سليمان يشدد على وجوب اعتماد الكفاءة والحريري يعد بتفعيل مؤسسات الرقابة

سباق تقاسم الحصص على التعيينات يهدد بإحباط الإصلاح الإداري في لبنان

TT

انشغلت الأوساط السياسية، مع انتهاء عطلة الأعياد وعودة العمل إلى وتيرته، بقضية التعيينات الإدارية وملء الأماكن الشاغرة في الإدارات الرسمية اللبنانية. ومعروف أن هذه التعيينات ترتبط ارتباطا مباشرا بمصالح المواطنين، كما ترتبط بمفهوم «تقاسم الحصص» الذي سيطر منذ مطلع التسعينات من القرن الماضي على مرافق الدولة تحت صيغة «الترويكا»، وأعطى لرؤساء الجمهورية ومجلس النواب ومجلس الوزراء الكلمة الفصل في تعيين غالبية موظفي الدولة. ليصبح كل موظف محسوبا على الجهة التي عينته، مما حوّل أي مساءلة له أو أي إجراء بحقه إذا ارتكب مخالفات أو استغل المال العام إلى مواجهة مع مرجعيته السياسية أو الدينية أو الحزبية.

ولعل هذا الواقع هو ما دفع رئيس الجمهورية، العماد ميشال سليمان، إلى رفع شعار الإصلاح قبل الانتخابات النيابية وبعدها، وتحديدا في موضوع التعيينات. ويؤكد المقربون من سليمان أن «معركته الحقيقية خلال رئاسته تحمل هذا العنوان، ونجاحه في إصلاح مؤسسات الدولة هو الرصيد الذي يطمح إليه، إضافة إلى العناوين الأخرى التي أقسم على العمل لإنجازها يوم انتخابه». وإن كان معروفا أن الرئيس يخوض معاركه بأسلوبه الخاص البعيد عن الاستفزاز والمواجهة غير المثمرة، إلا أن مصادره تؤكد حرص سليمان وتركيزه في أن تكون الكفاءة هي المعيار لتعيين موظفين في «مواقع تتعلق مباشرة بحياة اللبنانيين وأعمالهم اليومية، لأن الوزير لا يبقى في موقعه خلافا للمدير العام، إلا إذا وضعته الحكومة تحت تصرف رئيسها».

وكان سليمان قد شدد أمس أمام زواره على «وجوب اعتماد الكفاءة معيارا في التعيينات الإدارية». وأشار إلى «السعي لإجرائها من داخل الإدارة وفق آلية يتم اعتمادها، ويبدأ صدور التعيينات تباعا بما يبعدها عن المحاصصة من جهة ويحصن المسؤولية الإدارية من جهة ثانية». يقول وزير الدولة عدنان السيد حسين لـ«الشرق الأوسط» (من فريق عمل سليمان) في هذا الإطار، إن «رئيس الجمهورية حريص كل الحرص على أن تتم التعيينات وفق الكفاءة ووثيقة الاتفاق الوطني. كذلك يمكن اعتماد المداورة في وظائف الفئة الأولى، أيضا كما نص اتفاق الطائف، وإلا فإن المحاصصة الطائفية والفئوية ستقضي على كل أمل بالإصلاح الإداري الذي يكفل مصالح اللبنانيين».

بدوره أكد رئيس مجلس الوزراء، سعد الحريري، أن «أولويات الحكومة هي تفعيل عمل هيئة التفتيش القضائي وملء الأماكن الشاغرة فيها». وشدد على «ضرورة التعاون مع نقابة المحامين والمرجعيات القانونية لإزالة الشوائب التي تعتري بعض القوانين لتسهيل حياة المواطنين وتفعيل عمل الإدارة».

وفي حين يرى البعض أن ملف التعيينات وضع على «نار حامية»، يعتبر البعض الآخر أن «النار الحامية» التي يوقدها هذا الملف لجهة «تقاسم الجبنة» ستحرق آمال اللبنانيين في تعيينات عادلة تعتمد على الكفاءة ونظافة اليد.

وكان رئيس مجلس النواب، نبيه بري، قد طرح وجهة نظره في ملف التعيينات واقترح تأليف هيئة من خمسة أو ستة قضاة، من المشهود لهم في التشريع والنزاهة ليقابلوا المرشحين ويغربلوا الأسماء، على أن تكون الكلمة الأخيرة لمجلس الوزراء. ويعتبر السيد حسين أن «طرح بري آلية تشكيل لجنة قضاة بعيدين عن الطائفية يجب أن يؤخذ في الاعتبار. ومن لديه طرح آخر فليقدمه على أن يؤخذ في كل الأحوال برأي أجهزة الرقابة الفعالة». ويشير إلى «عدد من المراكز الأساسية الشاغرة في أجهزة الرقابة، والتي يجب أن تملأ في أقرب فرصة». ويوضح أن «بعض المؤسسات العامة لا تحتاج إلى رأي مجلس الخدمة المدنية لتعيين موظفين فيها، وبالتالي يمكن اعتماد آلية إدارية تقوم على مبدأ الكفاءة من جهة والمداورة من جهة ثانية».

وفي حين يغيب عن جدول أعمال مجلس الوزراء الذي يعقد اليوم، بند التعيينات، ينبه السيد حسين إلى خطر الإبقاء على طائفية الوظيفة «مما يعني تكريس الغطاء السياسي لهذه الوظائف».

وكان رئيس «اللقاء الديمقراطي»، النائب وليد جنبلاط، قد أمل أن «تسرع الحكومة في انطلاقتها لمعالجة مجموعة من الملفات المزمنة التي تأخرت بفعل الخلافات السياسية في المرحلة السابقة وفي طليعتها الملفات الاقتصادية والاجتماعية والإنمائية والمعيشية والمطلبية. كما أن الدخول في ملف التعيينات الإدارية يتطلب توافقا عريضا على ضرورة منح الكفاءات الشابة فرصة الدخول إلى الإدارة العامة أو التقدم من داخلها. فلماذا توضع دائما المحاصصة على نقيض مع الكفاءة؟ وإذا كان ليس هناك مهرب مما يسمى محاصصة، ألا تستطيع كل الأطراف أن ترشح الكفاءات التي لديها القدرة على النهوض بالإدارة العامة وعصرنتها وتحديثها وإصلاحها؟».