مستشارون لأوباما: جهود إيران لصنع قنبلة نووية تأثرت.. بعد كشف منشأة قم

قالوا إن الاضطرابات الأخيرة تقدم فرصة للضغط على قادة طهران بفرض عقوبات مشددة

TT

في الوقت الذي يواجه فيه الرئيس الأميركي باراك أوباما ضغوطا بعد انتهاء مهلة نهاية العام التي حددها بشأن التقدم الدبلوماسي مع إيران، تقول الإدارة إن الاضطرابات الداخلية والمؤشرات إلى وجود مشاكل لم تكن متوقعة في البرنامج النووي الإيراني تجعل قادة طهران أضعف أمام عقوبات جديدة شديدة وفورية.

وستطلق العقوبات الجديدة، التي لقيت مناقشات واسعة، المرحلة الأخيرة من استراتيجية إرغام إيران على تلبية قرارات الأمم المتحدة بوقف إنتاج الوقود النووي. كما أنها تأتي في الوقت الذي تنهي فيه الإدارة مراجعة جديدة للتقدم بشأن الملف النووي الإيراني.

وأشار الخبراء الاستراتيجيون في إدارة الرئيس أوباما في مقابلة معهم إلى أنه في الوقت الذي لا يزال فيه القادة السياسيون والعسكريون في إيران مصممين على تطوير أسلحة نووية، فإن الاضطرابات عمت الشوارع، وتأجج الصراع السياسي، مما أدى إلى تشتيت انتباههم، وهو ما عطل جهود إنتاج الوقود النووي في الشهور الأخيرة.

ويرغب البيت الأبيض في تركيز العقوبات الجديدة على مؤسسات الحرس الثوري، والتي يعتقد أنها تقف وراء الجهود النووية، ولعبها أيضا دورا محوريا في قمع المظاهرات المناوئة للحكومة منذ الانتخابات الرئاسية في يونيو (حزيران). وعلى الرغم من أن جولات العقوبات التي طبقت على مدار السنوات الماضية لم تفلح في إثناء إيران عن السعي وراء الحصول على التكنولوجيا النووية، فإن مسؤولي الإدارة المختصين بالشأن الإيراني أشاروا إلى أن الأمل الوحيد هو أن تقدم المشكلات الحالية فسحة لفرض أول عقوبات ربما تجعل الإيرانيين يفكرون في أن البرنامج النووي لا يستحق عناء هذا التحدي.

وفي الوقت الذي يمتلك فيه الغربيون نظرة محدودة عن برنامج إيران النووي، يقول مسؤولو إدارة الرئيس أوباما إنهم يعتقدون أن جهود تطوير القنبلة النووية خرجت عن مسارها إلى حد بعيد عبر الكشف قبل ثلاثة أشهر عن منشاة التخصيب السرية تحت الإنشاء القريبة من قم. وقد حرم الكشف عن الموقع إيران من أفضل فرصها في الإنتاج السري لليورانيوم عالي التخصيب الذي تحتاج إليه لإنتاج القنبلة النووية.

إضافة إلى ذلك، أشار تقرير المفتشين النوويين الدوليين إلى انخفاض عدد أجهزة الطرد المركزي في منشأة ناتانز، حيث تعمل الآلاف من أجهزة الطرد المركزي لتخصيب الوقود النووي 20% منذ الصيف. ويعزو الخبراء النوويون هذا التراجع إلى مشكلات تقنية. فيما أعرب آخرون من بينهم مسؤولون أوروبيون عن اعتقادهم بأن المشكلات ربما تكون نتيجة لسلسلة النشاطات السرية التي قام بها الغرب لتقويض البرنامج النووي الإيراني، ومن بينها تخريب المعدات المستورد والبنية التحتية.

وقد أودت تلك العوامل بواضعي السياسة في الإدارة إلى تمديد تقييماتهم للمدى الذي ستستغرقه إيران لإنجاز ما سماه الخبراء النوويون «إنجازا سريا» (القدرة على إنتاج سلاح سري فاعل بصورة سرية).

وقال مسؤول بارز بالإدارة الأميركية في مركز استراتيجية إيران بالبيت الأبيض «حتى الآن لم يحقق الإيرانيون إنجازا موثوقا، ولا نعتقد أن بإمكانهم إنتاج سلاح نووي قبل 18 شهرا أو عامين أو ثلاثة». وأوضحت الإدارة لحلفائها أن الإطار الزمني الأطول سيسمح للعقوبات بأن تكون ذات تأثير قبل أن تتمكن إيران من تطوير قدراتها النووية.

وأشار مسؤول آخر بالإدارة إلى أنه رغم إعلان المسؤولين الإسرائيليين عن نيتهم توجيه ضربة عسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية «فإنهم يشعرون الآن بأن ما يجري في إيران يجعل البلاد أكثر عرضة لعقوبات حقيقية»، وهو ما قد يمنح الرئيس أوباما الوقت الكافي لإقناع الصين وروسيا بالاشتراك في العقوبات. وقال دبلوماسي إسرائيلي في واشنطن إن «الرئيس أوباما أقنعنا في المحادثات السرية بجدوى العقوبات على الأقل خلال الأشهر القليلة القادمة».

وستكون هناك صعوبة في أن تكون العقوبات جهدا متوازنا بالنسبة للإدارة منذ اعترافها بفشل الجولات الثلاث الأولى في إعاقة البرنامج النووي الإيراني، وأنها ترغب أيضا في تجنب إغضاب الإيرانيين المحتجين في الشارع عبر حرمانهم من البضائع الغربية. ولعل ذلك يكون السبب وراء تركيز الإدارة على الحرس الثوري الذي تتزايد كراهيته من قبل المتظاهرين والذي كون مليارات الدولارات من الاستثمار في شركات الاتصالات والنفط والإنشاءات. وتهدف الإدارة إلى حمل الدول العربية والآسيوية على الانضمام إلى أوروبا في وقف التحويلات المالية مع الشركات الواجهة للحرس الثوري.

وقد أبدت كل من روسيا والصين ترددهما، وقد تتمسكان بوجهة نظر إدارة أوباما بشأن المشكلات التي يعاني منها البرنامج النووي، لرفض وجهة نظر الإدارة الأميركية بأن العقوبات الجديدة تمثل ضرورة لمعاقبة إيران على تحديها لقرارات مجلس الأمن الدولي بوقف أنشطة تخصيب اليورانيوم.

الإصرار الإيراني على أن برنامجها النووي مخصص للأغراض السلمية قوبل على الدوام بالرفض من المسؤولين الغربيين وفي التقارير الداخلية لمفتشي الوكالة الدولية. بيد أن التقييمات التي قامت بها واشنطن لمدى التقدم الذي حققته إيران تجاه إنتاج السلاح النووي كانت متباينة بصورة كبيرة خلال العامين الماضيين، وهو ما اعتبر انعكاسا لضآلة المعلومات بشأن العمل الداخلي للبرنامج النووي.

ويشير كبار مستشاري الرئيس أوباما إلى عدم ثقتهم بالنتائج الرئيسية لتقييم الاستخبارات الوطنية المتنازع عليه حول إيران، والذي نشر قبل عام من مغادرة الرئيس بوش منصبه، والذي قال إن العلماء الإيرانيين أوقفوا كل العمل المتعلق بتصميم رأس نووي في عام 2003.

وبعد مراجعة الوثائق الجديدة تم تسريبها خارج إيران، كذلك المعلومات التي قدمها المنشقون الهاربون من إيران إلى الغرب، يقول مستشارو الرئيس أوباما إنهم يعتقدون أن العمل على تصميم أسلحة نووية مستمر على نطاق ضيق، وقد توصلت بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإسرائيل إلى تقييم مماثل.

وقد حذر السفير الأميركي للوكالة الدولية للطاقة الذرية، غلين ديفيز، في بداية شهر سبتمبر (أيلول) من أن إيران تمتلك القدرة على تحقيق تقدم، وقال مسؤول الإدارة إن تقييم ديفيز دقيق من الناحية التقنية، بيد أن الأدلة الحديثة تشير إلى استبعاد قيام إيران باستخدام مخزونها من اليورانيوم لإنتاج قنبلة أو قنبلتين. وهي خطوة يعتقد المسؤولون أنها قد تؤدي إلى شن إسرائيل ضربة جوية ضدها.

ووجهة نظر الإدارة الحالية بشأن البرنامج النووي الإيراني قدمها ستة من كبار مسؤولي الإدارة الذين يقدمون المشورة للرئيس بشأن البرنامج والذين تحدثوا شريطة عدم ذكر أسمائهم نظرا لحساسية المعلومات.. ومراجعة الإدارة للبرنامج الإيراني، والتي قالوا إنها بنيت على أساس تقارير استخبارية ومعلومات من حلفائها وتحليلاتهم الخاصة، لم ترق إلى تقييم استخباري رسمي جديد. ووصف هؤلاء المسؤولون، ونظراؤهم الأوروبيون المشتركون في المسألة الإيرانية والخبراء النوويون، في المقابلات، البرنامج النووي الإيراني بأنه واقع في حالة من الارتباك.

وجاءت كبرى العقبات التي واجهها البرنامج النووي في أواخر شهر سبتمبر (أيلول) عندما أعلن الرئيس أوباما بالمشاركة مع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ورئيس الوزراء البريطاني غوردن براون عن المنشأة السرية القريبة قم.

وكانت وكالات الاستخبارات السرية تراقب عن بعد العمل الجاري في المنشأة السرية المقامة تحت الأرض على مدى ما يقرب من عام كامل، وأشار مسؤولان أوروبيان إلى أن الجواسيس النوويين الإيرانيين الذين جندتهم أوروبا وإسرائيل قدموا بعض الأدلة المؤكدة حول غرض المنشأة.

وقد اكتشف مفتشو الوكالة الدولية الذين زاروا المنشأة في أكتوبر (تشرين الأول) أنها لا تزال على بعد عام من التشغيل وأنها مصممة لتشغيل 3000 جهاز طرد مركزي، وهو عدد لا يكفي لإنتاج كميات ضخمة من الوقود النووي الذي تحتاجه المفاعلات التجارية ولكنه كاف لإنتاج يورانيوم عالي التخصيب لإنتاج قنبلة نووية (ومقارنة بمنشأة ناتانز التي يزعم إنتاجها وقودا لمفاعل والمصممة لعمل 54000 جهاز طرد مركزي).

ويقول المسؤولون الأميركيون إن منشأة قم تبدو الآن عديمة الفائدة بالنسبة للإيرانيين، فيقول مسؤول بارز اشترك في صياغة استراتيجية البيت الأبيض إنهم «أنفقوا ثلاث سنوات وعشرات الملايين من الدولارات على منشأة سرية لن يشغلوها على الإطلاق».

وأضاف المسؤول «إن ذلك سيتطلب من إيران ثلاث أو أربع سنوات لبناء منشأة أخرى في قم» على الرغم من اعترافهم باحتمالية امتلاك إيران منشأة سرية ثانية ربما لا تعلم الاستخبارات الغربية مكان وجودها. ويشير كل من مسؤولي الإدارة والخبراء إلى عامل آخر يبطئ من التطور النووي الإيراني، وهو أنها تعمل بتكنولوجيا أجهزة طرد مركزي قديمة تمنعها من تحقيق تقدم كبير.

وخلال الرواية الأخيرة للمفتشين الدوليين فإن عدد أجهزة الطرد المركزية التي تعمل في منشأة ناتانز انخفض إلى 3936 بعد أن بلغت أوج ذروتها في يونيو (حزيران)، حيث بلغ عدد أجهزة الطرد المركزي 4920 جهازا.

ويقول مسؤولو الإدارة إن إيران بدأت في إنتاج غالبية مكونات أجهزة الطرد المركزي في أعقاب اكتشافها أن الولايات المتحدة والدول الغربية خربت بعض الأجزاء الرئيسة المستوردة، وأنهم ارتكبوا عددا من أخطاء التصنيع.

وقال سكوت كيمب، أستاذ الفيزياء بجامعة برينستاون، إن من بين العوامل الأخرى التي تعطل البرنامج ما يكمن في التصميم الأساسي لأجهزة الطرد المركزية التي حصلت عليها من باكستان قبل عقدين تقريبا. فيقول كيمب «أعتقد أنها مشكلة متعلقة بالتصميمات، فالآلات تعمل بسرعة كبيرة، ومن ثم فإن أعمارها قصيرة. إنها مرعبة. إنه حقا تصميم سيئ».

إذا كان كيمب والآخرون على صواب فيشير ذلك إلى أن إيران لا يزال أمامها طريق طويل قبل أن تتمكن من التقدم على طريق تعهدها بافتتاح 10 منشآت تخصيب جديدة. وقد صرح المسؤولون الإيرانيون بأن تلك المنشآت ستستخدم تقنية جديدة من أجهزة الطرد المركزي، لكن بول كير، المحلل النووي في مركز الأبحاث التابع للكونغرس، قال إن البحث بشأن الجيل الجديد من أجهزة الطرد المركزي أثبت أنها «أقل نجاحا» من النماذج الأصلية، وأنها تصميمات بدائية.

والمشكلة الأخرى المحتملة التي تواجه إيران هي التخريب الغربي لجهودها. ففي يناير (كانون الثاني) أوردت «نيويورك تايمز» أن الرئيس بوش أمر ببرنامج سري موسع ضد البنية التحتية النووية الإيرانية، ومن بينها جهود تقويض أنظمة الكهرباء وأنظمة الحاسب التي تعمل على تشغيل البرنامج النووي. وقد التزمت إدارة أوباما الصمت حيال تقدم هذا البرنامج الذي يعد أحد أكثر البرامج التي تقوم بها الحكومة الأميركية سرية.

* خدمة «نيويورك تايمز»