«القاعدة» استفادت من أخطاء 10 أعوام لتصبح تهديدا بارزا داخل اليمن

الإرياني: الهجوم على المدمرة «كول» كان أهم صيحة تحذير من خطر الإرهابيين

TT

بعد مرور نحو عشرة أعوام على تفجير المدمرة الأميركية «كول»، أتاح مزيج من الأخطاء الأميركية واليمنية وحالة شديدة من ضعف الثقة مع غياب الإرادة السياسية أمام مسلحي تنظيم القاعدة داخل اليمن فرصة لإعادة ترتيب صفوفهم ليشكلوا تهديدا كبيرا أمام الولايات المتحدة، وذلك حسب ما أفاد به محللون ودبلوماسيون ومسؤولون من الولايات المتحدة واليمن.

ويقول مسؤولون ومحللون يمنيون إن أوجه القصور من جانب الولايات المتحدة تضمنت غياب التركيز على نمو «القاعدة»، وغياب التمويل الكافي لليمن، وعدم وجود تعاون كاف معها، وعدم فهم البنية السياسية المعقدة داخل هذا القطر الشرق أوسطي، وأضافوا أن السياسات الأميركية داخل المنطقة غالبا ما تعزل المسؤولين اليمنيين البارزين، ولم تقدم الكثير للتعامل مع الأسباب الرئيسية التي تقف وراء عملية التسلح.

ويقول مسؤولون أميركيون يشعرون بالإحباط إن اليمن لم تجعل يوما الحرب ضد تنظيم القاعدة على رأس أولوياتها، وهو ما قوض دعما أميركيا واسعا. وقد دفعت هذه المشكلات، التي ساعدت في نهاية المطاف مسلحي «القاعدة» هنا على التآمر لشن هجوم يستهدف طائرة أميركية يوم أعياد الميلاد، الولايات المتحدة إلى الدخول إلى جبهة جديدة في إطار الجهود التي تبذلها في الحرب على الإرهاب، ويعد ذلك جزءا من حرب غير مرئية إلى حد كبير تمتد من شبه الجزيرة العربية إلى أفريقيا تُشن من السماء ومن مراكز استخباراتية بتقنية عالية، وتُستخدم فيها طائرات تعمل من دون طيار، وعملاء تابعون لوكالة الاستخبارات المركزية، وصور حية يتم التقاطها عبر الأقمار الصناعية.

وتطرح هذه الحرب تحديات أمام إدارة أوباما بصورة تذكّر بالنزاعات الدائرة داخل باكستان وأفغانستان، وظهرت هذه القضايا في ضربة جوية دعمتها الولايات المتحدة جنوب اليمن وقعت في السابع عشر من ديسمبر (كانون الأول)، وتقول الحكومة إنها قامت باستهداف معسكر تدريب يتبع تنظيم القاعدة، وأدى ذلك إلى مقتل 23 مسلحا على الأقل، ولكن، تقول قيادات قبلية وسكان إن معظم القتلى كانوا من بين المدنيين، وقد استثارت الضربة الجوية مشاعر الغضب مع شعور معاد لأميركا في الجنوب وداخل البرلمان. ويقول مقبل محمد علي، وهو قيادي قبلي: «شاهدت أجزاء من الجثث، وكانت معظمها لنساء وأطفال، وتقول أميركا إنها تساعد اليمن على استئصال الإرهابيين، وتدعم أميركا اليمن فقط من أجل قتل الأبرياء».

وبعد تقديمها لمساعدات بسيطة على مدى أعوام، قامت الولايات المتحدة العام الماضي بتقديم 67 مليون دولار في صورة مساعدات تهدف إلى مكافحة الإرهاب من أجل التدريب والمعدات والاستخبارات، وقال الجنرال ديفيد بترايوس، قائد القيادة الوسطى الأميركية في بغداد يوم الجمعة قبل توجهه إلى زيارة اليمن، إن المساعدات سوف تزيد بمعدل أكثر من الضعف خلال العام الحالي.

ويقوم رجال كوماندوز أميركيون بتدريب عناصر أمنية يمنية ورجال حرس سواحل على تكتيكات مكافحة الإرهاب، وتقدم طائرات أميركية من دون طيار صورا يتم التقاطها عبر الأقمار الاصطناعية كإرشادات للضربات الجوية.

ويقول الكثيرون إن الحرب قد تكون متأخرة بصورة تجعلها عاجزة عن تغيير المسار داخل اليمن، ومنذ الهجوم الذي استهدف المدمرة الأميركية «كول»، تعاني البلاد من حالة من الانحلال، فالحكومة تعاني من الضعف، وغير قادرة على السيطرة على المساحات الشاسعة داخل البلاد وعلى الحدود التي يسهل التسلسل عبرها، وتعاني الحكومة من الإجهاد بسبب المعارك الأهلية في الشمال، والقتال ضد حركة انفصالية داخل الجنوب، كما تعاني من فقر مدقع، ومعدلات مرتفعة من البطالة، ويأتي ذلك مع تراجع عوائد البترول وإمدادات المياه. وفي ظل هذا المناخ، نما تنظيم القاعدة، الذي يسعى من أجل بناء قاعدة تدريب، وعمليات لاستخدام اليمن كنقطة انطلاق للجهاد العالمي، ومن الناحية الاستراتيجية تعد اليمن قريبة من المناطق الغنية بالبترول، ومن طرق السفن المهمة، ومناطق واسعة يغيب عنها حكم القانون، ومع ذلك يستهدف تنظيم القاعدة بصورة متزايدة الحكومة والأجهزة الأمنية التابعة لها.

ويقول عبد الكريم الإرياني، رئيس الوزراء اليمني السابق: «ربما كان الهجوم على المدمرة الأميركية (كول) بمثابة أهم صيحة تحذير من (القاعدة)، ولكني لا أعتقد أن الاهتمام كان منصبا على محاربة (القاعدة)، حتى عندما كنت داخل الحكومة، والوضع حاليا أصعب بكثير مقارنة بعام 2000».

يذكر أنه في 12 أكتوبر (تشرين الأول) من ذلك العام، فجّر مسلحون يتبعون تنظيم القاعدة قاربا محملا بالمتفجرات في المدمرة الأميركية «كول» التي كانت موجودة بميناء مدينة عدن الجنوبية، وأدى ذلك إلى مقتل 17 بحارا أميركيا، وعقب ذلك عمل محققون أميركيون ويمنيون سويا للتعامل مع تنظيم القاعدة، وارتفعت وتيرة التعاون المشترك في أعقاب هجمات 11 سبتمبر (أيلول).

وفي شهر نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2002، أطلقت طائرة أميركية من دون طيار من طراز «بريداتور» صاروخا على إحدى السيارات في شرق اليمن، مما أسفر عن مصرع 6 أشخاص يشتبه في انتمائهم إلى «القاعدة»، وكان من بين القتلى قائد فرع التنظيم، أبو علي الحارثي، الذي تقول الولايات المتحدة إن له علاقة بتفجير المدمرة «كول».

وطالب مسؤولون يمنيون بارزون، فاجأتهم هذه الضربة الجوية، من إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش بعدم الكشف عن ضلوع الولايات المتحدة في الحادث؛ لأن اليمن مجتمع قبلي محافظ متعاطف مع الرسالة الجوهرية لـ«القاعدة»، والتي تهدف إلى حماية الإسلام، وشعرت الحكومة بالقلق من أن يكون هناك رد فعل عكسي في الداخل إذا ما عرف أنها سمحت للولايات المتحدة بالعمل على أراضيها.

بيد أن المسؤولين الأميركيين أعلنوا فورا عن نجاح هذه الضربة، وأثر هذا القرار على ثقة اليمن في الولايات المتحدة، وقوض الجهود الرامية إلى محاربة الإرهاب، حسبما ذكر مسؤولون يمنيون.

ويقول الإرياني مسترجعا ما حدث: «كنت غاضبا للغاية».

ويعترف مسؤولون في الاستخبارات الأميركية أن الضربة شكلت عبئا سياسيا على الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، ولكنهم يؤكدون أيضا أن الحكومة اليمنية كانت مترددة في تعهدها بمحاربة «القاعدة» قبل هذا الهجوم.

وذكر الخبراء أنه بحلول عام 2003، كان تركيز الولايات المتحدة منصبا على حربها في العراق، وبدت أكثر عزما على محاربة الفساد وتعزيز الديمقراطية في اليمن من معالجتها لمشكلة «القاعدة».

وكانت المساعدات التنموية التي تقدمها الولايات المتحدة إلى اليمن لمحاربة معدلات الفقر المتصاعدة والبطالة المرتفعة في البلاد، والتي تعد عوامل أساسية في تشجيع مجندين جدد للانضمام إلى الأنشطة المسلحة، صغيرة للغاية، فوفقا لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، انخفضت هذه المساعدات من 56.5 مليون دولار عام 2000 إلى 25.5 مليون دولار عام 2008، ويذكر مسؤولون أميركيون أنه جرى تخفيض المساعدات بمعدل كبير نظرا للمخاوف بشأن الفساد.

وقال كريستوفر بوسيك، وهو محلل يمني في مؤسسة «كارنيجي للسلام الدولي»: «بالنظر إلى الماضي ورؤية كيف كانت اليمن تحظى باهتمام ضئيل قبل عدة سنوات، فسنجد أن ذلك صادم». وتابع قائلا: «لا جديد في المشكلات المرتبطة بالاستقرار في اليمن، وعرفنا جميعا ما كان آتيا في الطريق».

وفي عام 2006، هرب 23 مسلحا ينتمون إلى «القاعدة» من سجن مشدد الحراسة في العاصمة صنعاء، وكان من بينهم الأعضاء المتورطون في هجوم المدمرة «كول»، وكذلك ناصر الوحيشي، الذي أصبح قائد تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، ويقول مسؤولون أميركيون ويمنيون إن المسلحين تلقوا مساعدة من المسؤولين الأمنيين اليمنيين المتعاطفين مع «القاعدة»، وبلغت المساعدات التي وجهتها الولايات المتحدة إلى اليمن في مجال محاربة الإرهاب 4.6 مليون دولار في ذلك العام.

وينظر إلى حادث الهروب من السجن على أنه نشأة الجيل الحالي من مسلحي «القاعدة» في اليمن، وكان ذلك قبل عامين من زيادة الولايات المتحدة للمساعدات المتعلقة بمحاربة الإرهاب على نحو كبير، بعدما هاجم مسلحو «القاعدة»، بمن فيهم بعض الذين هربوا من السجن، السفارة الأميركية في سبتمبر عام 2008، وهو الهجوم الذي أسفر عن مقتل 16 شخصا، من بينهم أميركي واحد.

كان تفجير المدمرة الأميركية «كول» مسيطرا على طبيعة العلاقات الأميركية - اليمنية على مدار العقد الماضي، وأطلق سراح كافة المشتبه في ضلوعهم في الهجوم أو هربوا من السجن، مما عمق من التوترات، كما رفضت الحكومة اليمنية أن تسلم الولايات المتحدة اثنين من مسلحي «القاعدة»، أحدهما مدان بتدبير هجوم المدمرة «كول»، ويقول مسؤولون يمنيون إن الدستور في البلاد يمنع تسليم مواطنين يمنيين.

وقال مسؤولون أميركيون إن ما بذلوه من جهود في محاربة الإرهاب عرقلتها الحكومة اليمنية التي كانت متقلبة في دعمها على نحو لا يمكن التنبؤ به، وعقب النجاحات المبكرة في القبض على العناصر المؤثرة في «القاعدة» أو قتلهم بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، تراجع المسؤولون اليمنيون خوفا من استعداء القبائل القوية والشخصيات الدينية.

وفي الأسبوعين الماضيين، كثفت الحكومة من هجومها على المسلحين، وساعدها في ذلك زيادة المساعدات الأميركية والشعور بأن «القاعدة» في طريقها لأن تشكل تهديدا مباشرا.

بيد أنه كلما زاد هجوم الحكومة على المسلحين المشتبه فيهم كانت اليمن أكثر عرضة للخطر. وفي جنوب اليمن، اتهم السياسيون والصحف المعارضة الحكومة بقتل مدنيين لإرضاء الولايات المتحدة، واعترف مسؤولون يمنيون بقتل نساء وأطفال، غير أنهم قالوا إنهم من أقارب المسلحين.

وقد تأتي هذه التكتيكات العدوانية بنتائج عكسية، فكما هو الحال في باكستان، يحقق مسلحو «القاعدة» ازدهارا عن طريق الدعم والحماية التي يتلقونها من القبائل، والتي تتعامل بحساسية كبيرة للغاية تجاه التدخل الخارجي، حتى من جانب الحكومة، ويعيش المسلحون بين السكان مما يزيد من احتمالات وقوع إصابات بين المدنيين.

وقال مقبل محمد علي، الزعيم القبلي، إن أعضاء قبيلته غاضبون، مضيفا أنهم يشعرون بمزيد من التعاطف مع «القاعدة»، كما أن لديهم عداء متناميا تجاه الحكومة اليمنية ومن يقدم إليها المعونة (أميركا)، وقال: «جميعنا يريد الانتقام».

*خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط» > ساهم في هذا التقرير جوبي واريك والمساعدة بقسم الأخبار كريستيان هاتينغر في واشنطن.