اليونان تتشدد مع المهاجرين وتتساهل في تجنيس أبنائهم

مشروع قانون في صالح الأجانب تزامنا مع مغادرتهم البلاد بسبب الأزمة الاقتصادية

مهاجرون يستريحون خارج مقهى إثر وصولهم مع أبنائهم على متن قارب إلى كريت، كبرى الجزر اليونانية، يوم 16 نوفمبر 2008 (إ.ب.أ)
TT

يعاني عشرات آلاف المهاجرين في اليونان من التفرقة والبيروقراطية عند استخراج تصاريح الإقامة والعمل، كما يتعرضون لمشاكل وعقبات مع بعض أرباب الأعمال الذين يعاملونهم كمواطنين من الدرجة الثانية لا سيما في الأجور والتأمينات الاجتماعية.

وبالنسبة لأبناء الجيل الثاني ممن ولدوا في اليونان ونموا ودرسوا فيها، فإنهم يتحولون بمجرد بلوغ سن الرشد إلى نوع آخر من المهاجرين؛ إذ تطلب منهم تصاريح الإقامة والعمل، ويتم فصلهم عن تصاريح أبويهم، وتقديم شهادات ميلادهم من بلدان آبائهم الأصلية (وليس من اليونان حيث ولدوا) وترجمتها، إضافة إلى سلسلة من الإجراءات البيروقراطية المعقدة.

ويتزاحم على مراكز بلديات استخراج تصاريح الإقامة لا سيما في العاصمة أثينا، مئات المهاجرين في صفوف طويلة وبشكل غير لائق، مما أدى إلى ظهور العملاء والوسطاء غير القانونيين، خاصة ممن يعملون في المحاماة ويتقاضون مبالغ طائلة لإنهاء الإجراءات المطلوبة من دون تعب.

وقالت محامية شابة تدعى يوأنا، وتنتمي لجمعية مناهضة للعنصرية، في حديث أجري معها، إنها تشارك في جميع المظاهرات التي تنظم في أثينا ضد العنصرية، لأنها ترى أن «اليونانيين عنصريون، رغم أنهم يقولون غير ذلك، ولا بد من محاربة ذلك والقبول بمعيشة الأجنبي معنا»، موضحة أن الحكومة الجديدة بصدد تحسين الأوضاع، لكنها أرجعت سبب العنصرية الموجودة في نفوس اليونانيين خاصة من الجيل الأول وكبار السن إلى الاحتلال التركي لليونان الذي دام طيلة ثلاثة قرون.

وتنعكس سياسة التعامل السلبية مع الأجانب على النظام التعليمي، فمنذ عام 1996 سمحت السلطات بإقامة 26 مدرسة متعددة اللغات فقط، من أصل 150 ألف مدرسة تابعة للدولة، بما يعادل 0.17% فقط من المجموع، رغم أن أبناء المهاجرين يمثلون نحو 10% من الأطفال الملتحقين بالمدارس في البلد، بل يبلغ عدد أبناء المهاجرين المقيمين في بعض ضواحي أثينا نحو 70% من التلاميذ، وفقا لبيانات معهد سياسة الهجرة اليوناني.

وتعتبر اليونان الدولة الوحيدة في أوروبا التي تفتقر إلى قوانين تنظم منح الجنسية للمولودين على أراضيها، وتشترط إقامة قانونية أدناها عشر سنوات، وهي أطول مدة في أوروبا، يجوز التقدم بعدها بطلب الحصول على جنسيتها، لكن أطفال الأجانب الذين ولدوا في اليونان وأقاموا فيها بصورة دائمة عادة ما تنقصهم بعض الشروط التي تفرض عليهم طلب الجنسية لدى بلوغ سن الرشد، وعلى طالب الجنسية سداد ألف وخمسمائة يورو، وهو مبلغ كبير بالنسبة للمهاجر الأجنبي، ولا تعاد الرسوم في حال رفض الطلب، كما أن الموافقة على طلبات الجنسية لا تتجاوز 1% من الحالات المقدمة.

وقالت ثيوطورا تزاكري، نائبة وزير الداخلية والمسؤولة عن ملف الإقامات والجنسيات، في لقاء لـ«الشرق الأوسط» معها، إن اليونان تبذل قصارى جهدها لدمج المهاجرين الشرعيين في المجتمع، وتحاول أن توفر لهم جميع الوسائل السهلة للحياة في البلاد، والعمل على منح الجنسية للأطفال الذين ولدوا في اليونان بغض النظر عن جنسية الأبوين.

وحول ما إذا كانت الحكومة بصدد فتح فرصة جديدة للمهاجرين غير الشرعيين وتقنين أوضاعهم، حيث إن هناك عشرات الآلاف من المهاجرين الذين دخلوا البلاد بطريقة غير شرعية ويحملون هويات مزورة مما يساعد في زيادة معدل الجريمة، ذكرت الوزيرة أن بلادها لا تستطيع بمفردها اتخاذ مثل هذا القرار، إذ لا بد من موافقة الدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.

ويناقش البرلمان اليوناني هذه الأيام، مشروع قانون قدمته الحكومة الاشتراكية التي تحكم البلاد منذ ثلاثة أشهر. ويدعو المشروع لتسهيل منح اللجوء السياسي ومنح الجنسية لنحو 250 ألف طفل من أصل أجنبي.

وأوضح وزير حماية المواطن ميخاليس خرسوخييديس أن الهدف من المشروع هو تغيير سياسات الهجرة في اليونان، واحترام حقوق الإنسان، والتقليل من حالات سوء معاملة أولئك الذين يدخلون البلاد بطريقة غير شرعية، ومنح اللجوء السياسي لأولئك الذين لديهم مؤهلات، مشيرا إلى أن لجنة من الخبراء عقدت محادثات مع ممثلين عن إحدى عشرة وزارة وغيرها من الهيئات حول تفاصيل السياسة الجديدة. ويدعو مشروع القانون إلى منح الجنسية لأبناء الجيل الثاني من المهاجرين أو الذين درسوا في المرحلة الابتدائية، وأيضا لمنح حق التصويت في الانتخابات البلدية لحاملي الإقامة الدائمة في البلاد.

وقوبل هذا المشروع الجديد بارتياح شديد وسط الجمعيات المدافعة عن حقوق الأجانب، وأيضا من قبل الجاليات العربية على اعتبار أن عشرات الآلاف من أبنائهم سيستفيدون من المشروع في حال إقراره. لكن هذا التطور جاء في الوقت الذي يتوافد فيه الكثير من العرب على مكاتب حجز الطيران وشراء تذاكر عودة إلى بلدانهم بسبب الأزمة الاقتصادية الحادة في اليونان. وصار الكثير من الشبان أو الأسر العربية يرون أن العيش في بلدانهم أفضل من العيش في اليونان في ظل الأزمة الحالية.

ولا شك في أن الفضل في تقديم مشروع القانون الجديد يعود إلى جورج باباندريو، رئيس الوزراء الحالي وزعيم حزب الباسوك الاشتراكي، والذي عاش مع أبويه متغربا عن اليونان وهو صغير السن. ويعد باباندريو شخصية محبوبة لدى الأجانب حتى من قبل توليه الحكم. ووالدته مرغريتا باباندريو أميركية الأصل وتتكلم اليونانية بصعوبة، أما والده فهو الزعيم أندرياس باباندريو رئيس الوزراء الأسبق ومؤسس الحزب الاشتراكي في اليونان.