وتكريسها والدفع بها إلى آفاق أرحب في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية وغيرها من مجالات التعاون، وذلك في خدمة المصالح المشتركة، والعمل على تحقيق أمن واستقرار المنطقة، ورخاء شعوبها». واتفق الفيصل وأوغلو، على استعراض الاتفاقيات التي وقعت بين البلدين، للنظر في كيفية تفعيلها، كما اتفق الوزيران على أن يكون هناك تعاون قنصلي بين البلدين ليسهل عملية الاستثمار المتبادل لرجال الأعمال بين الجانبين، كما تم الاتفاق على مشاورات بين أنقرة والرياض، سيوضع لها برنامج وجدول زمني.

وأوضح وزير خارجية السعودية، أنه بحث مع نظيره التركي، في مسألة تسهيل منح التأشيرات للمسؤولين الحكوميين والدبلوماسيين، مستبعدا وصول الجانبين إلى مرحلة الإعفاء، وذلك لأن نظام منح التأشيرات في السعودية، مختلف عما هو معمول به في تركيا، لتعدد أغراض التأشيرات التي قد تكون للعمل أو للعمرة، أو للإقامة.