مشروع التعيينات الإدارية في لبنان يترنح بين الكفاءة والمناصفة والتوزيع المذهبي ـ السياسي

شغور في 58 موقعا بالفئة الأولى >عون يطالب بـ50% من مناصب المسيحيين

TT

يأمل الرئيس اللبناني ميشال سليمان في انطلاق السنة الثالثة من عهده بإعادة ترميم البنية الإدارية للدولة، التي تعطلت بفعل سنوات التجاذب السياسي - وغير السياسي - منذ اغتيال الرئيس السابق للحكومة رفيق الحريري في فبراير (شباط) 2005. غير أن هذه العملية لن تمر من دون تجاذبات قد تؤدي إلى عرقلة صدور التعيينات اللازمة بسبب خلاف على الحصص.

فقد تعرضت الإدارة اللبنانية خلال السنوات الخمس الماضية إلى تجاهل شبه تام، بعد أن كانت أولوية السياسيين والأحزاب والقوى الفاعلة هي «الأرض» التي كانت تهتز منذرة بانفراط عقد الدولة وعودة التقاتل والميليشيات. وبعد 3 حكومات «تصريف أعمال»، أتت حكومة الرئيس سعد الحريري التي تضم القوى السياسية الأساسية كافة في البلاد مع فرصة تحقيق إنجازات في مجال إعادة بناء الدولة، ذلك أن حكومة الرئيس نجيب ميقاتي في عام 2005 كانت تحمل مهمة انتخابية فحسب؛ أنجزتها لتأتي حكومة شبه ائتلافية ترأسها فؤاد السنيورة ما لبثت أن انقسمت على نفسها قبل أن يغادرها قسم من وزرائها ويتركونها لتواجه الأزمات التي عصفت بلبنان مشككين في شرعيتها. أما حكومة الرئيس فؤاد السنيورة الثانية فقد أتت بدورها تحت عنوان الإشراف على الانتخابات النيابية، مع بعض الرتوش الإدارية.

وفي موازاة الشواغر، تنادي قوى سياسية مختلفة بضرورة اعتماد «الكفاءة» معيارا لاختيار الموظفين الجدد، غير أن الكفاءة وحدها لا تكفي؛ فهناك، قبلها، الانتماء الطائفي، ثم السياسي. وقد تقدم رئيس مجلس النواب نبيه بري، صاحب العبارة الشهيرة: «إذا كنتم تريدون الكفاءات فأهلا وسهلا، وإلا فعلى السكين يا بطيخ» في إشارة إلى التقاسم بين القوى المعنية بالملف، باقتراح تأليف لجنة قضائية - إدارية تضم قضاة وممثلين لهيئات نقابية تعمل عل اختيار الموظفين. غير أن هذه الآلية التي اقترحها بري اصطدمت بمعارضة عدد من القوى التي استندت إلى أن الدستور يمنح مجلس الوزراء وحده هذا الحق. ويقول النائب أحمد فتفت لـ«الشرق الأوسط» إن الأمور يمكن أن تصل إلى «حل وسط»، معتبرا أن اقتراح بري يقترب إلى حد بعيد من الآلية التي اقترحها الرئيس السابق للحكومة فؤاد السنيورة. ويقول فتفت إنه في نهاية المطاف سيأخذ مجلس الوزراء القرار السياسي باختيار الموظفين بسبب المناصفة (بين الطوائف) والتوزيع المذهبي، ولهذا لا يمكن اعتماد أن الأكفأ للمنصب يتولاه تلقائيا، لكن فتفت يضيف: «نستطيع أن نحافظ على الكفاءة بالاتفاق على لجنة من مجلس الخدمة المدنية وخبراء، تحدد من له الكفاءة لتولي منصب معين، على أن يكون الاختيار من نصيب مجلس الوزراء». ويؤكد وزير التنمية الإدارية السابق إبراهيم شمس الدين أن «لدى مجلس الوزراء آلية كاملة للتعيينات الإدارية، وبالتالي عليه إما مراجعتها أو اعتمادها»، مشيرا إلى أنه «في ظل حكومة وحدة وطنية على كل وزير أن يكون شريكا بالتعيين، ويجب ألا تكون هنالك محاصصة واستتباع». وأكد أنه فسر لوزير التنمية الإدارية محمد فنيش خلال التسلم والتسليم حيثيات هذا الملف، لافتا إلى أن «الوزير فنيش كان منذ الحكومة الماضية متجاوبا في هذا الموضوع». وردا على سؤال حول إمكانية اعتماد أسلوب السلة الكاملة لإقرار التعيينات كافة دفعة واحدة، قال: «بوجود 35 موقعا شاغرا في الإدارة العامة يصعب اعتماد طريقة (السلة الكاملة)»، وكشف في هذا الإطار عن وجود 26 موظفا من خارج الإدارة الرسمية في هذه الإدارات في الوقت الذي لا يسمح القانون إلا بـ7 أشخاص كحد أقصى..

وتعاني الإدارة اللبنانية من شغور هائل في ملاك موظفيها، وما بقي منهم يبلغ معدل أعمارهم نسبا مرتفعة جدا بحيث تدنت إلى حد كبير قدراتهم الإنتاجية، والشواغر لا تشمل الفئة الأولى فقط التي يقدر عدد الوظائف الشاغرة فيها بـ58 من أصل 144، وإنما يمتد إلى الفئتين الثانية والثالثة، وهي فئات ملء شواغرها من صلاحية مجلس الخدمة المدنية والوزارات المختصة، خلافا للفئة الأولى المنوطة حصرا بمجلس الوزراء، والمقيدة قانونا بالمناصفة بين المسيحيين والمسلمين، والتوزيع النسبي داخل كل طائفة، بالإضافة إلى التوزيع «بالتحاصص» بين القيادات السياسية والقوى الفاعلة في مجلس الوزراء. علما أن ضيفا جديدا سيحل على هذا النظام هذه المرة هو رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون الذي نقل عنه أنه يريد 50 في المائة من المناصب المسيحية التي سيتم فيها تعيين موظفين جدد، باعتبار أن عون كان خارج الحكم خلال سنوات ما بعد الطائف والجمهورية الثانية التي انطلقت في عام 1992. أما البطريرك الماروني فقد نادى أمس بضرورة انضمام مزيد من المسيحيين إلى الجيش، وفي عظة قداس الأحد قال صفير: «ننتهزها فرصة لنلفت النظر إلى حاجة الجيش إلى من ينخرط في صفوفه من المسيحيين ليبقى على توازنه، ومن واجب جميع اللبنانيين أن يدافعوا عن وطنهم، فإذا هم لم يدافعوا عنه فلن يدافع عند أحد».

وقد درجت العادة في لبنان على اعتماد مناصب معينة لكل طائفة، فتنال الطائفة المارونية مثلا منصب قائد الجيش وحاكم مصرف لبنان ومديرية الأمن العام (التي انتقلت إلى الشيعة منذ بدء ولاية الرئيس السابق إميل لحود. وتعود المناصب الشاغرة طائفيا إلى السنة (9 مناصب) والموارنة (7 مناصب) والشيعة (6 مناصب) والأرثوذكس (3 مناصب) والكاثوليك (منصبان)، وواحد للدروز وواحد للأرمن الكاثوليك.

وتقدر نسبة الشواغر في الإدارة العامة بنحو 75 في المائة وفقا لتقارير غير رسمية، وقد عالجت الإدارات الرسمية هذا الأمر بإسناد المنصب بالوكالة أو بالتكليف إلى شخص ما لتسيير الأعمال الملحة فقط. ويصيب الشغور 35 منصبا في الوزارات بينها 20 منصب مدير عام وأربع محافظين، أما الشغور في المؤسسات الرسمية الأخرى فيطال 21 مركزا بينها 7 مراكز لمديرين عامين، ومن أبرز الشواغر 4 مناصب في المديرية العامة لرئاسة الجمهورية، ومثلها في المديرية العامة لرئاسة مجلس الوزراء، ومنصب في مجلس الخدمة المدنية، و3 مناصب في التفتيش المركزي، ومنصبان في الهيئة العليا للتأديب، ومنصب في وزارة الخارجية وتعاني وزارة الداخلية من شغور خمسة مناصب بينها محافظو بيروت، جبل لبنان، عكار وبعلبك - الهرمل. وفي وزارة الشؤون الاجتماعية يوجد شغور في منصب واحد، ومنصبان في وزارة الأشغال، ومنصب في وزارة التربية، ومنصبان في وزارة الاقتصاد، وسبعة مناصب مديرين عامين في وزارات الزراعة والاتصالات والعمل والطاقة والمهجرين والصناعة. ويعاني مصرف لبنان من شغور في مناصب نواب الحاكم الأربعة، كذلك تلفزيون لبنان والمصلحة الوطنية لنهر الليطاني. وشدد وزير الدولة عدنان السيد حسين المقرب من رئيس الجمهورية على ضرورة «تفعيل أجهزة الرقابة»، داعيا الرأي العام إلى «عدم الصمت»، معتبرا أن «هناك حلقة مفقودة اسمها الرأي العام». ورأى أن «الإصلاح يبدأ من فوق، ومن ثمّ نزولا وليس العكس، كما أنه لا يجب أن يكون هناك تأخير في التعيينات لأن هناك شواغر في مواقع مهمة وكثيرة»، وأضاف: «علينا أن لا نخاف من الإصلاح، لأن هناك فسادا والكل معترف بذلك».

وإذ أكد السيد حسين أن «التوافق الحاصل في مجلس الوزراء يبنى عليه في المرحلة المقبلة، وأن قمة التوافق هو أن يكون في الشارع وعند الرأي العام»، وختم مشددا على أن «المناصفة محكومون بها قانونا، وهي تتم في مراكز الفئة الأولى، والكل سيتمثل في التعيينات الإدارية ولا أحد يجب أن يخاف على تمثيله».