مصدر فرنسي: نريد مساعدة واشنطن لا سحب البساط من تحت رجليها

باريس تنتظر نتائج التحركات الدبلوماسية لبت مصير قمة السلام

TT

ترصد باريس «الحراك» الدبلوماسي القائم حاليا حول موضوع الشرق الأوسط والساعي إلى إيجاد سبيل ما يسهل عودة المسار التفاوضي بين إسرائيل والفلسطينيين فيما تستمر من جانبها في الاتصالات المتعددة الأطراف بحثا عن تحقيق مشروعها الداعي للدعوة إلى قمة السلام في باريس في «الأسابيع المقبلة» وفق جدول زمني كشف عنه أحد مصادر الرئاسية الفرنسية قبل أيام. وكان المصدر المشار إليه توقع القمة إما في يناير (كانون الثاني) الحالي وإما في فبراير (شباط) المقبل. غير أن مصادر دبلوماسية عربية متابعة للموضوع «شككت» في إمكانية الدعوة إلى القمة الموعودة في الأيام والأسابيع المقبلة. وترى باريس أنها يمكن أن تُعقَد في إطار الرباعية «الموسعة» أي الولايات المتحدة الأميركية وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، مع ضم طرفي النزاع (فلسطين وإسرائيل) والبلدين اللذين وقّعا معاهدة سلام مع تل أبيب (مصر والأردن) وبالطبع فرنسا. وتكمن الصعوبة الأولى، وفق مصادر متطابقة عربية وفرنسية، في كيفية إقناع واشنطن بالمجيء إلى مؤتمر قمة للسلام في الشرق الأوسط «لا يكون الرئيس أوباما هو الجهة الداعية إليه»، خصوصا أنه حرص منذ اليوم الأول لدخوله البيت الأبيض على التأكيد على التزامه موضوع السلام في المنطقة وأنه عيّن ممثلا خاصا له (جورج ميتشيل) لمتابعة هذا الموضوع وجعل من شروط وقف الاستيطان الإسرائيلي التام المدخل للعودة إلى المفاوضات أما باريس فترى أن «خطأ» أوباما الأول كان في اشتراط وقف الاستيطان من غير أن يكون عازما على استخدام «الأوراق» التي تمكنه من فرضه على إسرائيل. وتقول مصادر فرنسية واسعة الإطلاع إن «هذا الخطأ مكّن نتنياهو من تحقيق أول انتصار على أوباما»، ما أدى سريعا إلى «انهيار» الخطة التي وضعها ميتشيل والتي تربط بين وقف الاستيطان وتطبيع عربي جزئي مع إسرائيل ومعاودة المفاوضات. وتؤكد مصادر فرنسية تحدثت إليها «الشرق الأوسط» أن باريس «لا تسعى لسحب البساط من تحت رجلي أوباما بل إلى مساعدته لأن إدارته تفتقر إلى أفكار جديدة». وتضيف هذه المصادر أن فرنسا «تعي» أهمية ضلوع واشنطن في الجهود المبذولة خصوصا أن طرفين عربيين «على الأقل» هما مصر والرئيس الفلسطيني محمود عباس ربطا مشاركتهما بحضور أميركي «قوي وفاعل».

حتى اللحظة الراهنة لم «تبارك» واشنطن بعدُ الفكرةَ الفرنسية. وقال مصدر فرنسي إن باريس «ما زالت تأمل» في إقناع واشنطن، بينما قال مصدر فرنسي آخر إن الجانب الأميركي «لم يقتنع بعد بالطريقة» الفرنسية وما زال «يناقش» جدوى الدعوة إلى مؤتمر ما لم يتوصل الأطراف إلى رؤية متقاربة للمسائل الخلافية الأساسية، في إشارة إلى مسائل الحل النهائي أي القدس والمستوطنات واللاجئين والحدود والمياه ونزع سلاح الدولة الفلسطينية. و تتساءل واشنطن عن «الفائدة» من جمع أطراف ما زالت بعيدة كل البعد بعضها عن بعض.

وترد باريس على ذلك بتأكيد أمرين: الأول أن القمة لن تكون مكانا للمفاوضات التي يجب أن تجري لاحقا بل إنها «مؤشر سياسي قوي» على عزم الأسرة الدولية على إيجاد حل وليس «الاستمرار في المراوحة» كما هو حاصل في الوقت الحاضر. وباختصار، تقول باريس إن الغرض من القمة «إيجاد دينامية سلام» لأنه من غير الجائز البقاء في الطريق المسدود الذي من شأنه «تقوية المتطرفين». أما الأمر الثاني الذي تشدد عليه فرنسا فهو وجود تصورات عديدة للحل العتيد وأول جوانبه إقامة الدولة الفلسطينية مع تحديد سقف زمني للتوصل إليها بحيث لا يستمر التفاوض إلى ما لا نهاية. وهذه النقطة تدعو إليها مصر والفلسطينيون أما مسائل الحل النهائي فحلولها معروفة: الأحياء العربية في القدس الموحدة يمكن أن تكون عاصمة الدولة الفلسطينية المفترض قيامها في حدود الرابع من يونيو (حزيران)، عودة إعداد محدودة من لاجئي 48 والتعويض على الآخرين وتوفير ضمانات دولية لتطبيق الحل... وإذن، يمكن النظر إلى المؤتمر الموعود على أنه سيشكل «نقطة الانطلاق» لورشة سلام واسعة يجب أن تفضي إلى ترجمة تصور الحل النهائي إلى واقع على الأرض من خلال التفاوض المباشر.

وتتقاطع هذه التصورات مع ما تقوم به مصر. وتقول المصادر الفرنسية إن باريس «منفتحة» على كل المقترحات بما فيها التعاون مع موسكو للدعوة إلى مؤتمر موحد بالنظر إلى أن روسيا تسعى منذ ربيع عام 2008 إلى ضمان عقد مؤتمر دولي للسلام في موسكو. وسبق للرئيس ساركوزي أن ناقش مع الرئيس مبارك هذه الأفكار واتفقا على إطلاق مبادرة مشتركة. ولذا فإن باريس التي تؤكد أن «بطاقة الدعوة إلى المؤتمر» لم تجهز بعد تترقب ما سيحصل في الأيام القليلة المقبلة من عودة ميتشيل إلى المنطقة ومن المشاورات التي سيقوم بها الوفد الرسمي المصري في واشنطن. وتعمل القاهرة على مشروع عقد قمة ثلاثية مصرية - فلسطينية - إسرائيلية في مصر بنهاية الشهر الحالي بعد أن تكون واشنطن قد وجهت رسالتَي ضمانات منفصلة إلى كل من الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي حول المسائل الخلافية تضمن الرؤية الأميركية للحل ولجدولته. وبانتظار أن تعرف نتائج كل هذه المشاورات، فإن باريس ستبقى مثابرة على إعلان استعدادها واستعداد الاتحاد الأوروبي للمساهمة بما هو متاح لديها للخروج من حالة المراوحة الخطيرة.